المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التجسيم وبراءة السلفية منه - كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فصل: مبدأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل: شيء من سيرة الشيخ رحمة الله

- ‌فصل: مناظرة مع علماء مكة

- ‌فصل: ترجمة الشيخ محمد رحمة الله

- ‌رسالة من الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في قبوله الدعوه السلفية

- ‌بعض مفتريات أعداء الدعوة

- ‌ التجسيم وبراءة السلفية منه

- ‌ التقليد والاجتهاد

- ‌ حقيقة الفرقة الناجية

- ‌تحذير الأئمة لاربعة من تقليدهم

- ‌ الناس بالنسبة إلى الهدى ثلاث طبقات

- ‌ التوسل وزيارة القبور

- ‌ مشركوا هذا الزمان كمشركي العرب الاقدمين

- ‌ إتخاذ القبور مساجد

- ‌ نفي تمسك الخليل بعلم النجوم

- ‌الاحاديث الموضوعة في زيارة قفبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دحض فرية القول باجماع المسلمين على جواز شد الرحال للقبور

- ‌ الشيخ ابن تيمية لم يحرم زيارة القبور مطلقا

- ‌ التوسل والاستشفاع

- ‌ أحاديث ضعيفة أوردها المعترض وبيان بطلانها

- ‌بطلان جواز التوسل من الناحية العقلية

- ‌ الصلاة على النبي صلى الله علية وسلم وحكمها

- ‌ احمد بن زيني دحلان من أئمة الضلال

- ‌مسائل هامة

- ‌مدخل

- ‌ الكفر الذي يخرج من الملة

- ‌ حكم التحاكم إلى الطاغوت

- ‌ الحب والبغض

- ‌ الهجر المشروع وغير المشروع

- ‌ اتخاذ بعض الطبقات البسة خاصة تميزهم عن غيرهم

- ‌ ابن تيمية لم يقل بفضل العامة

- ‌ المعترض نقل من مجموع المنقور ماله وترك ماعليه

- ‌ سنية التحنيك وذؤابة

- ‌باب فهارس

الفصل: ‌ التجسيم وبراءة السلفية منه

ذلك وتفصيله في محله إن شاء الله تعالى، وكذلك قوله: وكانوا إذا ظفروا بالعائدين من زيارة الرسول –عليه الصلاة والسلام يحلقون لحاهم ويركبونهم مقلوبين ويشهرونهم فأقول هذا من نمط ما تقدم من الأكاذيب التي لا أصل لها فما صدر هذا ولا كان بل هو من أوضاع أهل الكفر والطغيان وهذيان أهل الفسوق والعصيان الذين أشربت قلوبهم بعداوة أهل التوحيد والإيمان.

وأما قوله: والخبيث رئيسهم كان يسند مذهبه وكل ما يدعيه إلى الوحي فأقول: بل الخبث والكفر والجحود منكم بدأ وإليكم يعود، وأما ما يسنده الشيخ من مذهبه إلى الوحي فنعم وقد تقدم بيانه بأدلته في عقيدته. وأما ما ينسبه طاغيتكم وإمام كفركم وضلالكم من هذه الأوضاع التي وضعها والأكاذيب التي جمعها فقد بينا براءة الشيخ منها وأنها من إفككم وأكاذيبكم التي تصدون بها الناس من الدخول في دين الله بغياً وعداوناً وتزعمون ببغيكم أن الشيخ ينسب ما وضعتموه إلى الوحي ومعاذ الله من ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 131

فصل:‌

‌ التجسيم وبراءة السلفية منه

وأما قوله: ومن مذهبهم القول بالتجسيم للباري جل وعلا وقرروه في دروسهم.

فالجواب أن نقول: اعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتاً فيكون له الإثبات ولا نفياً فيكون له النفي فمن أطلقه نفياً وإثباتاً سئل عما أراد به فإن قال أردتُ بالجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه فلا يقال للهوا جسم لغة ولا للنار ولا للماء هذه اللغة وكتبها

ص: 131

بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله سبحانه عقلاً وسمعاً وإن أرتم به المركب من المادة والصورة والمركب من الجواهر المفردة فهذا منفي عن الله سبحانه قطعاً والصواب نفيه من الممكنات أيضاً فليس لجسم المخلوق مركباً من هذه ولا هذه وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب فهذه المعاني ثابتة للرب تعالى وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسماً كما أنا لا نسب الصحابة لأجل تسمية الروافض لمن يحبهم ويواليهم نواصب ولا ننفي قدر الرب ونكذب به لأجل تسمية القدرية لمن أثبته جبرياً ولا نرد ما أخبر به الصادق المصدوق عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية أعداء الحديث متبعيها حشوية ولا نجد صفات خالقنا من علوه على خلقه واستوائه على عرشه لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك مشبهاً:

