الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
أحاديث ضعيفة أوردها المعترض وبيان بطلانها
قال الملحد: اعلم يا أخي أنه لما كانت الرسالة تبليغاً بالأمر والعمل فالرسول عليه الصلاة والسلام كطما بلغ الأمة كل أمر شفاهي كذلك بلغهم بالعمل ليكون اقتداؤهم به وأخذهم عنه جامعاُ بين الأمر والعمل إلا ما كان من تخصصاته الذاتية فكان ينهاهم عما فيه مشقة عليهم إذا قلدوه فيه ويسكت عن ما لا مشقة فيه ومن ذلك ما نحن بصده وإليك بيان ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في معنى التوسل وإليه استند علماؤنا به اقتدرا الأول في البخاري في باب تعاون المؤمنين عن محمد بن يوسف عن سفيان عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال وكان النبي –صلى الله عليه وسلم جالساً إذ جاء يسأل أو طالب حاجة فأقبل علينا صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال "اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" انتهى.
والجواب أن نقول: قد كان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين ونصح الأمة وأدى الأمانة وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه فصلوات الله وسلامه عليه وجزاه عن أمته أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته فأما ما ذكره هذا الملحد بقوله ومن ذلك ما نحن بصدده وإليك بيان ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام في معنى التوسل وإليه استند علماؤنا وبه اتقدوا فذكروا ما رواه البخاري في باب تعاون المؤمنين وهذا مما لا شك فيه ولا ارتياب أنه هو محض الحق والصواب ولا ينكر هذا إلا من أعمى الله بصيرة قلبه وران على قلبه سوء عمله وكسبه فإن هذا من الأسباب الظاهرة العادية أجرى الله على أيدي العباد نفع بعضهم بعضاً بها وهذا جائز لا نزاع فيه بين
العلماء لأنه من حي حاضر قادر وإنما النزاع في التوسل والاستشفاع بالموتى والغائبين وهذا لم يقل بجوازه أحد من الأئمة المهتدين ولا العلماء المحققين بل هذا مما ابتدعه الغلاة من المتأخرين الذين ليس لهم قدم صدق في العالمين وقياس الأموات بالأحياء قياس فاسد قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} الآية وقد تقدم بيان ذلك من كلام العلماء فيما مضى.
وأما قوله الثاني وفي هذا الباب قال القسطلاني في قوله: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِِيب منها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} ان الله بين في هذه الآية جواز الشفاعة في جلب نفع أو دفع ضرر لم يكن فيه ابطال حق ولا منع حد شرعي ولا نفع ذاتي فإن كانت في خير كان له ثواب ذلك وإن كانت في شر كان عليه من وبالها انتهى.
فالجواب أن نقول: هذا أيضاً من جنس ما قبله فإن هذا استشفاع بحي حاضر قادر على ما ينفع به المسلم أخاه مما هو قادر عليه وليس في كلام القسطلاني أن هذا استشفاع بالأموات والغائبين وما لا يقدر عليه إلا الله بل هذا من الأسباب العادية المقدور عليها وهذا مما لا نزاع في جوازه فالإستدلال به على جواز دعاء الأموات والغائبين مما لا يقدر عليه إلا الله من باب المغالطة والتمويه وهذا لا خفاء به. وأما قوله الثالث أخرج ابن ماجة والحافظ والبيهقي عن أبي سعيد الخدري والسيوطي في الجامع الكبير عنه أيضاً وابن السني عن بلال قال كان إذا خرج عليه الصلاة والسلام إلى الصلاة قال بسم الله آمنت بالله وتوكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق مخرجي هذا إليك فإني لم أخرج لشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك
وابتغاء مرضاتك أسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
والجواب أن يقال هذا الحديث رواه عطية العوفي وفيه ضعف، قال شيخ الإسلام "لكن بقدر ثبوته هو من هذا الباب فإن حق السائلين عليه سبحانه أن يجيبهم وحق المطيعين له أن يثبتهم، فالسؤال له والطاعة له سبب لحصول إجابته وإثابته فهو من التوسل به والتوجه والتسبب به ولو قدر أنه قسم لكان قسماً بما هو من صفاته فإن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله فصار هذا كقوله –صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" والاستعاذة لا تصح بمخلوق كما نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة إلى آخر كلامه، فتبين من كلام الشيخ أن السؤال بحق السائلين هو إجابتهم وسؤاله بحق الطائعين إثابتهم فيكون السائل