المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: شيء من سيرة الشيخ رحمة الله - كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فصل: مبدأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل: شيء من سيرة الشيخ رحمة الله

- ‌فصل: مناظرة مع علماء مكة

- ‌فصل: ترجمة الشيخ محمد رحمة الله

- ‌رسالة من الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في قبوله الدعوه السلفية

- ‌بعض مفتريات أعداء الدعوة

- ‌ التجسيم وبراءة السلفية منه

- ‌ التقليد والاجتهاد

- ‌ حقيقة الفرقة الناجية

- ‌تحذير الأئمة لاربعة من تقليدهم

- ‌ الناس بالنسبة إلى الهدى ثلاث طبقات

- ‌ التوسل وزيارة القبور

- ‌ مشركوا هذا الزمان كمشركي العرب الاقدمين

- ‌ إتخاذ القبور مساجد

- ‌ نفي تمسك الخليل بعلم النجوم

- ‌الاحاديث الموضوعة في زيارة قفبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دحض فرية القول باجماع المسلمين على جواز شد الرحال للقبور

- ‌ الشيخ ابن تيمية لم يحرم زيارة القبور مطلقا

- ‌ التوسل والاستشفاع

- ‌ أحاديث ضعيفة أوردها المعترض وبيان بطلانها

- ‌بطلان جواز التوسل من الناحية العقلية

- ‌ الصلاة على النبي صلى الله علية وسلم وحكمها

- ‌ احمد بن زيني دحلان من أئمة الضلال

- ‌مسائل هامة

- ‌مدخل

- ‌ الكفر الذي يخرج من الملة

- ‌ حكم التحاكم إلى الطاغوت

- ‌ الحب والبغض

- ‌ الهجر المشروع وغير المشروع

- ‌ اتخاذ بعض الطبقات البسة خاصة تميزهم عن غيرهم

- ‌ ابن تيمية لم يقل بفضل العامة

- ‌ المعترض نقل من مجموع المنقور ماله وترك ماعليه

- ‌ سنية التحنيك وذؤابة

- ‌باب فهارس

الفصل: ‌فصل: شيء من سيرة الشيخ رحمة الله

تجر به نجد ذيول افتخارها

وحق لها بالألمعي ترفع

وهذه في أبيات لا نطيل بذكرها وقد شهد غيرهما بمثل ذلك واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته.

وأما قوله: من حقيقة الوهابية ومقولاتهم بسبب ما كانوا يتسترون به من مظاهر التوحيد وادعاء التمسك بالكتاب والسنة.

فالجواب أن يقال: حقيقة ما عليه الوهابية هو ما كان عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة وأئمتها في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقتها أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم، كما سيأتي بيان ذلك قريباً فيما بعد إن شاء الله تعالى. قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله تعالى:

ص: 10

‌فصل: شيء من سيرة الشيخ رحمة الله

ونقص عليك شيئاً من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونذكر طرفاً من أخباره وأحواله، ليعلم الناظر فيها حقيقة أمره، فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان وأغراه، وبالغ في كفره واستهواه، فنقول: قد عرف واشتهر واستفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة والمقروءة عليه، وما ثبت بخطه وعرف واشتهر من أمره ودعوته وما عليه الفضلال النبلاء من أصحابه وتلامذته، أنه على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت به الأخبار النبوية، وتلقتها أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم، يثبتونتها ويؤمنون بها، ويمرونها، كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقد درج على هذا من بعدهم من

ص: 10

من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان وسلف الأمة وأئمتها، كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وطلحة بن عبيد الله، وسليمان بن يسار، وأمثالهم، ومن الطبقة الأولى مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وابن سيرين؛ وعامر الشعبي، وجنادة بن أبي أمية، وحسان بن عطية، وأمثالهم. ومن الطبقة الثانية علي بن الحسين، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بن مسلم الزهري، وحماد بن زيد، والفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك؛ وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن إدريس، وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وإخوانهم وأمثالهم ونظراؤهم من أهل الفقه والأثر في كل مصر وعصر. وأما توحيد العبادة والإلهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ، وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه، يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادته أن لا إله إلا الله وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، وهذا الأصل لا بد فيه من العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين، كائناً من كان، وهذا هو الحكمة التي خلقت لها الإنس والجن، وأرسلت لها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأولين، ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، وما يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةً رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ

ص: 11

وَاجْتَنِبُوا الْطَّاغُوتَ} وقال تعالى عن الخليل: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، وقال:{أفرأيتم ما كنتم تعبدون ، أَنْتُمْ وَآبَاؤكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌ إِلَّا رَبَّ الْعَالِمِينَ} ، وقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَحْدَهُ} ، وقال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الْرَّحَمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} وذكر عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم {اُعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} وقال عن أهل الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدَى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قُامُوا فَقَالُوا رُبُّنَا رَبُّ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهَاً لَقَدْ قُلْنَا إِذَاً شَطَطَاً هُؤلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِبَاً} ، وقال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفَرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} في موضعين من كتابه، وقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ الْنَّارَ} قال –رحمه الله: والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها، يدخل فيه شرك عباد القبور وعباد الأنبياء والملائكة والصالحين فإن هذا هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبد الله ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يدعونها ويلتجئون إليها ويسألونها على وجه التوسل بجاهها وشفاعتها، لتقربهم إلى الله زلفى كما قد حكى الله عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعَهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤلَاءِ شُفَعَاؤنَا عِنْدَ اللهِ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونِ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} وقال تعالى:

