الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقولنا يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم كهيئتكم اليوم فقال عمر رضي الله عنه بفيه الحجر" (1).
تنبيهات:
الأول: قد علمت أن اسم الملكين منكر ونكير وقد نص على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه (2).
قال الحكيم الترمذي (3): "وإنما سميا فتاني القبر لأن في سؤالهما انتهارًا وفي خلفهما صعوبة قال: وسميا منكرًا ونكيرًا لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام بل مما خلق بديع وليس في خلقهما أنس للناظرين إليهما جعلهما اللَّه تعالى تكرمة للمؤمن لتثبته وتبصره، وهتكًا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث"(4).
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 172)، وابن حبان في صحيحه الإحسان (5/ 47) رقم (3105)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 47)، وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (4/ 694) رواه أحمد من طريق ابن لهيعة والطبراني بإسناد جيد.
(2)
انظر: اعتقاد الإمام أحمد رواية التميمي في طبقات الحنابلة (2/ 304)، وكتاب الروح لابن القيم (ص 80)، ولوامع الأنوار للمؤلف (2/ 8).
(3)
الحكيم الترمذي: محمد بن علي بن الحسن بن بشر أبو عبد اللَّه الحكيم الترمذي باحث صوفي عالم بالحديث وأصول الدين من أهل ترمذ، وكان ذا رحلة ومعرفة وله مصنفات وفضائل، مات نحو سنة 320. سير أعلام النبلاء (13/ 439)، والأعلام (6/ 272 - 273).
(4)
انظر: "نوادر الأصول للحكيم الترمذي"(ص 323) ونفله عنه القرطبي في التذكرة (1/ 166)، والسيوطي في شرح الصدور (ص 144).
قال الجلال السيوطي: "وهذا يدل على أن الاسم: "منكر" بفتح الكاف وهو المجزوم به في القاموس"(1).
قلت: وكذا في نهاية ابن الأثير -قال: - "ومنكر ونكير أسماء الملكين مفعل وفعيل"(2).
وذكر ابن يونس (3) من الشافعية أن اسم ملكي (4) المؤمن مبشر وبشير. (5)
قلت: وهذا يحتاج إلى دليل مأثور وأنى به فإنه ليس في الأحاديث سوى منكر ونكير.
قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه "الروح": "قال كثير من المعتزلة لا يجوز تسمية ملائكة اللَّه تعالى بمنكر ونكير وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه أي الميت إذا سئل والنكير تقريع الملكين له"(6).
قلت: فلهذا فال الناظم: (ولا تنكرن) ووصف المنكر لذلك بالحهل.
وقد قال الإمام أحمد: "نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير فروجع في منكر ونكير فقال: هكذا هو"(7) -يعني أنهما منكر ونكير-.
(1) شرح الصدور (ص 144).
(2)
النهاية لابن الأثير (5/ 115).
(3)
ابن يونس: لم يظهر لي من هو.
(4)
في "ظ" ملكًا والمثبت من الأصل وهو الصحيح.
(5)
نقله السيوطي في شرح الصدور (144)، والمؤلف في لوامع الأنوار (2/ 8)، وفي البحور الزاخرة (1/ 160).
(6)
الروح لابن القيم (ص 81).
(7)
الروح لابن القيم (ص 80).
وأيضًا قصد الناظم بما ذكر الإشارة إلى إثبات عذاب القبر وأن الإيمان به واجب وكذا الإيمان بمنكر ونكير.
قال أبو المعالي (1) من علمائنا: "وعذاب القبر وإحياء الموتى في قبورهم ومسآءلة منكر ونكير لهم ثابت وواجب القول به وأنه يعذب بعد أن ترد الروح إليه فعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح يشتركان فيه كما اشتركا في المعصية وإن كان نعيم كان كذلك على الجسم والروح فيشتركان في النعيم كما اشتركا في الطاعة خلافًا للمعتزلة في إنكارهم عذاب القبر ومسألة منكر ونكير لإعادة الأرواح في القبور.
خلافًا لابن جرير في قوله يعذب في قبره من غير أن ترد الروح إليه ويحس بالألم وإن كان غير حي (2).
وقد مر في صحيح الأخبار ما يرد هذا وأمثاله من سائر طوائف أهل الإنكار وباللَّه التوفيق.
