الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسىى "لا إله إلا اللَّه"، قال: كل عبادك يقول هذا، قال: يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا اللَّه في كفه، مالت بهن لا إله إلا اللَّه" (1).
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو جئ بالسموات والأرض ومن فيهن، وما بينهن، وما تحتهن، فوضعت في كفة الميزان، ووضعت شهادة أن لا إله الا اللَّه في الكفة الأخرى، لرجحت بهن"(2). واللَّه تعالى أعلم.
تنبيهات:
الأول: الأصح الأشهر أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال كفتاه كأطباق السموات والأرض (3) كما مر.
(1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة رقم (834) و (1141)؛ وأبو يعلى (2/ 528) رقم (1393)؛ وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (8/ 35)؛ والحاكم (1/ 528 - 529)؛ وأبو نعيم في الحلية (8/ 328)؛ والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 128)؛ والبغوي في شرح السنة (5/ 54) كلهم من طريق دراج بن السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد بعد أن عزاه لأبي يعلى، ورجاله وثقوا، وفيهم ضعف (10/ 82)؛ وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 211). وانظر: الترغيب والترهيب (2/ 694 - 695).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 254) بزيادة فيه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 323): "ورجاله ثقات إلا أن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس".
(3)
ورجحه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 547)؛ والمؤلف في لوامع الأنوار =
وقيل لكل أمة ميزان (1).
وقال الحسن البصري: "لكل واحد من المكلفين ميزان"(2).
واستظهر بعضهم (3) إثبات موازين يوم القيامة، لا ميزان واحد لظاهر قوله عز وجل:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} [الأنبياء: 47]. وقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8].
وقال: "لا يبعد على هذا أن يكون لأعمال القلوب ميزان، ولأفعال الجوارح ميزان، ولما يتعلق بالقول ميزان"(4).
ورد هذا ابن عطية (5) وقال: "الناس على خلافه وإنما لكل واحد وزن مختص به والميزان واحد"(6).
= (2/ 186)؛ وانظر تفسير ابن كثير مع البغوي (5/ 490).
(1)
ذكره المؤلف في لوامع الأنوار (2/ 186).
(2)
ذكره عنه ابن عطية في تفسيره (7/ 13).
(3)
هو: الفخر الرازي كما في تفسيره (14/ 25).
(4)
انظر: تفسير الرازي (14/ 25).
(5)
ابن عطية: عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي أبو محمد: من أهل غرناطة، ولد سنة 481، أحد القضاة المشهورين بالبلاد الأندلسية، وصدور رجالها ينتمي إلى بيت علم وفضل، كان فقيهًا عالمًا بالتفسير والأحكام والحديث، وكان لغويًا أديبًا شاعرًا، ومن مصنفاته: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، طبع، توفى سنة 546.
مقدمة كتابه فهرس ابن عطية؛ وبغية الملتمس (ص 389)؛ والمعجم لابن الآبار (ص 269)؛ والصلة لابن بشكوال (2/ 386).
(6)
انظر: تفسير ابن عطية (7/ 13).
وقال بعضهم: إنما جمع الموازين في الآية الكريمة لكثرة من توزن أعمالهم، وهو حسن (1) وباللَّه التوفيق.
الثاني: اختلف في الموزون (2) فقيل العبد مع عمله، وقيل الموزون نفس الأعمال، فتصور الأعمال الصالحات بصور حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور، وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل اللَّه سبحانه، وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية، ثم تطرح في الكفة المظلمة، وهي الشمال المعدة للسيئات فتخف بعدل اللَّه كما في الحديث وتقدم.
فادعاء امتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات غير ملتفت إليه كما لا يخفى وتقدمت الإشارة إليه، وقيل: إن اللَّه تعالى يخلق أجسامًا على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها (3).
والصحيح أن الموزون صحف الأعمال.
وصححه إمام المغرب ابن عبد البر (4)؛ والقرطبي (5)؛ وأبو المعالي في عقيدته.
وقال العلامة ابن حمدان (6) في "نهاية المبتدئين": والميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات نص عليه أي الإمام أحمد رضي الله عنه ذكره أبو الفضل التميمي" (7).
(1) لوامع الأنوار (2/ 186).
