الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزِّيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظاً وثبتاً على من دونه» (1) .
وقال الذهبي: «وإن كان الحديث قد رواه الثَّبت بإسناد، أو وقفه أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه، فالعبرة بما اجتمع عليه الثِّقات، فالواحد قد يغلط
…
» (2) .
وقال الصَّنعاني: «الملاحظ القرائن. والكثرة أحد القرائن» (3) .
وهذه القرينة إنما تفيد إذا كانت الرواة محتجاً بهم من الطرفين (4) المختلفين، أما مع الضعف فالأمر يحتاج إلى قرائن أخرى.
2. الحفظ:
وهذه القرينة - أيضاً - تعدُّ من أهم القرائن في التَّرجيح بين الرِّوايات المختلفة، ويشمل الحفظ هنا حفظ الصدر، وحفظ الكتاب.
أما حفظ الصدر (5)، فقال ابن رجب: «قاعدة: إذا روى الحفَّاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد، وانفرد واحد منهم بإسناد آخر، فإن كان المنفرد ثقة حافظاً فحكمه قريب من حكم زيادة الثِّقات في الأسانيد والمتون
…
» ، قال:«ويقوى قبول قوله إن كان المرويُّ عنه واسع الحديث يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة كالزُّهري والثَّوري وشعبة والأعمش» (6) .
(1) النكت لابن حجر (2/689) ، والنص ورد في سؤالات السلمي (435) بنحوه.
(2)
الموقظة (ص52) .
(3)
توضيح الأفكار (1/344) .
(4)
قاله الزيلعي في نصب الراية (1/360) .
(5)
يأتي ذكر حفظ الكتاب (ص45) .
(6)
شرح العلل (2/719) .
وهنا اختلف الحفَّاظ في بعض الأحاديث قبولاً ورداً، لأجل اعتبار هذا الأمر، فقال ابن رجب بعد ذلك: «وقد تردَّد الحفَّاظ كثيراً في مثل هذا، هل يردُّ قول من تفرد بذلك الإسناد لمخالفة الأكثرين له؟ أم يقبل قوله لثقته وحفظه.
ومثَّل رحمه الله لذلك بحديث ميمونة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة إذا وقعت في السَّمن.
حيث رواه أصحاب الزُّهري عنه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ميمونة. كذا رواه مالك وابن عيينة والأوْزاعي.
وخالفهم معمر، رواه عن الزُّهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة.
قال ابن رجب: «فمن الحفَّاظ من صحَّح كلا القولين، ومنهم الإمام أحمد ومحمد بن يحيى الذُّهليُّ وغيرهما، ومنهم من حكم بغلط معمر لانفراده بهذا الإسناد، منهم البخاريُّ» (1) .
ووافقه على اختياره التِّرمذيُّ في الجامع حيث قال عن رواية معمر: «غير محفوظ» ، ثم نقل قول البخاريِّ: «أخطأ فيه معمر. والصَّحيح حديث الزُّهريِّ عن عبيد الله
…
» (2) . كما وافقهم أبو حاتم الرَّازيُّ على ذلك (3) .
(1) شرح العلل (2/722) .
(2)
الجامع للترمذي (1798) والعلل الكبير (2/758-ترتيبه) .
(3)
العلل لابنه (2/12) .
وقال الدَّارقُطني في حديث: «وعند الزهري فيه أسانيد أخرى صحاح» ، ثم ذكر جملة منها (1) .
والذي يظهر أن سعة رواية المحدِّث الحافظ كالزُّهري وقَتادة - مثلاً - قرينة خاصة - كما سيأتي - تدلُّ على صحة الوجهين عنه، ومخالفة الرَّاوي الواحد لجماعة من الثِّقات الحفَّاظ، قرينة عامة أقوى منها، تدلُّ على وهم الوجه الذي أتى به عنه، فَيُحتاج إلى قرينة أخرى تسند ما قاله.
ومما يعضد رواية الجماعة أنَّ الَّليث رواه عن الزُّهري عن سعيد مرسلاً - كما ذكر الإسماعيليُّ (2) - فلعلَّ مَعْمَراً وهِم فزاد أبا هريرة.
وأكثر مسائل علم العلل دخولاً في هذه القرينة: زيادة الثِّقات.