(1) أبو المعالي: أسعد ويسمى محمد بن المنجا بن بركات ابن المؤمل التنوخي المعري ثم الدمشقي وجيه الدين أبو المعالي، ويقال في أبيه أبو المنجا، وفي جده أبو البركات فقيه، ارتحل إلى بغداد وبها تفقه وبرع في المذهب الحنبلي وتولى القضاء بحران. من تصانيفه:"الكفاية في شرح الهداية" في بضعة عشر مجلدًا، "والخلاصة" و"العمدة" وكلها في الفقه، توفى سنة ست وستمائة.
ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 49 - 50)، وسير أعلام النبلاء (21/ 436)، وشذرات الذهب (5/ 18 - 19).
(2)
الصحيح ما ذكره المؤلف أن العذاب يقع على الروح والبدن معًا. راجع في هذه المسألة: مجموع الفتاوى (ج 4/ 282) وما بعدها، الروح لابن القيم (ص 72) وما بعدها، فتح الباري (ج 3/ 277) وما بعدها.
الثاني: جاء في رواية سؤال ملكين (1) كما مر وفي أخرى سؤال واحد وفي رواية سؤال ثلاثة، وفي أخرى سؤال أربعة.
قال القرطبي: "لا تعارض بين الملكين والواحد بل ذلك بالنسبة إلى الأشخاص فرب شخص يأتيه اثنان معًا فيسألانه معًا عند انصراف الناس ليكون: أهول في حقه وأشد بحسب ما اقترف من الآثام وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه تخفيفًا عليه لحصول أنسه بالناس، وآخر يأتيه ملك واحد فيكون أخف عليه وأقل من المراجعة لما قدمه من العمل الصالح".
قال: "ويحتمل أن يأتي اثنان ويكون السائل أحدهما وإن اشتركا في الإتيان".
فتحمل رواية الاختصار على ذلك الواحد على هذا (2).
وصوبه الجلال السيوطي في كتابه "شرح الصدور"(3) فإن ذكر الملكين هو الموجود في غالب الأحاديث.
وقد ذكر بعض العلماء أن الملائكة الذين ينزلون على الميت في قبره أربعة منكر ونكير وناكور ورومان.
وإلى هذا أشار الحافظ جلال الدين السيوطي في أرجوزته: التثبيت في التبييت" (4) بقوله رحمه اللَّه تعالى:
(1) في "ظ" الملكين.
(2)
التذكرة للقرطبي (1/ 148 - 149).
(3)
شرح الصدور (ص 142).
(4)
التثبيت عند التبييت أرجوزة للسيوطي ذكر فبها فتنة القبور وما يتعلق بها، وقد شرحها العلامة محمد بن إسماعيل الأسير الصنعاني وسماه:"جمع الشتيت في شرح أبيات التثبيت" وهو مطبوع.
وقد أتى في مرسل مضعف
…
أن السؤال من ثلاثة لفي (1)
أو أربع أولئك الأثنان
…
والحقوا ناكور مع رومان (2)
وقد اختلفت الأحاديث في كيفية السؤال.
وأجاب القرطبي عن ذلك أنه يختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عن كلها، ويحتمل أن يكون الاقتصار على بعضها من بعض الرواة وأتى غيره بالحديث تامًا (3) وصوب هذا السيوطي لاتقاق أكثر الأحاديث عليه (4).
نعم يؤخذ منها خصوصًا من رواية أبي داود عن أنس فما يسأل عن شيء بعدها.
وعند ابن مردويه: "فما يسأل عن شيء غيرها أنه لا يسأل عن شيء من التكليفات غير الاعتقاد خاصة.
وصرح به في رواية البيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما
(1) الحبر عن كون الملائكة الذين ينزلون القبر ثلاثة أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 104) ومن طريقه ابن الجوزى في الموضوعات (3/ 234 - 235) عن ضمرة بن حبيب مرسلًا. وأشار السيوطي إلى ضعفه.
(2)
وأما الخبر عن كونهم أربعة فأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 234) عن ضمرة ابن حبيب مرفوعًا وقال: "هذا حديث موضوع لا أصل له وهو مقطوع لأن ضمرة من التابعين، ثم ساقه بسنده عن ضمرة من قوله.
وقال المؤلف رحمه الله في كتابه اللوامع هذا الخبر به علتان: الضعف والإرسال.