ص: 12

{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْبَانَاً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكَهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} قال –رحمه الله ومعلوم: أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السماوات والأرض أو استقلوا بشيء، والتدبير والتأثير والإيجاد، ولو في خلق ذرة من الذرات، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولَنَّ اللهُ ، قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَانِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسكَاتِ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيِهِ فَلْيَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِلُونَ} فهم معترفون بهذا مقرون به لا ينازعون فيه، ولذلك حسن موقع الاستفهام وقامت الحجة بما أقروا به من هذه الجمل وبطلت عبادة من لا يكشف الضر ولا يمسك الرحمة ولا يخفي ما في التنكير من العموم والشمول المتناول لأقل شيء وأدناه من ضر أو رحمة. وقال تعالى:{قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرَهُمْ بَالَلهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ذكر فيه السلف كابن عباس وغيره إيمانهم هنا بما أقروا به من ربوبيته وملكه وفسر شركهم بعبادة غيره. قال –رحمه الله: وقد بين القرآن في غير موضع أن من المشركين من أشرك بالملائكة ومنهم من أشرك بالأصنام وقد رد عليهم جميعهم وكفر كل أصنامهم، كما قال تعالى:{وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالْنَّبِيِينَ أَرْبَابَاً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ

} الآية، وقال:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدَاً لله وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ونحو ذلك في القرآن كثير وبه يعلم المؤمن أن عبادة الأنبياء والصالحين كعبادة

ص: 13

الكواكب والأصنام من حيث الشرك والكفر بعبادة غير الله قال –رحمه الله: وهذه العبادات التي صرفها المشركون لآلهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه كالحب والخضوع والإنابة والتوكل والدعاء والاستعانة والاستغاثة والخوف والرجاء والنسك والتقوى والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال بفيضه ومده وإحسانه وكرمه فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منه فهو خداج مردود على صاحبه وإنما أشرك وكفر من كفر من المشركين بقصد غير الله بهذا وتأهيله لذلك قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ، وقال تعالى:{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} ، وقال تعالى:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} الآية وحكي عن أهل النار أنهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها مع الله {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومعلوم أنهم ما سووهم به في الخلق والتدبير والتأثير، وإنما كانت التسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات. قال –رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية وما عدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة لا نكفر بها ولا نحكم على أحد من أهل القبلة على أحد من أهل القبلة الذين باينوا لعباد الأوثان والأصنام والقبول بمجرد ذنب ارتكبوه وعظيم جرم اجترحوه وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفرهم السلف لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج. وقالته في أهل الذنوب من المسلمين. قال –رحمه الله: ومجرد الإتيان بلفظ

ص: 14

الشهادة من غير علم بمعناها ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلماً بل هو حجة على ابن آدم خلافاً لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار كالكرامية ومجرد التصديق كالجهمية وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة وسجل على كذبهم مع أنهم أتوا بألفاظ مؤكدة منن التأكيدات. قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فأكدوا بلفظ الشهادة وإن المؤكدة واللام والجملة الاسمية فأكذبهم الله وأكد تكذيبهم بمثل ما أكدوا به شهادتهم سواء بسواء وزاد التصريح باللقب الشنيع الفظيع، وبهذا تعلم أن تسمى الإيمان لا بد فيه من الصدق والعمل من شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره فلا شهادة له وإن صلى وزكى وصام وأتى بشيء من أعمال الإسلام. قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب ورد بعضاً:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} ، الآية، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} ، الآية قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} الكفر ونوعان مطلق ومقيد، فالمطلق أن يكفر بجميع ما جاء به الرسول، والمقيد أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول حتى إن بعض العلماء كفر من أنكر فرعاً مجمعاً عليه كتوريث الجد والأخت وإن صلى وصام فكيف بمن يدعو الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها، وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة بل كفروا ببعض الألفاظ التي تجري على ألسن بعض الجهال، وإن صلى وصام ومن جرت على لسانه. قال –رحمه الله: والصحابة كفروا من منع الزكاة وقاتلوهم