هل تقبل مطلقاً، أم تردُّ مطلقاً، أم يفصَّل في ذلك، ومن أين يؤخذ هذا التَّفصيل ومن المعتبر قوله في هذا الأمر. آلمحدِّثون أم الفقهاء والمتكلمون من الأصوليين.
يعدُّ الشَّافعي من أوائل من قعَّد لهذه المسألة حيث قال: «ويكون إذا شرك أحداً من الحفَّاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه - وُجِدَ حديثه أنقصَ - كانت هذه دلائل على صحَّة مخرج حديثه» (3) .
قال ابن عبد الهادي معقِّباً على ذلك: «وهذا دليل من الشافعيِّ رحمه الله على أن زيادة الثِّقَة عنده لا يلزم أن تكون مقبولةً مطلقاً كما يقوله كثير
(1) العلل (1/44) .
(2)
فتح الباري (9/826) ، عند حديث (5538) .
(3)
الرسالة (1272) .
من الفقهاء من أصحابه وغيرهم، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه، ولم يعتبر المخالف بالزِّيادة، وجعل نقصان هذا الرَّاوي من الحديث دليلاً على صحَّة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضرَّ ذلك بحديثه، ولو كانت الزِّيادة عنده مقبولة مطلقاً لم يكن مخالفته بالزِّيادة مضراً بحديثه» (1) .
وقال الشافعي أيضاً: «إنَّما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه، أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ، وهم عدد وهو منفرد» (2) .
وقال ابن حجر معقباً على كلامه: «فأشار إلى أن الزِّيادة متى تضمَّنت مخالفةَ الأحفظ أو الأكثر عدداً أنها تكون مردودة» (3) .
وحيث إنَّ هذه المسألة من أهم مسائل علم العلل، فإنَّ نقل كلام علماء الحديث وعلله مما يزيد الأمر وضوحاً، فمن المفيد جداً ذكر شيءٍ من ذلك نظرياً وعملياً.
أما النَّظري فمن ذلك:
ما قاله أبو زرعة الرَّازي: «إذا زاد حافظ على حافظ قُبِلَ» (4) .
وقال أيضاً: «حديث أبي إسحاق عن جرير مرفوع أصح من
(1) الصارم المنكي (ص100) .
(2)
اختلاف الحديث (ص294) .
(3)
النكت لابن حجر (2/688) .
(4)
العلل لابن أَبي حاتم (1/318و2/302) .
موقوف، ولأن زيد بن أبي أنيسة أحفظ من مغيرة بن مسلم» (1) .
وقال مسلم: «والحديث للزائد الحافظ» (2) . وقال أيضاً: «والزِّيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفَّاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم» (3) .
وقال التِّرمذي: «وربَّ حديث إنَّما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنَّما يصح إذا كانت ممن يعتمد على حفظه
…
» (4) .
وقال أبو زرعة: «زيادة الحافظ على الحافظ تقبل» (5) .
وقال البزَّار: «زيادة الحافظ مقبولة إذا زادها على حافظ، فإنَّما زادها بفضل حفظه» (6) .
وقال ابن طاهر: «إن الزِّيادة إنَّما تقبل من الثِّقة المجمع عليه» (7) .
(1) العلل لابن أَبي حاتم (1/267) .
(2)
التمييز (ص199) .
(3)
التمييز (ص189) وشرح العلل (1/435) .
(4)
العلل الصغير بشرح ابن رجب (1/418) .
(5)
العلل لابن أبي حاتم (2/302) .
(6)
البحر الزخار (1/54) .
(7)
النكت لابن حجر (2/693) .
(8)
القراءة خلف الإمام للبيهقي (316) .
وقال ابن المنذر: «والحافظ إذا زاد في الحديث شيئاً فزيادته مقبولة» (1) .
وقال ابن عبد البر في كلام له: «
…
ليست حجَّة، لأنَّ الذي لم يذكره أحفظ، وإنَّما تقبل الزِّيادة من الحافظ المتقن» (2) .
وقال أيضاً: «إنَّما تقبل الزِّيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله» (3) .
وقال ابن عبد الهادي بعد سياق الاختلاف: «والصَّحيح التَّفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الرَّاوي الذي رواها ثقة حافظاً متقناً، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثِّقَة
…
» (4) .
