المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الشفاعة وأنواعها وإثباتها بالبرهان - لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية - جـ ٢

[السفاريني]

الفصل: ‌فصل في الشفاعة وأنواعها وإثباتها بالبرهان

‌فصل في الشفاعة وأنواعها وإثباتها بالبرهان

القطعي

ولما ذكر الناظم -رحمه اللَّه تعالى- أن من الواجب اعتقاد خروج من يدخل النار من عصاة الموحدين منها ناسب ذكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عصاة أمته وأهل الكبائر منهم فقال: (و) قل بلسانك معتقدًا بجنانك (إن رسول اللَّه) صلى الله عليه وسلم والرسول: إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فإن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي فقط، فإذًا كل رسول نبي بلا عكس (1).

ورسل اللَّه صلوات اللَّه وسلامه عليهم على ما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند ابن حبان في صحيحه: ثلاثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم عليه السلام وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.

وأما الأنبياء فمائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا (2).

(1) وهذا ما قرره شيخ الإسلام في كتابه النبوات (ص 255) في الفرق بين النبي والرسول؛ والمؤلف في كتابه لوامع الأنوار (1/ 49 - 50، 2/ 258).

وانظر في ذلك الشفاء للقاض عياض (1/ 345) وما بعدها.

(2)

أخرجه ابن حبان في صحيحه -الإحسان- (1/ 287 - 289) رقم (362) ورقم (361) الطبعة الثانية.

وأبو نعيم في الحلية (1/ 166 - 168) وابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (3/ 28 - 31)؛ والآجري في كتاب الأربعين (ص 127) في حديث طويل وأخرج الطبراني في الكبير (2/ 167 - 168) رقم (1651) وفي مكارم الأخلاق رقم (1) والقضاعى في مسند الشهاب (1/ 378) جزء منه كلهم من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني.

قال الذهبي في ترجمته وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل انفرد به عن أبيه عن جده، ونقل توثيقه عن الطبراني وابن حبان. =

ص: 245

وقد اعترض جماعة من الحفاظ على ابن حبان لإدخاله هذا الحديث في صحيحه. واللَّه أعلم.

(للخلق): جميعًا. . . (1) الجار والمجرور متعلق بقوله: (شافع) الشفاعة العامة التي هي لفصل القضاء كما تقدم.

والشفاعة لغة: الوسيلة والطلب.

وشرعًا: سؤال الخير للغير.

كذا عرفها بعضهم، والأليق أنها مشتقة من الشفع ضد الوتر فكأنَّ الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له من شفع يشفع بفتح العين المهملة شفاعة فهو شافع وشفيع، والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة، فالشفاعة التي هى لعموم الخلق هي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها لأهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتدافعها الأنبياء أصحاب الشرائع آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.

= وأما أبو حاتم وأبو زرعة فقالا: كذاب.

وقال ابن كثير في تفسيره: "ولا شك أنه -إبراهيم- قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث".

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 216): "وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني وثقة ابن حبان وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة".

قلت: وللحديث طرق أخرى لكنها لا تخلوا من مقال.

راجع تخريج الحديث في الإحسان (2/ 76) رقم (361)، تحقيق شعيب الأرناؤط والأربعين للآجري رقم (40) تحقيق بدر البدر ومسند الشهاب (1/ 378) رقم (651)؛ تخريج حمدى عبد المجيد السلفي.

(1)

في "ظ" كتب في مكان هذا الفراغ (شافعًا) وعليه إشارة تدل على أنها خطأ أو كتبت سهوا، والمثبت من الأصل.

ص: 246

وقد وردت من عدة أوجه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر وأنس وأبو هريرة وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعقبة بن عامر وأبي سعيد الخدري وسلمان الفارس رضي الله عنهم فهؤلاء ورد أمر الشفاعة في أحاديثهم مطولًا، وورد أيضًا مختصرًا من حديث أبي بن كعب وعبادة ابن الصامت وجابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن سلام وغيرهم رضوان اللَّه عليهم أجمعين (1).

فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من السمعيات وردت بها الأخبار وصحت بها الآثار حتى بلغت مبلغ التواتر وانعقد عليها إجماع أهل الحق من السلف الصالح قبل ظهور المبتدعة، لكن تقدم أن هذه الشفاعة التي هى لفصل القضاء وإراحة الخلق من طول الوقوف مجمع عليها (2).

وقد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم الاختصاص بعدة شفاعات سواها منها:

أنه يشفع صلى الله عليه وسلم لقوم من أمته أن يدخلهم الجنة بغير حساب وقد روى حديث هذه الشفاعة مسلم في صحيحه (3).

(1) راجع (2/ 232) وفيه ذكر مصادر تخريج أحاديث الشفاعة.

(2)

انظر (2/ 232).

(3)

مسلم رقم (194) في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة، والبخاري أيضًا (8/ 247 - 248) رقم (4712) في التفسير باب:(ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل في الشفاعة ودليل هذه الشفاعة منه قوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم فيه: "أمتي أمتي: أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".

وقد ضعف الحافظ بن حجر هذا الاستدلال وقال: "يظهر لي أن دليله سؤاله صلى الله عليه وسلم الزيادة على السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب" أنتهى.

وقال ابن القيم بعد أن ذكر أحاديث الشفاعة: "فقد تضمنت هذه الأحاديث خمسة أنواع =

ص: 247

وجزم بالاختصاص جماعة فهم القاضي عياض والنووى والجلال السيوطي وغيرهم (1).

