الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
الناس بالنسبة إلى الهدى ثلاث طبقات
ومن أبشع خطئه الواضح وسوء قصده الفاضح ما ذكره بقوله: فهذه كلها أحاط الأئمة الأربعة وأصحابهم بأطرافها وما تركوا فيها زيادة لمستزيد حال كون أئمة الحديث ما تعرضوا لشيء منها البتة بل سردوا الأحاديث سرداً في أبوابها على علاتها فإذا وجدتم حديثاً في البخاري أو غيره في مسألة مثله في موطأ مالك مثلاً أحدهما فيه تشديداً والثاني فيه ترخيص لكم في معرفة الناسخ فترجحوه على المنسوخ وهكذا في سائر الأقسام التي تتوقف صحة الحكم على معرفتها وأنتم لا تجدون في كتب الحديث بياناً ولا إشارة تهديكم إلى الصواب، إلى آخره، وهذه فيه من الجرأة والظلم والكذب ما يفيده شدة غباوة هذا المعترض وعداوته لأئمة الحديث وتنقصه لهم واهتضامه لمقامهم الأسنى ومنصبهم الأعلى الذي يتقاصر عنه المتطاول ويخسر دونه في مهامه الغي كل غوي وجاهل ولعمري إن أئمة الحديث قد أحاطوا بها علماً وفصلوا أحكامها حكماً فحكماً وبيان ذلك بما ذكره شمس الدين ابن القيم –رحمه الله فقال في كتابه "الوابل الصب في الكلم الطيب" وفي الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال:"مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منهاطائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به"، فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات الطبقة الأولى ورثة الرسل والأنبياء
عليهم الصلاة والسلام وهم الذين قاموا بالدين علماً وعملاً ودعوا إلى الله عز وجل ورسوله –صلى الله عليه وسلم فهؤلاء أتباع الرسل صلوات الله عليهم وسلامه حقاص وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير فزكت في نفسها وزكى الناس بها وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الأنبياء صلى الله عليه وسلم الذين قال الله تعالى فيهم {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} الإبصار في دين الله عز وجل فبالبصائر يدرك الحق ويعرف وبالقوى يتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم والفقه في الدين والبصر بالتأويل ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها وزرعت فيها فهماً خاصاً كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه وقد سئل: هل خصكم رسول الله –صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن الطبقة الثانية فإنها حفظت النصوص وكان همها حفظها وضبطها فوردها الناس وتلقوها منهم فاستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها وغوامضها وأسرارها واتجروا فيها وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات ووردوها كل بحسبه قد علم كل أناس مشربهم وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم "نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن مقدار ما سمعه من النبي –صلى الله عليه وسلم نحو العشرين حديثاً الذي يقول فيه سمعت ورأيت وسمع الكثير من الصحابة وبورك له في فهمه والاستنباط منه حتى ملأ الدنيا علماً وفقهاً
قال أبو محمد بن حزم وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها وإلا فعلم ابن عباس كالبحر وفقهاً قال أبو محمد بن حزم وجمعت فتاويه في سعة أسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها وإلا فعلم ابن عباس كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس وقد سمع كما سمعوا وحفظ القرآن كما حفظ ولكن أرضه كانت من أطيب الاراضي وأقبلها للزرع فبذر فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسير واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره وأبو هريرة أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درساً فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها؟ وهكذا الناس بعده قسمان: قسم حفاظ معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه، وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه فيها فالأول كأبي زرعة وأبي حاتم وابن دارة وقبله كبدار محمد بن بشار وعمرو الناقد وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد بن جعفر غندر وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم من أهل الحفظ والإتقان والضبط لما سمعوه من غير استنباط في تصرف واستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص والقسم الثاني كمالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق والإمام أحمد بن حنبل والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية فهاتان الطائفتان وهما أسعد الخلق بما بعث الله تعالى به رسوله –صلى الله عليه وسلم وهم الذين قبلوه ورفعوا به رأساً، وأما الطائفة الثالثة وهم أشقى
الخلق الذين لم يقبلوا هدى الله ولم يرفعوا به رأساً ولا حفظ ولا فهم ولا رواية ولا دراية ولا رعاية، فالطبقة الأولى أهل رواية ودراية، والطبقة الثانية أهل رواية وعاية ولهم نصب من الدراية بل حظهم من الرواية أوفر، والطبقة الثالثة الأشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وهم الذين يضيقون الديار ويغلون الأسعار إن همة أحدهم إلا بطنه وفرجه فإن ترقت همته فوق كان همه مع ذلك لباسه وزينته فإن ترقت همته فوق ذلك كان في داره وبستانه ومركوبه وإن ترقت همته لما فيه رياسة والانتصار للنفس الغضبية قد ارتفعت همته عن نصرة النفس الكلبية إلى نصرة النفس السبعية فلم يعطها أحد من هؤلاء فإن النفوس ثلاثة كلبية وسبعية وملكية فالكلبية تقنع بالعظم والكسرة والجيفة والعذرة، والسبعية لا تقنع بذلك، بل لقهر النفوس تريد الاستعلاء عليها بالحق والباطل، وأما الملكية فقد ارتفعت عن ذلك وشمرت إلى الرفيق الأعلى فهمتها العلم والإيمان ومحبة الله تعالى والإنابة إليه والطمأنينة به والسكون إليه وإيثار محبته ومرضاته وإنما تأخذ من الدنيا ما تأخذ لتستعين به على الوصول إلى فاطرها وربها ووليها لا لتنقطع به عنه. انتهى. فتأمل ما ذكره ابن القيم –رحمه الله تعالى- حيث جعل من القسم الذين اعتنوا بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه من أئمة الحديث كالأوزاعي وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم ممن لا يحصي عددهم إلا الله وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه "الانتصار لأهل الأثر" بعد أن ذكر كلاماً طويلاً قال: فنقول من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما ينتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقاً آخر
مثل المعقول والرأي والمحاجة والمكاشفة ونحو ذلك وكل هذه لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم إلهاما واحدهم بصرا أو مكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة وأعظمهم وأحسنهم وجد، وذوقا وهذا للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل فمن استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين احد واسد عقلا وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أصناف ما يناله غيرهم في قرون واجبال وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك وذلك لأن إعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} وغير ذلك وهذا يعلم تارة بموارد النزاع بينهم وبين غيرهم فلا