المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من سورتي المعارج والقارعة - لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب

[فاضل صالح السامرائي]

الفصل: ‌من سورتي المعارج والقارعة

‌من سورتي المعارج والقارعة

قال تعالى في سورة المعارج: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} .

وقال في سورة القارعة: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} .

فزاد كلمة (المنفوش) في سورة القارعة على ما في المعارج فما سببُ ذاك.

والجواب:

1-

أنه لما ذكر القارعة في أول السورة، والقارعة من القَرْع، وهو الضربُ بالعصا، ناسبَ ذلك ذكر النفش، لأن من طرائق نفش الصوف أن يُقْرعَ بالمقرعة. كما ناسب ذلك من ناحية أخرى وهي أن الجبال تُهَشَّمُ بالمقراع (وهو من القرع) وهو فأسٌ عظيم تُحَطَّمُ به الحجارة، فناسب ذلك ذكر النفش أيضاً. فلفظ القارعة أنسب شيء لهذا التعبير. كما ناسب ذكر القارعة ذكر (الفراش المبثوث) في قوله:{يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} أيضاً لأنك إذا قرعت طار الفراش وانتشر. ولم يحسن ذكر (الفراش) وحده كما لم يحسن ذكر (العهن) وحده.

2-

إن ما تقدم من ذِكْرِ اليومِ الآخر في سورة القارعة، أهول وأشد مما ذكر في سورة المعارج فقد قال في سورة المعارج:{تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فاصبر صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} وليس متفقاً على تفسير أن المراد بهذا اليوم، هو اليوم الآخر. وإذا كان المقصود به اليوم الآخر فإنه لم يذكر إلا طول ذلك اليوم، وأنه تعرج الملائكة والروح فيه. في حين

ص: 198

قال في سورة القارعة: {القارعة * مَا القارعة * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة} فكرر ذِكْرَها وعظمها وهولها. فناسب هذا التعظيم والتهويل أن يذكر أن الجبال تكون فيه كالعِهْنِ المنفوش.

وكونُها كالعهن المنفوش أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفشٍ كما هو ظاهر.

3-

ذكر في سورة المعارج أن العذاب (واقع) وأنه ليس له دافع {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} ووقوع الثقل على الصوف. من غير دفعٍ له لا ينفشه بخلاف ما في القارعة، فإنه ذكر القرع وكرره، والقرع ينفشه وخاصة إذا تكرر، فناسب ذلك ذكر النفش فيها أيضاً.

4-

التوسع والتفصيل في ذكر القارعة حسّن ذِكْرَ الزيادةِ والتفصيل فيها، بخلاف الإجمال في سورة المعارج، فإنه لم يزد على أن يقول:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} .

5-

إن الفواصل في السورتين تقتضي أن يكون كل تعبير في مكانه، ففي سورة القارعة، قال تعالى:{يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث * وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} . فناسبت كلمة (المنفوش) كلمة (المبثوث) .

وفي سورة المعارج قال: {يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل * وَتَكُونُ الجبال كالعهن} . فناسب (العهن)(المهل) .

6-

ناسب ذكر العهن المنفوش أيضاً قوله في آخر السورة {نَارٌ حَامِيَةٌ} لأن النار الحامية هي التي تُذِيبُ الجبالَ، وتجعلها كالعهن المنفوش، وذلك من شدة الحرارة، في حين ذكر صفة النار في المعارج بقوله:{كَلَاّ إِنَّهَا لظى * نَزَّاعَةً للشوى} والشَّوَى هو جلد الإنسان. والحرارةُ

ص: 199

التي تستدعي نزع جلد الإنسان أقلُّ من التي تذيب الجبال وتجعلها كالعهن المنفوش، فناسب زيادة (المنفوش) في القارعة من كل ناحية. والله أعلم.

كما أن ذكر النار الحامية مناسب للقارعة من ناحية أخرى، ذلك أن (القَرّاعة) - وهي من لفظ القارعة - هي القدّاحة التي تُقدح بها النار.

فناسب ذكر القارعة، ذكر الصوف المنفوش وذكر النار الحامية، فناسب آخر السورة أولها.

وبهذا نرى أن ذكر القارعة حسّن ذكر (المبثوث) مع الفراش، وذكر (المنفوش) مع الصوف، وذكر النار الحامية في آخر السورة.

والله أعلم.

ص: 200