ص: 15

مع إقرارهم بالشهادتين والإتيان بالصلاة والصوم والحج. قال –رحمه الله: واجتمعت الأمة على كفر بني عبيد القداح مع أنهم يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد في قاهرة مصر وغيره، وذكر أن ابن الجوزي صنف كتاباً في وجوب غزوهم وقتالهم سماه النصر على مصر قال: وهذا يعرفه ممن له أدنى إلمام بشيء من العلم والدين، فتشبيه عباد القبور بأنهم يصلون ويصومون ويؤمنون بالبعث مجرد تعمية على العوام وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم وإيمانهم ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وأما مسائل القدر والجبر والإمامة والتشيع ونحو ذلك من المقاولات والنحل، فهو أيضاً فيها على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الهدى والدين، يبرأ مما قالته القدرية النفاة والقدرية المجبرة وما قالته المرجئية والرافضة وما عليه غلاة الشيعة والناصبة يوالي جميع أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم ويكف عما شجر بينهم، ويرى أنهم أحق الناس بالعفو عما يصدر منهم وأقرب الخلق إلى مغفرة الله وإحسانه لفضائلهم وسوابقهم وجهادهم وما جرى على أيديهم من فتح القلوب بالعلم النافع والعمل الصالح وفتح البلاد ومحو آثار الشرك وعبادة الأوثان والنيران والأصنام والكواكب ونحو ذلك مما عبده جهال الأنام، ويرى البراءة مما عليه الرافضة وأنهم سفهاء لئام، ويرى أن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر فعمر فعثمان فعلي –رضي الله عنهم أجمعين- ويعتقد أن القرآن الذي نزل به به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين، كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ويبرأ من رأي الجهمية القائلين بخلق القرآن، ويحكي تكفيرهم عن جمهور السلف أهل العلم والإيمان، ويبرأ من رأي الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب القائلين بأن كلام الله هو المعنى القائم بنفس الباري، وأن ما نزل به جبريل

ص: 16

حكاية أو عبارة عن المعنى النفسي، ويقول هذا من قول الجهمية وأول من قسم التقسيم هو ابن كلاب وأخذ عنه الأشعري وغيره كالقلانسي، ويخالف الجهمية في كل ما قالوه وابتدعوه في الدين ولا يرى ما ابتدعه الصوفية من البدع والطرائق المخالفة لهدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم وسنته في العبادات والخلوات والأذكار المخالفة للمشروع، ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده بل السنة أجل في صدره وأعظم عنده من أن تترك لقول أحد كائناً من كان، قال: عمر بن عبد العزيز لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم نعم عند الضرورة وعدم الأهلية والمعرفة بالسنن والأخبار وقواعد الاستنباط والاستظهار يصار إلى التقليد لا مطلقاً فيما يتعسر ويخفى ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلا بدليل تقوم به الحجة من الكتاب والسنة خلافاً لغلاة المقلدين، ويوالي الأئمة الأربعة ويرى فضلهم وإمامتهم وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم من أهل الحديث من أهل الفقه والتفسير وأهل الزهد والعبادة ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع أو قول مخترع فلا يحدث في الدين ما ليس له له أصل يتبع وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر، ويؤمن بما نطق به الكتاب وصحت به الأخبار وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع وأمر به الرسول –صلى الله عليه وسلم.

ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم وسيجزيه الله ما وعده به أمثاله من المفترين وأبدى –رحمه الله من التقارير المفيدة والأبحاث الفريدة على كلمة الإخلاص والتوحيد شهادة أن لا إله إلا الله ما دل عليه الكتاب المصدق والإجماع المستبين من نفي استحقاق العبادة والإلهية

ص: 17

عما سوى الله وإثبات ذلك لله سبحانه على وجه الكمال المنافي لكليات الشرك وجزئياته، وأن هذا هو معناها وضعاً ومطابقة خلافاً لمن زعم غير ذلك من المتكلمين كمن يفسر ذلك بالقدرة على الاختراع أو بأنه تعالى غني عما سواه مفتقر إليه ما عداه فإن هذا لازم المعنى إذ الإله الحق لا يكون إلا قادراً غنياً عما سواه، وأما كون هذا هو المعنى المقصود بالوضع فليس كذلك، والمتكلمون خفي عليهم هذا وظنوا أن تحقيق توحيد الربوبية والقدرة هو الغاية المقصودة والفناء فيه هو تحقيق التوحيد، وليس الأمر كذلك، بل هذا لا يكفي في الإيمان وأصل الإسلام إلا إذا أضيف إليه واقترن به توحيد الإلهية، وإفراد الله بالعبادة والحب والخضوع والتعظيم والإنابة والتوكل والخوف والرجاء وطاعة الله وطاعة رسوله هذا أصل الإسلام وقاعدته والتوحيد الأول توحيد الربوبية والقدرة والخلق والإيجاد هو الذي بني عليه توحيد العمل والإرادة وهو دليله الأكبر وأصله الأعظم كما قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} إلى آخر الآيات قال العلامة ابن القيم –رحمه الله شعراً:

إن كان ربك واحداً سبحانه

فاخصصه بالتوحيد مع إحسان

أو كان ربك واحداً أنشأك لم

يشركه إذ أنشاك رب ثان

فكذلك أيضاً وحده فاعبده لا

تعبد سواه يا أخا العرفان

وهذه الجمل منقولة عن السلف والأئمة من المفسرين وغيرهم من أهل اللغة إجمالاً وتفصيلاً، وقد قرر –رحمه الله على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصرة والمتابعة والطاعة وتقديم سنته –صلى الله عليه وسلم على كل سنة وقول والوقوف معها حيث ما وقفت والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين

ص: 18

وفروعه باطنه وظاهره خفيه وجليه كلية وجزئية ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله وأنه سباق غايات وصاحب آيات لا تشق غباره ولا تدرك في البحث والإفادة آثاره إلى أن قال –رحمه الله: "وما حكيناه عن الشيخ حكاه أهل المقالات عن أهل السنة والجماعة مجملاً ومفصلاً، وهذه عبارة أبي الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، قال أبو الحسن الأشعري جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته، وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً، والله تعالى إله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده رسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله تعالى على عرشه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن له يدين بلا كيف كما قال:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وكما قال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وأن له عينين بلا كيف وأن له وجهاً جل ذكره كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} وأن أسماء الله تعالى لايقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علماً كما قال {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} ، وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة كما قال {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله تعالى كما قال:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ} وكما قال المسلمون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقالوا إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو يكون أحداً يقدر على أن يخرج عن علم الله وأن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله، وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن أعمال العباد يخلقها الله وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وأن

ص: 19

الله تعالى وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين بمعصيته ولطف للمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف للكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله تعالى يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف لهم حتى يكونوا ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم، وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال، ويلجئون أمرهم إلى الله ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال، ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق الكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهم مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق، ويقولون الله تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وأن موسى سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا، وأن الله تعالى تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا، بل يراه في الآخرة، ولم يكفروا أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر.

والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره وحلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وأنما أصابهم لم يكن ليخطئهم؛ والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله على ما جاء في الحديث، والإسلام عندهم غير الإيمان ويقرون بأن الله مقلب القلوب، ويقرون بشفاعة

ص: 20

رسول الله –صلى الله عليه وسلم وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والمحاسبة من الله للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق. ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون أسماء الله هي الله، ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله تعالى أنزلهم حيث شاء ويقولون أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله تعالى يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة، ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون كيف ولا لم؛ لأن ذلك بدعة، ويقولون إن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن كان مريداً له ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه –صلى الله عليه وسلم، ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون والمهديون وأنهم أفضل الناس كلهم بعد النبي –صلى الله عليه وسلم ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول –صلى الله عليه وسلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين ولا يبتدعون في دينهم ما لم يأذن به ويقرون أن الله تعالى يجئ يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وأن الله تعالى يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل

ص: 21

إمام بر وفاجر، ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر، ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه –صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك يرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرج عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله، ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم، ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال تعالى، وأن السحر كائن موجود في الدنيا، ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم وفاجرهم ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان وأن من مات بأجله، وكذلك من قتل قتل بأجله، وأن الأرزاق من قبل الله تعالى يرزقها عباده حلالاً كانت أو حراماً، وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله تعالى بآيات تظهر عليهم وأن السنة لا تنسخ القرآن وأن الأطفال أمرهم الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمور بيد الله تعالى ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل، والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين، واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والمعصية والفخر والكبر والإزراء على الناس والعجب ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب فهذه جملة ما يأمرون به وينتحلونه ويرونه.

ص: 22

وبكل ما ذكرناه من قولهم نقول، وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل، فهذه عقيدة الوهابية التي لها ينتحلون وديانتهم التي بها يدينون وطريقتهم التي هم بها متمسكون فمن أصفى الله سريرته ونور بصيرته ونظر فيها بعين الإنصاف وترك طريقة أهل الظلم والاعتساف، وجدها على مثل ما كان عليه أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين والأئمة المهتدين، ومن أعمى الله بصيرة قلبه وجعل على بصره غشاوة فإنه لا يزده ذلك إلا عتواً ونفوراً وتكبراً وفجوراً لأنه قد أشرب قلبه بعداوة هذا الدين وأهله ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور قال الله تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ومن نظر بعين البصيرة ما ذكناه من حقيقة دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أئمة الإسلام وهداة الأنام عرف أن أحق الناس بسلوك طريقتهم واتباع آثارهم هم الوهابية وأنهم هم الذين أخلصوا دينهم لرب البرية، وأن قول هذا الملحد إسلام ووهابية لا يجتمعان قول من لم يعرف الإسلام على الحقيقة ولم يسلك منهج السلف الصالح والصدر الأول على هذه الطريقة والله المستعان.

وأما قوله حتى بغوا وطغوا وتغلبوا على الحجاز فالجواب أن يقال ليس الأمر بتوحيد الله وإفراده بالعبادة بجميع أنواعها لله تعالى وترك عبادة ما سواه من الأحجار والأشجار والأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء والصالحين والطواغيت المعبودين من دون الله والقيام بوظائف الجهاد في سبيل الله بغي وطغيان كما يزعمه أعداء الله ورسوله الذين ما شموا روائح دينه وشرعه بل يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب.

