الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وجه ذلك أنه بلَّغ اليهود ودعاهم إلى الإسلام والاعتصام به "(1) وكان بعد هجرته صلى الله عليه وسلم يشترط على كل من يسلم الهجرة إلى المدينة فما الحكمة في هذا الاشتراط؟
يشير ابن حجر إلى الحكمة في ذلك فيقول: " كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع "(2) فدل على أن الهجرة كانت عينًا على كل من أسلم قبل الفتح لنصرة الإسلام وإكثار سواد المسلمين (3) فلما فتح الله مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا سقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية (4) قال صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية. . .» (5) أي: لا هجرة إلى المدينة، أما أصل الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فهذا قائم إلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها (6) .
[ثانيا دعوة المسلمين]
ثانيا: دعوة المسلمين: كما كان صلى الله عليه وسلم يدعو طيلة العهد المكي إلى الإسلام فقد كان طيلة هذا العهد يربي من يدخل في الإسلام التربية الإيمانية الحقة، فقد استطاع صلى الله عليه وسلم
(1) ابن حجر، فتح الباري 15 / 253.
(2)
ابن حجر: فتح الباري 6 / 122.
(3)
انظر: ابن حجر، فتح الباري 6 / 120.
(4)
ابن حجر، المرجع السابق 6 / 121.
(5)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية، (60 ح 2670) 3 / 1040.
(6)
ابن حجر، فتح الباري 8 / 635.
في هذه الفترة أن يربي عددًا من أصحابه ويكون منهم جماعة متميزة بعقيدتها وسلوكها وهدفها في الحياة، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويطهرهم من أخلاق الجاهلية وعاداتها بترسيخ الإيمان في نفوسهم تدريجيا كلما نزل شيء من القرآن قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2](1) وقال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164](2) وقد بينت كتب السيرة اهتمامه صلى الله عليه وسلم البليغ بتربية من استجاب للدعوة والعمل على تزكيتهم وتربيتهم على هدى الإسلام، لبناء قاعدة إسلامية صلبة للدولة المسلمة، وذلك عن طريق تعليمهم دينهم وتطبيق الإسلام في حياتهم، وتعميق معاني الإخوة فيما بينهم وحثهم على تحمل الأذى، والصبر في سبيل الدعوة (3) يدل على ذلك ما رواه البخاري عن خباب بن الأرت قال:«شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. . .» الحديث (4) فدل الحديث على عنايته
(1) سورة الجمعة، الآية:2.
(2)
سورة آل عمران، الآية:164.
(3)
انظر: محمد أبو الفتح البيانوني، المدخل إلى علم الدعوة ص83.
(4)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (ك 65ح 3416) 3 / 1322.
صلى الله عليه وسلم بتعليمهم وتأديبهم وإعدادهم (1) .
فكان من خريجي هذه المدرسة النبوية العظيمة من قام بواجب الدعوة والتبليغ خير قيام أمثال جعفر بن أبي طالب ومصعب بن عمير وغيرهما رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وبعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم تنقطع هذه التربية فاتخذ صلى الله عليه وسلم المسجد مقرا لدعوته حيث يلتقي أصحابه يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم ما شرع الله لهم من الشرائع ويحثهم على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2) مهتديا بقوله سبحانه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41](3) .
وكان عليه الصلاة والسلام يتخولهم بالموعظة خشية السآمة يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن مسعود قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا» (4) ويبين ابن حجر فائدة مهمة في هذا الحديث فيقول: " وفيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر ولا ملل "(5) .
(1) انظر: علي بن جابر الحربي، منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية، ص 399.
(2)
انظر: محمد الشديد، منهج القرآن في التربية، ص 11.
(3)
سورة الحج، الآية:41.
(4)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الموعظة ساعة بعد ساعة (ك 83 ح 6048) 5 / 2355.
(5)
ابن حجر، فتح الباري 12 / 532.