= من الشفاعة.

أحدها: الشفاعة العامة التي يرغب فيها الناس إلى الأنبياء نبيًا بعد نبي حتى يريحهم اللَّه من مقامهم.

النوع الثاني: الشفاعة في فتح باب الجنة لأهلها.

النوع الثالت: الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة.

النوع الرابع: الشفاعة في إخراج قوم من أهل التوحيد من النار.

النوع الخامس: في تخفيف العذاب عن بعض أهل النار.

ويبقى نوعان يذكرهما كثير من الناس:

أحدهما: في قوم استوجبوا النار، فيشفع فيهم أن لا يدخلوها، وهذا النوع لم أقف إلى الآن على حديث يدل عليه.

وأكثر الأحاديث صريحة في أن الشفاعة في أهل التوحيد من أرباب الكبائر إنما تكون بعد دخولهم النار، وأما أن يشفع فيهم قبل الدخول فلا يدخلون، فلم أظفر فيه بنص.

والنوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم من المؤمنين في زيادة الثواب ورفعة الدرجات.

وهذا قد يستدل عليه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة وقوله: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين".

وقوله في حديث أبي موسى: "اللهم أغفر لعبيد أبي عامر وأجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك" انتهى.

انظر: فتح الباري (11/ 436)؛ وتهذيب سنن أبي داود (7/ 133 - 134).

(1)

الذي جزم به القاضي عياض: شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول من لا حساب عليه من أمته الجنة، كما ورد في حديث أبي هريرة المتفق عليه، والذي تقدم قبل قليل.

للتفصيل: راجع الشفاء للقاضي عياض (1/ 301)؛ وصحيح مسلم بشرح النووي (3/ 35 - 36)؛ والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 218)؛ وشرح العقيدة الطحاوية (ص 252) وما بعدها؛ والتوحيد لابن خزيمة (2/ 588) وما بعدها.

ص: 248

ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم في قوم استوجبوا النار بأعمالهم، فيشفع فيهم فلا يدخلونها، وقد جزم جماعة بعدم اختصاصه بها، إذ لم يرد نص صريح والأصل عدمه.

نعم جزم الحافظ السيوطي في "أنموذج اللبيب"(1) أنها من خصائصه.

ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات أناس في الجنة، وهذه لا تنكرها المعتزلة كالأولى.

ومنها شفاعته في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد، ذكره غير واحد من العلماء (2).

وكذا يشفع لجماعة من صلحاء المسلمين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات كما ذكره القزويني (3) في كتابه المسمى بالعروة الوثقى. وباللَّه التوفيق.

تنبيه: الشفاعة التي تنكرها المعتزلة وتجحدها هى فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخلها وفيمن دخلها منهم أن يخرج منها، لزعمهم أن انفاذ الوعيد واجب عليه تعالى فكذّبت المبتدعة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ونفتها مع ثبوت أدلتها وتظافر حججها مما ربما يعسر إحصاؤه ويتعذر استقصاؤه.

(1) اسمه الكامل: "النموذج اللبيب في خصائص الحبيب" وهو مختصر الخصائص الصغرى. له عدة مخطوطات انظرها في دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها (ص 141 - 142).

(2)

قال في اللوامع (2/ 212): "ذكره السبكي".

(3)

قال الحافظ في الفتح (11/ 436): "ولم يذكر -يعني القزويني- مستندها ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة -يعني شفاعته في رفع الدرجات".

ص: 249

وقد أخرج البخاري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب فقال: "سيكون في هذه الأمة قوم يكذّبون بالرجم، وبالدجال، ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا"(1).

وأخرح سعيد بن منصور (2) والبيهقي وهناد (3) عن أنس رضي الله عنه قال: "من كذّب بالشفاعة فلا نصيب له فيها، ومن كذب بالحوض فليس له فيه نصيب". (4).

(1) لم أجد هذه الرواية في البخاري.

والذي فيه ما رواه عبد اللَّه بن عباس قال: سمعت عمر وهو على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: "إن اللَّه بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم. . . " الحديث.

ورواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي.

انظر: جامع الأصول (3/ 494).

وأما هذه الرواية فأخرجها الإمام أحمد في المسند (1/ 23)؛ وهناد ابن السري في الزهد رقم (191)؛ وعبد الرزاق في المصنف (3/ 588، 11/ 412)؛ والآجري في الشريعة (ص 329 - 330)؛ واللالكائي في السنة رقم (2084)(6/ 1109)؛ والبيهقي في البعث رقم (159)(ص 129) وفي إسناده علي بن جدعان ضعيف.

التقريب (ص 246).

وقد حسنة الألباني في تخريج السنة (2/ 321) وقال: "إن لابن جدعان متابع ذكرته في كتابي "قصة الدجال الأكبر ونزول عيسى عليه السلام".

(2)

سعيد بن منصور: تقدم (1/ 329).

(3)

هناد بن السري بكسر الراء الخفيفة بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي، محدث ثقة، صنف كتاب الزهد وغيره، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقد طبع كتابه الزهد في مجلدين.

سير أعلام النبلاء (11/ 465)؛ وتقريب (ص 365).

(4)

أخرجه هناد بن السري في الزهد (1/ 143) رقم (189) ومن طريقة الآجري في الشريعة =

ص: 250

وأخرج البيهقي عنه أيضًا رضي الله عنه أنه قيل له: إن قومًا يكذّبون بالشفاعة قال: "لا تجالسوا أولئك"(1).

وأخرج عنه أيضًا قال: "يخرج قوم من النار ولا نكذب بها -أي الشفاعة- كما يكذّب بها أهل حرورا -يعني الخوارج-"(2).

وأخرج البيهقي أيضًا عن شبيب بن فضالة المكي (3) قال ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة (4) فقال رجل يا أبا نجيد إنكم تحدثوننا أحاديث لم نجد لها أصلًا في

= (337) الشطر الأول منه.

وقد أخرج الشطر الأول منه أيضًا اللالكائي في السنة من طرق عن أنس.

السنة (6/ 1110 - 1111).

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 434) بعد أن أورد الشطر الأول منه من رواية سعيد ابن منصور: إسناده صحيح.

وقال محقق الزهد لهناد بعد أن ذكر هذه الرواية رجاله ثقات إسناده صحيح.

(1)

رواه البيهقي كما في البدور السافرة (ص 261).

(2)

عزاه الحافظ في الفتح (11/ 434) إلى البيهقي في البعث ولم أجده في النسخة المطبوعة.

(3)

كذا في النسختين، وقد اختلفت المصادر في اسمه ففي اللوامع: شبيب بن أبي فضالة المكي، وفي الإبانة: حبيب بن أبي نضلة المالكي، وفي المعجم الكبير للطبراني: حبيب بن أبي فضالة المكي وفي سنن أبي داود حبيب المالكي، والراجح أنه حبيب بن أبي فضاله، ويقال ابن نضالة المالكي البصري كما جاء في سنن أبي داود وتهذيب الكمال (5/ 388)؛ والتقريب (ص 63)؛ وتحفة الأشراف (8/ 172 - 173) وقد أورد الحافظ في الفتح هذه الرواية عن طريق البيهقي، فقال أخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة. . . " وأشار في التهذيب إلى هذا الحديث فقال أخرجه البيهقي في البعث لكن وقع في روايته شبيب بدل حبيب، وكأنه تصحيف واللَّه أعلم.

فتح (11/ 434)؛ التهذيب (2/ 189).

(4)

في الإبانة: الساعة

ص: 251

القرآن، فغضب عمران، وقال للرجل أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل وجدت صلاة العشاء أربعًا، وصلاة المغرب ثلاثًا، والغداة ركعتين، والظهر أربعًا، والعصر أربعًا؟ قال: لا، فقال فعمن أخذتم هذا ألستم عنا أخذتموه، وأخذناه عن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي كل أربعين درهمًا درهم، وفي كل كذا شاة، وفي كل كذا بعير، أوجدتم في القرآن هذا؟ قال: لا، قال: ووجدتم في القرآن {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] أوجدتم طوفوا سبعًا، واركعوا ركعتين، خلف المقام، أوجدتم هذا في القرآن؟ عمن اخذتموه؟ ألستم أخذتموه عنا وأخذناه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: بلى، قال: أوجدتم في القرآن "لا جلب (1) ولا جنب (2) ولا شغار (3) في الإسلام؟ قالوا: لا. قال: فإن اللَّه تعالى قال في كتابه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وإنّا قد أخذنا عن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم أشياء

(1) الجلب: يكون في شيئين: أحدهما في الزكاة، وهو أن يَقْدَم المُصَدّق على أهل الزكاة، فينزل موضعًا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهى عن ذلك، وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم.

الثاني: أن يكون في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثًا له على الجرى فنهى عن ذلك.

النهاية (1/ 281).

(2)

الجنب: بالتحريك في السباق: أن يجنب فرسًا إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب ومعناه، في الزكاة ما تقدم في الجلب.

النهاية (1/ 303).

(3)

الشغار: "نكاح معروف في الجاهلية، كان يقول الرجل للرجل: شاغرني أي زوجني أختك أو بنتك أو من تلي أمرها حتى أزوجك أختي أو ابنتي أو من ألي أمرها، ولا يكون بينهما مهر.

وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما.

النهاية (2/ 482).

ص: 252

لم يكن لكم بها علم" (1).

وفي صحيح مسلم عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلى قول اللَّه عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36].

وقول عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: "أمتي أمتي ثم بكى فقال اللَّه تعالى يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك"(2).

وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم بسند حسن عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اشفع لأمتي حتى ينادي ربي تبارك وتعالى أرضيت يا محمد؟ فأقول أي رب رضيت"(3).

(1) الأثر أخرجه أبو داود في سننه رقم (1561)(2/ 211) في الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة مختصرًا.

ورواه مطولًا: الطبراني في الكبير (18/ 219)؛ وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 233 - 235) رقم (66) وإبن أبي عاصم في السنة رقم (815).

قال الشيخ الألباني في تخريج السنة: إسناده ضعيف.

(2)

رواه مسلم في صحيحه في الإيمان رقم (202)(1/ 191) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم.

وقد وقع عند الشارح هنا وفي كتابه اللوامع (2/ 213) ابن عمر والصحيح عبد اللَّه بن عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم.

(3)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (4/ 170 - 171) رقم (3466)؛ والطبراني في الأوسط (3/ 44) رقم (2083)؛ وأبو نعيم في الحلية (3/ 179) وعنده زيادة؛ وابن خزيمة في التوحيد (418).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 377): "وفيه محمد بن أحمد بن زيد المداري ولم =

ص: 253

وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان في صحيحه والبيهقي والطبراني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة".

وفي لفظ: "ثلثي أمتي الجنة بغير حساب، ولا عذاب وبين الشفاعة لأمتي فأخترت الشفاعة، قال وهي لكل مسلم"(1).

وروى نحوه الإمام أحمد والطبراني والبزار بسند جيد من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وفيه "وعلمت أنها أوسع لهم وهي لمن مات لا يشرك باللَّه شيئًا"(2).

= أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم".

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند (6/ 23 - 24، 28 - 29)؛ والترمذي رقم (2441) في صفة القيامة؛ وابن ماجة رقم (4317) في الزهد، باب ذكر الشفاعة؛ والحاكم في المستدرك (1/ 67) من عدة طرق؛ وابن حبان في صحيحه الإحسان (9/ 168)؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (818)؛ والطبراني في الكبير (18/ 58) وفي مواضع أخر الأرقام (126، 133، 134، 135، 136، 137، 138)؛ وابن خزيمة في التوحيد (2/ 638) من عدة طرق بزيادات عند بعضهم وبعض الاختلاف في الرواية وصححه الحاكم؛ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 369): "رواه الطبراني بأسانيد ورجاله بعضها ثقات".

وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (2571)؛ وفي صحيح سنن ابن ماجة رقم (4317) وصححه في تخريجه السنة رقم (818)؛ وانظر طرق الحديث وتخريجه فيه.

(2)

رواه أحمد في المسند (5/ 232) عن أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما؛ والبزار كما في كشف الأستار (4/ 167) مختصرًا؛ والطبراني في الكبير (20/ 163 - 164).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 368): "رواه أحمد والطبراني بنحوه. . . ورجالها رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق وفيه ضعف ورواه البزار باختصار، ولكن أبا المليح وأبا بردة لم يدركا معاذ بن جبل.

ص: 254

وأخرج الطبراني مثله من حديث أنس رضي الله عنه (1).

وروى نحوه الإمام أحمد والطبراني أيضًا والبيهقي بسند صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: "فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفأ أترونها للمتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين"(2).

وأخرج الإمام أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إني أشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر"(3).

وأخرجه الطبراني أيضًا في الأوسط من حديث (أنيس) الأنصاري بلفظ:

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 233 - 234) رقم (1417) في حديث طويل.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 370): "رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن قرة ابن حبيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات".

(2)

رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 75)؛ والطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 378)؛ والبيهقي في الاعتقاد (ص 202 - 203)؛ واللآكائي في السنة رقم (2074)؛ والحسن ابن عرفة في جزئه رقم (93)؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (791)؛ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 378): "ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة" وله شاهد عند ابن ماجة رقم (4311) عن أبي موسى الأشعري؛ قال البوصيري في زوائد ابن ماجة (4/ 260) إسناده صحيح.

(3)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 347) بمعناه، وفيه قصة، قال الهيثمي مجمع الزوائد (10/ 378).

رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ آخر.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 379): "رواه الطبراني في الأوسط وفيه سهل ابن عبد اللَّه بن بريدة وهو ضعيف.

ص: 255

"لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر"(1).

وأخرج البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ويدخلون الجنة ويسمون الجهنميين"(2).

وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللَّه يخرج قومًا من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة"(3).

وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححوه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتي"(4).

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10/ 379)؛ وأورده في ترجمة أنيس كل من ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 214)؛ وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 156)؛ وابن حجر في الإصابة (1/ 123).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم".

وقال ابن عبد البر بعد إيراده لهذا الحديث: إسناده ليس بالقوي" انتهى.

تنبيه: جاء عند الشارح هنا أنس الأنصاري والمثبت من مصادر تخريج الحديث.

(2)

أخرجه البخاري (11/ 425) رقم (6566) في الرقاق باب صفة الجنة والنار.

(3)

أخرجه البخاري (11/ 424) رقم (6558) في الرقاق باب صفة الجنة والنار؛ ومسلم رقم (317)(1/ 178) في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (4739) في السنة باب في الشفاعة؛ والترمذي رقم (2435) كتاب صفة القيامة باب ما جاء في الشفاعة؛ والحاكم في المستدرك (1/ 69)؛ والبيهقي في الاعتقاد (202)؛ وفي شعب الإيمان (2/ 128 - 129)؛ وفي السنن الكبرى (8/ 17). وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم (2026)؛ والإمام أحمد في المسند (3/ 213)؛ والآجري في الشريعة (ص 328)؛ وابن خزيمة في التوحيد رقم (392)؛ وابن أبي عاصم في السنة (2/ 399)؛ واللآلكائي في السنة (6/ 1101)؛ وأبو يعلى في مسنده =

ص: 256

وأخرج الطبراني عن عبد اللَّه بن بسر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي في أمتي للمذنبين المثقلين"(1).

والطبراني أيضًا وأبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل أنا لشرار أمتي، قيل: كيف يا رسول اللَّه؟ قال: أما شرار أمتي فيدخلهم اللَّه الجنة بشفاعتي، وأما خيارهم فيدخلهم الجنة بأعمالهم"(2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة اللَّه، والظالم لنفسه وأهل الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم"(3).

= رقم (3284).

وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي.

وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3608).

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بأطول منه؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (823)؛ قال الهيثمي مجمع الزوائد (10/ 377)"وفيه عبد الواحد النصري متأخر يروي عن الأوزاعي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات".

(2)

رواه الطبراني في الكبير (8/ 115) رقم (7483)؛ وأبو نعيم في الحلية (10/ 219)؛ وابن عدي في الكامل (2/ 586) في ترجمة جميع بن ثوب الشامي.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 377): "رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جميع بن ثوب الرحبي -وهو بفتح الجيم وكسر الميم على المشهور وقيل بالتصغير- قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن عدي: رواياته تدل على أنه ضعيف. وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 189) عن ابن عباس. =

ص: 257

وفي أوسط الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "إني ادخرت شفاعتى لأهل الكبائر من أمتي"(1).

وفي الكبير عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أعملي ولا تتكلي فإن شفاعتى للهالكين من أمتي"(2).

وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". قال جابر رضي الله عنه: "من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا ثم يدخل الجنة؛ وإنما شفاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمن أوبق نفسه وأغلق ظهره"(3).

= قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 378): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار عنه، وفيه موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو وضاع".

(1)

رواه أبو يعلى في مسنده (10/ 186)؛ والبيهقي في الاعتقاد (189) بأتم منه؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 5): "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة.

ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10/ 378) من رواية ابن عباس، وقال الهيثمي: وفيه حرب بن سريج، وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف".

(2)

رواه الطبراني في الكبير (23/ 369)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 378):"وفيه عمرو بن (مخزوم) وهو ضعيف" وقد وقع فيه: عمرو بن محرم وهو تصحيف والصواب مخزوم كما في مصادر ترجمته.

(3)

أخرجه الترمذي رقم (2436) في صفة القيامة، باب ما جاء في الشفاعة؛ وابن ماجة رقم (4310) في الزهد باب ذكر الشفاعة؛ والحاكم في المستدرك (1/ 69)؛ والبيهقي في البعث (ص 55) رقم (1)؛ وفي شعب الإيمان رقم (306) وليس فيه قول جابر هذا: من زادت حسناته. . . إلخ وإنما جاء فيه كما عند الترمذي: قال محمد بن علي فقال لي جابر: =

ص: 258

وأخرج (1) عن أنس رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول اللَّه لمن تشفع؟ قال: "لأهل الكبائر من أمتي وأهل العظائم وأهل الدماء"(2).

وأخرج عن كعب بن عجرة مرفوعًا: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"(3).

وأخرج عن طاووس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"(4).

قال البيهقي: هذا مرسل حسن يشهد لكون هذه اللفظة شائعة.

وأخرج ابن أبي عاصم عن أنس مرفوعًا "ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني، وأشفع ويشفعني حتى أقول أي رب شفعني فيمن قال لا إله إلا اللَّه فيقول هذا ليس لك يا محمد، ولا لأحد وهذه لي وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدًا يقول لا إله إلا اللَّه"(5).

= يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة.

وهذه الرواية التي أوردها المصنف رواها اللآلكائي في السنة رقم (2055)؛ وذكرها ابن كثير في النهاية (2/ 192) من رواية البيهقي؛ وعزاها المتقي الهندي في كنز العمال (14/ 631) للبيهقي في البعث وابن عساكر.

وقال الترمذي بعد إيراد الحديث: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث جعفر بن محمد".

وصححه الحاكم على شرط مسلم.

(1)

أي البيهقي وكذا ما يأتي.

(2)

رواه البيهقي كما في البدور السافرة للسيوطي (ص 265).

(3)

أورده ابن كثير في النهاية (2/ 200)؛ والسيوطي في البدور السافرة (ص 265) ونسباه للبيهقي.

(4)

انظر: البدور السافرة للسيوطي (ص 265).

(5)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 395 - 396) رقم (828) وابن خزيمة في التوحيد =

ص: 259

وأخرج الطبراني في الكبير، والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن الجنة قوم من المسلمين قد عذبوا في النار برحمة اللَّه وشفاعة الشافعين"(1).

وأخرج الإمام أحمد والبيهقي من حديث حذيفة نحوه (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أول شافع وأول مشفع" رواه عنه أبو هريرة أخرجه مسلم (3).

وجابر بن عبد اللَّه أخرجه البيهقي (4).

= (2/ 694) رقم (439) قال الشيخ ناصر الألباني في تخريج السنة: حديث صحيح ورجاله ثقات رجال مسلم غير عمران وهو ابن دوار القطان العمي صدوق يهم لكنه قد توبع. . . ".

ومتابعه عند مسلم رقم (336) في الإيمان من طريق معبد العنزي في حديث طويل عن أنس وفي آخره. . فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إله إلا اللَّه، قال: ليس ذلك لك. . الحديث".

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 264).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 379): "وفيه من لم أعرفهم".

(2)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 391، 402) من طريقين، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (419)؛ وابن خزيمة في التوحيد (2/ 664) من طريقين والآجري في الشريعة (ص 346).

واللآكائي في السنة رقم (2080)؛ وابن أبي عاصم في السنة (835 - 836).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 380) رواه أحمد من طريقين ورجالهما رجال الصحيح.

وحسنه الشيخ ناصر في تخريج السنة.

(3)

مسلم رقم (2278) في الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق وفيه زيادة.

(4)

أخرجه الدارمي في سننه (1/ 30 - 31) رقم (50)؛ والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 480)؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (794) وصححه الألباني في تخريج السنة.

ص: 260

وعبد اللَّه بن سلام أخرجه البيهقي (1).

وغير هؤلاء من الصحابة -رضوان اللَّه عليهم-.

فيشفع يوم القيامة سائر الرسل والأنبياء والملائكة عليهم السلام والصحابة والشهداء والصديقون وهم العلماء والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون (وبقدر جاههم ودرجاتهم)(2).

يشفعون لثبوت الأخبار وترادف الآثار وهو أمر جائز فوجب تصديقه والقول بموجبه.

وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يشفع اللَّه آدم يوم القيامة من جميع ذريته في مائة ألف ألف وعشرة الآف ألف"(3).

وأخرج ابن أبي عاصم والأصبهاني عن أبي أمامة مرفوعًا "يجاء بالعالم والعابد فيقال للعابد أدخل الحنة، ويقال للعالم قف حتى تشفع للناس"(4).

(1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/ 481 - 482) رقم (7455) ومن طريقه ابن حبان في صحيحه الإحسان (8/ 137)؛ والبيهقي كما في النهاية لابن كثير (1/ 205)(2/ 180) وابن أبي عاصم في السنة رقم (793).

وقال ابن كثير: إسناده لا بأس به.

وقال الألباني: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.

(2)

ما بين القوسين استدرك في هامش الأصل وكتب عليه صح وليس في "ظ".

(3)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف".

(4)

لم أجده في السنة لابن أبي عاصم.

وقد أورده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 107)؛ وعزاه للإصبهاني وصدره بقوله: =

ص: 261

ورواه البيهقي من حديث جابر وزاد في آخره: "بما كنت أحسنت أدبهم"(1).

وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر مرفوعًا: "يقال للعالم أشفع في تلامذتك ولو بلغ عددهم نجوم السماء"(2).

وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه (3) سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته"(4).

وأخرج نحوه الإمام أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (5).

= وروى للدلالة على ضعفه، كما ذكره في مقدمته.

(1)

رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/ 346) رقم (1588)؛ وابن عدي في الكامل (6/ 2430)؛ وفي سنده مقاتل بن سليمان قال في التقريب كذبوه ورواه من وجه آخر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 22) والديلمي في الفردوس رقم (8773)؛ وابن عدي في الكامل (2/ 819) في ترجمة حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك ومن طريقه الذهبي في الميزان (1/ 452 - 453)؛ وحبيب هذا قال ابن عدي أحاديثه كلها موضوعة.

(2)

أورده في الفردوس من رواية جابر بن عبد اللَّه بلفظ أطول.

وساق المحقق في الحاشية سنده عند الديلمي في زهر الفردوس (لابن حجر) من رواية ابن عمر مرفوعًا.

فردوس الأخبار (5/ 485) رقم (8839).

(3)

في "ظ": قال.

(4)

رواه أبو داود رقم (2522) في الجهاد باب في الشهيد يشفع وابن حبان في صحيحه الإحسان (7/ 84)؛ وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم (7949).

(5)

رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 131)؛ وسعيد بن منصور في سننه رقم (2563)؛ والطبراني كما في مجمع الزوائد (5/ 293) في حديث في فضل الشهيد وفي آخره ويشفع في سبعين من أقاربه، والبزار كما في كشف الأستار (2/ 281 - 282) لكن لم يذكر فيه الشفاعة. قال الهيثمي: ورجال أحمد والطبراني ثقات.

ص: 262

والترمذي وابن ماجة من حديث (المقدام)(1) بن معديكرب (2).

وأخرج البزار والبيهقي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليشفع في الرجل والرجلين والثلاثة يوم القيامة"(3).

وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي عن عبد اللَّه بن أبي الجدعاء رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم، قالوا: سواك يا رسول اللَّه، قال: سواي"(4).

قال الفريابي (5) يقال: إنه عثمان بن عفان رضي الله عنه (6).

(1) في الأصل: "مقدم" وفي "ظ": "المقداد" والمثبت من مصادر التخريج.

(2)

رواه أحمد في المسند (4/ 131) وعبد الرزاق في المصنف رقم (9559)؛ وسعيد بن منصور في سننه رقم (2562) والترمذي رقم (1663) في فضائل الجهاد، باب في ثواب الشهيد؛ وابن ماجة رقم (2799) في الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل اللَّه، والطبراني في الكبير (20/ 266 - 267).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

(3)

رواه البزار كما في كشف الأستار (4/ 173) ورجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 383).

(4)

رواه الترمذي رقم (2438) في صفة القيامة أبواب الشفاعة؛ والحاكم في المستدرك (3/ 408)؛ ورواه أحمد في المسند (3/ 469 - 470)؛ وابن ماجة رقم (4316) في الزهد، باب ذكر الشفاعة؛ والدارمي (2/ 235 - 236) رقم (2811).

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(5)

محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبي؛ محدث ثقة فاضل روى له الجماعة، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين.

تقريب (ص 25).

(6)

وروى ذلك عن الحسن البصري، وروى عنه أيضًا أنه أويس القرني.

ص: 263

وأخرج الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي (1) مثل الحيين ربيعة ومضر" زاد في رواية: "بشفاعة رجل من أمتي"(2).

وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي لرجالًا يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته ويشفع الرجل منهم للقبيلة فيدخلون الجنة بشفاعته ويشفع الرجل منهم (للرجل) (3) وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته"(4).

قوله في الحديث: "الفئام من الناس": "هو بكسر الفاء مهموز الجماعة الكثيرة".

وقد تكرر في الحديث كما في النهاية (5).

وفي القاموس: "الفئام ككتاب الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه"(6).

= انظر: جامع الترمذي (4/ 627)؛ والمستدرك (3/ 408)؛ وانظر النص عن الفريابي في النهاية لابن كثير (2/ 213).

(1)

في "ظ": نبي.

(2)

رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 257، 261، 267)؛ والطبراني في الكبير (8/ 169، 280، 330).