ص: 23

المفسدين بل ليس معهم من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، بل الجهاد في سبيل الله أحد أركان الإسلام العشرة التي لا يتم ولا يستقيم بناء إلا عليها، فبالجهاد في سبيل الله قام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحدت الحدود الشرعية وعزرت التعازير الدينية ودخل الناس في دين الله أفواجاً واستجابوا لمن دعاهم إلى الله وأدخلوا سائر أهل نجد ممن لا يقبل هدى الله الذي بعث به رسوله في دين الله قهراً وجاهدوهم حتى تبين لهم صحة هذا الدين وذاقوا حلاوته واطمأنوا به وجاهدوا مع الأمير محمد بن سعود من لم يدخل فيه حتى اثتوثقت له جزيرة العرب وادنت ثم قال شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن حسن مفتي الديار النجدية –رحمه الله في المقامات التي ألفها في الاعتبار بما فعل الله بمن عاد أهل هذه الملة الحنيفية والطريقة المحمدية في حال دعوة الشيخ لهم إلى دين الله ورسوله، ثم إن الذين أنكروا هذه الدعوة من الدول الكبار والشيوخ وأتباعهم من أهل القرى والأمصار أجلبوا على عداوة أهل الإسلام وهم إذ ذاك في عدد قليل وفي حال تخلف الأسباب عنهم وفقرهم فرموهم عن قوس العداوة فمن أهل نجد دهام ابن داوس وابن زامل وآل بجاد أهل الخرج وابن راشد راعي الحوطة وتركي الهزاني وزيد ومن والاهم من الأعراب والبوادي كذلك العنقري في الوشم ومن تبعه وشيوخ سدير والقصيم وبوادي نجد وابن حميد ملك الأحساء ومن تبعه من حاضر وباد كلهم تجمعوا لحرب المسلمين مراراً عديدة مع عريعر وأولاده، منها نزولهم على الدرعية وهي شعاب لا يمكن تحصينها بالأبواب والبناء قد أشار إلى ذلك العلامة حسين بن غنام –رحمه الله تعالى-

وجاءوا بأسباب من الكيد مزعج

مدافعهم يزجي الوحوش زينتها

فنزلوا البلاد واجتمع من اجتمع من أهل نجد حتى من يدعي أنه من العلماء

ص: 24

وهو من أمثل علمائهم وعقلائهم لما سئل كيف أشكل عليكم أمر عريعر وفساده وظلمه وأنتم تعينونه وتقاتلون معه فقال لو من الذي حربكم إبليس كنا معه، والمقصود أن الله تعالى ردهم بغيضهم لم ينالوا خيراً وحمى الله تلك القرية فلم يشربوا من آبارها.

وأما وزير العراق فمشى مراراً عديدة بما يقدر عليه من الجنود والكيد الشديد وأجرى الله تعالى عليهم من الذل ما لا يخطر ببال. قبل أن يقع بهم ما وقع من ذلك إن ثويني في مرة من المراة مشى يجنوده إلى الإحساء بعد ما دخل أهلها في الإسلام في حال حداثتهم بالشرك والإضلال، فلما قرب من تلك البلاد أتاه رجل مسكين لا يعرف من غير مما لات أحد من المسلمين فقتله فنصر الله هذا الدين برجل لا يعرف وذلك مما به يعتبر فانفلت تلك الجنود وتركوا ما معهم من المواشي والأموال خوفاً من المسلمين ورعباً فغنمها من حضر وقد قال الشيخ حسين بن غنام في ذلك:

تقاسمتم الإحساء قبل منالها

فللروم شطر والبوادي لهم شطر

في أبيات كثيرة ثم جددوا أسباب الحرب المسلمين وساروا بدول عظيمة يتبع بعضها بعضاًَ وكيد عظيم فنزلوا الإحساء وقائدهم علي كيخيا فتحصن من ثبت على دينه في الكوت وقصر صاهود فنزل بهم وصار يضربهم بالمدافع والقنابر وحفر اللغوب فأعجزه الله ومن معه ممن ارتد عن الإسلام فولى مدبراً بجنوده فاجتمع سعود بن عبد العزيز في ثاج وغزوة الذين معه –رحمه الله والذين معه من المسلمين أقل من المنتفق أو آل ظفير الذين مع الكيخيا فألقى الله الرعب في قلوبهم مع كثرتهم وقوتهم فصارت عبرة عظيمة فطلبوا الصلح على أن يدعهم سعود يرجعون إلى بلادهم فأعطاهم أماناً على الرجوع فذهبوا في ذل عظيم فلما.