فإن تجسيماً ثبوت استوائه

على عرشه إني إذاً لمجسم

وإن كان تشبيهاً ثبوت صفاته

فمن ذلك التشبيه لا أتلعثم

وإن كان تنزيهاً جحود استوائه

وأوصافه أو كونه يتكلم

فمن ذلك التنزيه نزهت ربنا

بتوفيقه والله أعلى وأكرم

ورحمة الله على الشافعي حيث فتح للناس هذا الباب في قوله المشهور:

يا راكباً قف بالمحصب من منى

واهتف بقاعد خيفها والناهض

إن كان رفضاً حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وهذا كله مأخوذ من قول الشاعر الأول:

وعيرني الواشون أني أحبها

وذلك ذنب لست منه أتوب

ومن هذا الوادي قول مجنون بني عامر لما ذهب به أبوه إلى البيت الحرام

ص: 132

وأراد أن يدعو عند الملتزم بزوال حب ليلى فالتزم بالملتزم وقال:

يا رب لا تسلبني حبها أبداً

ويرحم الله عبداً قال آمينا

وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى بأصبعه رافعاً لها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم مستشهداً له لا للقبلة وإن أردتم بالجسم ما يقال له أين فقد سأل أعلم الخلق بأين منهباً على علوه على عرشه وسمع السؤال بأين وأجاب عنه ولم يقل هذا السؤال إنما يكون عن الجسم وأنه ليس بجسم وإن أردتم بالجسم ما يلحقه من والى فقد نزل جبريل –عليه السلام من عنده تعالى وعرج برسوله –صلى الله عليه وسلم إليه وإليه يصعد الكلم الطيب وعبده عيسى ابن مريم المسيح رفعه إليه وإن أردتم بالجسم ما يتميز عنه من أمر غير أمر فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت الجلال والجمال جميعها من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة والإرادة وهذه صفات متميزة متغايرة من قال إنها صفة واحدة فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء.

وقد قال أعلم الخلق به "أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منه" والمستعاذ به غير المستعاذ منه، وأما استعاذته –صلى الله عليه وسلم به منه فباعتبارين مختلفين فغن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوف واحد ورب واحد والمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف بهما منه وإن أردتم بالجسم ما له وجه ويدان وسمع وبصر فنحن نؤمن بوجه ربنا الأعلى، وبيده وبسمعه وبصره وغير ذلك من صفاته التي أطلقها على نفسه المقدسة أو أطلقها رسوله –صلى الله عليه وسلم وإن أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ومستوياً على غيره فهو سبحانه فوق عباده مستوٍ على عرشه وكذلك إن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطأ في اللفظ والمعنى وجناية

ص: 133

على ألفاظ الوحي أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك مركباً مؤلفاً مشبهاً بغيره وتسميتكم هذه الصفات وتركيبها وتشبيهاً، فكذبتم على القرآن وعلى الرسول وعلى اللغة ووضعتم لصفاته ألفاظاً منكم بدأت وإليكم تعود وأما أخطاؤكم في المعنى فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر وكنتم في ذلك بمنزلة من سمع أن في العسل شفاء لم يره فسأل عنه فقيل له مانع رقيق يشبه القذرة يتقيؤها الزنابير ومن لم يعرف العسل ينفر منه بهذا التعريف ومن عرفه وذاقه لم يزد هذا التعريف عنده إلا محبة ورغبة فيه ولله در القائل:

تقول هذا جناء العسل تمدحه

وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير

مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما

والحق قد يعتريه سوء تعبير

وأشد ما جادل به أعداء الرسول من التنفير عنه هو سوء التعبير عما جاء به وضرب الأمثال القبيحة له والتعبير عن تلك المعاني التي لا أحسن منها بألفاظ منكرة ألقوها في مسامع المغترين المخدوعين توصلت إلى قلوبهم فنفرت عنه وأكثر العقول كما عهدت يقبل القول بعبارة، ويردها بعبارة أخرى وكذلك إذا قال الفرعوني: لو كان فوق السماوات رب وعلى العرش إله كان مركباً قيل له لفظ المركب في اللغة هو الذي ركبه غيره في محله لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} وقولهم ركبت الخشبة والباب أو ما يركب من أخلاط وأجزاء بحيث كانت أجزاء متفرقة فاجتمعت وركبت حتى صارت شيئاً واحداً كقولهم ركبت الدواء من كذا وكذا فإن أردتم بقولكم لو كان فوق العرش كان مركباً هذا التركيب المعهود وأنه كان متفرقاً فاجتمع فهو كذب وفرية وبهت على الله وعلى الشرع وعلى العقل وإن أدرتم أنه لو كان فوق العرش لكان

ص: 134

عالياً على خلقه بائناً من مخلوقاته مستوياً على عرشه ليس فوقه شيء فهذا المعنى حق فكأنك قلت لو كان فوق العرش لكان فوق العرش، فنفيت الشيء بنفسه بتغيير العبارة عنه وقلبها إلى عبارة أخرى وهذا شأنكم في أكثر مطالبكم وإن أردت بقولك كان مركباً يتميز منه شيء عن شيء فقد وصفته أنت بصفات يتميز بعضها عن بعض فهل كان عندك هذا تركيباً فإن قلت هذا لا يقال وإنما يقال لمن أثبت شيئاً من الصفات، وأما أنا فلا أثبت له صفة واحدة فراراً من التركيب قيل لك العقل لم يدل على نفي المعنى الذي سميته أنت مركباً وقد دل الوحي والعقل والنظر على ثبوته أتنفيه لمجرد تسميتك الباطلة؟ فإن التركيب يطلق ويراد به خمسة معان. الأول تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يحمل وجودها زائداً على ماهيتها فإذا نفيت هذا التركيب جعلته وجوداً مطلقاً إنما هو في الأذهان لا وجود له في الخارج والأعيان. الثاني تركيب الماهية من الذات والصفات، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتاً مجردة من كل وصف لا يبصر ولا يسمع ولا يعلم ولا يقدر ولا يدبر ولا حياة ولا مشيئة ولا صفة له أصلاً فكل ذات في المخلوقات أولى من هذه الذات فاستفدت بنفي هذا التركيب الجسيمة كفر بالله وجحدك لذاته وصفاته، وأفعاله. الثالث تركيب الماهية الجسيمة من الهيولي والصورة كما يقول الفلاسفة. الرابع تركيبها من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام.

الخامس: تركيب الماهية من أجزاء متفرقة اجتمعت وركبت، فإن أردت بقولك لو كان فوق العرش لكان مركباً كما يدعيه الفلاسفة والمتكلمون، قيل لك جمهور العقلاء عندهم أن الأجسام المحدثة المخلوقة ليست مركبة من هذا ولا من هذا، فلو كان فوق العرش جسم مخلوق محدث لم يلزم أن يكون مركباً

ص: 135

بهذا الاعتبار، فكيف يلزم ذلك في حق خالق المركب الذي يجمع المفرق ويفرق المجتمع ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاءون والعقل إنما دل على إثبات الله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة ولا وجه ولا يدين ولا هو فوق خلقه ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء، فدعوى ذلك على العقل كذب صريح عليه كما هي كذب صريح على الوحي، وكذلك تنزيهه عن الجهة إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف، فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى، ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعنى، وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه، فنفيكم لهذا المعنى باطل وتسميته جهة اصطلاح منكم توسلتم به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل والفطرة، فسميتم ما فوق العالم جهة، وقلتم منزه عن الجهات، وسميتم العرش حيزاً، وقليتم ليس بمتحيز، وسميتم الصفات أعراضاً، وقلتم الرب منزه عن قيام الأعراض به، وسميتم حكمه غرضاً، وقلتم الرب منزه عن الأغراض، وسميتم كلامه بمشيئته ونزله إلى سمائه الدنيا ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء وإرادته المقارنة لمرادها وإدراكه المقارن لوجود المدرك وغضبه إذا عصي ورضاه إذا أطيع وفرحه إذا تاب إليه العباد، ونداه موسى حين أتى الشجرة ونداه للأبوين حين أكلا من الشجرة ونداه لعباده يوم القيامة ومحبته لمن يبغضه حال كفره ثم صار بحبه بعد إيمانه وربوبيته التي شملت كل مخلوق وكل يوم هو في شأن حوادث، وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث وحقيقة هذا التنزيه أنه منزه عن الوجود وعن الماهية وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالاً لما يريد، بل