(2)
في "ظ" الوزن.
(3)
حاشيه جوهرة: التوحيد (ص 179).
(4)
ذكرها المؤلف في اللوامع (2/ 187)؛ والسيوطي في البدور السافرة (ص 243).
(5)
كما في تفسيره (7/ 164 - 165)؛ وفي التذكرة (ص 377).
(6)
ابن حمدان تقدم (1/ 153).
(7)
التميمي: تقدم (1/ 341). وانظر معتقد الإمام أحمد رواية التميمي في طبقات الحنابلة =
قال: "وإن له لسانًا وكفتين توزن به صحائف الأعمال".
وقال ابن عقيل: (1) "توزن فيه أعمال العباد بمعنى أنهم يعرفون مقاديرها عند رجحانه ونقصانه، قال: ويحتمل أن يكون المطروح فيه الصحف لتعذر بقاء الأعمال، وصوبه الشيخ مرعي في بهجته وذهب إليه جمهور المفسرين (2).
وقد سئل صلى الله عليه وسلم عما يوزن يوم القيامة، فقال: الصحف (3). ذكره الفخر الرازي (4) وغيره. وحكاه ابن عطية عن أبي (5) المعالي (6).
يؤيد ذلك ما رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه، والبيهقي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن اللَّه يستخلص رجلًا من أمتي" وفي لفظ: "يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلًا، كل سجل منها مثل مد البصر، فيقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فيقول: لا يارب، فيقول اللَّه:
= (2/ 303)؛ والسنة للآلكائي رقم (2222).
(1)
ابن عقيل: تقدم (1/ 248).
(2)
قال البيضاوى في تفسيره (1/ 332) الجمهور على أن صحائف الأعمال هي التي توزن.
(3)
ذكره الفخر الرازي في تفسيره (14/ 24) ولم يسنده.
(4)
الفخر الرازي: تقدم (1/ 186).
(5)
في النسختين "ابن أبي المعالي" وقد تقدم (2/ 150).
والذي في اللوامع للمؤلف (2/ 187)"أبي المعالي" ولعله الصحيح، وأبو المعالي، هنا هو الجويني، وقد تقدت ترجمته (1/ 137).
(6)
انظر: تفسير ابن عطية (7/ 13)؛ وانظر العقيدة النظامية (ص 80 - 81)؛ والإرشاد (ص 379 - 380) كلاهما لأبي المعالي الجويني.
بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول احضر وزنك، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم اللَّه شيء" (1).
فثبت بهذا الحديث الصحيح أن الموزون صحائف الأعمال كما صوبه العلامة الشيخ مرعي في بهجته، وهو الحق (2).
ومثله ما أخرجه سيدنا الإمام أحمد في مسنده بسند حسن عن ابن عمرو أيضًا رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة ويوضع ما أحصى عليه في كفة فتمايل به الميزان، فيبعث به إلى النار، فإذا أدبر به إذا صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا، لا تعجلوا، فإنه قد بقي له فيؤتى ببطاقة فيها لا إله الا اللَّه، فتوضع مع الرجل في كفته حتى تميل به الميزان"(3).
(1) رواه أحمد في المسند (2/ 213)؛ والترمذي (2639) في الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا اللَّه؛ وابن ماجة (4300)؛ وابن حبان في صحيحه -كما في موارد الظمآن رقم (2524)(ص 625)؛ والحاكم (1/ 6، 529) والبغوي في شرح السنة (15/ 133 - 134).
وحسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي.
وانظر السلسلة الصحيحة رقم (135).
(2)
وصوبه الشيخ مرعي في "تحقيق البرهان"(58 - 59)؛ ونقله عنه الشارح في لوامع الأنوار (2/ 187) موافقًا له.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 221 - 222)؛ وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 82). =
فإن قيل: قد صرح في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الوزن لنفس بدن الآدمي حيث قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة" وتقدم (1).
فالجواب: أن هذا ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للذي يغتر ببعض الأجسام فهو كناية عن عدم الاكتراث بالأجسام، فإن اللَّه لا ينظر للأجسام والأموال، وإنما ينظر للقلوب والأعمال، فكم من جسم وسيم، وهو عند اللَّه من أصحاب الجحيم، وكم من حقير دميم، وهو من أهل القرب والنعيم (2).
وقال: "رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح".
(1)
انظر (2/ 182).
(2)
يتلخص من كلام الشارح رحمه الله أن العلماء اختلفوا في الموزون على ثلاثة أقوال:
1 -
أن الموزون العامل مع عمله.
2 -
أن الموزون الأعمال نفسها.
3 -
أن الموزون صحائف الأعمال وهو الذي مال إليه المؤلف ورجحه واستدل له.
وهناك قول رابع، وهو أن الموزون هو العامل نفسه.
قال الحافظ بن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 450 - 451) بحد أن ذكر الأقوال في الموزون، قال: "وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها. واللَّه أعلم. انتهى.
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في كتابه "معارج القبول"(2/ 185): "والذي استظهر من النصوص -واللَّه أعلم- أن العامل وعمله وصحيفة عمله، كل ذلك موزن لأن الأحاديث التي في بيان القرآن قد وردت بكل من ذلك ولا منافاة يينها".
واستدل بالحديث الذي رواه أحمد وتقدم قبل قليل. ثم قال: "فهذا الحديث يدل على أن العبد يوضع هو وحسناته وصحيفتها في كفة وسيئاته مع صحيفتها في الكفة الأخرى، وهذا غاية الجمع في ما تفرق ذكره في سائر أحاديث الوزن، وللَّه الحمد والمنة" انتهى.
الثالث: زعم النسفي (1) في بحر الكلام: أن الإيمان لا يوزن لأنه لا ضد له يوضع في الكفة الأخرى، إذ ضده الكفر، والإيمان والكفر لا يجتمعان في الواحد (2).
قلت: ويرد هذا ما قدمناه من وزن كلمة الإخلاص، وهي لا إله إلا اللَّه وهي أس الإيمان.
وانتصر كل من الحكيم الترمذي، والقرطبي لما ذكره النسفي، وأجاب الحكيم الترمذي عن كلمة الإخلاص بأنها إنما تكون إيمانًا أول مرة، وبعد ذلك تكون من حسناته، قال: ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "بلى إن لك عندنا حسنة ولم يقل إن لك عندنا إيمانًا".
وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن لا إله إلا اللَّه من الحسنات هي فقال: "من أعظم الحسنات" رواه البيهقي وغيره (3).
(1) النسفي: ميمون بن محمد بن محمد بن معبد بن مكحول أبو المعين النسفي عالم بالأصول والكلام، كان بسمرقند وسكن بخارى من كتبه: بحر الكلام، مطبوع، وتبصرة الأدلة في الكلام؛ والتمهيد لقواعد التوحيد؛ والعمدة في أصول الدين، وغيرها، توفى سنة 508 هـ.
الجواهر المضيئة (3/ 527)؛ وكشف الظنون (1/ 225)؛ والأعلام (7/ 341).
(2)
انظر: كتاب الجوهرة المنيفة في شرح وصية الإمام أبي حنيفة (ص 84)؛ والبدور السافرة (ص 242 - 243).
(3)
رواه أحمد في المسند (5/ 169)؛ وفي الزهد (ص 27)؛ والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 133)؛ وأبو نعيم في الحلية (4/ 217 - 218) عن أبي ذر وصححه الشيخ ناصر الألباني في الصحيحة رقم (1373) وانظر: جامع العلوم والحكم (2/ 5) شرح الحديث الثامن عشر. =
قلت: وفيه نظر لا يخفي لأنه ينظر إلى أن الإيمان مجرد التصديق و (هو)(1) خلاف مذهب السلف، فإن الأعمال من الإيمان كما يأتي تحريره.
فإن قيل ما الحكمة في الوزن مع إحاطة علم اللَّه بكل شيء حتى خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
فالجواب الحكمة في ذلك تعريف اللَّه عبادة ما لهم عنده من الجزاء من خير أو شر قاله الثعلبي.
واختار العلامة الشيخ مرعي أن الحكمة إظهار العدل وبيان الفضل حيث إنه يزن مثاقيل الذر من خير أو شر: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40](2).
الرابع: ظواهر الآثار وأقوال العماء أن كيفية الوزن في الآخرة خفة، وثقلًا كالدنيا ما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين.
