الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
مشركوا هذا الزمان كمشركي العرب الاقدمين
ثم قال الملحد: فالمؤمن لا يعتقد أن المخلوق فعلاً أو تأثيراً، وقد بسط العلماء الجواب عما يفعله العوام مما يظن أن فيه شبهة شرك وما هي فيه ونحن وإياهم ما نقصد بذلك إلا اتباع الله تعالى باتخاذ الوسائل وابتغاء الأسباب التي منها السعي والكسب والدعاء واتخاذ الوسائط والتوسل بجاه أحبائه إلى آخره. والجواب أن نقول: هكذا كان مشركو العرب من الجاهلية حذو النعل بالنعل كانوا يدعون الصالحين والأنبياء والمرسلين طالبين منهم الشفاعة عند رب العالمين ويلجأون إليهم ويسألونهم على وجه التوسل بجاههم وشفاعتهم ويعلمون أن الله تعالى هو النافع الضار وأن الله سبحانه هو المؤثر وأن غيره لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام لما جعلوا بعض المخلوقين وسائط بينهم وبين الله تعالى فلم ينفعهم إقرارهم بتوحيد الربوبية وأما ما يفعله العوام مما يظن أن فيه شبهة شرك فما أجابهم علماء السوء إلا بما أرداهم فأصبحوا من الخاسرين، وأنتم وإياهم في ميدان الكفر كفرسي رهان ولعمري لقد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل والألفاظ التي يقولها العوام وينطقون بها دالة دلالة مطابقة على اعتقاد التأثير من غير الله تعالى فما معنى الشبهة ثم لو سلم هذا الجهل لاستحال الارتداد وانسد باب الردة الذي يعقده الفقهاء في كل مصنف وكتاب من كتب أهل المذاهب الأربعة وغيرها فإن المسلم الموحد فمتى صدر منه قول أو فعل موجب للكفر يجب حمله على المجاز العقلي والإسلام والتوحيد قرينة على ذلك المجاز وأيضاً يلزم على هذا أن لا يكون المشركون الذين نطق كتاب الله بشركهم مشركين فإنهم كانوا يعتقدون أن الله هو
الخالق الرازق الضار النافع وأن الخير والشر بيده لكن كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، فالاعتقاد المذكور قرينة على أن المراد بالعبادة ليس معناه الحقيقي بل المراد هو المعنى المجازي أي التكريم مثلاً، فما هو جوابكم فهو جوابنا أيضاً أنكم هؤلاء أولتم عنهم في تلك الألفاظ الدالة على تأثير غير الله فما تفعلون في أعمالهم الشركية من دعاء غير الله والاستغاثة والنذر والذبح فإن الشرك لا يتوقف على اعتقاد تأثير غير الله بل إذا صدر من أحد عبادة من العبادات لغير الله صار مشركاً سواء اعتقد ذلك الغير مؤثراً أم لا. انتهى. فإذا عرفت أن هذا هو اعتقاد كفار قريش وغيرهم من العرب فإنهم كانوا معترفين بأن الله هو الفاعل لهذا الأشياء وأنه لا مشارك له في إيجاد شيء ولا أدخلهم ذلك في الإسلام بل قاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم إلى أن يخلصوا العبادة لله ولا يشركوا في عبادته أحداً سواه كان دعوى هؤلاء أن هذا من الألفاظ الموهمة من الأوهام الموبقة. وأما قوله: ونحن وإياهم ما نقصد بذلك إلا اتباع أمر الله تعالى باتخاذ الوسائل وابتغاء الأسباب التي منها السعي والكسب والدعاء. فالجواب أن نقول لهذا المفتري على الله وعلى رسوله ودينه وشرعه {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} ، وقال تعالى:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ
إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من اتخذ الملائكة والأنبياء والأولياء وسائل يدعونهم من دون الله فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} وأخبر تعالى أن هؤلاء المدعوين عبيده كما أن الداعين عبيده وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه فكيف تدعونهم من دون الله وقد أخبر تعالى أنهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أي القربة، وقيل الوسيلة الدرجة العليا، أي يتضرعون إلى الله في الدرجة العليا، وقيل الوسيلة كلما يتقرب به إلى الله عز وجل فتبين أن الذي أمر الله به عباده المؤمنين دعاءه والتقرب إليه بالأعمال الصالحة فالوسيلة التي تطلب من الله هي التقرب إليه بطاعته والعمل بما يرضيه قال البغوي على قوله:{وَابْتَغُوْا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} : أي: ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا إذا تقرب إليه. انتهى، فهذا