ص: 25

قدم كل منهم مكانه مات سليمان باشا وذلك من نصر الله لهذا الدين فأهلك الله من أنشأ هذه الدول ثم قام علي كيخيا فصار هو الباشا فأخذ يجدد آلة الحرب فجمع من الكيد والأسباب أعظم مما كان معه في تلك الكرة، فلما كملت أسبابه وجمع الجموع فلم يبق إلا خروجه لحرب المسلمين لينتقم من أهل هذا الدين سلط الله صبيين مملوكين عنده يبيتون معه فقتلوه آخر الليل فحمدت تلك النيران وتفرقت تلك الأعوان فما قام لهم قائمة، فيالها عبراً ما أظهرها لمن له أدنى بصيرة فاعتبروا يا أولي الأبصار أين ذهب عقل من أنكر هذا الدين وجادل وكابر في دفع الأدلة على التوحيد وما حل، وكذلك ما جرى في حرب أشراف مكة لهذه الدعوة الإسلامية والطريقة المحمدية وذلك أنهم من أول من بدأ المسلمين بالعداوة فحبسوا حاجهم فمات في الحبس منهم عدد كثير ومنعوا المسلمين من الحج أكثر من ستين سنة وفي أثناء هذه المدة سار إليهم غالب الشريف بعسكر كثيف وكيد عنيف وقدم أخاه عبد العزيز قبله في الخروج فنزل قصر بسام فأقام مدة يضرب بالمدافع والقنابر وجر عليه الزحافات فأبطل الله كيده على هذا القصر الضعيف بناؤه القليل رجاله، فرحل منه ووافا غالباً ومعه أكثر الجنود ومعه من الكيد مثل ما كان على أخيه أو يزيد، فنزلوا جميعاً الشري فجد في حربهم بكل كيد فأعجزه الله تعالى عن ذلك البناء الضعيف الذي لم يتأهب أهله للحرب بالنباء والسلاح فأبطل الله كيده ورده عنهم بعد الإياس فسلط الله المسلمين على ما كان معه من الأعراب خصوصاً مطير فأوقع الله بهم في العداوة ومعهم مطلق الجربا فهزمهم الله تعالى وغنم المسلمون جميع ما كان معهم من الإبل والخيل وسائر المواشي، فصار ما ذكرناه من نصر الله وتأييده لأهل هذه الدين عبرة عظيمة وفي جملة قتلاهم حصان إبليس

ص: 26

وبعدما ذكرناه جدّ غالب في الحرب واجتهد لكن صار حربه للأعراب ولم يتعد النير فيغزوا على من استضعفه ويغير فأعطى الله أعراب المسلمين الظفر عليه في عدة وقعات من أعظمها وقعة الخرمة على يد ربيع وغزوه من أهل الوادي وبعض قحطان، فهزمه الله تعالى واشتد القتل في عسكره فأخذوا جميع ما كان معه من المواشي وغيرها فصار بعد ذلك في ذل وهوان ففتح الله وساروا لحرب الشريف ومعهم عبد الوهاب أبو نقطة أمير عسير وسالم شكبان أمير أهل بيشة فنزلوا دون الحرم فخرج إليهم عسكر من مكة فقتلوه فطلب الشريف المذكور منهم الأمان فلم يقبلوا منه إلا الدخول في الإسلام والبيعة للإمام سعود فأعطاهم البيعة على يد رجال بعثوهم إليه، هذا بعد وقعات تركنا ذكرها كراهة الإطالة لأن القصد لهذا الوضع الاعتبار بما جرى لأهل هذه الدعوة من النصر والتأييد والظهور على قلة أسبابهم وكثرة عدوهم وقوته، وذلك من آيات الله وبيناته على أن ما قام به هذا الشيخ في حال فساد الزمان. الدين الذي بعث الله به المرسلين وتبين أن هذه الطائفة في هذه الأزمنة هي الطائفة المذكورة في قوله –صلى الله عليه وسلم:"ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" وقد كانت هذه الطائفة قبل ظهور الشيخ فيما تقدم موجودة في الشام والعراق ومصر وغيرها بوجود أهل السنة وأهل الحديث في القرون المفضلة وبعدها، فلما اشتدت غربة الإسلام وقل أهل السنة واشتد النكير عليهم وسعى أهل البدع في إيصال المكر إليهم من الله بهذه الدعوة فقامت بها الحجة واستبانت الحجة والمقصود أن كل من ذكرنا ممن عاداهم من أهل نجد والإحساء وغيرهم من البوادي أهلكهم الله ولحقتهم العقوبة

ص: 27

حتى في الذراري والأموال، فصارت أموالهم فيئاً لأهل الإسلام وانتشر مكلهم وصار كل من بقي في أماكنهم سامعاً مطيعاً لإمام المسلمين القائم بهذا الدين، فانتشر مالك أهل الإسلام حتى وصل إلى حدود الشام مع الحجاز وتهامة وعمان، فصاروا بحمد الله في أمن وأمان يخافهم كل مبطل وشيطان. ففي هذا معتبر لأهل الاعتبار مع ما وقع بمن حاربهم من الخراب والدمار، واستيلاء المسلمين على ما كان لهم من العقار والديار، فلا يرتاب في هذا الدين بعد هذا البيان إلا من عميت بصيرته وفسدت علانيته وسريته. انتهى.