تجد مسألة خولفوا فيها إلا تبين الحق معهم وتارة بإقرار مخالفيهم ورجوعهم إليهم دون رجوعهم إلى غيرهم وتارة بشهود المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض وتارة بأن كل طائفة تعتصم بهم فيما خالفت فيه الأخرى وتشهد بالضلال على من خالفها أعظم مما تشهد به عليهم فإما شهادة المؤمنين فهذا ظاهر معلوم بالحس والتواتر لا تجد في الأمة أحدا أعظم مما عظموا به ولا تجد غيرهم يعظم إلا بقدر ما وافقهم فيه كما لا ينقص إلا بقدر ما خالفهم فيه حتى إنك تجد المخالفين لهم كلهم وقت الحقيقة يقر بذلك كما قال الإمام أحمد: آية ما بيننا وبينهم يوم الجنائز، فإن الحياة سبب اشتراك الناس في المعاش يعظم الرجل طائفته فإما وقت الموت فلابد من الاعتراف بالحق من عموم الخلق ولهذا لم يعرف في الإسلام مثل جنازته وإنما نبل عند الأمة بإتباع الحديث والسنة وكذلك الشافعي واسحق ومالك والشورى والبخاري وغيرهم إنما نبلوا عند الأمة وقبل قولهم بذلك، وما تكلم فيمن تكلم فيه منهم إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له
ما بتعتها من الحديث والسنة وكذلك المسائل الاعتقادية لم ينل أحد من الطوائف عند الأمة إلا بما معه من الإثبات والسنة، فالمعتزلة أولا هم فرسان الكلام، إنما يحمدون ويعظمون عند إتباعهم ومن يغض عن مساويهم بما والقوا فيه من مذهب أهل السنة وردهم على الرافضة بعض ما خرجوا فيه عن السنة من إمامة الخلفاء وعدالة الصحابة وقبول الأخبار وتحريف الكلم عن مواضعه والغلو في علي ونحو ذلك، وكذلك الشيعة المتقدمون كانوا يرجحون على المعتزلة بما خالفوهم فيه من إثبات الصفات والقدر والشفاعة ونحو ذلك وكذلك كانوا يستحمدون بما خالفوا فيه الخوارج من تكفير عثمان وعلي وغيرهما وما كفروا به من المسلمين من الذنوب ويستحمدون بما خالفوا فيه المرجئة من إدخال الواجبات في الإيمان ولهذا قالوا بالمنزلة وإن لم يهتدوا إلى السنة المحضة وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الانباتية والكرامية والأشعرية إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة والرد على أهل التناقض النفاة وبيان تناقض حججهم وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية وغيرهم من أنواع المقالات التي يخالفون فيها السنة فحسناتهم نوعان: إما موافقة أهل الحديث وإما الرد على مخالفهم، ولم يتبع أحد مذهب الأشعرية ونحوه غلا لهذين وكلاهما وكل من انتصر له إنما ينتصر له بذلك لا يحتجون له عند الأمة وعلمائها وأمره بها إلا بهذين الوصفين كالبيهقي والقشيري وابن عساكر ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه بذلك لألحق بطبقته الذين لم يكونوا كذلك كشيخة أبي علي ورفيقه أبي هاشم لكن له من موافقة أهل الحديث في الصفات والقدر والشفاعة والحوض والصراط والميزان وله من الردود على المعتزلة وغيرهم وبيان تناقضهم ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك ويعرف
له قدره فقد جعل الله لكل شيء قدرا لكن الموافقة التي فيها قهر المخالف وإظهار فساد قوله هي من جنس المجاهد المنتصر فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحي بن يحي يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد، والمجاهد قد يكون عدلا في سياسته وقد لا يكون وقد يكون فيه فجور كقوله أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، ولهذا مضت السنة أن يغزا مع كل أمير برا كان أو فاجرا، والجهاد عمل مشكورا لصاحبه في الظاهر ومع النية الحسنة مشكور باطنا وظاهرا ووجه شكره نصره للسنة والدين فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يشكر على ذلك