انظر: لوامع الأنوار (2/ 8)، وجمع الشتيت (ص 135)، والحاوى (2/ 381).
(3)
التذكرة للقرطبي (1/ 149).
(4)
شرح الصدور (142).
في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] قال الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم قيل لعكرمة ما هو؟ قال: يسألون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر التوحيد" (1).
وقد ذكر السيوطي وغيره أنه ورد في رواية عن أنس أن الميت يسأل في المجلس الواحد ثلاث مرات وباقي الروايات ساكتة عن ذلك فتحمل على ذلك أو يختلف الحال بالنسبة إلى بعض الأشخاص (2).
وعن طاووس (3) رحمه اللَّه تعالى: "أن الموتى يسألون سبعة أيام"(4).
وكذا جاء عن مجاهد (5)"أن الموتى يفتنون في قبورهم سبعًا وأنهم كانوا يستحبون أن يطعم عن الأموات تلك الأيام"(6) رواه الإمام أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح إلا أنه مرسل.
(1) روايه البيهقي هذه أخرجها في كتابه: (إثبات عذاب القبر)(ص 31) رقم (10).
وانظر: شرح الصدور (ص 142)، ولوامع الأنوار (2/ 9)، والبحور الزاخرة (1/ 153 - 154).
(2)
انظر: شرح الصدور للسيوطي (ص 143).
(3)
طاووس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي ثقة فقيه فاضل من كبار أصحاب ابن عباس، مات سنة ست ومائة وقيل بعد ذلك. سير أعلام النبلاء (5/ 38)، وتقريب (156).
(4)
الأثر عن طاووس رواه الإمام أحمد في الزهد كما في شرح الصدور (ص 139)، وفي الدر المنثور (5/ 38)، ورواه أبو نعيم في الحلية (4/ 11) من طريق الإمام أحمد وقد راجعت كتاب الزهد للإمام أحمد فلم أجده فيه، ونص الأثر عن طاووس هكذا:"إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعًا، فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام".
(5)
مجاهد تقدم (1/ 197).
(6)
الأثر عن مجاهد ذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 14) عن مجاهد بدون سند، وصدره بقوله:"وروى عن مجاهد".
وروى من وجه متصل أيضًا وحكمه الرفع لأنه ليس للرأي (1) فيه مجال، وقد ذكر كل ذلك ورواه الحافظ ابن رجب في كتابه "أهوال القبور"(2).
وذكر عن مجاهد أيضًا "أن الأرواح تمكث في قبورها سبعة أيام"(3).
وقد روى عن عبيد بن عمير (4) فيما أخرجه عنه ابن جريج "إن المؤمن يفتن سبعة أيام والمنافق يفتن أربعين يومًا"(5).
(1) في الأصل: للراوي والمثبت من "ظ" وهو الصحيح.
(2)
الأثر عن طاووس لم أجده فيه وأما الأثر عن مجاهد فهو فيه (ص 14) بدون عزو كما أشرت.
وهذه الآثار التي أوردها المؤلف ذكرها السيوطي في منظومته: "التثبيت". انظر: جمع الشتيت (ص 135) وذكرها في الحاوى (2/ 370)، وذكرها المؤلف في كتابه "البحور الزاخرة"(ج 1/ 154 - 155).
(3)
ذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 115) بدون سند.
(4)
عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان من ثقات التابعين وأئمتهم بمكة وكان يذكر الناس فيحضر ابن عمر رضي الله عنهما مجلسه، توفى سنة ثلاث أو أربع وسبعين. سير أعلام النبلاء (4/ 156)، وتقريب (229) وقد جاء في الأصل: عبد وهو خطأ وصوابه عبيد كما أثبتنا.
(5)
عزاه السيوطي في أرجوزته التثبيت إلى ابن جريج وفي الدر المنثور قال: وأخرج ابن جرير في مصنفه ولعله خطأ. جمع الشتيت (ص 138)، والدر المنثور (5/ 38) وذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 14) بدون عزو.