ص: 136

من الحياة والقيومية، فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النفاة بقولهم ليس بجسم ولا جوهر ولا مركب، ولا تقوم به الأعراض، ولا يوصف بالأبعاض، ولا يعقل بالأعراض، ولا تحله الحوادث، ولا تحيط به الجهات، ولا يقال في حقه أين وليس بمتحيز. كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته وعلوه على خلقه، واستوائه على عرشه وتكليمه لخلقه ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته، نحو هذه الألفاظ، ثم توسلوا إلى نفيها بواسطتها وكفروا وضللوا من أثبتها واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله، اليهود والنصارى، فالله الموعد وإليه التحاكم وبين يديه التخاصم، نحن وإيماهم نموت ولا أفلح يوم الحساب من ندم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. انتهى من الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لشمس الدين ابن القيم –رحمه الله تعالى-.

وأما قوله: ولهم مطاعن بالرسل والأنبياء والأولياء تنفر منها النفوس.

فأقول: لو ذكر هذه المطاعن لأمكن الجواب عنها، ولكن لا يخلو إما أن تكون مما ظنوا أنه من المطاعن والمثالب وهو في الحقيقة عند ذوي الإيمان بالله ورسله من الفضائل والمناقب، وإما أن تكون من الأوضاع والأكاذيب التي وضعوها ولفقوها من عند أنفسهم ظلماً وعدواناً وما هي من الظالمين ببعيد.

وأما قوله: وفي مدة تسلطهم على الحرمين نبشوا قبور آل البيت والصحابة ودثروها وقالوا أن لا فرق بين الرسل والأنبياء وسائر الناس، بل كل رسول ونبي كسائر الناس. انتهى كلام الشيخ.

فالجواب: أن نقول: أما نبش قبور آل البيت والصحابة وتدثيرها فلا أصل له، وإنما هدموا بيت السيدة خديجة وقبة المولد وبعض الزوايا المنسوبة

ص: 137

لبعض الأولياء حسماً لمادة الشرك وتنفيراً عن الوقوع فيه ما أمكن، لعظمة شأنه فإنه لا يغفر، وهو أقبح من نسبة الولد إلى الله تعالى إذ الولد كمال في حق المخلوق، وأما الشرك فنقص حتى في حق المخلوق، لقوله تعالى:{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ} الآية فالهدم إنما وقع على القباب ولم ينبشوا من قبور آل البيت ولا غيرهم من قبور الأولياء والصالحين، واحداً، ولكن هذه عادة أعداء الله ورسوله يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون. ثم إن هذا الملحد لما فرع من نقل ما ذكره إمام كفرهم وضلالهم أخذ يفرع عليه ويقرر ما ذهب إليه طاغيتهم من الأكاذيب والهذيان، ولكن زاد عليه هذا بالوقاحة والطغيان وتحذير من يعلم بحقيقة الحال عن الدخول في زمرة أهل الإيمان وحملة السنة والقرآن، ليزرع في قلوبهم عداوة أهل الإيمان بما لفقه من هذه المخرقة وصريح الكفر والزندقة، وبالكلام على ما ذكرهم إمامهم من التأصيل يبطل ما ذكره هذا الملحد من التفريع والتذييل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولنختم الكلام على ما ذكره هذا المعترض من الأكاذيب الموضوعة على الشيخ بما ذكره الشيخ الإمام ملا عمران، نزيل لنجة، جواباً لمن اعترض على الشيخ بنحو من هذه الأكاذيب الموضوعة والترهات المصنوعة، فقال –رحمه الله تعالى-:

جاءت قصيدتهم تروح وتغتدي

في سب دين الهاشمي محمد

قد زخرفوها للعوام بقولهم

إن الكتاب هو الهدى فيه اقتد

لو أن ناظمها تمسك بالذي

قد قال فيها أولاً إذ يبتدي

لهدي ووفق ثم حاز سعادة

لا شك فيها عند كل موحد

ص: 138

لكنه قد زاغ عما قاله

متأولاً فيها بتأويل ردي

فأنت كشهد فيه سم ناقع

من ذاق منه ففي الهلاك المبعد

إذ شبه الشيخ الإمام المهتدي

بأخي مسيلمة الكفور المعتدي

فهو الذي إن مات معتقداً بذا

يا ويله ماذا يلاقي في غد

ماذا يجيب وما يقول ومن له

يوم القيامة وهو خصم محمد؟

قد شبه التوحيد بالكفر الذي

شهد الكتاب به وسنة أحمد

الشيخ شاهد بعض أهل جهالة

يدعون أصحاب القبور الهمد

تاجاً وشمسان ومن ضاهاهما

من قبة أو تربة أو مشهد

يرجون منهم قربة وشفاعة

ويؤملون كذاك أخذاً باليد

ورأى لعباد القبور تقرباً

بالنذر والذبح الشنيع المفسد

ما أنكر القراء والأشياخ ما

شهدوا من الفعل الذي لم يحمد

بل جوزوه وشاركوا في أكله

من كان يذبح للقبور ويفتدي

فأتاهم الشيخ المشار إليه بالنصح

المبين وبالكلام الجيد

يدعوهم لله أن لا تعبدوا

إلا المهيمن ذا الجلال السرمد

لا تشركوا ملكاً ولا من مرسل

كلا ولا من صالح أو سيد

فتنافروا عنه وقالوا ليس ذا

إلا عجيب عندنا لم يعهد

ما قاله آباؤنا أيضاً ولا

أجدادنا أهل الحجى والسؤدد

إنا وجدنا جملة الآباء على

هذا فنحن بما وجدنا نقتدي

فالشيخ لما أن رأى ذا الشأن من

أهل الزمان اشتد عليه غير مقلد

ناداهمو يا قوم كيف جعلتم

لله أنداداً بغير تعدد

قالوا له بل إن قلبك مظلم

لم تعتقد في صالح متعبد

ص: 139

قد عيروه بأنه قد كان في

وادي حنيفة دار من لم يسعد

قلنا لهم ما ضر مصر بأنها

كانت لفرعون الشقي الأطرد

وكذا النماردة الفراعنة الأولى

كانوا بأرض الله أهل تردد

ذا قال أنا رب وذا متنبئ

هم في بلاد الله أهل تردد

يمناً وشاماً والعراق ومصرها

من كل طاغ في البرية مفسد

فبموتهم طابت وطار غبارها

وزهت بتوحيد الغله المفرد

إن المواطن لم تشرف ساكناً

فيها ولا تهديه إن لم يهتد

من كان لله الكريم موحد

لو مات في جوف الكنيف المرد

وبعكسه من كان يشرك فهو لم

يفلح ولو قد مات وسط المسجد

خرج النبي المصطفى من مكة

وبقي أبو جهل الذي لم يهتد

إن الأماكن لا تقدس أهلها

إن لم يكونوا قائمين على الهدى

لو أنصفوا لرأوا له فضلاً على

إظهار ما قد ضيعوه من اليد

ودعوا له بالخير بعد مماته

ليكافئوه على وفاق المرشد

لكنهم قد عاندوا وتكبروا

ومشوا على منهاج قوم حسد

ورموه بالبهتان والإفك الذي

هم يعملون به ومنهم ييبتدي

كمقالهم هو للمتابع قاطع

بدخول جنات وحور خرد

حاشا وكلا ليس هذا شأنه

بل إنه يرجو بها لموحد

قالوا له أشقى الورى مع كونه

ينهي عن الأنداد للمتفرد

قالوا له يا سالكاً طرق الردى

لم لا تسير على الطريق الأرشد

وهمو يرون الشمس ظاهرة لهم

لن أعمى القلب ليس بمهتد

قالوا له يا كافراً يا فاجراً

ما ضره قول العداة الحسد

ص: 140

قالت قريش قبلهم للمصطفى

ذا سحر ذا كاهن ذا معتدي

قد اتهموه بأنه يحتال في

تأذينه ليجئ أهل المسجد

فإذا أتوا قتلوا بغير جناية

تالله هذا إفك أفاك ردي

قالوا يعم المسلمين جميعهم

بالكفر قلنا ليس ذا بمؤكد

بل كل من جعل العديل لربه

ونهى فصد فذاك كالمتهود

قالوا له غشاش أمة أحمد

وهو النصيح بكل وجه يبتدي