من هذا الوجه فحمد الله رجال عند الله ورسوله والمؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين الله إذ الحمد أنما يكون على الحسنات وهي ما وافق طاعة الله ورسوله من التصديق بخبر الله والطاعة لأمره وهذا هو السنة فالخير كله باتفاق الأمة فيما جاء به الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن الشريعة إلا بمخالفة ذلك ولهذا ذم السلف أهل الكلام من الصفاتية كابن كلاب والأشعري لخفائه عليهم أو أعراضهم عنه أو اقتضاء أصل قياس مهدوه رد ذلك كما يقع نحوه في المسائل العملية فإن مخالفة المسلم الصحيح الإيمان إنما يكون لعدم علمه به أو لاعتقاد صحة ما عارضه لكن هو فيما ظهر من السنة وعظم أمره يقع بتفريط في المخالف وعدوان فيستحق من الذم ما لا يستحقه في الرد الخفي وكذلك فيما يوقع الفرقة والاختلاف يعظم أمر المخالفة للسنة ولهذا لما اهتم كثير من الملوك والعلماء بأمر الإسلام وجهاد أعدائه حتى صاروا يلعنون الرافضة والجهمية وغيرهم على المنابر حتى لعنوا كل طائفة رأوا فيها بدعة فلعنوا الكلابية والأشعرية، كما كان في مملكة محمود بن سبكتكين وفي دولة؟ وكذلك الخليفة القادر بما اهتم بذلك ورفعوا إليه أمر
القاضي أبي بكر ونحوه وهموا به حتى كان يختفي وإنما تستر بمذهب أحمد ثم ولى النظام وسعوا في رفع اللعنة واستفتوا من استفتوه من فقهاء العراق كالدمغاني والحنفي وأبي اسحق الشيرازي وفتواهما حجة على من بخراسان من الحنفية والشافعية وقد قيل أن أبا اسحق استعفى من ذلك ولزموه وأفتوا بأنه لا يجوز لعنتهم. وعلل الدمغاني بأنهم طائفة من المسلمين وعلل أبو اسحق بأن لهم ذبا وردا على أهل البدع فلم يكن المفتي أن يعلل رفع الذم إلا بموافقة الحديث ولهذا كان أبو إسحاق الشيرازي يقول إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم إلى الجبائية وهذا ظاهر عليهم وعلى أئمة أصحابه في كتبه قبل وقوع الفتنة القشيرية ببغداد، ولهذا قال ابن عساكر في مناقبه: ما زالت الجبائية والأشاعرة في قديم الدهر متفقين حتى حدثت فتنة بين القشيري ثم بعد حدوث الفتنة وقبلها لا تجد من يمدح الأشعرية إلا إذا وافق الحديث ولا يذمه من يذمه إلا بمخالفة السنة والحديث وهذا إجماع من جميع هذه الطوائف على تعظيم السنة والحديث واتفاق شهادتهم على أن الحق في ذلك ولهذا تجد أعظمهم موافقة لأئمة السنة والحديث أعظم عند جميعهم ممن هو دونهم فالأشعري نفسه لما كان أقرب إلى قول أحمد ومن قبل كان عندهم أعظم من أتباعه والقاضي أبو بكر الباقلاني لما كان أقربهم إلى ذلك كان أعظم عندهم من غيره، وأما مثل أبي المعالي وأبي حامد ونحوهما ممن خالفوا أصوله في مواضع فلا تجدهم يعظمون إلا بما وافقوا فيه السنة والحديث وبما ردوه مما يخالف السنة والحديث وبهذا القدر ينتحلون السنة وينحلونها وإلا لم يصح ذلك إلى آخر ما ذكر –رحمه الله، فهذا ما ذكره العلماء العارفون بالله وبدينه وسنة نبيه ومقادير العلماء الأفاضل والأئمة الأماثل الذين حفظ الله بهم دينه وحموا حماه من تلاعب هؤلاء الزنادقة جعلوا فقهاء أئمة الحديث
حملة السنة والقرآن وأئمة أهل العلم والإيمان لا يعرفون شيئاً من الأحكام وما يستنبطونه من نصوص الكتاب السنة ولا بينوا في كتبهم للناس ما يتعبدون الله به ويتعاملون فيه بل كان همتهم حفظ الحديث وضبطه من غير معرفة لعلله وناسخه ومنسوخه ومقيده ومطلقه ومجمله ومفصله وغير ذلك ثم ما سمحت نفس هذا الملحد حتى عمد إلى إمام أهل الحديث وفقيههم ومقدمهم في الجرح والتعديل محمد بن إسماعيل البخاري وإلى أبي داود السجستاني فزعم أنهم لم يبينا في كتابهما الناسخ والمنسوخ وأما غيره من أئمة أهل الحديث فلم