قلت: وهذه الآثار التي أوردها الشارح هنا نفلها عن السيوطي كما أشرت وقد أوردها السيوطي للاستدلال بها على استحباب إطعام الطعام عن الميت سبعة أيام. والصحيح أنه استدلال غير صحيح إذ لم يثبت فيه دليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليه. ولم يرد ما يؤيده من فعل الصحابة رضي الله عنهم وأما إخبار التابعي بما ليس للرأي فيه مجال فلا يعطى حكم المرفوع وخاصة إذا لم يوجد ما يؤيده بل ورد في السنة الصحيحة ما خالفه وذلك ما ورد في قصة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم". رواه أحمد (1/ 205)، وأبو داود =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رقم (3132)، والترمذي رقم (998)، وابن ماجة رقم (1610) وقال الترمذي: حسن صحيح قال الإمام أبو بكر الطرطوشي في كتابه الحوادث والبدع: "فأما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء. . . ثم قال: "والمأتم هو الاجتماع في الصبيحة وهو بدعة منكرة لم ينقل فيه شيء وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر والسنة فهو طامة".
الحوادث والبدع (ص 166).
وقال الشاطبي في فتاويه (ص 209 - 210) بعد أن أورد كلام الطرطوشي هذا قال: "وكذلك ما يحكى عن ابن طاووس عن أبيه لا يثبت" وفي أجوبة لأبنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 46) حول مسألة القراءة على القبور وحمل المصاحف إلى القبور وكما يفعل بعض الناس يجلسون سبعة أيام بالمصاحف على القبور ويسمونها الشدة وكذلك اجتماع الناس عند أولياء الميت ويجلسون سبعة أيام ويقرأون فاتحة الكتاب ويرفعون أيديهم بالدعاء وكذلك يجمعون الناس عند بيت ولي الميت ويقرأون القرآن ويطعمون الطعام فهل هذه الأفعال من فعال الجاهية المبتدعة؟
فأجابا بما يلي: إن القراءة على القبور وحمل المصاحف إليها كما يفعله بعض الناس يجلسون سبعة أيام ويسمونها الشدة وكذلك اجتماع الناس عند أهل الميت سبعة أيام ويقرأون فاتحة الكتاب ويرفعون أيديهم بالدعاء للميت فكل هذا من البدع والمنكرات المحدثة التي يجب إزالتها ولم يكن يفعل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين من ذلك شيء ولن يصلح آخر هذه الأمة الا ما أصلح أولها قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} .
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وفي حديث العرباض بن سارية الذي أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" انتهى.
الثالث: عذاب القبر ونعيمه وفتنته والسؤال ولواحق ذلك: من كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار واجب الاعتقاد ويأتي في كلام الناظم (1) رحمه اللَّه تعالى.
وقد نبه هنا بما ذكره من وجوب الإقرار وعدم الإنكار بالملكين اللذين هما منكر ونكير على ما يشبه ذلك ويلحق به مما جاء في القرآن أو حديث البشير النذير.
وقد ذكر اللَّه تعالى عذاب القبر في القرآن العظيم في عدة آيات منها قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. . .} إلى قوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 83 - 95].
ذكر الحافظ ابن رجب في أهوال القبور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الآيات قال: "إذا كان عند الموت قيل له هذا فإن كان من أصحاب اليمين أحب لقاء اللَّه وأحب اللَّه لقاءه، وإن كان من أصحاب الشمال كره (لقاء اللَّه وكره اللَّه لقاءه)(2).
وأخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه فأكب القوم يبكون قال ما يبكيكم؟ قالوا إنا نكره الموت قال: "ليس ذلك ولكنه إذا حضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء اللَّه واللَّه للقائه أحب، وأما إن كان من
(1) سيأتى في كلام الناظم في قوله: "وقل في عذاب القبر حق موضح"(2/ 267).
(2)
ما بين القوسين زيادة من مصادر الحديث والحديث بهذه الرواية أورده ابن رجب في أهوال القبور (ص 41) من طريق آدم بن أبي إياس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلًا.
وسيأتى -بعد قليل- من رواية الإمام أحمد متصلًا ويأتي الكلام عليه.
المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم فإذا بشر بذلك كره لقاء اللَّه واللَّه للقائه أكره" (1).
وقال المحقق ابن القيم في كتابه "الروح" من المواضع التي ذكر نعيم القبر وعذابه في القرآن المجيد قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ. .} [الأنعام: 93].
وهذا خطاب لهم عند الموت قطعًا.
وقد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللَّه غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم اليوم تجزون عذاب الهون ومنها قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] فذكر عذاب الدارين (2) صرحًا لا يحتمل غيره.
ومنها قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (3)[الطور: 45 - 46].
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 259 - 260) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني فلان بن فلان سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول. . . الحديث.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 321): "وعطاء بن السائب فيه كلام".
قلت: وقد جاء الحديث بمعناه من طرق أخرى صحيحة من حديث عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي موسى وأنس بن مالك رضي الله عنهم رواها الإمام أحمد في المسند والبخاري ومسلم وغيرهم. انظر: جامع الأصول (9/ 595) وما بعدها.
(2)
في النسختين "الدار" وما أثبت من كتاب الروح لابن القيم (ص 106) ومنه ينقل المؤلف وهو الصحيح. بدليل قوله تعالى في آخر الآية {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .
(3)
وهذا نهاية ما أورده المؤلف عن ابن القيم. انظر كتاب الروح لابن القيم (ص 105 - 106).
وأخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 1 - 4](1).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "المعيشة الضنك هي عذاب القبر إذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدرى فيضيق عليه قبره ثم قرأ (2) ابن مسعود رضي الله عنه: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124](3).
وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما في قوله تعالى: {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] عذاب القبر" (4).
وروى عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ. .} [السجدة: 21] عذاب القبر" (5).
(1) والأثر عن علي رضي الله عنه أخرجه الترمذي في جامعه في التفسير باب ومن سورة التكاثر (ج 5/ 447) رقم (3355) وقال: "هذا حديث غريب".
(2)
في النسختين "قال" وفي أهوال القبور لابن رجب ثم "قرأ" ولعله الصحيح.
(3)
والأثر عن ابن مسعود أخرجه بهذا السياق آدم بن أبي إياس كما في أهوال القبور لابن رجب (43).
وأخرجه بلفظ أطول منه البيهقي في إثبات "عذاب القبر" رقم (6)، والطبراني في الكبير (9/ 266 - 267).
قال الهيثمي في المجمع (3/ 54): "إسناده حسن".
(4)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (ج 27/ 36)، وذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 43).
(5)
ذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 43) ولم أره مسندا إليه في كتب التفسير التي اطلعت عليها.
وكذا قال قتادة (1) والربيع بن أنس (2) في قوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] إحداهما في الدنيا والأخرى عذاب القبر" (3).
قال الحافظ ابن رجب وغيره من الحفاظ قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر (4).
ففي الصحيحين من حديث عائشة قالت: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال: "نعم عذاب القبر حق"(5).
وقد ذكرت في كتابي "البحور الزاخرة"(6) ثم في "لوامع الأنوار"(7) من ذلك ما يكفي ويشفي.
الرابع: ففي كلام الناظم رحمه اللَّه تعالى تنبيه وإشارة إلى ذم من أنكر أمر منكر ونكير (وخدمتهما)(8) من سؤالهما الموتى ومتعلقات ذلك وأن إنكار ذلك
(1) قتادة بن دعامة السدوسي تقدم (1/ 193).
(2)
الربيع بن أنس البكري والحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام مات سنة أربعين ومائة أو قبلها. تقريب (100).
(3)
انظر: الدر المنثور (ج 4/ 274)، وأهوال القبور لابن رجب (ص 43).
(4)
انظر: أهوال القبور (ص 43).
(5)
رواه البخاري (3/ 274) في الجنائز باب عذاب القبر (1372)، ومسلم رقم (584) في المساجد باب استحباب التعوذ من عذاب القبر.
(6)
اسمه الكامل: "البحور الزاخرة في علوم الآخرة" طبع الجزء الأول منه في مجلد سنة 1341 هـ في بمباي، بالهند، وقد حقق هذا الجزء الدكتور محمد السمهري في رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة الإمام.
(7)
راجع: لوامع الأنوار للمؤلف (ج 2/ 3) وما بعدها.
(8)
كذا في الأصل: خدمتها: ولعل المراد العمل الذي يقومان به وفي النسخة ظ: خرقهما، ولعل المراد كون عملها خارق للعادة. واللَّه أعلم.
