الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البعث بعد الموت وترك أحد أركان الإسلام الخمسة والشرك بالله سبحانه في عبادته أحداً من الأنبياء والأولياء والصالحين وصرف لهم نوعاً من أنواع العبادة كالحب والدعاء والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر والإنابة والذل والخضوع والخشوع والخشية والرغبة والرهبة والتعلق على غير الله في جميع الطلبات وكشف الكربات وإغاثة اللهفات وجميع ما كان يفعله عباد القبور اليوم اليوم عند ضرائح الأولياء والصالحين وجميع المعبودات وكذلك من ألحد في أسمائه وصفاته واتبع غير سبيل المؤمنين وانتحل ما كان عليه أهل البدع والأهواء المضلة وكذلك من قامت به نواقض الإسلام والله أعلم.
فصل:
الهجر المشروع وغير المشروع
"المسألة الخامسة" قول السائل: والهجر هل هو في حق الكافر أو المسلم وإذا كان في حق المسلم العاصي فما القدر الذي ينبغي أن يهجر لأجله وهل يفرق بين الأحوال والأشخاص والأزمات وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والجواب أن نقول: اعلم يا أخي أولاً أن الهجر إن لم يقصد به الإنسان بيان الحق وهدي الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحاً وإذا غلظ في ذم بدعة أو معصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيراً والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام كما هجر النبي –صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون
وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ثم تاب الله عليهم لبركة الصدق إذا تحققت هذا فالهجر المشروع إنما هو في حق العصاة المذنبين لا في حق الكافر فإن عقوبته على كفره أعظم من الهجر وهجر العصاة المذنبين من أهل الإسلام إنما هو على وجه التأديب فيراعي الهاجر المصلحة الراجحة في الهجر أو الترك كما سيأتي بيانه وهذه المسألة قد كفانا الجواب عنها شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه- فقال الهجر الشراعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات والثاني بمعنى العقوبة عليها فالأول هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} الآية فهذا يراد به أنه لا يرى المنكرات بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم أو حضر بغير اختياره ولهذا يقال حاضر المنكر كفاعله وفي الحديث من كان يؤمن بالله اليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه لفعل المنكرات قال النبي –صلى الله عليه وسلم "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ومن هذا الباب الهجر من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ومن هذا قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات فيهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي –صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين من غير عذر ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقاً فهذا الهجز بمنزلة التعزير والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل
المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والمتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدعة وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة أن الدعاة إلى البدعة لا تقل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون فهذا عقوبتهم حتى ينتهوا ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي –صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم ولهذا جاء في الحديث أن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت ولم تنكر أضرت العامة وذلك لأن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة فإن عقوبتها على صاحبها خاصة وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته كان مشروعاً وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم يتألف أقواماً ويهجر آخرين وقد يكون المؤلفة قلوبهم أشر حالاً في الدين من المهجورين كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قولهم لكن أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثيرون فكان في هجر عز الدين وتظهيرهم من ذنوبهم ولهذا كان
المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب المصالح والأحوال وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتجهم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كطذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم وإذا عرف مقصود الريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه وإذا عرف فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله والطاعات لا بد أن تكون خالصة وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله والهجر لأجل حظ النفس لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا عن هذا ويصد هذا عن هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث، وفي الصحيح عنه –صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا" فهذا لحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت وكما رخص في هجر الثلاث فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس فالأول مأمور به، والثاني منهي عنه لأن المؤمنين إخوة وقد قال –صلى الله عليه وسلم:"لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً" وقال –صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر قالوا: بلى يا رسول الله قال "إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" وقال في الحديث الصحيح "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وهذا لأن الهجر من باب العقوبات الشرعية فهو من جنس الجهاد في سبيل الله وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله والمؤمن عليه أن يعادي في الله ويوالي في الله فإذا كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي وأمر بالإصلاح بينهم فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك فإن الله بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب له ولأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه فإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وبر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبا الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى ما يكفيه من بيت المال لحاجته هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم والخوارج والمعتزلة ومن وافقهم فلم يجعلوا الناس إلا مستحقاً للثواب فقط أو مستحق للعقاب فقط وأهل السنة يقولون إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذب ثم يخرجهم
منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة وبفضله ورحمته كما استفاضت بذلك السنة عن النبي –صلى الله عليه وسلم والله أعلم. انتهى.
