الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - طرق معرفة علة الحديث:
هذا المبحث من أهم المواضيع في علم العلل، لأنه الثَّمرة والُّلب في تلك الدِّرَاسَة، وهو كذلك من أصعب مسائله.
وقبل الحديث عنه يستحسن معرفة سبب إعلال الأئمة للحديث.
والجواب عنه بأن السبب الباعث على إعلالهم للمرويات التي ظاهر سندها الصحة هو: "الغرابة".
وسبب هذا الاستغراب أمران هما: - المخالفة والتفرد.
ولذا اشتد نكير المحدثين على من اعتمد أو تتبع الأحاديث الغرائب والأفراد والفوائد، لتضمن أكثرها المعلَّ من الأحاديث.
قال أحمد: «إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون هذا الحديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث» .
وقال أيضاً: «تركوا الحديث، وأقبلوا على الغرائب، ما أقلَّ الفقه فيهم» .
وقال أيضاً: «شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها» (1) .
وقال ابن معين: «ما أكذب الغرائب» (2) .
(1) الكفاية (ص172) .
(2)
رواية الدوري (541) .
فالمخالفة والتفرد تستدعي استغراب العالم، والغرابة تدل على بعض المخالفة. سواء كانت في السند أو المتن.
وأهم الأسباب التي قد تذكر في أسباب الإعلال راجعة - فيما يظهر لي - إلى سبب واحد هو المخالفة، وينشأ عنها كثيراً لا دائماً: التفرد، فبالاهتمام بهما، يتمكن المرء من دراسة تعليلات العلماء ومعرفة علة الحديث وطريقة ذلك.
وطريقة معرفة علة الحديث إجمالاً تعتمد على أمور ثلاثة:
1-
جمع طرق الحديث المختلفة بتوسع عند الحاجة.
2-
تحديد مدار الخلاف على من يكون، والنَّظر في كل رواية هل فيها خلاف آخر. والنَّظر في حال رواتها وبلدانهم واختصاصهم بالرَّاوي المختلف عليه. قال ابن حجر:«مدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف» (1) ، ويتنبه إلى التأكد من سلامة المرويات جملة، وأن الاختلاف على أصحاب المدار غير مؤثر في أصل الخلاف، وإلا احتاج إلى دراسة مستقلة.
3-
التَّرجيح بين الرُّواة أو الجمع بين رواياتهم على أسس علمية وقواعد منهجية مستنبطة من صنيع علماء العلل السَّابقين فحسب، دون نظر إلى قواعد المنطق واحتمالات العقل.
وإلى هذا أشار الخطيب البغدادي بقوله: «والسَّبيل إلى معرفة علة الحديث:
(1) النكت (2/711) .
1-
أن تجمع بين طرقه.
2-
ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضَّبط» (1) .
أما الأمر الأول: - فمن شواهده من كلام المحدِّثين السَّابقين قول ابن المبارك: «إذا أردت أن يصحَّ لك الحديث، فاضرب بعضه ببعض» (2) .
وقال أحمد: «الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه
…
» (3) .
وقال ابن المديني: «الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه» (4) .
وقال ابن معين: «اكتب الحديث خمسين مرةً، فإن له آفاتٍ كثيرة» .
وقال أَيضاً: «لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه» (5) .
(1) الجامع للخطيب (2/452) .
(2)
الجامع للخطيب (2/452) .
(3)
المجروحين لابن حبان (1/33) والجامع للخطيب (2/315) .
(4)
الجامع للخطيب (2/316) .
(5)
المجروحين لابن حبان (1/33) والضعفاء لابن شاهين (ص42) والجامع للخطيب (2/315) والإرشاد للخليلي (2/595) .
(6)
تأتي قصة تدل على هذا التقعيد (ص 28) .
(7)
المجروحين لابن حبان (2/32) ، وأعلها الذهبي بالانقطاع - السير (7/456) .
وقال أبو حاتم: «لو لم نكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه» (2) .
وهذه القصة على طولها تدلُّ على ما ذكر من النَّظر إلى مَن أخطأ ومَن أُخْطِئَ عليه. قال عبد الرحمن بن مهدى: «ما رأيت صاحب حديث أحفظ من سفيان الثَّوري حدَّث يوماً عن حماد بن أبى سليمان عن عمرو بن عطيَّة عن سلمان الفارسي قال: البصاق ليس بطاهر. فقلت: يا أبا عبد الله هذا خطأ! فقال لي: كيف! عمَّن هذا؟ قلت: حمَّاد عن ربعي عن سلمان. قال: من يحدَّث به عن حماد؟ قلت: حدثنيه شعبة عن حمَّاد عن ربعي، قال: أخطأ شعبة فيه ثم سكت ساعة، ثم قال: وافق شعبة على هذا أحد، قلت، نعم، قال: من؟ قلت: سعيد بن أبى عروبة وهشام الدَّسْتَوائي وحمَّاد بن سلمة، فقال: أخطأ حماد هو حدثني عن عمرو بن عطيَّة عن سلمان، قال عبد الرحمن: فوقع في نفسي، قلت: أربعة يجتمعون على شيء واحد. يقولون عن حماد عن ربعي، فلما كان بعد سنة أخرى سنة إحدى وثمانين ومائة أخرج إليَّ غندر كتاب شعبة فإذا فيه عن حماد عن ربعي،
(1) الجامع للخطيب (1576) .
(2)
فتح المغيث (2/370) .