الذي ذكره المفسرون في الوسيلة التي تبتغي وتطلب وأما التوسل بدعاء الأنبياء والأولياء والصالحين والاستغاثة بهم في المهمات والملمات فهو الكفر البواح الذي نهى الله عنه ورسوله وأجمع المسلمون على كفر من فعله وأتى به، والله سبحانه وتعالى لا يأمر بالكفر ولا يرضاه لعباده وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون، وأما قوله وابتغاء الأسباب التي منها السعي والكسب والدعاء فالجواب أن نقول: وهذا هو قول الجاهلية الكفار فإنهم ما عهدوا الأنبياء والأولياء والصالحين إلا لكونهم أسباباً ووسائل لنيل المقصود ولا فهم يعتقدون أن الله هو النافع الضار وأنه المتفرد بالإيجار والإعدام وأن الله هو
الخالق للأشياء وأنه هو رب كل شيء ومليكه ولا يعتقدون أن آلهتهم يدعونها من دون الله من الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا في خلق السماوات والأرض واستقلوا بشيء من التدبير والتأثير والإيجاد وإنما دعوهم والتجأوا إليهم واستغاثوا بهم على سبيل التسبب والتوسل بهم فكفرهم الله بذلك وقاتلهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم على ذلك واستحل دماءهم وأموالهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله:"الخامس" أن يقال نحن لا ننازع في إثبات ما أثبته الله من الأسباب والحكم والحكم، لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سبباً في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟ ومن الذي قال إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر أو غير، كان ذلك سبباً في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟ فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمتين إحداهما أن هذه الأسباب مشروعة لا يحرم فعلها فإنه ليس كلما كان سبباً كونياً يجوز تعاطيه فإن المسافر قد يكون سفره سبباً لأخذ ماله وكلاهما محرم والدخول في دين النصارى قد يكون سبباً لمال يعطونه وهو محرم وشهادة الزور قد تكون سبباً لنيل المال يؤخذ من المشهود له وهو محرم وكثير من الفواحش والظلم قد يكون سبباً لنيل مطلب وهو محرم والسحر والكهانة سبب في بعض المطالب وهو محرم وكذلك الشرك كدعوة الكواكب والشياطين بل وعبادة البشر قد يكون سبباً لبعض المطالب وهو محرم فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كانت مفسدته راجحة على مصلحته كالخمر وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحياناً وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقاً وأمر فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية. انتهى. فتبين أن الأسباب التي
يظن هؤلاء المشركون أنها أسباباً شركية لم يأمر الله بها ولا رسوله ولا شرعها الله ورسوله لا في القرآن ولا في السنة ولا عمل بها الصحابة –رضي الله عنهم ولا من بعدهم من التابعين والأئمة والمهتدين، بل هي من الأوضاع الشركية التي ابتدعوها في الدين ويحسبون أنهم مهتدون.
وأما قوله: واتخاذ الوسائط والتوسل بجاه أحبائه إلى آخره.
فالجواب أن نقول: أن اتخاذ الوسائط بين الله وبين خلقه كفر بإجماع المسلمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه: من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً نقله عنه صاحب "الفروع" وصاحب "الإنصاف" وصاحب "الإقناع" وغيرهم وهؤلاء الذين نقلوا كلام شيخ الإسلام من أئمة الحنابلة وساداتهم وهم ممن أخذ عن الأئمة الأربعة أصول دينهم وفروعه وبواسطتهم إلى النبي –صلى الله عليه وسلم، فإن كان حقاً وصواباً فقد ذكروا الإجماع على كفر من اتخذ الوسائط من دون الله وأنت من جملة من تتخذ الوسائط وإن كان باطلاً فقد عدت على تأصيلك بالهدم والرد والتزمت مذهب أهل التلفيق الذي ترمي به وتلزمه أهل التحقيق وأنت به أليق من ذلك الفرق وعلى نفسها تجني براقش، وأما التوسل بجاه أحبائه فقد تقدم الجواب عنه وأما صراحته في القرىن العظيم والسنة فمن الكذب على الله ورسوله بل تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ففي أي آية وفي أي سنة ذكر الله ذلك ورسوله إن كنتم صادقين ولن تجدوا إلى ذلك سبيلاً بلفظ صريح أو نص صحيح ولو ذكرت
ذلك لفصلنا لك الجواب تفصيلاً.