هل قال إلا وحدوا رب السما

وذروا عبادة ما سوى المتفرد

وتمسكوا بالسنة البيضاء ولا

تنطعوا بزيادة وتردد

هذا الذي جعلوه غشاً وهو قد

نطقت به الرسل الكرام لمن هدي

من عهد آدم ثم نوح هكذا

تترى إلى عهد النبي محمد

وكذلك الخلفاء بعد نبيهم

والتابعون وكل حبر مهتدي

منهاجهم هذا عليه تمسكوا

من كان مستناً بهم فليقتد

عجباً لمن يتلو الكتاب ويدعي

علم الحديث مسلسلاً في المسند

ويقول للتوحيد غشاً أن ذا

خطر على من قال فليتشهد

ويجدد الإسلام والإيمان معتقداً

بأن الشيخ خير مجدد

ما ذنبه في الناس إلا أنه

هدم القباب وتلك سيرة أحمد

ما صح عند ثقيف لما عاهدوا

إلا بهدم اللات لو لم يعبد

ما اللات إلا كان عبداً صالحاً

لت السويق لطائف متعبد

لما توفي عظموا لضريحه

كصنيع عباد القبور النكد

إذ كان حياً قادراً قاموا بإطعام

له وبكسوة وتفقد

وإذا توارى عنهمو في قبره

جعلوه نداً للإله السيد

ص: 141

ولقد رأى الفاروق يوماً قبة

نصبت على قبر تشد بأعمد

فأشار نحوها دعوه يظله

عمل له إن لم يكن عمل ردي

وحديث أبي الهياج فيه كفاية

لذوي البصائر والعقول النقد

في طمس تمثال وقبر مشرف

جاء الحديث به صحيح المسند

لما نفى الإطراء عنهم والغلو

قالوا أتيت بذا الجفاء المبعد

لو كان حبك للنبي محقق

لفعلت فعلتنا لعلك تهتدي

أما الدلائل فهو لم ينكر بها

صلوات أزكى العالمين الأمجد

إلا التظاهر بالغلو وجعلها

درساً يكرر في كتاب مفرد

فترى لهم حرصاً على تجويدها

خطاً وتزويقاً وحسن محلد

لا يعتنون بمصحف لهم كما

هم يعتنون براتب وبمولد

لكفاه كل مؤونة وتكلف

ومشى على النهج القويم الأرشد

سأل النبي من الصحابة سائل

كيف الصلاة عليك كالمسترشد؟

فأجاب يرشده بما قد جاء في

قول المصلي دبر كل تشهد

لوحت فيه ولم أصرح حيث لم

يدخل على وزن القريض المنشد

هذا الكلام على الدلائل ليس ما

قد قاله من شذ عن ذا المقصد

وكذا في روض الرياحين الذي

فيها الغلو بصالح وبسيد

والله قد ذم الغلو فقال يا

أهل الكتاب بغلظة وتهدد

إذ قال لا تغلو بنهي لازم

في دينكم في الحكم لم يتردد

عجباً لهم لو كان فيهم منصف

لرأي المحب محمداً لمحمد

ص: 142

من حيث إن الاتباع مقارن

للحب في نص الكتاب الأمجد

قالوا صبأتم قلنا لهم

الحق شمس للبصير المهتدي

ما بيننا نسب نميل له ولا

حسب يقربنا له بتودد

أيضاً ولا هو جارنا الأدنى الذي

تمتاز نعمته ولم نسترفد

لكنها شمس الظهيرة قد بدت

لذوي البصائر فاهتدى من يهتدي

فالعالمون العاملون المنصفون

له أقروا بالفضائل واليد

لكن قليل منهموا في عصرنا

كالشعرة البيضا يجلد أسود

والله قد ذم الكثير وقال في

حق القليل مقالة لم تجحد

بسبأ، وص فاتلها متدبراً

تلق الصحيح بها فخذه تهتد

فإن اعتراكم في الذي قد قاله

شك وريب واختلاف يبتدي

فزنوا بميزان الشريعة قوله

تجدوه حقاً ظاهراً للمقتدي

ولئن وجدتم فاسقاً أو جافياً

أو جاهلاً في العلم كالمتردد

قد زل يوماً أو هفا لا تنسبوا

هفواته لجناب ذاك المرشد

فالآل والأصحاب ماذا ضرهم

من بعدهم تكدير صافي المورد

من بعد ذاك الاجتماع على الهدى

ظهروا ذوي فرق وأهل تبدد

ماذا يضر السحب نبح الكلب أم

ماذا يضر الصحب سب الملحد

ثم الصلاة على النبي محمد

أزكى الورى أصلاً وأطيب محتد

والآل والأصحاب جمعاً كلما

قد ذب عن ذا الدين كل موحد

ص: 143