وخالف في تقريراتهم كثير من مقلِّدة الفقهاء ومتكلِّمة الأصوليين فقالوا: «تقبل زيادة الثِّقة مطلقاً، مالم تخالف (5) رواية من هو أولى» .
ولا يعني هذا أنه لم يقع - تنظيراً - بعضُ كبار المحدِّثين فيما وقع فيه المتكلِّمون والأصوليون، من نقل أقوالهم على أنَّها مذاهب معتمدة وهي لا تعرف إلا عنهم. فإنَّ علم الكلام قد أثَّر على كثير من متأخري علماء هذه الأمة.
(1) الأوسط (2/270)، وعنده: والحفاظ
…
(2)
التمهيد (6/5-6) .
(3)
التمهيد (3/306) .
(4)
نصب الراية (1/336) .
(5)
تقدم (ص 33) أن تفسيرهم للمخالفة أخص من تفسير المحدثين.
قال ابن رجب في تقرير ذلك: «وكلام أحمد وغيره من الحفَّاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ أيضاً» ، قال: «وقد صنَّف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفاً حسناً سمَّاه: "تمييز المزِيد في متصل الأسانيد"، وقسمه قسمين:
أحدهما: - ما حكم فيه بصحة ذكر الزِّيادة في الإسناد، وتركها.
والثاني: - ما حكم فيه بردِّ الزِّيادة وعدم قبولها.
ثم إنَّ الخطيب تناقض، فذكر في كتاب "الكفاية" للنَّاس مذاهب في اختلاف الرُّواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحدٍ من متقدمي الحفَّاظ، وإنَّما مأخوذة من كتب المتكلِّمين. ثم إنه اختار أن الزِّيادة من الثِّقة مقبولة مطلقاً كما نصره المتكلِّمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرُّفه في كتاب "تمييز المزِيد". وعاب تصرُّفَهُ في كتاب "تمييز المزِيد" بعضُ محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب "الكفاية"» ، ثم قال: «
…
ومن تأمَّل كتاب البخاريِّ تبيَّن له - قطعاً - أنَّه لم يكن يرى زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة، وهكذا الدَّارقطني. فدلَّ على أنَّ مرادهم زيادة الثِّقَة في مثل تلك المواضع الخاصَّة، وهي إذا كان الثِّقة مبرزاً في الحفظ» (1) .
ولكثير من المتكلِّمين والفقهاء وبعض المتأخِّرين المنتسبين لعلم الحديث ممَّن خالف المحدِّثين في منهجهم في العلل عموماً وفي زيادة الثِّقات خصوصاً حججٌ مأخوذة من علم الكلام لا تنطبق على منهجهم الاستقرائي الواقعي.
(1) شرح العلل (1/427-429) .
فمن ذلك:
1.
قولهم أن الزَّائد معه زيادة علم، ومن حفظ حجَّة على من لم يحفظ.
والجواب: أن ما ذكر ليس هو موطن النِّزاع، لأنَّه صحيح عند ثبوت الزِّيادة عن الرَّاوي المختلف عليه، أما مع قرينة الاختلاف فهذا ما ينازع فيه المحدِّثون، فيقال إنَّ الزِّيادة لم تثبت أصلاً ليقال ما ذكروه.
بل إنَّ في قولهم تناقضاً لأنهم «شرطوا في الصَّحيح ألا يكون شاذاً، وفسَّروا الشُّذوذ بأنه ما رواه الثِّقة، وخالفه من هو أضبط، وأكثر عدداً، ثم قالوا: تقبل الزِّيادة مطلقاً. فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عدداً، أو أضبط حفظاً أو كتاباً على من وصل. أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمُّونه شاذاً أم لا؟ والحقُّ في هذا أنَّ زيادة الثِّقة لا تقبل دائماً» (1) .
2.
قولهم عمَّن وقف الحديث إنه رأي للرَّاوي، وأن الواقف قد قصر في حفظه أو شكَّ في رفعه.
وجوابه أَنَّ هذا «مقابل بمثله، فيترجَّح الوقف بتجويز أن يكون الرَّافع تبع العادة، وسلك الجادَّة. وهذا إذا كان للمتن إسناد واحد، أما إذا كان له إسنادان منفصلان تماماً، فلا يجري فيه هذا الخلاف غالباً» (2) .