وأما قول السائل: وإذا كان في حق المسلم المعاصي فما القدر الذي ينبغي أن يهجر لأجله.
فنقول: القدر الذي ينبغي أن يهجر لأجله هو ما تقدم ذكره من هجر من يظهر المسكرات حتى يتوب منها لكن ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي متفاوتة في الحد والمقدار فمنها ما هو من قسيم الكبائر ومنها ما هو من قسيم الصغائر فيهجر العاصي على قدر ما ارتكبه من الذنب {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} ولا يسوى بين الذنوب في الهجر ويجعل ذلك باباً واحداً إلا جاهل لأن الهجر من باب التأديب والمقصود به بيان الحق ورحمة الخلق والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره وإذا أفضى ذلك إلى التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد لم يكن الهجر مشروعاً لأن مفسدته أرجح من مصلحته وقد بلغني أن بعض هؤلاء الهاجرين لمن يرتكب شيئاً من الذنوب والمعاصي إذا قال لهم المهجور أستغفر الله وأتوب إليه وأقر على نفسه بالذنب وتاب إلى الله منه لم يقبلوا ذلك منه بل يستمرون على هجره ومعاداته وهذا خلاف ما شرعه الله ورسوله بل هذا من باب التشفي والانتقام لا من باب الرحمة والإحسان بالمسلم والواجب أن ينصح الرجل أخاه المسلم عن هذا الذنب فإن تاب منه فهو المطلوب وإن لم يتب واستمر على معصية هجره حتى يتوب منها إن كانت المصلحة في حقه أرجح وإن لم ينزجر عنها وكانت المفسدة في حقه أرجح من المصلحة لم يكن الهجر مشروعاً كما ذكر ذلك شيخ الإسلام.
وقوله: وهل يفرق بين الأحوال والأشخاص والأزمان؟
فأقول نعم يفرق بين الأزمان فزمان يهجر فيه وزمان لا يهجر فيه وذلك إذا كان الناس حدثاء عنهد بجاهلية فينبغي أن يراعي في حقهم الأصلح وهو التأليف وترغيبهم في الإسلام ودخولهم فيه وعدم تنفيرهم وليعلموا أن هذه الملة المحمدية حنيفية في الدين سمحة في العمل كما قال –صلى الله عليه وسلم لما جاء الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد فقام ينظر إليهم وقال "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني بعثت بحنيفية سمحة" ففي مثل هذه الأزمان لا يستعمل الهجر مع كل أحد لئلا يحصل بذلك عدم رغبة في الدخول في الإسلام وتنفير عنه وكذلك الأشخاص شخص يهجر وشخص لا يهجر كما قال شيخ الإسلام وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قولهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته كان مشروعاً وإن كان لا المهجو ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجعة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف إلى آخر كلامه وإذا كان ذلك كذلك فهجر القادرات والأكابر الذين يخاف من هجرهم عدم قبول وانقياد ويرون أن في ذلك غضاضة عليهم ونقصاً في حقهم وربما يحصل بذلك منهم تعد بيد أو لسان فلا ينبغي هجرهم لأن من القواعد الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وكذلك الأحوال يراعى فيها الأصلح كما يراعى في الأزمان والأشخاص كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا كما كان المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب المصالح والأحوال إلى آخر كلامه فتأمله يزل عنك إشكالات طال ما أعشت عيون كثير من خفافيش الأبصار الذين لا معرفة لهم بمدارك الأحكام ولا اطلاع لهم على ما ذكره أئمة أهل الإسلام والله المستعان.