وبه صرح جموع منهم القرطبي في تذكرته (3).
وقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق السدي (4) الصغير عن
= وانظر: كلام الحكيم الترمذي والقرطبي هذا في التذكرة (ص 381).
وانظر: هذا المبحث في لوامع الأنوار للمؤلف (2/ 188).
(1)
في النسختين (وهي) والصحيح ما أثبتنا.
(2)
انظر: تحقيق البرهان للشيخ مرعي (ص 65)؛ ولوامع الأنوار (2/ 188) وانظر ما سبق (2/ 180) حول الحكمة في الوزن.
(3)
انظر: التذكرة: (ص 378 - 379).
(4)
محمد بن مروان بن عبد اللَّه بن إسماعيل السدي بضم المهملة والتشديد وهو الأصغر كوفي متهم بالكذب وهو صاحب الكلبي. الميزان (4/ 32 - 33)؛ تقريب (ص 318).
الكلبي (1) عن أبي صالح (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"الميزان له لسان وكفتان توزن فيه الحسنات والسيئات، فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤخذ فتوضع في الجنة عند منازله، ثم يقال للمؤمن: الحق بعملك فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله، ويؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخف والباطل خفيف، فتوضع في جهنم إلى منازله منها، ويقال: الحق بعملك إلى النار فيأتى النار فيعرف منازله بعمله وما أعد اللَّه له فيها من ألوان العذاب".
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم"(3).
ففي كلام ابن عباس رضي الله عنه التصريح بما ذكرنا (4).
وزعم بعض المتأخرين أن صفة الوزن تخالف الصفة المعهودة في الدنيا فعمل المؤمن إذا رجح صعد (وأسفلت)(5) سيئاته والكافر تسفل كفته لخلو الأخرى عن
(1) الكلبي: محمد بن السائب بن بشر الكلبي أبو النضر الكوفي النسابة المفسر متهم بالكذب، مات سنة 146.
تقريب (ص 298).
(2)
أبو صالح: باذام بالذال المعجمة، ويقال آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف مدلس، مات بعد المائة.
تهذيب الكمال (4/ 6 - 8)؛ وتقريب (ص 42).
(3)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/ 69 - 70)؛ وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/ 420)؛ وعزاه البيهقي في شعب الإيمان.
وفي إسناده السدي الصغير وشيخه الكلبي، وكلاهما متهم بالكذب.
(4)
ولكن الأثر لم يصح عن ابن عباس.
(5)
كذا في الأصل وفي "ظ"(واستفلت)؛ وفي اللوامع: (وسفلت) ولعله الصحيح.
الحسنات واستدل لما قال بقول ذي العزة والجلال {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
والجواب عن الآية الكريمة عدم صحة الاستدلال لأن الرفع يكون بعد الوزن، وثقل الميزان كما قدمنا.
وزعم قوم أن صفة الوزن: أن توضع أعمال العباد في الميزان دفعة واحدة الحسنات في كفة النور، وهي عن يمين العرش جهة الجنة والسيئات في كفة الظلمة وهي عن يساره جهة النار، قال: ويخلق اللَّه تعالى لكل إنسان علمًا ضروريًا يدرك به خفة أعماله وثقلها.
قلت: وهذا يشبه قول المعتزلة.
وقيل: علامة الرجحان عمود نور يقوم من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات، وعلامة الخفة عمود ظلمة يقوم من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات لكل واحد، وهذا من جنس ما قبله (1).
والصواب ما قدمنا واللَّه تعالى أعلم.
الخامس: اختلف في الميزان، هل هو خاص بأهل الإيمان، أو عام لسائر أهل الأديان.
استدل للأول بظاهر قوله تعالى {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105].
وأجاب عنه من يقول بالعموم -وهو المقبول- بأنه مجاز عن عدم الاعتداد بهم،
(1) والصواب الوقوف مع النصوص لأن الأخبار الغيبية لا تثبت إلا بنص صحيح عن اللَّه، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا (2/ 185، 186)
وقد قال تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 103 - 105]. فهذه الآيات في الكفار وتقدم في الحديث.