وقولك لكن إذا سبق الشقاء عميت الأبصار وضلت البصائر، فأقول:
نعم، قد سبق عليك الشقاء وعميت عينك عن معرفة الحق والهدى وضلت وبصيرتك عن إدراك حقائق الأمور التي يحبها الله ويرضاها من الإيمان بالله بالله ورسوله وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه وأمرتك نفسك الأمارة بالسوء إلى اتخاذ الوسائط والشفعاء من دون الله واتبعت نفسك هواها ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ثم قال الملحد: وحيث إن هذه المسألة ذات فروع ويتعلق بها مسائل أخر فاقسمها إلى مباحث إن شاء الله تعالى وما توفيقي إلا بالله. البحث الأول: في حياة الرسول –عليه الصلاة والسلام أن هذه المسألة هي من أهم المسائل التي اختلف فيها علماؤنا ببعضهم وهم والمعتزلة وغيرهم وسببه وعدم وجود نص في القرآن العظيم يبين كيفية حياته –عليه الصلاة والسلام بعد وفاته يؤيد الأحاديث الدالة على حياته الجسدية بعد وفاته إلى آخر كلامه.
والجواب أن نقول: قد أطنب هذا الملحد في هذا المبحث وذكر مخرقة وأقوالاً لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من العلماء الراسخين الذين لهم قدم صدق في العالمين، وإنما ذكر اختلاف علمائه الذين لا معرفة لهم بمدارك الأحكام ولا دراية لهم بعلوم أهل الإسلام الذين لهم في هذه المباحث أعظم اهتمام وأحكموا البحث فيها غاية الأحكام وحيث ذكر في هذه المسألة ما تستك عند سماعه اسماع الموحدين وتنفر عنه طباع المؤمنين وتعرض فيها التأويل آيات الكتاب العظيم وسنة نبيه الكريم بما لم يذكره المحققون من أئمة التفسير وشراح الحديث الذين لهم في الدراية والرواية والرعاية ما ليس لغيرهم بأتم تبيان وحسن تعبير، وذكر في هذه المسألة أقوالاً وأبحاثاً ليست من أقوال
أهل الإسلام ولا أبحاثهم فلذلك ضربنا عن جوابه صفحاً وطوينا عليه كشحاً ومن أراد الاطلاع على حقيقة هذه المسألة وتنقيحها وتقرير الأدلة وتحرير أقوال العلماء بتوضيحها وذكر ما ورد في حياة الأنبياء والشهداء والأحاديث الواردة في ذلك فعلية بمطالعة كتاب "الروح" في الكلام على أرواح الأموات والأحياء لابن القيم –رحمه الله ونذكرها هنا كلامه في "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"، والمقصود بذلك أن يعلم من أراد الحق تحقيق الكلام فيها بأوضح بيان بأدلته عن أهل العلم والإيمان، وأما هؤلاء الملاحدة الزنادقة فلا يزيدهم ذلك إلا عتواً ونفوراً وتكبراًَ عن قول الحق تعنتاً وفجوراً، وكان ذلك تسويلاً من الشيطان لهم وغروراً، قال ابن القيم –رحمه الله تعالى-: فصل في الكلام في حياة الأنبياء في قبورهم:
ولأجل هذا رام ناصر قولهم
…
ترقيعه يا كثرة الخلقان
قال الرسول بقبره حي كا
…
قد كان فوق الأرض والرجمان
من فوق أطباق ذاك التراب
…
واللبنات قد عرضت على الجدران
لو كان حياً في الضريح حياته
…
قبل الممات بغير ما فرقان
ما كان تحت لأرض بل من فوقها
…
والله هذي سنة الرحمن
أتراه تحت الأرض حياً ثم لا
…
يتفيهموا بشرائع الإيمان