قال الهيثمي مجمع الزوائد (10/ 381): "رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني رجالهم رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة.

(3)

ساقطة من الأصل وأثبتها من "ظ"؛ ومن لوامع الأنوار (2/ 210) وبها يستقيم الكلام.

(4)

أخرجه الترمذي رقم (2440) في صفة القيامة كتاب باب ما جاء في الشفاعة. وقال: "هذا حديث حسن".

(5)

النهاية (3/ 406).

(6)

القاموس: (4/ 160).

ص: 264

وأخرج البزار عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحاج يشفع في أربعمائة من أهل بيته"(1).

والحاصل أن للناس شفاعات يوم القيامة عند ربهم بقدر أعمالهم وعلو مراتبهم وقربهم من اللَّه تبارك وتعالى.

(والقرآن يشفع (2) لأهله) (3).

والإسلام يشفع لأهله (4).

والحجر الأسود يشفع لمستلمه (5).

(1) رواه البزار كما في كشف الأستار (2/ 39 - 409).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد "رواه البزار وفيه من لم يسم".

مجمع الزوائد (3/ 211).

(2)

في "ظ" والقرآن يشفع يوم القيامة.

(3)

جاء ذلك في أحاديث منها ما أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 553) رقم (804) عن أبي أمامة الباهلي، قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه. . . " الحديث.

(4)

لعموم الأدلة الواردة في الشفاعة، وأنها تحصل لمن شهد أن لا إله إلا اللَّه كما جاء في الحديث: يخرج من النار من قال: لا إله إلا اللَّه، وكان في قلبه من الخير ما يزن بره. . . الحديث رواه البخاري ومسلم.

وفي الحديث الآخر: في شفاعته صلى الله عليه وسلم. . . وفي آخره فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا اللَّه إلا اللَّه، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي لأخرجن منها من قال لا إله إلا اللَّه. أخرجه مسلم وكذا قوله صلى الله عليه وسلم "أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا اللَّه خالصًا من قلبه" رواه البخاري.

(5)

ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار الدالة على ذلك منها ما رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 291، 307، 371) والدارمي في سننه (1/ 372) رقم (1846)؛ وابن ماجة في =

ص: 265

ولكن {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]. {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].

وقد ورد في هذا الباب ما يزيد على الإسهاب، وقد ذكرنا ما لعله يقلع شروش (1) الاختلاج (2) من خواطر من أذعن للنصوص النبوية والآثار المصطفوية، ولم يجنح لأهل الزيع والاعوجاج وخلع ربقة التقليد من عنقه ولم يتماد مع هواه وحمقه. فالنصوص متواترة والآثار متظافرة، والعقل الصحيح (لا يحيد عن ذلك)(3) والنقل الصريح ناطق بما هنالك.

فدع عنك نحلة أهل البدع والضلال وانهج سبيل من اتبع أهل الحق تسلم من الوبال، فإثبات الشفاعة حق لازم وصدق جازم فلا عقل يحيله ولا نقل يزيله، وما

= سننه (2/ 982) رقم (2944)؛ وابن خزيمة في صحيحه (4/ 220)؛ وابن حبان في صحيحه الإحسان (6/ 10)؛ والحاكم في المستدرك (1/ 457)؛ والأزرقي في أخبار مكة (1/ 323)؛ والفاكهي في أخبار مكة (1/ 82) رقم (2) من عدة طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلم بحق". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

(1)

و (2) الاختلاج: الهم والشك وانشغال الصدر.

شروش: كذا في النسختين بالشين المعجمة، ولم أجد معناها في اللغة فلعلها شروس بالسين المهملة تصحفت من النساخ فلها في اللغة ما يناسب المعنى هنا وهو: نبات له شوك، فيكون المعني هنا: أتينا بما يقلع أصول الهم، والانشغال من صدور من انقاد وأسلم للنصوص النبوية كما تقلع أصول الشجر" واللَّه أعلم.

راجع: تاج العروس ولسان العرب (خلج، شرس).

(3)

في "ظ": لا يحيل ذلك.

ص: 266

كان هذا سبيله فهو الحصن الحصين، وباللَّه التوفيق (1).

وقول الناظم -رحمه اللَّه تعالى-: (وقل) بلسانك معتقدًا بجنانك (إن عذاب القبر) واحد القبور ويجمع أيضًا جمع قله على أقبر، ويقال لمدفن الموتى مقبر.

قال الشاعر: (2)

لكل أناس مقبر في فنائهم

فهم ينقصون والقبور تزيد

قال القرطبي: اختلف في أول من سن القبر، فقيل الغراب في قصة قتل هابيل، وقد قيل: إن قابيل كان يعرف الدفن، ولكن ترك أخاه استخفافًا به، فبعث اللَّه الغراب ليبحث في الأرض -يعني التراب- على هابيل ليدفنه كذا في التذكرة (3).

وقيل: إن اللَّه بعث غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له حفرة فدفنه، ففعل قابيل بأخيه كذلك، فكان ندمه لعدم هدايته أن يفعل كما فعل الغراب فصار الدفن سنة في بني آدم (4).

وفي التنزيل: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] أي جعل له قبرًا يوارى فيه إكرامًا له، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي (5).

(بالحق): الذي يرادف الصدق أو هو أخص منه.

قال العلماء: الحق هو الحكم المطابق للواقع وقد يطلق على الأقوال والعقائد

(1) كتب في هامش "ظ" بلغ مقابلة.