جهل وسفه لثبوته عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى مع عدم استحالة ذلك عقلًا وأنكرت الملاحدة والزنادقة عذاب القبر وضيقه وسعته، وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وأنكروا جلوس الميت في قبره، قالوا وقد وضعنا على صدر الميت زئبقًا ثم كشفنا عليه فوجدناه بحاله، قالوا ولم نجد فيه ملائكة يضربون الموتى بمطارق الحديد، ولا حيات ولا عقارب، ولا نيرانًا وأجلبوا (1) وأجنبوا (2) من مثل هذه (الوساوس)(3) والترهات، والحوادس والتشكيكات، وقال إخوانهم من أهل البدع والضلال والإفك والاعتزال: كل حديث يخالف مقتضى العقول نقطع بتخطئة ناقله، وأكثر أهل الاعتزال والبدع والضلال من مثل هذا الهذيان والزور والبهتان، وقد تصدى لرد مقالاتهم وكشف ضلالاتهم أئمة الدين من العلماء المحققين والفضلاء المدققين، وأقاموا الحجج والبراهين على قمع المفترين وقلع عين الشاكين منهم المحقق ابن القيم شمس الدين في كتابه "الروح"(4) فأجاب عن شبههم بعدة أجوبة.
منها أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم تخبر بما تحيله العقول بل أخبارهم قسمان:
أحدهما ما يشهد العقل والفطرة السليمة به.
والثاني ما لا تدركه العقول بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر والثواب والعقاب فلا يكون خبرهم محالًا في العقول أصلًا
(1) أجلبوا: تجمعوا وتألبوا وأجلبه أعانه وأجلب عليه إذا صاح به واستحثه. الصحاح: (جلب).
(2)
أجنبوا لم يتضح لي ما يدل على معناها هنا في اللغة ولعلها هنا بمعنى: أكثروا.
(3)
في "ظ""الوسواس".
(4)
الروح لابن القيم (ص 86).
فتأتي الأنبياء عليهم السلام بمحارات العقول، لا بمحالاتها، فكل ما يظن أن العقل يحيله فلا خلو من أحد أمرين: إما خطأ في النقل أو خبل في العقل فتكون شبهة خيالية ظن صاحبها أنها أمر عقلي صريح، والحال أنه خيال وهمي غير صحيح، كما قال تعالى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} الآية [سبأ: 6].
وأما الذين في قلوبهم زيغ فلا يزدادون إلا رجسًا إلى رجسهم.
ومنها أن اللَّه تعالى جعل الدور ثلاثًا؛ دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وجعل لكل دار أحكامًا تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبع لها، ولهذا جعلت أحكام الشريعة مرتبة على ما يظهر من حركات الإنسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافه فالعقوبات الدنيوية تقع على البدن الظاهر وتتألم الروح بالتبعية، وجعلت أحكام البرزخ على الأروح والأبدان تبع لها فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها ولذاتها، وكانت الأبدان هي المباشرة لأسباب النعيم والعذاب فكذلك تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها وكان العذاب والنعيم على الروح ولها بالأصالة والأبدان تابعة للأرواح في ذلك عكس دار الدنيا فإذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم لدار القرار والمعاد صار الحكم من النعيم والعذاب وغيرهما على الأرواح والأجساد باديًا ظاهرًا أصلًا فما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه من هذ القبيل فإذا ظهر للفهم السليم طابق العقل المستقيم.
فالنار التي في القبر ليست من جنس نار الدنيا فيشاهدها من شاهد نار الدنيا وإنما هي من نار الآخرة فهي وإن كانت أشد من نار الدنيا إلا إن شدتها على من هي له وعليه دون من مسها من أهل الدنيا بل ربما دفن الميتان في قبر واحد فيكون
أحدهما في روضة ونعيم والآخر في حفرة وعذاب أليم وفي قدرة الحكيم المالك أعظم وأعجب من ذلك وإن كان الضالون لا يشعرون حتى أنه تعالى يحدث في هذا الدار ما يدل على ذلك بل وأعجب من ذلك، فهذا جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتمثل له رجلًا فيكلمه بكلام يسمعه ومن إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم لا يراه ولا يسمع كلامه وكذلك غيره من الأنبياء وكانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط وتضرب رقابهم وتصيح بهم والمسلمون معهم لا يرونهم ولا يسمعون كلامهم.