وأما الكفار فيوضع كفرهم وأوزارهم في الكفة المظلمة، وإن كان لهم أعمال بر وضعت في الكفة الأخرى فلا تقاومها.
نعم ذكر القرطبي أن الميزان لا يكون في حق كل أحد فإن الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان، وكذلك من يعجل به إلى النار بغير حساب وهم المذكورون في قوله تعالى {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41] الآية (1).
قال الجلال السيوطي في البدور السافرة: "وهذا الذي قاله القرطبي حسن يجمع بين القولين والآيتين، فالفريق الذي يعجل بهم هم الذين لا يقام لهم وزن وبقيت الكفار ينصب لهم الميزان".
قال الجلال: "ويحتمل تخصيص الكفار المذكورين بالمنافقين لأنهم هم الذين بيقون في المسلمين، وأهل الكتاب الذين لم يبدلوا بعد لحوق كل أمة بما كانت تعبد كما تقدم في حديث التجلي (2).
وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها".
وذكر الغزالي أن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لا ينصب لهم ميزان، ولا يأخذون صحفًا، وإنما هي براءات مكتوبة هذه براءة فلان ابن
(1) انظر: كلام القرطبي هذا في التذكرة (ص 375).
(2)
انظر (1/ 271).
فلان (1). واللَّه ولي الإحسان (2).
تتمة:
لم يذكر الناظم -رحمه اللَّه تعالى- الصحف ونشرها وأخذها باليمين والشمال، ولا ذكر الصراط ولا الحساب وذلك أنه إنما يشير إلى أمهات مسائل اشتهر فيها خلاف أهل البدع من المعتزلة وغيرهم مما لا يحسن إغفاله في العقائد الدينية، مع أن مما أنكرته المعتزلة أيضًا الصحف، فزعمت المعتزلة أنه عبث مع ثبوتها -كالصراط- بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق.
أما الكتاب فعدة آيات منها قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)} [الإنشفاق: 7 - 12].
وفي الآية الأخرى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ. .} إلى قوله {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19 - 25].
وقال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13 - 14].
وقال: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: 10].
(1) ذكره القرطبي في التذكرة (ص 375)؛ والسيوطي في البدور السافرة (ص 241).
(2)
في "ظ" كتب هنا بلغ مقابلة.
ومعنى طائره: عمله (1).
وقال مقاتل والكلبي: خيره وشره معه لا يفارقه (2).
وقال الثعلبى في قوله تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: 10] أي التي فيها أعمال بني آدم نشرت للحساب، وإنما يؤتى بالصحف إلزامًا للعباد، ورفعًا للجدل والعناد، وأنكرته المعتزلة زعما منهم أنه عبث.
وجواب أهل الكلام لهم أفعال اللَّه ليست معللة بالغرض، وعلى تقدير التسليم فلعل في الكتاب حكمة لا نطلع عليها وعدم اطلاعنا عليها لا يوجب العبث.
وقد علمت أن من حكمة ذلك إلزام العباد، وقطع معاذيرهم ورفع الجدال مع إعادة الذكر وإحصاء ما في الصحف وتعدادها على العبد وليعلم العبد أنه ما فرط في الكتاب من شيء فيقولون:
وأما السنة: فقد أخرج العقيلي (4) من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكتب كلها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة يبعث اللَّه ريحًا فتطيرها بالأيمان والشمائل أول خط فيها {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14](5).
(1) قالة ابن عباس ومجاهد. تفسير ابن كثير (5/ 158).
(2)
تفسير البغوى (5/ 158).
(3)
وانظر: ما تقدم من الحكمة في وزن الأعمال (2/ 180).
(4)
العقيلي: تقدم (1/ 146).
(5)
والحديث أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 466) من حديث يغنم بن سالم، وقال عنه: =
قال قتادة: (1)"سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئًا في الدنيا"(2).
وفي سنن الترمذي وحسنه وصحيح ابن حبان والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71]. قال: "يدعى الرجل فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستون ذراعًا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا فإن لكل واحد منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد في جسمه ستون ذراعًا ويجعل على رأسه تاج من نار فيراه أصحابه من بعيد فيقولون: اللهم إنا نعوذ بك من هذا، اللهم لا تأتنا بهذا فيأتيهم فيقولون: اللهم اخزه، فيقول: أبعدكم اللَّه فإن لكل رجل منكم مثل هذا"(3).