ويريح أمته من الآراء والخلف
…
العظيم وسائر البهتان
أم كان حياً عاجزاً عن نطقه
…
وعن الجواب لسائل لهفان
وعن الحراك فما الحياة اللاء قد
…
أثبتموها أوضحوا ببيان
هذا ولما جاءه أصحابه
…
يشكون بأس الفاجر الفتان
إذ كان ذلك دأبهم ونبيهم
…
حي يشاهدون شهود عيان
هل جاءكم أثر بأن أصحابه
…
سألوه فتيا وهو في الأكفان
فأجابهم بجواب حي ناطق؟
…
فأتوا إذا بالحق والبرهان
هلا أجابهمو جواباً شافياً
…
إن كان حياً ناطقاً بلسان
هذا ما شهدت ركائبه عن
…
الحجرات للقاصي من البلدان
مع شدة الحرص العظيم له على
…
إرشادهم بطرائق التبيان
أتراه يشهد رأيهم وخلافهم
…
ويكون للتبيان ذا كتمان
إن قلتمو صدق البيان صدقتموا
…
قد كان بالتكرار ذا تبيان
هذا وكم من أمور أشكل بعده
…
أعني على العلماء كل زمان
أو ما ترى الفاروق ود بأنه
…
قد كان منه العهد ذا تبيان
بالجد في ميراثه وكلالة
…
وببعض أبواب الربا الفتان
قد قصر الفاروق عند فريقكم
…
إذا لم يسله وهو في الأكفان
أتراهمو يأتون حول ضريحه
…
لسؤال أمهم أعز حصان
ونبيهم حتى يشاهدهم
…
ويسمعهم ولا يأتي ببيان؟
أفكان يعجز أن يجيب بقوله
…
إن كان حياً داخل البنيان
يا قومنا استحيوا من العقلاء
…
والمبعوث بالقرآن والرحمن
والله لا قدر لرسول عرفتموا
…
كلا ولا للنفس والإنسان
من كان هذا القدر مبلغ علمه
…
فليستتر بالصمت والكتمان
ولقد أبان الله أن رسوله
…
ميت كما قد جاء في القرآن
أفجاء أن الله باعثه لنا
…
في القبر قبل قيامة الأبدان
أثلاث موات تكون لرسله
…
ولغيرهم من خلقه موتان
إذ عند نفخ الصور لا يبقى امرؤ
…
في الأرض حياً قط بالبرهان
أفهل يموت الرسل أم يقوا إذا
…
مات الورى هل لكم قولان؟
فتكلمو بالعلم لا بالدعوى
…
وجيشوا بالدليل فنحن ذو الأذهان
أو لم يقل من قبلكم للرافعي الأ
…
صوات حول القبر بالنكران
لا ترفعوا الأصوات حرمة عبده
…
ميتاً كحرمته لدى الحيوان
قد كان يمكنهم يقولوا أنه
…
حي فغضوا الصوت بالإحسان
لكنهم بالله أعلم منكموا
…
ورسوله وحقائق الإيمان
ولقد أتوا يوماً إلى العباس يستسقون
…
من قحط وجدب زمان
فصل فيما احتجوا به على حياة الرسل في القبور
فإن احتججتم بالشهيد بأنه
…
حي كما قد جاء في القرآن
والرسل أكمل حالة منه بلا
…
شك وهذا ظاهر التبيان
فلذلك كانوا بالحياة أحق من
…
شهدائنا بالعقل والإيمان
وبأن عقد نسائه لم ينفسخ
…
فنساؤه في عصمة وصيان
ولأجل هذا لم يحل لغيره
…
منهن واحدة مدى الأزمان
أفليس في هذا دليل أنه
…
حي لمن كانت له أذان؟
أو لم يرى المختار موسى قائماً
…
في قبره لصلاة ذي القربان؟
أفميت يأتي الصلاة وإن ذا
…
عين المحال وواضح البطلان
أو لم يقل إني أرد على الذي
…
يأتي بتسليم مع الإحسان
أيرد ميت السلام على الذي
…
يأتي به هذا من البهتان
هذا وقد جاء الحديث بأنهم
…
أحياء في الأجداث ذا تبيان
وبأن أعمال عليه
…
تعرض دائماً في جمعة يومان
يوم الخميس ويوم الاثنين الذي
…
خص بالفضل العظيم الشأن
فصل في الجواب عما احتجوا به في هذه المسألة
فيقال أصل دليلكم في ذاك