بهاتين الصفتين سائلاً بصفات الله فإن الإجابة والإثابة من أفعاله وأقواله سبحانه وتعالى، وسؤاله بأسمائه وصفاته والتوسل بها ثابت بالكتاب والسنة قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وفي الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" فقال: "دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب" رواه الترمذي وأبو داود إلى غير ذلك من الأحاديث وكذلك التوسل بالأعمال الصالحة كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة، كما روي عن ابن عمر عن النبي –صلى الله عليه وسلم "بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا
أعمالاً عملتموها صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها" الحديث متفق عليه، وهو في الصحيحين، فليس في حديث أبي سعيد الخدري ما يدل على ما ادعاه هذا الملحد من التوسل بذوات الأنبياء والأولياء والصالحين فضلاً عن دعائهم والاستغاثة بهم والالتجا إليهم وبهذا يتبين عدم معرفتهم بمعاني ما أنزل الله على رسوله ومعاني كلام رسوله وأن هذا المعترض وأشباهه أجانب من ذلك لا عهد لهم به ولا تمييز عندهم فالله المستعان.
وأما قوله في هذا الحديث: ثلاثة أدلة لنا الأول توسله –عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين المعبر عنهم بالسائلين وهو أفضل الخلق فكيف لا نتوسل بجاهه ونحن أفقر الخلق إلى جاهه وبهذا نص صريح بجواز التوسل بالأنبياء وما دونهم من كل مؤمن. الثاني، وهو أبلغ بالتجوز توسله –عليه الصلاة والسلام بشيء مجازي وهو المخرج بنصب المميم والراء والمخرج برفع الميم وكسر الراء. الثالث إيراد التوسل بصيغة القسم أي قوله بحق فهذا أبلغ وأعظم في التدلل على الله تعالى من صيغة الرجاء.
فالجواب أن يقال: قد كان من المعلوم عند من له أدنى ممارسة بالعلوم أنه ليس لهذا المبطل متعلق في هذا الحديث بوجه من الوجوه ولا فيه ما يدل على مطلوبه فإنه –صلى الله عليه وسلم لم يتوسل بالمؤمنين وإنما توسل بحق السائلين وحق السائلين هو الإجابة والإجابة صفة من صفات الله وكذلك حق المشاة والطائعين لله الإثابة والإثابة من صفاته تعالى فلا يكون متوسلاً بأحدِ من الخلق.
وأما قوله: الثاني وهو أبلغ بالتجوز توسله –عليه الصلاة والسلام بشيء مجازي وهو المخرج بنصب الميم والراء أو المخرج برفع الميم وكسر الراء.
فالجواب: أن المخرج والممشى بمعنى واحد وهو المخرج والممشى هو الإثابة
وهي من صفات الله وقد كان من المعلوم أن مخرجه إلى الصلاة وممشاه إليها حقيقي لا مجازي وهذا مما يدلك على غباوته وقله معرفته بالعلوم الشرعية والأحاديث النبوية واللغة العربية.
وقوله: الثالث إيراد التوسل بصيغة القسم أي قوله بحق فهذا أبلغ وأبلغ في التدلل على اله تعالى من صيغة الرجاء.
فأقول لو كان قسماً لكان قسماً بما هو من صفات الله فلا متعلق لهؤلاء المحرفين لكلام الله وكلام رسوله بشيء من هذا الحديث فيكون ما فهموه باطلاً مردوداً ونزيد ذلك إيضاحاً بما ذكره شمس الدين ابن قيم الجوزية في "بدائع الفوائد" قال –رحمه الله في أثناء كلام له ومنه قوله: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} فهذا حق على نفسه فهو طلب وإيجاب على نفسه بلفظ الحق ولفظ على ومنه قول النبي –صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمعاذ "أتدري ما حق الله على عباده" قلت الله ورسوله أعلم قال "حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار" ومنه قوله –صلى الله عليه وسلم في غير حديث من فعل كذا وكذا كان حقاً على الله أن يفعل به كذا وكذا في الوعد وفي الوعيد فهذا الحق الذي أحقه على نفسه ومنه الحديث الذي في السنن من حديث أبي سعيد عن النبي –صلى الله عليه وسلم في قول الماشين إلى الصلاة "أسألك بحق ممشاي هذا وبحق السائلين عليك" فهذا حق السائلين عليه هو أحقه على نفسه لا أنهم هم أوجبوه ولا أحقوه بل أحق على نفسه أنه يجيب من سأله كما أحق على نفسه في حديث معاذ أن لا يعذب من عبده فحق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم والحقان هو الذي أحقهما وأوجبهما لا السائلون ولا العابدون:-
ما للعباد عليه حق واجب
…
كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا
…
فبفضله وهو الكريم الواسع
ومنه قوله تعالى: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} فهذا الوعد هو الحق الذي أحقه الله على نفسه وأوجبه. انتهى.