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان
= منكر الحديث وقال وعنده -يغنم- عن أنس نسخة أكثرها مناكير" انتهى. وقال ابن حبان: شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك روى عنه بنسخة موضوعة لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه، إلا على سبيل الأعتبار"
المجروحين (3/ 145).
(1)
قتادة تقدم (1/ 193).
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (15/ 53)؛ وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (5/ 250).
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه (3136) في التفسير باب ومن سورة بني إسرائيل؛ وابن حبان -الإحسان- (9/ 222)؛ والحاكم (2/ 242 - 243) والبزار كما في تفسير ابن كثير (5/ 208).
وقال الترمذي: "حسن غريب".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
فجدال ومعاذير (1) فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله" (2).
وأخرج نحوه ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا قال: "وأما الثالثة فتطاير الصحف في الأيدى، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله"(3).
وأخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال: "وأما العرضة الثالثة فتطاير الكتب في الأيمان والشمائل"(4).
قال الحكيم الترمذي: "الجدال للأعداء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم، والمعاذير للَّه تعالى يعتذر إلى آدم وإلى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء ثم يبعث بهم إلى النار.
والعرضة الثانية للمؤمنين، وهو العرض الأكبر يخلو بهم فيعاتب من (يريد)(5)
(1) كذا في النسختين وبعدها في الترمذي: "وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف. . . ".
(2)
الحديث أخرجه الترمذي رقم (2425) في صفة القيامة، باب ما جاء في العرض، وقال:"ولا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن على الرفاعي عن الحسن عن أبي موسي عن النبي صلى الله عليه وسلم".
قال: "ولا يصح هذا الحديث من قِبَلِ أنَّ الحسن لم يسمع من أبي موسى".
(3)
أخرجه أحمد (4/ 414)؛ وابن ماجة رقم (4277) في الزهد باب ذكر البعث. قال البوصيري في الزوائد (4/ 254): "هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع الحسن لم يسمع من أبي موسى قاله علي بن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة".
ثم ذكر كلام الترمذي في رواية الحسن عن أبي هريرة.
(4)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (29/ 59) والبيهقي في البعث كما في الدر المنثور (8/ 271) عن ابن مسعود موقوفًا وسنده حسن، قاله الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 410).
(5)
في الأصل: من يرد والمثبت "ظ"، ومن اللوامع والتذكرة للقرطبي.
عتابه في تلك الخلوات حتى يذوق وبال الحياء والخجل، ثم يغفر لهم ويرضى عنهم" (1).
فوائد:
الأولى: قال الإمام الجليل سعيد بن المسيب: (2)"الذي يأخذ كتابه بشماله تلوي يده خلف ظهره ثم يعطى كتابه"(3).
وقيل: "تنزع من صدره إلى خلف ظهره"(4).
وقال مجاهد (5) في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الإنشقاق: 10] قال تجعل شماله وراء ظهره فيأخذ بها كتابه" (6).
الثانية: الذي يأخذ كتابه بشماله إما كافر، وإما (فاسقًا)(7) فإن كان كافرًا أعطي كتابه بشماله من وراء ظهره، بأن تخلع يده أو تدخل من صدره أو تلوى. وإن كان مؤمنًا عاصيًا يعطى كتابه بشماله من أمامه، وأما المؤمن الطائع فيعطى كتابه بيمينه من أمامه (8).
(1) انظر كلام الحكيم الترمذي هذا في التذكرة للقرطبي (ص 305)؛ وفي لوامع الأنوار للشارح (2/ 181 - 182)؛ وفي البدور السافرة للسيوطي (ص 182).
(2)
سعيد بن المسيب تقدم (1/ 262).
(3)
ذكره المؤلف في لوامع الأنوار (2/ 182).
(4)
انظر: تفسير ابن كثير والبغوي (9/ 151).
(5)
مجاهد: تقدم (1/ 197).
(6)
تفسير مجاهد (ص 742)؛ والدر المنثور (8/ 457).
(7)
في الأصل: (فساق) والمثبت من "ظ".
(8)
انظر: لوامع الأنوار للشارح (2/ 183).