…
حجتنا عليكم وهي ذات بيان
إن الشهيد حياته منصوصة
…
لا بالقياس القائم الأركان
هذا مع النهي أننا
…
ندعوه مبتاً ذاك في القرآن
ونساؤه حل لنا من بعده
…
والمال مقسوم على السهمان
هذا وإن الأرض تأكل لحمه
…
وسباعها مع أمة الديدان
لكنه مع ذاك حي فارح
…
مستبشر بكرامة الرحمان
فالرسل أولى بالحياة لديه مع
…
موت الجسوم وهذه الأبدان
وهي الطرية في التراب وأكلها
…
فهو الحرام عليه بالبرهان
ولبعض أتباع الرسول يكون ذا
…
أيضاً وقد وجدوه رأي عيان
فانظر إلى قلب الدليل عليهموا
…
حرفاً بحرف ظاهر التبيان
لكن رسول الله خص نساؤه
…
بخصيصة عن سائر النسوان
خيرن بن رسوله وسواه
…
فاخترن الرسول لصحة الإيمان
شكر الإله لهن ذاك وربنا
…
سبحانه للعبد ذو شكران
قصر الرسول على أولئك رحمة
…
منه بهن شكر ذي الإحسان
وكذاك أيضاً قصرهن عليه
…
معلوم بلا شك ولا حسبان
زوجاته في هذه الدنيا وفي الأ
…
خرى يقيناً واضح البرهان
فلذا حرمن على سواه بعده
…
إذ ذاك صون عن فراش ثان
لكن أتين بعدة شرعية
…
فيها الحدود وملزم الأوطان
هذا ورؤيته الكليم مصلياً
…
في قبره أثر عظيم الشأن
في القلب منه حسيكة هل قاله
…
فالحق ما قد قال ذو البرهان
ولذاك أعرض في الصحيح محمد
…
عنه على عمد بلا نسيان
والدارقطني الإمام أعله
…
برواية معلومة التبيان
أنس يقول رأى الكليم مصلياً
…
في قبره فاعجب لذا الفرقان
بين السياق إلى السياق تفارقاً
…
لاتطرحه فيما هما سيان
لكن تقلد مسلم وسواه
…
ممن صح هذا عنده ببيان
فرواته الأثبات أعلام الهدى
…
حفاظ هذا الدين في الازمان
لكن هذا ليس مختصاً به
…
والله ذو فضل وذو إحسان
فروى ابن حبان الصدوق وغيره
…
خبراً صحيحاً عنده ذا شان
فيه صلاة العصر في قبر الذي
…
قد مات وهو محقق الإيمان
فتمثل الشمس الذي قد كان ير
…
عاها لأجل صلاة ذي القربان
عند الغروب يخاف فوت صلاته
…
فيقول للملكين هل تدعاني
حتى أصلي العصر قبل وفاتها
…
قالا: ستفعل ذاك بعد الآن
هذا مع الموت المحقق لا الذي
…
حكيت لنا بثبوته القولان
هذا وثابت البناني قد دعا
…
الرحمان دعوة صادق الإيقان
أن لا يزال مصلياً في قبره
…
إن أعطي ذاك من إنسان
لكن رؤيته لموسى ليلة المعراج
…
فوق جميع ذي الأكوان
يرويه أصحاب الصحاح جميعهم
…
والقطع موجبه بلا نكران
ولذاك ظن معارضاً لصلاته
…
في قبره إذ ليس يجتمعان
وأجيب عنه بأنه أسري به
…
ليراه ثم مشاهداً ببيان
فرآه ثم وفي الضريح وليس ذا
…
يتناقض إذ أمكن الوقتان
هذا ورد نبينا لسلام من
…
يأتي بتسليم مع الإحسان
ما ذاك مختصاً به أيضاً كما
…
قد قاله المبعوث بالقرآن
من زار قبر أخ له فأتى
…
بتسليم عليه وهو ذو إيمان
رد الإله عليه حقاً روحه
…
حتى يرد عليه رد ببيان
وحديث ذكر حياتهم بقبورهم
…
لما يصح وظاهر النكران
فانظر إلى الإسناد تعرف حاله
…
إن كنت ذا علم بهذا الشأن
هذا ونحن نقول هم أحياء لا
…
كن عندنا كحياة ذي الأبدان
والترب تحتهم وفوق رؤوسهم
…
وعن التماثل ثم عن أيمان
مثل الذي قلتوه معاذنا
…