وأما قوله: الثالث إيراد التوسل بصيغة القسم أي قوله بحق فهذا أبلغ وأعظم في التدلل على الله من صيغة الرجاء.
فالجواب أن يقال هذا الكلام لا ينبغي أن يقال في جناب النبي –صلى الله عليه وسلم لأن التدلل على الله من الاعتداء قال ابن القيم –رحمه الله في "بدائع الفوائد" ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع بل دعاء مدل كالمستغني بما عندة المدل على ربه وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته فما يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد ومن الاعتداء أن يعبده بما لا يشرعه ويثني عليه بما لا يثني به على نفسه ولا أذن فيه من الاعتداء ي دعاء الثناء والعبادة وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين أحدهما محبوب للرب تعالى مرضاة له وهو تضرعاً وخفية والثاني مكروه له مبغوضاً مسخط وهو الاعتداء فأمر بما يحبه وندب إليه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ الزجر والتحذير وأنه لا يحب فاعله ومن لم يحبه الله فأي خير يناله.
فصل
قال الملحد الحديث الرابع أخرجه الطبراني وابن ماجه والحاكم وأبو نعيم والسيوطي في الجامع الكبير وكلهم عن أنس –رضي الله عنه وابن عبد البر عن
ابن عباس –رضي الله عنهما حديث حضوره –عليه الصلاة والسلام دفن فاطمة بنت أسد والدة سيدنا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه ونزوله في قبرها وقوله: "اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي" فهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم يتوسل بنفسه والأنبياء كلهم وكانوا أمواتاً إلى آخر كلامه. والجواب أن يقال: في سنده روح بن صلاح المصري ضعه ابن عدي وتصحيح الحاكم له لا يجدي شيئاً فغنه جمع في مستدركه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة جملة كثيرة وقد روي فيه لجماعة من المجروحين في كتابه يخالف هذا ويدل على وجوب التوسل بأسمائه وصفاته وإنابة الوجوه إليه فما أعمى عينك عنها هل شيء أعماها سوى الجهل والهوى! وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد، وقال شيخ الإسلام قد بالغت في البحث والاستقصاء فما وجدت أحداً قال بجوازه إلا ابن عبد السلام في حق نبينا –عليه أفضل الصلاة والسلام- أترى هذا الحديث يخفى على علماء الامة لم يعلموا ما دل عليه ثم لو سلمنا صحته أو حسنه ففيه ما سيأتي في حديث الأعمى أن المراد بدعاء نبيك الله آخره وأي وسيلة بذوات الأنبياء لمن عصى أمرهم وخرج عما جاءوا به من التوحيد والشرع قال شيخ الإسلام فإذا قال الداعي أسألك بحق فلان وفلان لم يدع له وهو لم يسأله باتابعه لذلك الشخص او محبته او طاعته بل نفس ذاته وما جعله له ربه من الكرامة لم يكن قد سأله بسبب يوجب المطلوب. انتهى.
وأما قولهك فهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم توسل بنفسه والأنبياء كلهم وكانوا أمواتاً فيقال قد ذكر هذا الملحد فيما تقدم من كلامه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم والأنبياء
كانوا أحياء حياة جسمانية وأنهم ليسوا بأموات وفي هذا يقول وكانوا أمواتاً فما أقبح هذا التناقض.