والحق جل شأنه حجب ابن آدم عن كثير مما يحدث في الأرض فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن والحاضرون لا يسمعونه، وكيف يستنكر من عرف اللَّه وأقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار خلقه وأسماعهم حكمة منه ورحمة بهم لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها فالعبد أضعف بصرًا وسمعًا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر وقد أشهد اللَّه تعالى ذلك بعض عباده فغشي عليهم ولم ينتفعوا بالعيش زمانًا وبعضهم كشف قناع قلبه فمات. . .
وسر المسألة أن توسعة القبر وضيقه وإضاءته وخضرته وناره وحياته وعقاربه ليس من جنس المعهود في هذا العالم والمولى الحكيم إنما أشهد عباده هذه الدار وما كان فيها ومنها، وأما ما كان من أمر الآخرة فقد أسبل اللَّه عليه الغطا ليكون الإقرار به والإيمان سببًا لسعادتهم ولو كشف عنه الغطا لكان مشاهدًا عيانًا وفاتت نتيجة الإيمان بالغيب وما يترتب على ذلك من جزيل الثواب (1).
والحاصل أن كلما أخبر به الصادق المصدوق وجب الإيمان به وقد تواتر عنه
(1) نهاية كلام ابن القيم في كتابه الروح، وقد نقله الشارح بتصرف واختصار. انظر: الروح (ص 86 - 100).
ذلك ولم تحله العقول بل هو داخل في حيز الإمكان وما كان كذلك فانكاره إلحاد. ولهذا قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه: "عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل"(1).
وقال حنبل قلت لأبي عبد اللَّه في عذاب القبر فقال: "هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها كلما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناد جيد أقررنا به إذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه ورددناه رددنا على اللَّه أمره قال اللَّه تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] قلت وعذاب القبر حق. قال: حق يعذبون في القبور، قال حنبل: وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير وما يروى في عذاب القبر"(2).
"قلت: هذه اللفظة نقول منكر ونكير هكذا ونقول ملكين؟ قال: منكر ونكير قلت: يقولون ليس في حديث منكر ونكير. قال: هو هكذا -يعني إنه ثابت منكر ونكير"(3).
قال المحقق ابن القيم في الروح: "وأما أئمة أهل البدع والضلال كأبي هذيل العلاف (4) وبشر المريسي (5) ومن وافقهما (من)(6) خرج عن سمة الإيمان فإنه يعذب
(1) رواه عنه المروذي كما في الروح لابن القيم (ص 80)، وفي طبقات الحنابلة (1/ 62).
(2)
نهاية رواية حنبل.
(3)
من قوله: "قلت هده اللفظة -يعني منكر ونكير-" جعلها الشارح من سؤال حنبل وليست كذلك، فهي من رواية أحمد بن القاسم كما في طبقات الحنابلة (1/ 55)، وانظر: الروح لابن القيم (ص 80)، ولوامع الأنوار (2/ 23).
(4)
تقدم (1/ 266).
(5)
تقدم (1/ 182).
(6)
في "ظ" ممن وهو خطأ.
وفي العبارة غموض وبيانها كما في الروح لابن القيم: "وأما أقوال أهل البدع والضلال =
بين النفختين، قالا والمسألة في القبر إنما تقع في ذلك الوقت.
وأما أبو على الجبائي (1) وابنه أبو هاشم (2) والبلخي (3) فأثبتوا عذاب القبر لكنهم نفوه عن المؤمنين وأثبتوه لأصحاب التخليد من الكفار والفساق على أصولهم (4) واللَّه تعالى الموفق.
ثم أشار الناظم إلى إثبات حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال:
(ولا) تنكرن أيضًا جهلًا وعنادًا وسفهًا وإلحادًا (الحوض) وأل فيه للعهد وبدلًا عن الإضافة أي حوض النبي المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه حق ثابت بإجماع أهل الحق وسنده من الكتاب قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1].
وفي السنة ما هو مشهور بل متواتر، قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه "البدور السافرة"(5) ورد ذكر الحوض من رواية بضعة وخمسين صحابيًا منهم الخلفاء الأربعة الراشدون وحفاظ الصحابة المكثرون وغيرهم (6) رضوان اللَّه عليهم أجمعين".
= فقال أبو الهذيل والمريسي: من خرج عن سمة الإيمان فإنه يعذب بين النفختين. . . ".
(1)
الجبائي تقدم (1/ 167).
(2)
أبو هاشم تقدم (1/ 186).