الثالثة: ورد أن أول من يأخذ كتابه بيمينه من هذه الأمة: أبو سلمة ابن عبد الأسد (1) واسمه عبد اللَّه المخزومي القرشي بن عمة النبي صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطب، "وهو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة (2)؛ وهو أول من هاجر من مكة هو وزوجته أم المؤمنين أم سلمة إلى الحبشة (3)، وشهد بدرًا، وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم، وأخا حمزة بن عبد المطلب من الرضاعة أرضعتهم ثويبة مولاة أبي لهب، وشهد الشاهد إلى أن مات بالمدينة سنة أربع (4).
وروي أن أول من يأخذ كتابه بشماله: الأسود أخو أبي سلمة المذكور، روي أنه يمد يده ليأخذ كتابه فيجذبه ملك فيخلع يده، فيأخذه بشماله من وراء ظهره (5) واللَّه تعالى أعلم.
وأما الصراط فهو حق ثابت بلا شطاط.
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (82) عن ابن عباس موقوفًا؛ والطبراني في الأوائل رقم (82) عن ابن عباس مرفوعًا، وفي إسناده حبيب بن زريق، رماه أبو حاتم وابن عدي بالوضع.
الميزان (1/ 452).
(2)
ذكره المؤلف في كتابه لوامع الأنوار (2/ 183) وقال: "وهو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم". ولم أجد هذا الخبر فيما لدي من مصادر.
(3)
الإصابة (6/ 141).
(4)
الاستيعاب (6/ 272)؛ والإصابة (6/ 140 - 141).
(5)
رواه ابن أبي على رقم (82) وتقدم قبل قليل، لكن وقع في اسه اختلاف فعند ابن أبي عاصم: سفيان بن عد الأسد، وفي رواية الطبراني أبو سفيان بن عبد الأسد، وعند المؤلف والقرطبي في تفسيره (2/ 272)، (18/ 270): الأسود بن عبد الأسد.
قال العلماء: الصراط في اللغة الطريق الواضح ومنه قول جرير (1):
أمير المؤمنين على صراط
…
إذا اعوج الموارد مستقيم (2)
وهو بالصاد والسين المهملتين، وبالزاي (على)(3) نزاع في إخلاصها ومضارعتها بين الصاد والزاي (4).
وفي الشرع: جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون، فهو قنطرة جهنم بين الجنة والنار وخلق من حين خلقت جهنم (5).
قال القرطبي في "تذكرته": في الآخرة صراطان:
أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم.
إلا من دخل الجنة بغير حساب.
وإلا من يلتقط عنق من النار.
فإذا خلص من خلص من هذا الصراط الأكبر المذكور، ولا يخلص عنه إلا المؤمنون الذين علم اللَّه تعالى منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حبسوا على صراط خاص لهم، ولا روجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء اللَّه تعالى لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط عنه فيها من أوبقته ذنوبه، وزادت على حسناته جرائحه وعيوبه. . " (6).
(1) جرير: تقدم (2/ 46).
(2)
البيت في ديوانه (ص 507).
(3)
في الأصل بلا نزاع والمثبت من "ظ"، ومن اللوامع (2/ 189).
(4)
انظر: تفسبر ابن جرير (1/ 73)؛ وابن كثير مع البغوي (1/ 49 - 50)؛ وتفسير ابن عطية (1/ 78 - 79)؛ والقرطبي (1/ 147 - 148).
(5)
لوامع الأنوار (2/ 189).
(6)
تذكرة للقرطبي (ص 408).
فقد أخرج البخاري والإسماعيلي (1) في مشيخته واللفظ له عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] قال: "يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا"(2).
قال قتادة: "كان يقال: ما يشبه بهم إلا أهل الجمعة انصرفوا من جمعتهم"(3).
قال القرطبي: "هذا في حق من لم يدخل النار من عصاة الموحدين أما من دخلها ثم أخرج منها، فإنهم لا يحبسون بل إذا أخرجوا أبقوا على أنهار الجنة"(4).
وقال (5) في "الفتح" في قوله: "يخلص المؤمنون من النار" ينجون من السقوط فيها بمجاوزة الصراط فيها.