بالله من إفك ومن بهتان
بل عند ربهمو تعالى مثلما
…
قد قال في الشهداء في القرآن
لكن حياتهمو أجل وحالهم
…
أعلى وأكمل عند ذي الإحسان
هذا وأما عرض أعمال العبا
…
د عليه فهو الحق ذو إمكان
وأتى به أثر فإن صح الحديث
…
به فحق ليس ذا نكران
لكن هذا ليس مختصاً به
…
أيضاً بآثار روين حسان
فعلى أبي الإنسان يعرض سعيه
…
وعلى أقاربه مع الإخوان
إن كان سعياً صالحاً فرحوا به
…
واستبشروا يا لذة الفرحان
أو كان سعياً سيئاً حزنوا وقا
…
لوا رب راجعه إلى الإحسان
ولذا استعاذ من الصحابة من روى
…
هذا الحديث عقيبه بلسان
يا رب إني عائذ من خزيه
…
أخزى بها عند القريب الداني
ذاك الشهيد المرتضى ابن رواحة
…
المحبوب بالغفران والرضوان
لكن هذا ذو اختصاص والذي
…
للمصطفى ما يعمل الثقلان
هذي نهايات لإقدام الورى
…
في إذا المقام الضنك صعب الشان
والحق فيه ليس تحمله عقو
…
ل بني الزمان الغلظة الأذهان
ولجهلهم بالروح مع أحكامها
…
وصفاتها للألف بالأبدان
فارض الذي رضي الإله لهم به
…
أتريد تنقص حكمة الديان؟
وترد أوقات السلام عليه من
…
أعلى الرفيق مقيمه بجنان
وكذاك إن زرت القبور مسلماً
…
ردت لهم أرواحهم للآن
فهموا يردون السلام لا
…
ركن لست تسمعه بذي الأذنان
هذا وأجواف الطيور الخضر
…
مسكنها لدى الجنات والرضوان
من ليس يحمل عقله هذا فلا
…
تظلمه واعذره على النكران
للروح شأن غير ذي الأجسام لا
…
تهمله شأن الروح أعجب شان
وهو الذي حار الورى فيه فلم
…
يعرفه غير الفرد في الأزمان
فلذاك أمسكت العنان ولو أرى
…
ذاك الرفيق جريت في الميدان
هذا وقولي أنها مخلوقة
…
وحدوثها المعلوم بالبرهان
هذا وقولي أنها ليست كما
…
قد قال أهل الإفك والبهتان
لا داخل فينا ولا هي خارج
…
عنا كما قالوه في الديان
والله الرحمان أثبتم ولا
…
أرواحكم يا مدعي العرفان
عطلتموا الأبدان من أرواحها
…
والعرش عطلتم من الرحمن
فصل
قال الملحد: البحث الثاني في الزيارة، اعلم يا أخي شرح الله قلبي وقلبك بنور الإخلاص إن لنا معشر المؤمنين وجداً في حب نبينا –عليه الصلاة والسلام يكفينا عن الاستدلال والاستشهاد وعلى كل ما نحن في صدده، فمن شاء فليتبعنا فيتذوق بما ذقنا ولا ينازع لكن لما رأينا أناساً منا أغواهم الشيطان بواسطة زمرة من جنوده المتدلسين بالعلم والدين فاتبعوهم عن جهل فقمنا امتثالاً لأمر بنا واقتداءً بنبينا وأصحابه –عليه وعليهم الصلاة والسلام- رجاء أن ننال شيئاً من الفلاح بالذب عن الشريعة المطهرة والأئمة الأعلام، وأنبهك بشيء لا دليل عليه غير الذوق والوجدان وهو أن الداخل للحرمين الشريفين والواقف بعرفات إذا لم يكن متزوداً بأوفر نصيب من الإخلاص والاعتبار فلا يشعر بشيء ولا يدرك شيئاً ولا يجد له لذة في عمل ولا همة باغتنام أجر ولا رغبة بزيادة فضل أما من أنعم الله عليه بهذا الزاد فإنه يشعر ويدرك كليات وجزئيات أمور ويجد لذة وهمة لا يجد اللسان ألفاظاً يعبر بها عنها فلا تلمه إن رأيته في عرفات تارة يرقص وتارة يتمرغ في الرمل غير حاس بحرارته إلى آخر كلامه.