فصل
وقوله: "الخامس" خرج الترمذي والنسائي والبيهقي والطبراني عن عثمان بن حنيف –رضي الله عنه أن رجلاً ضريراً أتى النبي –صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافني فقال له: "إن شئت دعوت الله وإن شئت صبرت وهو خير لك" قال الرجل: فادعه فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو الله بقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في هذا لتقضى اللهم شفعه في فعاد الرجل وقد أبصر. انتهى. وأخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه وابن ماجه والحاكم في المستدرك والسيوطي في الجامعين وشاع هذا الدعاء بين الصحابة حتى استعملوه فيما بينهم.
والجواب ان يقال: هذا الحديث –أعني حديث الأعمى- غير محفوظ فيه مقال مشهور وفي سنده ابن جعفر عيسى بن ماهان الرازي التيمي قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" الأكثرون على ضعفه، وقال أحمد: والثاني ليس بالقوي، قال أبو حاتم صدوق وقال ابن المديني ثقة كان يخلط، وقال مرة يكتب حديثه إلا أنه يخطئ وقال القلانسي سيئ الحفظ وقال ابن حبان ينفرد بالمناكير من المشاهير وقال أبو زرعة يهم كثيراً وقال الحافظ في "التقريب" أيضاً في ترجمة الرازي التميمي ابن جعفر الرازي التميمي مولاهم مشهور بكنيته واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة من كبار السابعة مات في حدود الستين
انتهى. وعلى قدر صحته وثبوته فلا يدل على ما توهمه هذا الملحد وبيان معنى الحديث يعلم أن هؤلاء الغلاة غير صحيح.
فقوله: اللهم إني أسألك أي أطلب منك وأتوجه إليك بنبيك محمد صرح باسمه مع ورود النهي عن ذلك تواضعاً منه لكون التعليم من قبله وفي ذلك قصر السؤال الذي هو أصل الدعاء على الله تعالى الملك المتعال، ولكنه توسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم بدعاه ولذا قال في آخره "اللهم شفعه في" إذ شفاعته لا تكون إلا بالدعاء لربه قطعاً ولو كان المراد التوسل بذاته فقط لم يكن لذلك التعقيب معنى إذ التوسل بقوله نبيك كاف في إفادة هذا المعنى، وقوله: يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي قال الطيبي: الباء في بك للاستعانة وقوله: "إني توجهت بك" بعد قوله: "أتوجه إليك" فيه معنى قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} فيكون خطاباً لحاضر معاين في قلبه مرتبطاً بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه بدعائه الذي هو عين شفاعته ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيدة كل ذلك أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه فكأنه استحضره وقت ندائه، وقال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم": الميت لا يطلب منه شيء لا دعاء ولا غيره وكذلك حديث الأعمى فإنه طلب من النبي –صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرد عليه بصره فعلمه النبي –صلى الله عليه وسلم شفع فيه وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته وأن قوله: "أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" أي بدعائه وشفاعته كما قال عمرك كنا نتوسل إليك بنبينا فلفظ التوسل والتوجه في الحديثين بمعنى واحد، ثم قال يا محمد يا رسول الله إني أتوجه إليك إلى ربي في حاجتي ليقضيها اللهم فشفعه في طلب من
من الله أن يشفع فيه وقوله يا محمد يا نبي الله هذا وامثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب فيخاطب المشهود في القلب كما يقول المصلي "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" والإنسان يفعل مثل هذا كثير يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب فلفظ التوسل بالشخص والتوجه به والسؤال به فيه إجمال واشتراك غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة يراد به التسبب لكونه داعياً وشافعاً مثلاً أو يكون الداعي محباً له ومطيعاً لأمره مقتدياً به فيكون التسبب أو بمحبة السائل له واتباعه له وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته فلا يكون التوسل لا بشيء منه ولا بشيء من السائل بل بذاته أو بمجرد الغقسام به على الله فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه وكذلك لفظ السؤال بالشيء قد يراد به المعنى الأول وهو التسبب لكونه سبباً في حصول المطلوب وقد يراد به الإقسام إلى آخر ما قال –رحمه الله إذا عرفت هذا فليس في حديث الأعمى ما يدل على التوسل به ودعائه والالتجاء إليه بعد وفاته وإنما فيه أنه توسل بدعائه كما كان الصحابة يتوسلون بذلك ويسألونه الاستغفار والدعاء، وأما دعوى هذا الملحد أنه شاع هذا الدعاء بين الصحابة حتى استعملوه فيما بينهم.