(3)
عبد اللَّه بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي الخراساني أبو القاسم أحد أئمة المعتزلة كان رأس طائفة منهم تسمى "الكعبية" وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة وتوفى ببلخ سنة 319. الأعلام (4/ 65).
(4)
انظر: الروح (ص 80)، ولوامع الأنوار (2/ 23).
(5)
اسمه الكامل: (البدور السافرة عن أمور الآخرة) طبع في الهند سنة 1311 وفي باكستان سنة 1337، وطبع أخيرًا في مصر ونشرته مكتبه القرآن والنص فيه (ص 164).
(6)
قال القرطبي في المفهم تبعًا للقاضي عياض روى أحاديث الحوض عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ما ينيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما يزيد على العشرين وفي غيرهما بقية ذلك. انظر: فتح الباري (11/ 475).
قال القرطبي في "تذكرته": "لا يخطر ببالك أو يذهب وهمك إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده على الأرض المبدلة على (مسافة) (1) الأقطار الآتي ذكرها في المواضع التي تكون بدلًا من هذه الأرض وهى أرض بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم ولم يظلم على ظهرها أحد قط"(2).
وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدًا".
وفي رواية: "حوضي مسيرة شهر وزواياه سوا وماؤه أبيض من الورق" وهو في الصحيحين أيضًا (3).
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح وابن حبان في صحيحه واللفظ للإمام أحمد عن أبي أمامة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه وعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب" فقال يزيد بن الأخنس: واللَّه ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذباب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد وعدني سبعين ألفًا مع كل ألف سبعين ألفًا وزاد في ثلاث حثيات" قال: فما سعة حوضك يا رسول اللَّه؟ قال: "كما بين
= وقال الزبيدي في لفظ اللآلى المتناثرة في الأحاديث المتواترة (ص 251) رواه من الصحابة خمسون نفسًا ثم ذكرها.
وكذلك السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة (ص 297) رقم (110). وانظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(ص 151 - 152)، وفتح الباري (11/ 475 - 477)، وتهذيب سنن أبي داود لإبن القيم (7/ 135).
(1)
في "ظ" مسافات، وفي التذكرة للقرطبي:"على مسامتة هذه الأقطار".
(2)
انظر: التذكرة للقرطبي (364).
(3)
رواه البخاري (11/ 472) في الرقاق باب في الحوض رقم (6579)، ومسلم (2292) في الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، وهذه الرواية لمسلم.
عدن إلى عمان وأوسع وأوسع" يشير بيده قال فيه مثعبان -أي بضم الميم والعين المهملة بينهما مثلثة وآخره موحدة هو مسيل الماء- (1) من ذهب وفضة قال فما حوضك يا نبي اللَّه؟ قال: "أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ولم يسود وجهه أبدًا" (2).
وروى ابن أبي عاصم (3) وغيره من حديث أبي بن كعب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قيل له ما الحوض؟ قال: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك وآنيته أكثر عددًا من النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدًا ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدًا"(4).
ففى هذا الحديث إن من لم يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم من أمته لا يزال متصفا بالظمأ أبدا، وروى نحوه البزار والطبراني من حديث أنس رضي الله عنه
(1) هذا التفسير زيادة من الشارح ولم يرد في مصادر الحديث، والمناسب أن يجعله بعد نهاية الحديث، وقد ضبطه الشارح بضم الميم والعين وضبطه المنذري في الترغيب: بفتح الميم والعين. الترغيب (4/ 798)، وقد ورد في رواية الطبراني:"شعبان" ومعناه واديان. انظر: (القاموس - شعب).
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 250 - 251) وابن حبان في صحيحه الإحسان (9/ 184) رقم (7202)، والطبراني في الكبير (8) في عدة مواضع الأرقام (7520، 7521، 7665، 7672).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 362 - 363): "قلت عند الترمذي وابن ماجة بعضه، رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. . . " وقال المنذري في الترغيب (4/ 797): "رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح".
(3)
تقدم (1/ 203).
(4)
رواه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 331) رقم (717) قال الشيخ الألباني: "إسناده موضوع. . " ثم قال بعد ذلك إلا أن الحديث صحيح يشهد له ما قبله وما بعده إلا الجملة الأخيرة منه. "ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا".
انظر: تخريج السنة (2/ 331 - 332).