(2)

هو عبد الرحمن بن ثعلبة الحنفي والبيت في لسان العرب (6/ 376)(قبر).

(3)

التذكرة للقرطبي (ص 115).

(4)

نفس المصدر.

(5)

انظر: التذكرة لقرطبي (ص 115)؛ ولوامع الأنوار (2/ 4).

ص: 267

والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابل الباطل.

وأما الصدق فقد شاع في الأقوال خاصة ويقابله الكذب، وقد يفرق بينها بأن المطابقة تعتبر في الحق من جانب الواقع، وفي الصدق من جانب الحكم فمعنى صدق الحكم مطابقته الواقع ومعنى حقيته مطابقة الواقع إياه.

(يوضح) أي يُظهر ويُكشف ويُبان بيانًا لا خفاء فيه، ولا شك يعتريه تصريحًا بحقية عذاب القبر ونعيمه خلافًا للمعتزلة ومن وافقهم من أهل العناد (1) والضلال والإلحاد.

وفي بعض النسخ: (وقيل في عذاب القبر حق موضح) والأول أولى.

وقد قدمنا عند قول الناظم -رحمه اللَّه تعالى-: ولا تنكرن جهلًا نكيرًا ومنكرًا ما لعله يشفي ويكفي (2).

ونزيد هنا أن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا يحصل له معها النعيم والعذاب كما في كتاب الروح للمحقق ابن القيم (3).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -روح اللَّه روحه-: "النعيم والعذاب على النفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة والجماعة تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتنعم وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليهما في

(1) في "ظ" الفساد".

(2)

انظر: (2/ 144).

(3)

الروح (ص 73 - 74).

ص: 268

هذه الحالة مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن.

وهل يكون النعيم والعذاب للبدن بدون الروح هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث وأهل الكلام قال: وفي المسألة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة (1). . قول من يقول إن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح وأن البدن لا ينعم ولا يعذب، وهذا قول الفلاسفة المنكرين لمعاد الأبدان وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين ويقوله أكثر من المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام وإن قالوا بمعاد الأبدان وإنما ينكرون عذاب البدن في البرزخ فقط. ويقولون إن الأرواح هي المنعمة والمعذبة في البرزخ فإذا كان يوم القيامة نعمت الروح والبدن، أو عذبا معا، وهذا قاله طوائف من المسلمين من أهل الكلام والحديث وغيرهم وهو اختيار ابن حزم (2) وابن مرة (3) فهو (مرجوح لا باطل)(4) إلا (5) أن صاحبه يقر بعذاب القبر وبالقيامة ويثبت معاد الأبدان والأرواح.

والحاصل أن الأقوال الباطلة ثلاثة:

الأول: ما تقدم ذكره من قول الفلاسفة.

(1) كذا في النسختين وفي الروح لابن القيم (ص 72) ولعل هنا كلمة أحدها. . . وهي مثبتة في لوامع الأنوار للمؤلف (2/ 24).

(2)

انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 117) وما بعدها؛ والدرة فيما يجب اعتقاده (ص 282) وما بعدها.

(3)

ابن مرة كذا في النسختين وفي الروح لابن القيم أيضًا؛ وفي لوامع الأنوار (2/ 240) أثبت المصحح ابن ميسرة وقال في التعليق: في الأصلين ابن مرة، والتصويب من كتاب الروح مخطوط، وكذ ما يأتي قلت وفي الفتاوى (4/ 262) ابن ميسرة. وقد بحثت عنه فلم أجد له ترجمة.

(4)

كذا في الأصل وفي "ظ" فهو مرجوح باطل.

(5)

كذا في النسختين ولعل الصحيح: "لان صاحبه .. . . ".

ص: 269

الثاني: قول من يقول إن الروح بمفردها لا تنعم ولا تعذب، وإنما الروح هي الحياة، وهذا قول طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وينكرون أن الروح تبقى بعد فراق البدن وهذا من أبطل الباطل وقد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأمة أن الروح تبقى بعد فراق البدن وأنها منعمة أو معذبة حتى أن الفلاسفة يقرون بذلك، إلا أنهم ينكرون معاد الأبدان وهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان، لكن ينكرون معاد الأرواح ونعيمها وعذابها بدون الأبدان وكلا القولين خطأ وضلال.

نعم قول الفلاسفة أبعد عن أقوال أهل الإسلام، وإن كان يرافقهم عليه من يعتقد أنه يتمسك بدين الإسلام، بل من يظن أنه من أهل المعرفة والتصوف والتحقيق والكلام.

والثالث: قول من يقول: ليس في البرزخ نعيم ولا عذاب، بل لا يكون ذلك حتى تقوم الساعة الكبرى كما يقوله من يقوله من المعتزلة وغيرهم ممن ينكر عذاب القبر ونعيمه، بناء على أن الروح لا تبقى بعد فراق البدن، وأن البدن لا ينعم ولا يعذب فهؤلاء على بدعة وضلال في أمر البرزخ، إلا أنهم خير من الفلاسفة لإقرارهم بالمعاد والقيامة الكبرى" (1).

ومذهب أهل الحق أحق وهو مذهب سلف الأمة وسائر الأئمة، واللَّه تعالى الموفق.

(1) انظر: مجموع الفتاوى (4/ 282) وما بعدها وقد نقل الشارح هنا من كتاب الروح لابن القيم ببعض التصرف والاختصار.

انظر: الروح لابن القيم (ص 72 - 74)؛ ولوامع الأنوار للمؤلف (2/ 24 - 25).

ص: 270