فالجواب: أن هذا مما يعلم بالضرورة أنه الكذاب على جميع الصحابة –رضي الله عنهم ولو كان هذا الاستعمال صحيحاً لتوفرت الهمم والدواعي على نقله ولما عدل الفاروق إلى التوسل بدعاء العباس ومعاوية بيزيد بن الأسود الجرشي ولكان يمكنهم لو كان هذا الحديث صحيحاً معروفاً عندهم أن يتوسلوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم ولا يطلبون من العباس أن يدعو لهم، ومما يوضح لك الأمر أن هذا الحديث غير صحيح أن رواته مختلفون في متنه وسنده مع أنه لم يذكر في
شيء من الكتب المعتمدة وغنما ذكره مثل البيهقي والطبراني والترمذي وأبو نعيم وهؤلاء يذكره مثل هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة على وجه التنبيه وقد رأى علماء الإسلام الجهابذة النقاد ظلمات الوضع لائحة عليه فأعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه والله أعلم ثم لو كان الحديث ثابتاً صحيحاً عن عثمان بن حنيف لكان قول صحابي خالفه غيره من الصحابة وإذا خالفه غيره لم يكن قوله حجة على من خالفه فدعوى استعمال الصحابة له من الكذب عليهم والله أعلم.
فصل
قال الملحد: السادس روى البيهقي وابن أبي شيبة أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر –رضي الله عنه فجاء بلال إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم هلكوا فسقاهم الله في الحال.
والجواب أن نقول قد كفانا مؤنة إيضاح عدم الاعتبار بالمنامات وأنه لا يثبت بها حكم شرعي لكن نقول هذا الحديث فيه مقال مشهورن قال الحافظ في "الفتح" وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر –رضي الله عنه قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر –رضي الله عنه فجاء إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم في المنام فقيل له ائت عمر الحديثن وقد روى سيف في "الفتوح" ان الذي رأى في المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة فعلم إنما روي بإسناد صحيح ليس فيه أن الجائي أحد الصحابة وما فيه أن الجائي أحد الصحابة ضعيف غاية الضعفز قال الذهبي في "الميزان" سيف بن عمر الضبعي الأسدي ويقال التميمي البرحمي ويقال السعدي الكوفي مصنف الفتوح والردة وغير ذلك كالواقدي يروي عن هشام بن عرفة
وعبد الله بن عمرو جابر الجعفي وخلق كثير ممن المجهولين كان إخبارياً عارفاً روى عنه عبادة بن المفلس وأبو معمر القطيعي والنظر بن حماد العتكي وجماعة قال عباس عن يحيى ضعيف وروى مطين عن يحيى فليس خير منه قال أبو داود ليس بشيء وقال أبو حاتم متروكن وقال ابن حبان اتهم بالزندقة وقال ابن عدي عامة حديثه منكر، وقال السيروتي سمعت ابن نمير يقول: سيف الضبعي تميمي كان جميع ما يقول حدثني رجل من بني تميم كان سيف يضع الحديث وقد اتهم بالزندقة. انتهى ملخلصاً. قال الحافظ في "التقريب" سيف بن عمر التميمي صاحب الردة ويقال له الصبي ويقال غير ذلك الكوفي ضعيف في الحديث عمدة في الأخبار أفحش ابن حبان القول فيه. انتهى. وقال الذهبي في "الكاشف" قال ابن معين وغيره ضعيف وقال في الخلاصة سيف بن تميم الأسدي الكوفي صاحب الردة عن جابر الجعفي وأبي الزبير وعن محمد بن عيسى الطباع وابو معمر الهذلي ضعفوه. انتهى. فهذا ما قيل في حديث بلال بن الحارث الذي رواه البيهقي وابن أبي شيبة وإن كان غير حديث بلال فغاية ما فيه أنه رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج يستسقي بالناس وهذا ليس من هذا الباب الذي نحن بصدد الكلام فيه فإن هذا قد يقع كثيراً لمن هو دون النبي –صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام وأيضاً ما يروى أن رجلاً جاء إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الجدب عام الرمادة فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج يستسقي بالناس فإن هذا ليس من هذا الباب ومثل هذا يقع كثيراً لمن هو دون النبي –صلى الله عليه وسلم وأعرف من هذا وقائع وكذلك سؤال بعضهم للنبي –صلى الله عليه وسلم أو لغيره من أمته حاجة فتقضى له فإن هذا قد وقع كثيراً وليس مما نحن فيه وعليك أن تعلم أن إجابة النبي –صلى الله عليه وسلم أو غيره