3.
قولهم: إن الرَّاوي: «إذا كان ثقةً وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولاً، فكذلك انفراده بالزِّيادة. وهو احتجاج مردود، لأنه ليس كلُّ حديث تفرد به أي ثقة - كان - يكون مقبولاً. ثم إن الفرق بين تفرُّد الرَّاوي
(1) النكت لابن حجر (2/612-613) .
(2)
النكت لابن حجر (2/610-611) .
بالحديث من أصله وبين تفرُّده بالزِّيادة ظاهر، لأن تفرُّده بالحديث لا يلزم منه تطرُّق السَّهو والغفلة إلى غيره من الثِّقات إذ لا مخالفة لهم، بخلاف تفرُّده بالزِّيادة إذا لم يروها من هو أوثق وأكثر عدداً، فالظنُّ غالب بترجيح روايتهم على روايته، ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن» (1) .
قال ابن حجر مبيناً هذه المسألة: «والحقُّ في هذا أن زيادة الثِّقة لا تقبل مطلقاً دائماً، ومن أطلق ذلك من الفقهاء والأصوليين فلم يصب، وإنَّما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف، ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظاً أو معنى» (2) .
وقال أيضاً: «تفرُّد واحد عنه بها - أي الزِّيادة - دونهم مع توفر دواعيهم على الأخذ عنه، وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقُّف عنها» (3) .
وقد تقدَّم قول ابن عبد الهادي: «
…
وتقبل في موضع آخر لقرائن
(1) النكت لابن حجر (2/690-691) .
(2)
النكت لابن حجر (2/613) .
(3)
النكت لابن حجر (2/692) .
(4)
الأجوبة المرضية (1/201) .
تخصُّها، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم» (1) .
أما العملي فمن ذلك:
ردُّ جماعةٍ من حفَّاظ الحديث زياداتٍ - في الأسانيد وفي المتون - لرواةٍ ثقاتٍ، ولم يردْ عن هؤلاء الحفَّاظ - عند الاختلاف - احتجاج بحجج المتكلِّمين وغيرهم، بل إذا قبلوها فذلك لمكان من زادها من الحفظ والعدد وغير ذلك من القرائن، فكلُّ حديث أعلُّوه بالإرسال أو الوقف هو ردٌّ لزيادة في السَّند، وهو متواتر في كتبهم.
ومن ذلك ردُّ البخاريِّ زيادةً لشعبة عن سلمة بن كهيل فقال: «وزاد فيه علقمة، وليس فيه» (2) .
وقال أبو داود: «سمعت أحمد وقد ذكرت له ما زاد هشيم - في حديث عبيد ابن عمير عن عمر في المفقود - على يحيى بن سعيد، فقال: يحيى أحفظ من هشيم» (3) .
وقال الآجري: «سمعت أبا داود يقول: حماد بن سلمة وهم فيه، زاد: "وأبوالها"» (4) .
وقال ابن منده في حديث: «رواه جماعة عن أبي الأحوص وفيه زيادة أنَّ الحمار يقال له: عفير، ورواه أبو مسعود عن أبي داود عن شعبة وفيه هذه
(1) نصب الراية (1/336) .
(2)
التاريخ الكبير (3/73) .
(3)
سؤالات الآجري (ص345) .
(4)
سؤالات الآجري (439) .
الزِّيادة، وهو وَهْمٌ» (1) .
وقال ابن عمَّار الشهيد: «حديث سليمان التَّيمي عن قَتادة عن أبي غلاب حديث أبي موسى وفيه من الزِّيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا"
…
وقوله: "وإذا قرأ فأنصتوا" هو عندَنا وهم من التَّيمي
…
» (2) .
وفي مقابل ذلك قبول بعض الحفَّاظ لزيادة الضعيف، لأنَّ النَّقص أسهل.
قال ابن أبي حاتم لأبيه: «لِمَ حكمت برواية ابن لهيعة؟ فقال: لأن في رواية ابن لهيعة زيادة رجل، ولو كان نقصان رجل كان أسهلَ على ابن لهيعة حفظُهُ» (3) .
