الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
إتخاذ القبور مساجد
ثم ذكر الملحد كلاماً من جنس ما تقدم من المخرقة مما لا طائل تحته، ثم قال: تتبعت المظان من الكتب لأعرف أول قائل بهذه الضلالة وادع إليها فما وجدت لها أثراً عن أحد من علماء أهل السنة قبل الشيخ أحمد بن تيمية فتعقبت ما عرفت من مؤلفاته لأقف على نص صريح له فوجدته ذكر هذه المسألة في موضعين من كتابه "الجواب الصحيح" فالأول في صحيحة 121من الجزء الأول والثاني في صفحة 55 من الجزء الثاني، نقل في الأول حديث "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وحديث "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" وحديث "لا تجلسوا إلى القور ولا تصلوا إليها" ثم قال: إلى أمثال ذلك مما فيه تجريد التوحيد لله رب العالمين –ثم استطرد في تشبيه ما جاء في هذه الأحاديث بعبادة الشمس والقمر والأوثان والصور والسجود لها والاستشفاع لها وبأصحابها، إلى أن قال: وإن كان يذكر عن بعض الأنبياء تصوير صورة لمصلحة فإن هذا من الأمور التي تتنوع فيها الشرائع بخلاف السجود لها والاستشفاع بأصحابها فإن هذا لم يشرعه نبي من الأنبياء ولا أمر قط أحد من الأنبياء أن يدعى غير الله عز وجل لا عند قبره ولا في مغيبه ولا يستشفع به في مغيبه بعد موته بخلاف الاستشفاع بالنبي –صلى الله عليه وسلم في حايته ويوم القيامة وبالتوسل به بدعائه والإيمان به فهذا من شرع الأنبياء –عليهم السلام. انتهى. فانظر ما في هذا الكلام من التلاعب والتقلب
والقياس الفاسد والتهور الذي أدخله في زمرة محرفي كلام رسول الله عن مواضعه والأحاديث التي استدل بها وحرفها صريحة في النهي عن الجلوس على القبور كما يفعله أهل زماننا نساء ورجالاً والصلاة إليها كما يفعله الوثنيون ليس فيها نهي عن الزيارة ولا تشبيه من يزور قبر نبي أو غيره بعابد الشمس والقمر وغيرهما، وسيأتي حديث النهي عن الزيارة ثم إباحتها وأنه –عليه الصلاة والسلام كان يزور أهل البقيع ويستغفر لهم، نعوذ بالله من الغلو المؤدي إلى خرق إجماع الأمة من عهد الرسول إلى اليوم وتشبيه كافة المسلمين بعباد الشمس والقمر والأوثان. ولا يغرنك ما رأيته من استثناء الرسول عليه الصلاة والسلام فانه حصر الاستثناء في حياته ويوم القيامة ومن هذا الحصر تفهم اعتقاده بتحريم زيارة القبر الشريف والتمويه بعدم إنكاره ما جاء في كلام الله وإنكار الأحاديث الواردة بحق الزيارة والتوسل والاستشفاع فهل بعد هذا الضلال ضلال والعياذ بالله.
والجواب أن نقول: لولا قصر باعك وعدم اطلاعك لوجدت ما ذكره من الحق في الكتب المدونة مذكوراً وفي مظانه مسطراً مزبوراً ولكن لما انتكست قلوبكم وقصر عن معرفة الحق مطلوبكم عميت عن ذلك أبصار بصائركم وكشفت عن إدراك ذلك طباعكم، وإلا فقد ذكر ذلك شمس الدين ابن القيم –رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان" ذكر الزيارة البدعية الشركية والزيارة الدينية الشرعية في صفحة 115 وذكر ذلك شيخ الإسلام في رده على ابن الأخنائي والإمام الحافظ محمد بن عبد الهادي في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" فأما ما ذكره الملحد عن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في "الجواب الصحيح في الرد على عباد المسيح" في صفحة 121 إحدى وعشرين ومائة فلم يكن من هذا الباب ولم يتعرض للزيارة في ذلك
الخطاب وإنما ذكر في ذلك ما ابتدعته الأمم قبلنا فجرها ذلك الابتدع والغلو إلى الوقوع في الشرك بالله وعبادة الأوثان وذلك أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الأنبياء والصالحين فذكر –رحمه الله أن الأمم قبلنا ممن كان يعبد الشمس والقمر والكواكب ويعبدون الانبياء والصالحين لما كان في زعمهم واعتقادهم أن تلك الأجرام الفلكية العلوية لها أرواح تدبر وتتصرف في الكائنات بطباعها وقواها وأن لها تأثير في ذلك تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور فبنوا لها الهياكل والبيوت وزخرفوها وصوروا فيها الصور وجعلو لها أستاراً وعكفوا عليها وجعلوا لها السدنة والخدام وذبحوا لها الذبائح وقربوا لها القرابين وعبدوها من دون الله وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تأخذ مآخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في هذه الأمة من يفعل ذلك وثبت في الصحيحين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"، وفي "ومن الناس أولئك؟ " وقد وقع ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم من أن هذه الأمة ستفعل كما فعلت الأمم قبلها فكان من غلاة هذه الأمة من زعم أن الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء في قبورهم وأن لأرواحهم قرباً ومنزلة ومزية عند الله تعالى لا يزال تأتيهم الألطاف من الله تعالى وتفيض على أرواحهم الخيرات فإذا علق الزائر روحه بهم وأدناها منهم فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له وغير ذلك فلذلك بنوا على قبورهم القباب وزخرفوها وجعلوا لها الستور والحجاب والسدنة المجاورين عندها