فإذا تبين لك ما ذكرناه آنفاً عرفت إنما ذكره هذا الملحد من قوله حتى بغوا وطغوا أنه كلام من لا يعرف الإسلام من الكفر ولا شم روائح الدين ولا عرف ما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من التابعين، ولا ما درج عليه أئمة العلم والدين، من بيان دين الله ورسوله وجهاد من خرج عنه من المرتدين، والبغاة الخارجين، والكفار المعتدين، والظلمة المفسدين، وإلا فقد كان منن المعلوم، والمتقرر المفهوم أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى- تبين بدعوة الناس إلى دين الله ورسوله بعدما خرجوا منه إلى عبادة الأوثان والأحجار والأشجار والأولياء والصالحين وغيرهم من سائر المعبودين، وقد ذكر الشيخ حسين بن غنام الإحسائي في تاريخه ما وقع في نجد وغيرها من سائر الأقطار من الكفر العظيم ما لا يتسع له هذا الموضع، فنذكر ما وقع في نجد من ذلك حتي يتبين لك حقيقة ما كان عليه الشيخ –رحمه الله تعالى-، وحقيقة ما كان عليه أهل نجد قبل دعوته. قال الشيخ في تاريخه: وكان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم، والكل على تلك الأحوال مقيم، وفي ذلك الوادي مسيم، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، وقد مضوا قبل بدو نور الصواب،

ص: 28

يأتون من الشرك بالعجاب؛ وينسلون إليه من كل باب، ويكثر منهم ذلك عند قبر زيد بن الخطاب، ويدعونه لتفريج الكرب بفصيح الخطاب، ويسألونه كشف النوب من غير ارتياب {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وكان ذلك في الحبيلة مشهور وبقضاء الحوائج مذكور لا كذلك قريرة في الدرعية يزعمون أن فيها قبوراً، أصبح فيها بعض الصحابة مقبوراً، فصار حفظهم في عبادتها موفوراً، فهم في سائر الأحوال عليها يعكفون، أأفكاً آلهة دون الله تريدون، وكان أهل تلك التربة، أعظم في صدورهم من الله خوفاً ورهبة، وأفخم عندهم رجاء ورغبة، فلذلك كانوا في طلب الحاجات بهم يبتدون، ويقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، وفي شعيب غبيرا يفعل من الهجر والمنكر، ما لا يعهد مثله ولا يتصور، ويزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور، وذلك كذب محض وبهتان مزور، مثله لهم إبليس وصور؛ ولم يكونوا به يشعرون.

وفي بليدة الندى ذكر النخل المعروف بالفحال، يأتونه النساء، والرجال ويغدون عليه بالبكر والآصال، ويفعلون عنده أقبح الفعل، ويتبركون به، ويعتقدون، وتأتيه المرأة إذا تأخرت عن الزواج، ولم تأتها لنكاحها الأزواج، فتظلمه بيديها، وتقول، يا فحل الفحول، أريد زوجاً قبل أن يحول الفحول، هكذا صح عنهم القول، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، وشجرة الطريفية تشبث بها الشيطان، واعتلق فكان ينتابها للتبرك طوائف وفرق، ويعلقون فيها إذا ولدت المرأة ذكر لخرق عليها لعلمهم عن الموت يسلمون، وفي أسفل الدرعية غار كبير، يزعمون أن الله تعالى أن الله تعالى فلقه في الجبل لامرأة تسمى بنت الأميرة أراد بعض الفسقة أن يظلمها فصاحت ودعت الله فانفلق لها الغار

ص: 29

بإذن العلي الكبير، وكان تعالى لها من ذلك السوء مجير، فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز ويهدون، أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون، ثم ذكر في البلد الحرام وما في المدينة المنورة وما في الطائف وجدة وما في جميع قرى اليمن وما في مصر والشام والعراق والموصل وما في المجرة والبحرين والحساء والقطيف من الكفر العظيم، والشرك الوخيم، أضعاف أضعاف ما في نجد من ذلك، فهذه حال أهل نجد وحال أهل الأقطار والأمصار فإن كان ما عليه هؤلاء هو دين الله ورسوله وهو الإسلام الذي تمسك به كان معصوم الدم والمال، فليس على وجه الأرض حينئذٍ شرك ولا كفر فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن كان هو الكفر والشرك الذي حرمه الله ورسوله وحكم على أهله بالخلود في النار كما قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} فالمجادل عن هذا دينه، وهذه نحلته، ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، وممن أضله على علم وختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة، وزعم أن جهاد هؤلاء وإدخالهم في دين الله هو البغي والطغيان فهو من أكفر خلق الله وأضلهم عن سواء السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم اعلم أيها المنصف المتعري من ثوب الجهل المركب وثوب التعصب للباطل، أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى- في حال دعوته إلى دين الله ورسوله، لم يقاتل الناس ابتداءً بل مكث برهة من الزمان يدعو الناس إلى أفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وترك عبادة ما سواه من الأولياء والصالحين والأحجار والأشجار والطواغيت، يخبرهم أن التقرب والاعتقاد في الأولياء والصالحين هو محض حق الله تعالى لا يصلح منه شيء لغير الله لا ملك

ص: 30

مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهما، فلما تبين بهذا واشتهر أمره بالدعوة إلى دين الله ورسوله، واستنكف أعداء الله من ذلك واستكبروا عن قبول دعوته فآذوه وعادوه وأخرجوه من بلدة العيينة ثم هاجر إلى الدرعية، فآووه وواسوهن وقاموا بنصرته والجهاد معه لما أنكر عليه أهل نحد وغيرهم من الطوائف ما دعاهم إليه فشمروا له عن ساق العداوة وبدأوه بالقتال، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فحينئذٍ قاتلهم مدافعة لهم لما بغوا عليه وظلموه، قال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وقد قال الشيخ الإمام وعلم الهداة الأعلام الشيخ حسين بن غنام منظومة يذكر فيها ما من الله به على المسلمين من النصر والتأييد والتمكين لما كسر الله ثويني وأعرابه فقال –رحمه الله تعالى-:

تلألأ نور الحق وانصدع الفجر

وديجور ليل الشرك مزقه الظهر

وشمس الأماني أشرقت في سعودها

ولاح بأفق السعد أنجمه الزهر

وجلاء ظلام الخطب بيض صائع

كان سناها في عيابه بدر

وأسفر وجه الوقت بعد تعبس

وحالت بضع الله أحواله الكدر

فأيامه بالأنس بيض شوارق

تضيء كما أضوى بديجوره فجر

وهبت رياح النصر والفوز والهنا

فحق لنا منها البشائر والبشر

وروح روح الإنس كل موحد

ففي قلبه سكر وما مسه خمر

ص: 31

كان به من نشأة اللطف نشوة

ترنح منها العطف واستحكم السكر

وغنت بروضات السرور بلابل

يرجعن الحانا يهش لها الصخر

فاصل التهاني دانيات قطوفه

وفرع المنى غض وأوراقه خضر

ونادى مناد الحلق بالخلق معلنا

وإلا فليجل الحمد وليعظم الشكر

فما قلب ذي ظهر بفيفا أضله

وفاجاه عند التوى ذلك الظهر

أذيق العدى كاس الردى فسما الهدى

وشلت يمين الشرك وانقصم الظهر

وفلت جنود المعتدين ومزقت

وزال ظلام الشرك وانمحق النكر

فمن حامد منا ومثن وساجد

لمولاه شكراً بعدما انكشف الأمر

لقد أقبلوا والأرض ترجف منهمو

وقد أدبروا يقفوهم الذل والصغر

وساروا بأسباب المكائد والردى

إلينا فما أغناهم الكيد والجر

وقد زاغت الأبصار واختنك الفضا

علينا كان الأرض مما بنا شبر

فآبوا وقد خابوا وما أركوا المنى

وبادوا وما سادوا وعقباهم الخسر

جنود فساد وابتداع وفتنة

يقودهم الإضلال والبغي والفجر

يريدون أن يطفو مصابيح نوره

ويخفوا قويماً لا يرام له ستر

أبى الله أن يسمى الضلال على الهدى

ويطمس أعلام الحنيفية الكفر

وتعلوا البواغي والطواغي وحزبها

على عصبة في الدين شرعهم الذكر

وينسخ آيات الكتاب وحكمه

لحون الغنا والعود والطبل والزمر

لقد فل عضب الشرك بل ثل عرشه

وسل حسام الدين واندرس الشر

وحالت مغانيه واقوت ربوعه

وزالت مبانيه فساحاته صفر

كأن لم تكن فيه الملاهي مرنة

ولم يجتمع للهو في ساحة سمر

ص: 32

فعلى الشرك أحزاب الضلالة بعدما

تغشاهم الإذلال والعار والوزر

وقامت نواعي الرفض يندبن أهله

بحرقة قلب فيه من فقدهم جمر

إلى أن قال:

فمن مبلغ عني العداة رسالة

أنيبوا فما يؤيكم السهل والوعر

أتيتم إلينا رائمين قطيعة

فحل بكم بأس وعاجلكم جزر

ورمتم ذرى السمحا وجب سنامها

وهدم دعامات عليها رسى قصر

وناويتم الإسلام والله دونه

وأحزابه والسمر والبيض والبتر

إلى أن قال:

ألم يأن أن تأووا إلى معقل الهدى

فقد جاءت الآيات واستتبع النذر

تبين نهج الحق والرشد للورى

فليس لمن ينحو سبيل الردى عذر

وقامت على الدين القويم شواهد

يقصر عن تعدادها الضبط والحصر

فآياته محفوظة عن معارض

وراياته لا يستطاع لها كسر

يشيعها التسديد حيث تيممت

ويتبعها التأبيد والنصر والقهر

تشعشع من خمسين عاماً ضياؤه

ولم تبق أرض ليس فيها له ذكر

سقى قبر من إحياء شؤبوب رحمة

وعم سحاب العفو من ضمه القبر

فقد جاءنا يدعو إلى الدين بعدما

عفى رسمه والأرض من نوره قفر

فجادله الأحبار فيما أتي به

من الحق والبرهان يكشفه السبر

ونوظر حتى ألزم الخصم عجزه

وصار إليه الفلج والورد والصدر

فعودي بغياً واهتضاماً ونصرة

لملة آباء عليها مضى العمر

وهموا بما لم يدركوا من وقيعة

فما ناله مما أرادوا به ضر

نفته العدا لما جفته أقارب

فآواه بل ساواه من خصه البر

فجاهد حتى أطلع الله بدره

بآل سعود حين شدوا له الأزر

فهم أنجم للمهتدين وصارم

شباه بهام المعتدين له طر

لقد أحرزوا خصل الثناء وأبرزوا

من الدين مطوياً فلاح له نشر

في أبيات لا نطيل بذكرها.

ص: 33