لهؤلاء السائلين ليس هو مما يدل على استحباب السؤال فإنه هو القائل –صلى الله عليه وسلم: "إن أحدهم ليسألني المسألة فاعطيه إياها فيخرج يتأبطها ناراً" فقالوا يا رسول الله فلم تعطهم قال: "يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل" وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم يه من ضيق الحال لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم كما أن السائلين في الحياة كانوا كذلك وفيهم من أجيب وأمر بالخروج من المدينة فهذا القدر إذا وقع يكون كرامة لصاحب القبر أما أنه يدل على حسن حال السائل فلا وفرق بين هذا وهذا. انتهى. فتبين من كلام العلماء أن الجائي إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم ليس هو بلال بن الحارث كما زعمه المعترض لأنه اعتمد على أن هذا فعل صحابي وحاشا لله من ذلك فإنهم كانوا أعلم بالله وبدينه ورسوله وهم أبعد الناس عن سلوك ما يتوهمه الغلاة فبطلت الشبهة الشامية ولله الحمد والمنة.
فصل
قال الملحد: السابع روى البخاري في الاستسقاء عن أنس –رضي الله عنه أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر –رضي الله عنه وهو عام الرمادة وأخذ عمر بيد العباس –رضي الله عنهما والناس خلفهما فوقف توسل إلى الله تعالى بحرمة عم نبيه –عليه الصلاة والسلام فما قفلوا حتى سقاهم الله. قال القسطلاني في شرح هذا الحديث أن عمر –رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا به في عمه واتخذوه وسيلة إلى الله تعالى.
والجواب أن نقولك قد ثبت في صحيح البخاري عن أنس أن عمر استسقى
بالعباس بن عبد المطلب وقال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فيسقون، قال شيخ الإسلام فاستسقوا الله كما كانوا يستسقون بالنبي –صلى الله عليه وسلم وهو أنهم يتوسلون بدعائه وشفاعته فيدعو لهم ويدعون معه كالإمام والمأمومين من غير أن يكون يقسمون الله على بمخلوق ولما مات –صلى الله عليه وسلم توسلوا بدعاء العباس واستسقوا به، ولهذا قال الفقهاء يستحب الاستسقاء بأهل الخير والدين والأفضل أن يكونوا من أهل النبي –صلى الله عليه وسلم قد استسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي وقال: اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديكن فرفع يديه ودعا الناس حتى مطروا وذهب الناس ولم يذهب أحد من الصحابة إلى قبر نبي ولا غيره يستسقي عنده ولا به. انتهى. فهذا هو التوسل المشروع وهذا هو المنقول عن الصحابة لا كما يلفقه هؤلاء الغلاة من الأحاديث الموضوعة أو المعلولة التي لا تثبت بها الأحكام الشرعية وما ذكره عن القسطلاني في "المواهب اللدنية" فلا شك أنه من الموضوعات لأنه لم يذكر بسند يعتمد على مثله وفي "المواهب اللدنية" من الموضوعات والأحاديث المعلولة المردودة ما لا يحصى فلا يعتمد على مثل هذا النقل والله أعلم.
فصل
قال الملحد: الثامن حديث استغاثة آدم بالرسول –عليهما الصلاة والسلام- وهذا الحديث من نوع المتواتر عند جمهور المفسرين والمحدثين بطرق عديدة عن عمر –رضي الله عنه والحجة البالغة في هذا الحديث هي أن الرسول –عليه الصلاة والسلام في عالم الغيب فهذا أبلغ في الحجة مما بعد وفاته.
والجواب أن يقال: هذا الحديث ضعيف بل موضوع فلا يعتمد عليه ولا يعول عليه قال الذهبي في "الميزان" روى عبد الله بن مسلم أبو الحارث الفهري عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبراً باطلاً فيه: "يا آدم لولا محمد ما خلقتك" رواه البيهقي في "دلائل النبوة" قال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في "الأوسط" و "الصغير" ويه من لا أعرفهم. انتهى وذكر الحافظ ابن عبد الهادي عن الإمام مالك –رضي الله عنه أنه قال: اهذب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه عن نوحن وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول سأل رجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثك ابوك عن أبيه عن جده أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت ركعتين قال: نعم وقال ابن خزيمة عبد الرحمن بن زيد ليس ممن يحتج أهل العلم بحديثه، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني حدث عن أبيه لا شيء وقال أيضاً في "الصارم المنكي" وإني لأتعجب منه كيف قلد الحاكم فيما صححه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الذي رواه في التوسل وفيه قول الله لآدم:"لولا محمد ما خلقتك" مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث ضعيف الإسناد جداً وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بن زيد صحيحاً بل هو مفتعل على عبد الرحمن كما سنبينه ولو كان صحيحاً إلى عبد الرحمن لكان ضعيفاً غير محتج به لأن عبد الرحمن في طريقه وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه وتناقض تناقضاً فاحشاً كما عرف له ذلك في غير موضع فإنه قال في كتاب "الضعفاء" بعد أن ذكر عبد الرحمن منهم وقال ما حكيت عنه فيما تقدم أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه في آخر الكتاب فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم
لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به فأن الجرح لا أستحله تقليداً والذي اختاره لصاحب هذا الشأن أن لا يكتب حديثاً واحداً من هؤلاء الذين سميتهم فإن الراوي لحديثهم داخل في قوله –صلى الله عليه وسلم "من حدث بحديث عني وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" هذا كله كلام الحاكم أبي عبد الله صاحب "المستدرك" وهو متضمن أن عبد الرحمن بن زيد قد ظهر له جرحه بالدليل وأن الراوي لحديثه داخل في قوله –صلى الله عليه وسلم "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" انتهى. فتبين من كلام العلماء حملة السنة وأهل الجرح والتعديل الذين حفظ الله بهم الدين عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الزائغين أن هذا الحديث موضوع مكذوب لا يعتمد عليه وأقل أحواله أن يكون ضعيفاً ولا نقول على رسول الله –صلى الله عليه وسلم حديث لا نجزم بصحته وثبوته وإن كان قد صححه الحاكم فالجرح مقدم على التعديل مع أنه قال في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما قال فنأخذ بقوله مع أقوال أئمة هذا الشأن ولا نأخذ بغلطه وخطئه فإذا عرفت هذا وتحققته فالصحيح المأثور عن أئمة التفسير على قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} أن هذه الكلمات هي المفسرة بقوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} وهذا مروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد وعن ابن عباس قال علم شأن الحج وعن عبد الله بن عمر أنه قال: قال يا رب خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال فكما كتبته عليّ فاغفر لين قال فذلك قوله {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} وعن ابن عباس
قال آدم –عليه السلام ألم تخلقني بيدك؟ قيل له بلى ونفخت في من روحك قيل بلى وعطست فقلت رحمك الله وسبقت رحمتك وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له بلى قال أفرأيت أن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال نعم، وكذا رواه العوفي وسعيد بن مبعد ورواه الحاكم في مستدركه إلى ابن عباس وروى ابن أبي حاتم حديثاً مرفوعاً شبيهاً بهذا وعن مجاهد قال الكلمات "اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك إني ظلمت نفسي فتب عليّ أنت التواب الرحيم، هذا ما عليه المفسرون لا ما قاله هذا الأحمق فإن كان بعض من لا بصيرة له قد ذكره فالحجة فيما ثبت عن الصحابة وعن سلف الأمة وأئمتها ولا يجوز تفسير القرآن بأقوال شاذة أو موضوعة لا تثبت عند أهل العلم والحديث وأئمة التصحيح والتجريح. انتهى. وقد روي في بعض طرقه هذا الحديث الموضوع أنه لما خرج آدم من الجنة رأى مكتوباً على ساق العرش وعلى كل موضع في الجنة محمد –صلى الله عليه وسلم مقروناً باسمه تعالى فقال يا رب هذا محمد هو قول الله ولدك الذي لولاه ما خلقتك فقال يا رب بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودي يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السماوات والأرض لشفعناك ذكر هذا في "المواهب اللدنية" وجوابه أن يقال هذا من غلط ما قبله من الموضوعات المكذوبات التي لا أصل لها في الكتاب والسنة ولا رواها أحد ممن يعتمد عليه من الأئمة فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه في الحكم والله أعلم.