والجواب أن نقول: وهذا أيضاً من جنس ما قبله من المخرقة التي يمخرق بها هؤلاء الأنجاس الأرجاس، ويموهون بها على أعين كثير من الناس،
ليوهموهم أنهم بذلك من أهل الذوق والفناء في العبادة من غير شك ولا التباس، وهم من أكثر خلق الله وأبعدهم عن سلوك طريقة أهل التعبد من الأفاضل الأكياس، بما غرهم به الشيطان من المكر والخداع والتلاعب بالدين، وسلوك على غير سبيل المؤمنين، فإنه قد كان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أنه لم يكن من هدي نبينا –عليه أفضل الصلاة وأتم السلام-، ولا كان هذا يوجد من أحد من أصحابه الأفاضل الكرام، ولا من التابعين لهم بإحسان ولا فعله أحد من الأفاضل الكرام، ولا من التابعين لهم بإحسان ولا فعله أحد من أفاضل الائمة الأعيان، فما هو إلا من تلاعب الشيطان وإغوائه لأوليائه من ذوي الكفر والفسوق والعصيان، فنعوذ بالله من ريب الذنوب وانتكاس القلوب ومن كان هذا سبيله فلا حاجة بنا إلى الجواب عنه لأنه مخرقة وزندقة لا طائل في إتعاب القلم بردها واشتغال الذهن بهدم أصولها وهدها، ولكن نشير بعض الإشارة إلى ما قد يعرض لبعض أهل التصوف من الشطحات والغيبة عن أنفسهم بمحبوبهم فيبقى قلب أحدهم متعلقاً بمحبوبه غائباً عن نفسه منطرحاً ببابه مشاهداً لمحبوبه الحق بخلاف ما قد يعرض لهؤلاء الزنادقة الملاحدة من الذهول والغيبة عن أنفسهم فإنهم لما كانوا غير مؤمنين بالله ورسوله كانوا مشركين بالله غير مخلصين له في عبادته بما يصرفون من خالص حق الله لغيره من الدعاء والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والاستغاثة وسائر أنواع العبادة التي اختص الله بها دون غيره فلذلك تختلط بهم الشياطين وتستولي على قلوبهم فيظل أحدهم يرقص ويتمرغ كما تتمرغ الدابة وهذا ليس من العبادة في شيء بل هو من تلاعب الشيطان بعقولهم ولما كان يظن بعض الجهال أن حال هؤلاء كحال أولئك ويغتر به من لا تمييز له بأحوال القوم أشرنا بعض الإشارة إلى ما ذكره شمس
الدين ابن القيم –رحمه الله بعد أن ذكر من أحوال المحبين وأنه قد يغيب أحدهم بحبوبه عن نفسه أو يتمكن من جميع أجزائه قلبه قال في أثناء كلام له: ثم يلطف شأنها بغيرها ويقهر سلطانها حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه ولا يشعر بنفسه ومن ها هنا نشأت الشطحات الصوفية التي مصدرها عن قوة الوارد وضعف التمييز فحكم صاحبها فيها الحال وجعل الحكم له وعزل علمه عن التمييز وحكم المحققون فيها حاكم العلم على سلطان الحال وعلموا أن كل حال لا يكون العلم كما عليه فإنه لا ينبغي أن يعبر به ولا يسكن إليه كما لا يساكن المغلوب المقهور لما يرد عليه بما يعجز عن دفعه وهذه حال أكمل القوم الذين جمعوا بين نور العلم وأحوال المعاملة فلم تطفئ عواصف أحوالهم نور أعمالهم ولم يقصر به علمهم عن الترقي إلى ما وراءه من مقامات الإيمان والإحسان فهؤلاء حكام على الطائفتين ومن عذلهم فمحجوب بعلم لا نفوذ له فيه أو مغرور بحال لا علم له بصحيحه من فاسده، والله المسؤول من فضله إنه قريب مجيب، فالكامل من يحكم العلم على الحال فيتصرف في حاله بعلمه ويجعل العلم بمنزلة النور الذي يميز به الصحيح من الفاسد من لا من لا يقدح في العلم بالحال ويجعل الحال معياراً عليه وميزاناً فما وافق حاله من العلم قبله وما خالفه رده ونفاه فهذا أصل الضلال في هذا الباب بل الواجب تحكيم العلم والرجوع إلى حكمه وبهذا أوصى العارفون من شيوخ الطريق كلهم وحرضوا على العلم أعظم تحريض لعلمهم بما في الحال المجرد عنه من الغوائل والمهالك والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى. فتأمل ما ذكره ابن القيم –رحمه الله وانظر إلى قوله: حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه فكيف من يغيب بالرقص والتمرغ في الرمل عن محبوبه وانظر إلى قوله: فحكم صاحبها فيها الحال على العلم وجعل الحكم له له وعزل علمه عن التمييز وهذا بخلاف المحققين الكمل الذين يحكمون العلم على الحال.