(1) الإسماعيلي: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيل الشافعي أبو بكر محدث فقيه حافظ صاحب "الصحيح" وشيخ الشافعية في ناحيته قال الذهبي "وصنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث عمل مسند عمر في مجلدتين، والمستخرج على الصحيح، أربع مجلدات ومعجمه في مجيليد يكون عن نحو ثلاثمائة شيخ، توفى سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء (16/ 292).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6535)(11/ 403) في الرقاق، باب القصاص يوم القيامة.
(3)
انظر هذه الرواية في تفسير ابن جرير (14/ 37 - 38)؛ وفي الدر المنثور (5/ 84).
(4)
التذكرة للقرطبي (ص 408).
(5)
أي الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري.
قال: "واختلف في القنطرة المذكورة فقيل هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل إنها صراط آخر وبه جزم القرطبي"(1).
واختار الجلال السيوطي في "البدور السافرة" أنه طرف الصراط الذي يلي الجنة للأحاديث (2) واللَّه أعلم إذا علمت هذا، فقد قال العلماء رضي الله عنهم ورحمهم:
الصراط أدق من الشعرة وأحدّ من السيف وأحمى من الجمرة، لما رواه للطبراني بإسناد حسن عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: "يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة -أي مزلقة مزلة- أي لا تثبت عليه قدم بل تزل عنه إلا من يثبته اللَّه تعالى، عليه كلاليب من نار يختطف بها فممسك يهوي فيها (3) ويستبقون عليه بأعمالهم فمنهم من شده (4) كالبرق، فذلك الذي لا ينشب أن ينجو، ومنهم من شده كالريح، ومنهم من شده كالفرس الجواد، ومنهم من شده كهرولة الرجل، ثم كمشي الرجل، وآخر من يدخل الجنة رجل قد لوحته (5) النار فيقول اللَّه له: سل
(1) انظر: فتح الباري (11/ 406)؛ والتذكرة للقرطبي (ص 408)؛ ولوامع الأنوار (2/ 190).
(2)
انظر: البدور السافرة (ص 282 - 283).
(3)
جاءت العبارة في النسختين، وفي كتاب اللوامع للشارح (2/ 190) عليه جلاليب من نار تخطف أهلها فتمسك بهواديها. . . إلخ.
والمثبت من معجم الطبراني ومن معجم الزوائد وهو الصحيح.
(4)
كذا في النسختين، وفي الطبراني:"ومنهم من يمر كالبرق".
ومعنى الشد: العدو. النهاية (2/ 452).
(5)
كذا في النسختين، وفي اللوامع، وفي الطبراني:"حتى يكون آخرهم إنسانا (رجل) قد أوحته ولقى فيها شرًا. . . " =
وتمن، فإذا فرغ، قال: لك ما سألت ومثله معه" (1).
وأخرج الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لجهنم جسر أدق من الشعرة وأحدّ من السيف عليه كلاليب (2) وحسك (3) تأخذ من شاء اللَّه، والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل، والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم سلم، فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه"(4).
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "بلغني أن الجسر (أدق)(5) من الشعر وأحدّ من السيف (6).
= وفي المجمع: "رجل قد توجبه النار. . . "
ومعنى "لوحته النار": أي غيرت لونه.
النهاية (4/ 276).
(1)
الحديث أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 230) رقم (8992)؛ وأورده المصنف في لوامع الأنوار (2/ 190)؛ والسيوطي في البدور السافرة (ص 251)؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 359 - 360): "رجاله رجال الصحيح غير عاصم وقد وثق".
(2)
كلاليب: جمع كلوب بالتشديد حديدة معوجة الرأس.
النهاية (4/ 195)؛ وشرح النووي على صحيح مسلم (3/ 21).
(3)
حسك: الحسك جمع حسكة وهي شوكة حديد صلبة.
غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 214)؛ وشرح النووي على صحيح مسلم (3/ 29).
(4)
الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/ 110) وقد اختصره المؤلف هنا.
(5)
في النسختين أرق من الشعر بالراء والمثبت من صحيح مسلم.
(6)
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه رقم (183) في الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى.
وأصله في البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة: رضي الله عنهما.
جامع الأصول (10/ 440) وما بعدها.