فصل
قال الملحد: التاسع ما رواه البخاري وجمهور أهل الحديث في حديث الشفاعة أن الخلق بينما هم في هول القيامة استغاثوا بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى كلهم يعتذرون فيقول عيسى اذهبوا إلى محمد فيأتون إليه فيقول "أنا لها" الحديث وقد سلم ابن تيمية بهذا الحديث وما كابر بإنكاره.
والجواب أن نقولك قال بعض المحققين من أهل العلم في جوابه: إن استغاثة الناس بالنبي –صلى الله عليه وسلم قبله بآدم ثم بنوح إلى آخر حديث الشفاعة فهذه شفاعة بالدعاء والاستغاثة بما يقدر عليه المستغاث مستحسنة عقلاً وشرعاً ومن ذلك الوقفة يستغيث بعضهم بعضاً أي في مهماتهم التي يقدرون عليها وكذلك ما طلب الناس وهي الشفاعة التي هي الدعاء ولذلك يقول سيد الشفعاء –صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث "فأجئ فأسجد وأنه يلهمه الله من الثناءؤ والدعاء شيئاً لم يفتحه لغيره –صلى الله –عليه وسلم- فعند ذلك يأذن الله في الشفاعة ويقول له كما ورد في الحديث: يا محمد "ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع" وهذا ظاهر جداً.
فصل
قال الملحد: العاشر روى الطبراني عن زيد بن عقبة أن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني فإن لله عباداً لا يراهم". انتهى.
والجواب أن نقول: قد روي من طرق أخرى منها ما رواه ابن مسعود عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم في أرض فلاة فليناد يا عباد الله
احبسوها" وفي رواية "إذا أعيت فليناد يا عباد الله أعينوا" وفي رواية "فإن الله حاضر سيحبسها" وكل أسانيد هذه الروايات لا تخلو من مقال وعلى تقدير صحتها فليس فيه إلا نداء الأحياء والطلب منهم ما يقدر هؤلاء الأحياء عليه وذلك مما لا يجحد أحده، وأين هذا من الاستغاثة بأصحاب القبور من الأولياء والصالحين؟ وكون المراد بعباد الله رجال الغيب كما زعم بعض المتصوفة فهو مردود بل هو من الخرافات ومثله زعم وجود الأوتاد والأقطاب والأربعين وما أشبه ذلك، فإن قيل إن عباد الله المذكورين غائبون وأنتم تمنعون من دعاء الأموات والغائبين.
فالجواب أن نقول: هؤلاء ليسوا بغائبين وعدم رؤيتهم لا يستلزم غيبتهم فإنا لا نرى الحفظ ومع ذلك فهم حاضرون ولا نرى الجن ومع ذلك فهم حاضرون وكذلك الشياطين والهواء ونحو ذلك فإن علة الرؤية ليس هو الوجود فقط وأيضاً فإن الأسباب الظاهرة العادية ولا خلاف بين أهل العلم في جوازها فلا حجة لهم في هذا الحديث ولا متعلق لهم فيه بوجه من الوجوه والله أعلم. وهذه الاحاديث التي ذكرها هذا الملحد التي وعد بها في فصل لزيارة أنه يدحض بها حجة شيخ الإسلام ويرد بها ضلالة على زعمه وهي كما ترى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئاً وهذه حال حجة كل مشبه لا يعتمد فيها على كتاب الله وعلى ما صح من سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم وإنما يعتمدون على مثل هذه الأحاديث الموضوعة والأكاذيب المصنوعة وعلى ما يتناولونه من الأقوال التي تأولها بعض المحرفين لمعاني كلام الله ورسوله وذلك لا يجديهم شيئاً عند التحقيق إذ لا قوام له على منهج الطريق التي سلكها المحققون من أهل الكمال والعلم والتدقيق.