إلا أن هذه القرينة ربما أهملت لأسباب أخرى يراها الناقد، فلا يعترض على الحافظ في ترجيحه إذا كان على أصل ثابت وله فيه حجة مسلوكة، وإن كان قوله في حديث معين مرجوحاً.
قال ابن معين مرجحاً من هو أقل حفظاً: «القول قول مستلم بن سعيد، وصحَّف شعبة» (4) .
وقال النسائي في حديث: «قَتادة أثبت وأحفظ من أشعث، وحديث أشعث أشبه بالصواب» (5) .
(1) الإيمان لابن منده (108) .
(2)
العلل لابن عمار (ص73) .
(3)
العلل لابن أَبي حاتم (1/171) .
(4)
رواية الدوري (4849) .
(5)
الصغرى (6/59) .
وأما حفظ الكتاب (1) ، فإن الكتابة من أهم وسائل الضَّبط والإتقان، وبدونها وقع كثير من المحدِّثين في الوهم والخطأ.
فإذا اختلف راويان فأكثر على شيخ، نظر فيمن كان يكتب عنه، فإذا وجد، كان جانبه أقوى من هذه الحيثية.
قال أحمد عن عبيد الله الأشجعي الكوفي: «كان يكتب في المجلس، فمن ثَمَّ صحَّ حديثه» (2) ، وتعليله هنا كالنصِّ على القرينة، لذا قال ابن معين عنه بأنه أعلم النَّاس بسفيان الثَّوريِّ من أهل الكوفة (3) .
ومن دلائل هذه القرينة قول ابن المبارك: «إذا اختلف النَّاس في حديث شعبة، فكتاب غُنْدَر حكم بينهم» .
وذكر ابن خِراش عن الفلاس قوله: «كان يحيى وعبد الرحمن ومعاذ بن خالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث شعبة، رجعوا إلى كتاب غُنْدَر، فحكم بينهم» .
ولذا أصبح من أقلِّ أصحاب شعبة خطأً كما قال الإمام أحمد.
وقدَّمه أبو زرعة - في حديث - على اثنين، هما أبو داود الطَّيالسي ويحيى بن زكريا، خالفاه في شعبة (4) .
ومما ذكر في أوهامه النادر عنه قول أبي حاتم: «هذه الزِّيادة التي زاد
(1) هذا عطف على حفظ الصدر الوارد (ص37) .
(2)
تاريخ بغداد (10/312) .
(3)
تاريخ بغداد (10/312) والتهذيب (3/20) .
(4)
العلل لابن أَبي حاتم (1/25) .
غُنْدَر عن شعبة في الإسناد، ليس بمحفوظ» (1) .
ومن شواهد الاعتماد على الكتاب، الخلافُ على الَّليث بن سعد في حديث، أهو عن سعد بن مالك مرفوعاً أم سعيد بن أبي سعيد مرسلاً؟ قال أبو زرعة:«في كتاب الليث في أصله: سعيد بن أبي سعيد، ولكنْ لُقِّنَ بالعراق: عن سعد» (2) .
وقال يزيد بن هارون: «أدركت البصرة وإذا اختلفوا في حديث، نطقوا بكتاب عبد الوارث» (3) .
وقال منصور: «قلت لإبراهم النخعي: مالسالم بن أبي الجعد أتمَّ حديثاً منك؟ قال: لأنه كان يكتب» (4) .
وقال أبو حاتم: «وأما الحفَّاظ وأصحاب الكتب فكانوا يميِّزون كلام الزُّهري من الحديث» (5) .
وقال أيضاً مرجحاً بالكتاب: «مالك صاحب كتاب» (6) .
وهذا أحمد يرجِّح بسبب الكتابة.
قال أبو طالب لأحمد: «من أحبُّ إليك، يونس أو إسرائيل في أبي
(1) الجرح لابن أَبي حاتم (3/507) والعلل أيضاً (1/428) .
(2)
العلل لابن أَبي حاتم (1/188) .
(3)
التمييز (ص178) ، وعبد الوارث هو ابن سعيد.
(4)
علل الترمذي (1/153-الشرح) .
(5)
العلل لابن أَبي حاتم (2/30) .
(6)
العلل لابن أَبي حاتم (1/32) .