يبينوا ذلك بل سردوا الحديث سرداً وهذا لا يقوله إلا من أعمى الله بصيرة قلبه وقد كان في إبراز كلامه هذا وتحريره بلفظه لأهل العلم بالله وبدينه وشرعه كفاية في بيان خزيه الفاضح وخطئه الواضح لكن ما سمحت نفسي إلا بذكر هذه الإشارة اليسيرة ليتنبه من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد معظم جناية هؤلاء الزنادقة الذين يتطلعون بالدخول في جملة أهل العلم وهم في الحقيقة من أعداء علماء الشريعة المحمدية وحملتها أهل الملة الحنيفية الذين هم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وهم المعنيون بقوله –صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" قال الإمام أحمد –رحمه الله إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري منهم وكذلك أيضاً ما ذكره بعد ذلك بقوله ورأيت في كثير من أبواب البخاري أحاديث قد أجمعت الأمة على أن الحكم بها منسوخة ولا تجد في البخاري حديثاً يشير الشيخ واحد منها وأمثال يكاد لا يحصى إلى آخر كلامه وهذا أيضاً من المخازي التي؟ وهذه
المخرقة سابق ولم يتفوه بها قبله مشاقق ولا منافق بل جميع أهل السنة والجماعة يشهدون له بالصحة التي لم يشاركه في شروطها أحد من الخلائق وأجمع العلماء على أنه ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من صحيح البخاري فكيف يماحل هذا المشاقق بالشقاشق ويماري، ثم نقول: من هؤلاء الأمة التي أجمعت على ما ذكرته من الأحكام المنسوخة في صحيح البخاري، وقد اعتنى أئمة أهل الحديث من أهل الجرح والتعديل ومن بعدهم بالنظر في أحكامه غاية الاعتناء فما وجدوا إلا ما ذكرته –أيها الملحد- سبيلاً ولا على ما مخرقت به من الانتقاد ليلاً فكيف تجد ذلك، وأنت لست من أهل العلم في شيء ولا تعرف الحي من الميت؟
فدع عنك الكتابة لست منها
…
ولو سودت وجهك بالمداد
وقال آخر:
وقل للعيون الرمد للشمس أعين
…
سواك تراها في مغيب ومطلع
وسامت نفوساً أطفأ الله نورها
…
بأهوائها لا تستفيق ولا تعي
وما ذنب أئمة أهل الحديث عند هؤلاء الملاحدة إلا أنهم اعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله ولم يقدموا عليها قول أحد من الخلق كائن من كان وتركوا لأجلها زي فلان وفلان ولذلك لم يكونوا عنده على ثقة من المعرفة والإتقان فليس لهم قوة على استنباط الأحكام من النصوص على أصح استنباط وأتم بيان ولعمري أن النصوص ضامنة بذلك وقد فاز بقصب السبق إليها حملة السنة والقرآن، قال ابن القيم رحمه الله:
فاعجب لعميان البصائر بصروا
…
ورأوه بالتقليد أولى
من سواه
…
وعموا عن الوحيين إذ لم يفهموا
معناهما عجباً لذي الحرمان
…
قول الشيوخ أتم تبياناً من
الوحيين لا الرحمن
…
النقل نقل صادق والقول من
ذي عصمة في عناية التبيان
…
وسواه إما كاذب أو صح لم
يك قول معصوم وذي تبيان
…
أفيستوي النقلان يا أهل النهى
والله لا يتماثل النقلان
…
هذا ألقى العداوة بيننا
في الله نحن لأجله خصمان
…
نصروا الضلالة من سفاهة رأيهم
لكن نصرهم موجب القرآن
…
ولنا سلوك ضد مسلكهم فما
فما رجلان مثل قط يلتقيان
…
إنا أبينا أن ندين بما به
دانوا من الآراء والبهتان
…
إنا عزلناها ولم نعبأ بها
يكفي الرسول ومحكم القرآن
…
من لم يكن يكفيه ذان فلا كفاه
الله شر حوادث الأزمان
…
من لم يكن يشفيه ذان فلا شفاه
الله شر حوادث الأزمان
…
من لم يكن يغنيه ذان رماه رب
العرش بالإعدام والحرمان
…
من لم يكن يهديه ذان فلا هداه
الله من الحق والإيمان
…
إن الكلام مع الكبار وليس مع
تلك الأراذل سفلة الحيوان
…
أوساخ هذا الخلق بل أنتانه جيف
متقدمين منهم من اعلام الفقهاء وأجلاء المحدثين والأحكام من أهل السنة وإذا كان الفلاسفة وحكامهم.
الأئمة الأربعة فقد سقط الكلام معه لأنه قد كان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن هؤلاء لم يكونوا من أهل الإسلام فضلا عن أن يكونوا من أهل السنة ولا أدري ما مراده بالمذهب الخامس؟ يعني بهم من أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له وتركوا عبادة ما سواه من الأنبياء والأولياء والصالحين والأحجار والأشجار والطواغيت فلم يشركوا بالله شيئا وجردوا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يقدموا على قوله قول أحد من البشر كائنا من كان؟ فإن كان هذا هو المذهب الخامس عنده فليشهد الثقلان انا على هذا المذهب وإن سماه أعداء الله ورسوله مذهبا خامسا عليه نحيا وعليه نموت وعليه نبعث إن شاء الله تعالى:
فإن كان ديناً خامساً دين محمد
…
شفيع الورى الهدي إلى منهج الرشد
لديكم ومن يأتي به متوهب
…
على غير دين المصطفى كامل المجد
بدعوى ذوي الإشراك والكفر والردى
…
وتلقيبهم أهل الهدى بالذي يردي
فنشهدكم أنا على ذلك الذي
…
أتانا به المعصوم أفضل من يهدي
وإن كان قد سماه أعداء دينه
…
ليشناه ديناً خامساً قول ذي اللد
فذلك لا يجدي لدى كل منصف
…
عليم بما يجدي وما ليس بالمجدي
ومن كان لا يدري وليس بعالم
…
فقوله مردودة عند ذي النقد
وما ضرنا أن قد تجارى بسبنا
…
ذوو الغي والإشراك من كل مرتد
فليس يضر السحب كلب نبحه
…
كذلك سب المعتدي لذوي الرشد
ودونك ما بداه "عمران" ذو التقى
…
وذو العلم والإنصاف في كل ما يبدي
فقد قال ما يشفي الأوام من الصدى
…
ويكمد أكباد الغواة ذوي الجحد
قال الشيخ ملا عمران بن رضوان أسكنه الله الجنان:
إن كان تابع "أحمد" متوهباً
…
فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي
…
رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ولا وثن ولا
…
قبر له سبب من الأسباب
كلا ولا شجر ولا حجر ولا
…
عين ولا نصب من الأنصاب
أيضاً ولست معلقاً لتميمة
…
أو حلقة أو ودعة أو ناب
لرجاء نفع أو لدفع بلية
…
الله ينفعني ويدفع ما بي
والابتداع وكل أمر محدث
…
في الدين ينكره أولو الألباب
أرجو باني لا قاربه ولا
…
أرضاه ديناً وهو غير صواب
وأمر آيات الصفات كما أتت
…
بخلاف كل مؤول مرتاب
والاستواء فإن حسبي قدرة
…
فيه مقال السادة الأقطاب
كالشافعي ومالك وأبي حنيفة
…
وابن حنبل التقي الأواب
وكلام ربي لا قول عبارة
…
كمقال ذي التأويل في ذا الباب
بل إنه عين الكلام أتى به
…
جبريل ينسخ حكم كل كتاب
هذا الذي جاء الصحيح بنصه
…
وهو اعتقاد الآل والأصحاب
وبعصرنا من جاء معتقداً به
…
صاحوا عليه مجسماً وهابي
جاء الحديث بغربة الإسلام فلا
…
يبك المحب لغربة الأحباب
هذا زمان من أراد نجاته
…
لا يعتمد إلا حضور كتاب
خير له من صاحب متجهم
…
ذي بدعة يمشي كمشي غراب
مهما تلي القرآن قال عبارة
…
أي أنه كمترجم لخطاب
وإذا تلي آي الصفات يخوض في
…
تنزيله خوضاً بغير حساب
فالله يجمعنا ويحفظ ديننا
…
من شر كل معاند سباب
ويزيد الدين الحنيف بعصبة
…
متمسكين بسنة وكتاب
لا يأخذون برأيهم وقياسهم
…
ولهم إلى الوحيين خير مآب
لا يشربون من المكدر إنما
…
لهم من الصافي لذ شراب
قد أخبر المختار عنهم أنهم
…
غرباء بين الأهل والأصحاب
في معزل عنهم وعن شطحاتهم
…
وعن الغلو وعن بناء قباب
سلكوا طريق السابقين على الهدى
…
ومشوا على منهاجهم بصواب
من أجل ذا أهل الغلو تنافروا
…
منهم فقلنا ليس ذا بعجاب
نفر الذين دعاهم خير الورى
…
إذ لقبوه بساحر كذاب
مع علمهم بأمانة وديانة
…
وصيانة فيه وصدق جواب
صلى عليه الله ما هب الصبا
…
وعلى جميع الآل والأصحاب
انتهى، ولا شك عند من أصفى الله سريرته ونور بصيرته أنهم كانوا على الحق على ما كانت عليه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وأنهم إن شاء الله تعالى سيحشرون لواء محمد –صلى الله عليه وسلم لأنهم، ولله الحمد والمنة، هم أتباعه على الحقيقة القائمون بدينه والمعتصمون بكتاب الله وسنة رسوله ولو كره الكافرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وما ذكره من الوقاحة وما موه به من القباحة لأنك فيه على ذلك بل نقول حسبنا الله ونعم الوكيل {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .