المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث: أول من تكلم في القدر - لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية - جـ ٢

[السفاريني]

الفصل: ‌الثالث: أول من تكلم في القدر

قال الحافظ ابن رجب (1): "الذي سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن مقالتهم معبد الجهني وعمرو بن عبيد وغيرهما، وقد قال كثير من السلف: "ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه فقد كفروا" يريدون أن من أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد وأن اللَّه تعالى قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد وكتب ذلك عنده في كتاب حفيظ فقد كذب بالقرآن فيكفر بذلك. وإن أقروا بذلك وأنكروا أن اللَّه خلق أفعال عباده (2) وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية قدرية فقد خصموا لأن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه وفي تكفير هؤلاء نزاع مشهور بين العلماء وأما من أنكر العلم القديم فقد نص الإمامان الشافعي وأحمد رضي الله عنهما على تكفيره وكذلك غيرهما من أئمة الإسلام"(3).

‌الثالث: أول من تكلم في القدر

معبد بن عبد اللَّه بن عويمر الجهني وكان أولًا يجلس إلى الحسن البصري ثم سلك أهل البصرة مسلك معبد لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله كما قال السمعاني (4).

(1) تقدم (1/ 177).

(2)

في "ظ" العباد.

(3)

انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/ 61).

(4)

في الأصل كما قال ابن السمعان.

وفي "ظ" كما قال ابن السمعاني.

والصواب ما أثبتنا وهو موافق لما نقله الشارح في كتابه لوامع الأنوار (1/ 299)؛ وما ذكره النووي في شرح مسلم (1/ 153).

والسمعاني هو: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني أبو سعد الإمام الحافظ الكبير محدث خراسان صاحب المصنفات الكثيرة منها الأنساب طبع في ثلاثة عشر مجلدًا وغيره، توفى سنة اثنتين وستين وخمسمائة.

سير أعلام النبلاء (20/ 456)؛ وانظر: النص الذي ذكره الشارح عنه في كتابه الأنساب (3/ 441)(الجهني).

ص: 120

وبعض الأشعرية وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية طيب اللَّه ثراه في كتابه "شرح الإيمان": "أول من ابتدعه بالعراق رجل من أهل البصرة يقال له سيسويه بمهملتين بينهما تحتية من أبناء المجوس وتلقاه عنه معبد الجهني"(1).

وذكر العلامة الطوفي (2) في شرح تائية شيخ الإسلام أن اسمه "سوسن" بواو بين المهملتين فنون، ثم معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد (3) ويقال أول ما حدث في الحجاز لما احترقت الكعبة (4) فقال رجل احترقت بقدر اللَّه فق الآخر: لم يقدر اللَّه هذا (5).

قال شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه: "لم يكن على عهد الخلفاء الراشدين أحد ينكر القدر فلما ابتدع هؤلاء التكذيب بالقدر رده عليهم من بقي من الصحابة كعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عباس وواثلة بن الأسقع رضي الله عنهم وكان أكثره بالبصرة والشام وقليل منه بالحجاز (فأكثر السلف الكلام في هؤلاء القدرية)(6).

ولهذا قال وكيع بن الجراح: القدرية يقولون: الأمر مستقبل وأن اللَّه لم يقدر الكتابة والأعمال، والمرجئة يقولون: القول يجزي عن العمل والجهمية يقولون:

(1) انظر: الإيمان لابن تيمية (7/ 384) من مجموع الفتاوى.

(2)

الطوفي تقدم (1/ 343).

(3)

أسنده الآجري في الشريعة (243)؛ وابن بطة في الإبانة (ص 415)؛ واللالكائي في السنة رقم (1398) عن الأوزاعي.

(4)

ذكر الطبري في تاريخه أنها احترقت سنة 64، تاريخ الطبري (5/ 498).

(5)

أسند هذا القول اللالكائي في السنة (4/ 747) عن الحسن بن محمد.

(6)

كذا في النسختين والذي في الإيمان لشيخ الإسلام (ج 7 ص 385)"فأكثر كلام السلف في ذم هؤلاء القدرية" ولعله الصواب فإن الشارح ينقل عنه.

ص: 121

التصديق يجزي عن القول والعمل. قال وكيع: هو كله كفر" (1).

قال شيخ الإسلام: "ولكن لما اشتهر الكلام في القدر ودخل فيه كثير من أهل النظر والعبادة صار جمهور القدرية يقرون بتقدم العلم وإنما ينكرون عموم المشيئة والخلق.

وعن عمرو بن عبيد في إنكار الكتاب المتقدم والسعادة روايتان (2).

وقد علمت مما مر أن القدرية فرقتان:

الأولى: تنكر سبق علم اللَّه بالأشياء قبل وجودها وتزعم أن اللَّه تعالى لم يقدر الأمور أزلًا ولم يتقدم علمه بها وإنما يأتنفها علمًا حال وقوعها وكانوا يقولون إن اللَّه تعالى أمر العباد ونهاهم وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه ولا من يدخل الجنة ممن يدخل النار، حتى فعلوا ذلك فعلمه بعد ما فعلوه، ولهذا قال: الأمر أنف أي مستأنف، هذا مع قوله تعالى (3):{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وهو تعالى يعلم قبل أن يخلق الأشياء كلها (ما)(4) سيكون، وهو كخلق بمشيئته فهو يعلمه ويريده ود إرادته تعالى قائمة بنفسه وقال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن اللَّه تعالى خلق الخلق وعلم ما هم عاملون ثم قال لعلمه كن كتابًا فكان كتابًا ثم أنزل تصديق ذلك في هذه الآية وفي الآية

(1) النص في الإيمان لابن تيمية (ج 7/ 385)؛ وقد أسند ابن بطة في الإبانة النص عن وكيع. الإبانة (365) مصورة في مكتبة الجامعة تحت رقم (1776).

(2)

الإيمان لابن تيمية (ج 7/ 385)؛ ولوامع الأنوار (1/ 300).

(3)

أي هذا مخالف لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .

(4)

(ما) ليست في النسختين وأثبتناها عن لوامع الأنوار (1/ 300)؛ وبها يستقيم الكلام.

ص: 122

الأخرى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22](1).

قال العلماء والفرقة المنكرة لهذا انقرضوا وهم الذين كفرهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم (2).

ومما احتج به الإمام أحمد عليهم قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ. .} [الأحزاب: 7] الآية. قال هذه حجة على القدرية.

قال الإمام المحقق ابن القيم في "البدائع": "أراد القدرية المنكرة للعلم بالأشياء قبل كونها وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف"(3).

قال القرطبي: "وقد انقرض هذا المذهب فلا يعرف أحد ينسب إليه من المتأخرين"(4).

الفرقة الثانية من فرقتي القدرية: المُقِرّون بالعلم:

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: "القدرية اليوم مطبقون على أن اللَّه تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال، وهو مع كونه مذهبًا باطلًا أخف (5) من المذهب الأول".

(1) انظر هذا المبحث في: كتاب الإيمان لابن تيمية (ج 7/ 381 - 382) من مجموع الفتاوى، ولوامع الأنوار للشارح (1/ 300 - 301).

(2)

انظر: الإيمان لابن تيمية (ج 7/ 385)؛ ولوامع الأنوار (1/ 301).

(3)

بدائع الفوائد لابن القيم (3/ 114).

(4)

انظر: فتح الباري (1/ 145)؛ ولوامع الأنوار (1/ 301).

(5)

في "ظ" أحق.

ص: 123

قال: "والمتأخرون منهم أنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارًا من تعلق القديم بالمحدث"(1).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما هؤلاء -يعني الفرقة الثانية- فإنهم مبتدعون ضالون لكنهم ليسوا بمنزلة أولئك".

قال: "وفي هؤلاء خلق كثير من العلماء والعباد كتب عنهم وأخرج الشيخان لجماعة منهم، لكن من كان داعية لم يخرجوا له، وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث كالإمام أحمد وغيره"(2).

(من كان داعية)(3) إلى بدعة فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس، وإن كان في الباطن مجتهدًا، فأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة في الدين، فلا يؤخذ عنه العلم ولا يستقضى ولا تقبل شهادته ونحو ذلك.

ولهذا لم يخرج أصحاب الصحيح لمن كان داعية، ولكن رووا هم وسائر أهل العلم عن كثير ممن كان يرى رأي القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة، ولهذا قال سيدنا الإمام أحمد:"لو تركنا الرواية عن القدرية لتركنا أكثر أهل البصرة"(4).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا لأن مسألة خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات مسألة مشكلة، ولهذا القدرية من المعتزلة وغيرهم أخطأوا فيها"(5) وقد أفرط القدرية غاية التفريض بحيث إنهم نفوا أن يكون اللَّه تعالى خالقًا لأفعال عباده مع قوله تعالى:

(1) انظر: فتح الباري (1/ 145).

(2)

انظر: الكفاية للخطيب (ص 121).

(3)

كذا العبارة في النسختين وفي الإيمان لابن تيمية (7/ 385): "إن من كان داعية إلى بدعة فإنه. . . " وفي "لوامع الأنوار"(1/ 301 - 302): "ومن كان داعية إلى بدعة".

(4)

الإيمان لابنه تيمية (ج 7/ 586) من مجموع الفتاوى.

(5)

انتهى كلام ابن تيمية. انظر كتابه الإيمان (ج 7/ 385 - 386).

ص: 124

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] فأثبتوا خالقًا غيره مستقلًا بالخلق والأمر دونه تعالى اللَّه عن ذلك" (1).

الرابع: في بعض ما ورد في ذم طائفة القدرية.

قد قدمنا كلام عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما وتبريه منهم وأنهم لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبل اللَّه تعالى منه حتى يؤمن بالقدر.

وساق حديث جبريل عليه السلام وفيه: "وتؤمن بالقدر خيره وشره" زاد في رواية "حلوه ومره" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (2).

وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "القدر نظام التوحيد فمن وحد اللَّه وآمن بالقدر فقد استمسك بالعروة الوثقى"(3).

(وأخرج)(4) أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "القدر سر اللَّه"(5).

(1) انظر: لوامع الأنوار (1/ 301 - 302).

(2)

مسلم في الإيمان في فاتحته (1/ 36)؛ وأبو داود في السنة، باب القدر رقم (4695)، والترمذي في الإيمان رقم (2610)؛ والنسائي في الإيمان باب نعت الإسلام (8/ 88).

(3)

رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 197) وفيه هاني بن المتوكل وهو ضعيف.

وقد رواه موقوفًا على ابن عباس عبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (925، 928) والآجري في الشريعة (ص 215) واللالكائي في السنة (1112)، (1224) لكن فيه مجهول. وانظر تخريج الطحاوية للألباني (ص 305).

(4)

ليست في الأصل وهي من "ظ".

(5)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 181 - 182)؛ وابن عدي في الكامل (7/ 2561)، واللالكائي في السنة رقم (1122) ولفظه:"لا تكلموا في القدر فإنه سر اللَّه فلا تفشوا للَّه سره". =

ص: 125

وفي الجامع الكبير (1) عن الحارث (2) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: سر اللَّه خفي عليك فلا تفشه، قال: أخبرني عن القدر؟ قال: طريق مظلم لا تسلكه. قال: أخبرني عن القدر؟ قال: بحر عميق لا تلجه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟. . . إلى أن قال: أيها السائل تقول: لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلَّا باللَّه العلي العظيم، قال: أفتعلم ما في تفسيرها؟ قال: تعلمنى مما علمك اللَّه يا أمير المؤمنين. قال: إن تفسيرها لا يقدر على طاعة اللَّه ولا تكون له قوة في معصية اللَّه في الأمرين جميعًا إلا باللَّه، أيها السائل ألك مع اللَّه مشيئة أو فوق اللَّه مشيئة أو دون اللَّه مشيئة فإن قلت إن لك دون اللَّه مشيئة اكتفيت بها عن مشيئة اللَّه، وإن زعمت أن لك فوق اللَّه مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك غالبتان على قوة اللَّه ومشيئته، وإن زعمت أن لك مع اللَّه مشيئة فقد ادعيت مع اللَّه شركاء في مشيئته. . " الخبر (3).

وقد أخرج أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "القدرية مجوس هذه الأمة"(4).

= قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/ 248): رواه ابن عدي وأبو نعيم في الحلية وهو ضعيف.

(1)

الجامع الكبير "أو جمع الجوامع" للسيوطي، في الحديث وهو مخطوط في مجلدين كبيرين منه نسخة في دار الكتب المصرية رقم (95) وقد صورت هذه النسخة ونشرت مصورة.

(2)

الحارث: تقدم (1/ 164).

(3)

الأثر أورده المتقي الهندي في كنز العمال (1/ 346) من رواية الحارث عن علي وعزاه لابن عساكر.

وقد رواه بإسناد آخر مختصرًا: اللالكائي في السنة رقم (1123)(ص 629)؛ والآجري في الشريعة (ص 202، 240) باختلاف في الرواية.

(4)

رواه أبو داود رقم (4691)، في السنة باب في القدر ومن طريقه الحاكم في المستدرك (1/ 85). =

ص: 126

ورواه الترمذي وحسنه وصححه الحكم.

قال الحافظ ابن حجر: رجاله رجال الصحيحين، وصحح سنده الحافظ أبو الحسن بن القطان القابسي (1) فهو صحيح على شرط مسلم.

= وقال الحاكم: "وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أي حازم من ابن عمر. . ".

قال الحافظ ابن حجر في "أجوبته على أحاديث المصابيح""قلت ورجاله رجال الصحيح لكن في سماع أبي حازم واسمه سلمة بن دينار عن ابن عمر نظر، وجزم المنذري بأنه لم يسمع منه، وقال أبر الحسن بن القطان قد أدركه وكان معه بالمدينة فهو منصل على رأى مسلم. . ".

ثم قال: "-وهو- أي سند هذا الحديث- من شرط الحسن ولعل مستند من أطلق عليه الوضع تسميهم المجوس وهم مسلمون، وجوابه: أن المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المحوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة. انتهى. وقال الشيخ ناصر في هذا الحديث: رجاله ثقات ولكنه منقطع، وذكر له طرق وقال: فالحديث بهذه الطرق حسن.

انظر: مختصر سنن أبي داود (7/ 58)؛ ومشكاة المصابيح (ج 1/ 38، ج 3/ 1779)، وتخريج السنة (1/ 149 - 150)؛ وتخريج الطحاوية (ص 304).

وقد رواه من طريق آخر عن ابن عمر الإمام أحمد في المسند (2/ 90)؛ وأبو داود في السنة رقم (4613)، باب لزوم السنة والترمذي في جامعه رقم (2152) في القدر، والحاكم في المستدرك (1/ 84) ولفظة -كما عند أحمد- "سيكون في أمتي قوم يكذبون بالقدر".

وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب.

وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

وقال عنه ابن القيم هو أجود ما في الباب، وحسنه الألباني في تخريج المشكاة.

انظر: المشكاة رقم (106)؛ ومختصر سنن أبي داود (7/ 61).

(1)

ابن القطان: علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميرى الكثامي المغربي الفاسي المالكي أبو الحسن المعروف بابن القطان من أهل فاس، من حفاظ الحديث ونقدته رأس طلبة العلم بمراكش وكان فقيهًا عارفًا بصناعة الحديث ورجاله، أخذ الناس عنه وانتفعوا به، مات سنة 628). سير أعلام النبلاء (22/ 306) وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية (179) الأعلام (4/ 331).

ص: 127

وأما ذكر الحافظ أبي الفرج له في الموضوعات (1) من حديث أبي هريرة فقد تعقب عليه وأن جعفر بن الحارث الذي أعله به قد وثقه ابن عدي فقال: لم أر في أحاديثه حديثًا منكرًا أرجو أنه لا بأس به، وقال البخاري حفظه سيء يكتب حديثه والحديث ورد بهذا اللفظ من حديث حذيفة أخرجه أبو داود (2) وجابر بن عبد اللَّه.

أخرجه ابن ماجة (3) وعبد اللَّه بن عمر أخرجه الإمام أحمد (4) والبخاري في تاريخه (5) والطبراني في الأوسط (6) واللالكائي في السنة (7) بأسانيد بعضها على شرط الصحيح، وسهل بن (سعد)(8) أخرجه الطبراني في الأوسط واللالكائي أيضًا (9) وأنس أخرجه الطبراني (10) وابن عباس أخرجه اللالكائي (11) وورد عن عمر موقوفًا أخرجه اللالكائي (12) فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم روى هذا الحديث

(1) الموضوعات (1/ 275)؛ وانظر تعقب السيوطي له في اللآلئ المصنوعة (1/ 258 - 259).

(2)

أبو داود رقم (4692) في السنة باب في القدر.

(3)

ابن ماجة حديث رقم (92) في المقدمة باب في القدر (1/ 35).

(4)

المسند (1/ 86، 125).

(5)

التاريخ الكبير (ح 2/ 341).

(6)

المعجم الأوسط (ج 3/ 240 - 241) رقم (2515).

(7)

السنة رقم (1150).

(8)

في الأصل "سهل بن عبيد اللَّه وفي "ظ": سهل بن عبد اللَّه والمثبت من مصادر التخريج فهو سهل بن سعد الساعدي والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (7/ 207)؛ واللالكائى في السنة رقم (1151 - 1152)؛ وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (3/ 88).

(9)

السنة (ص 640).

(10)

مجمع الزوائد (7/ 205).

(11)

السنة (ص 641).

(12)

لم أجده.

ص: 128

عنهم "فلا أقل من أن يكون حسنًا فضلًا عن أن يكون صحيحًا"(1).

وقد روى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الحافظ المنذري: لا أعرف له علة عن أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ستة لعنتهم ولعنهم كل نبي مجاب الزائد في كتاب اللَّه عز وجل والمكذب بقدر اللَّه والمتسلط على أمتي بالجبروت ليذل من أعز اللَّه، ويعز من أذل اللَّه والمستحل حرمة اللَّه والمستحل من عترتي ما حرم اللَّه، والتارك للسنة"(2).

(1) هكذا العبارة في النسخين وفيها إشكال.

ولعل قصد المؤلف أن يقول: فلا أقل من أن يكون الحديث حسنًا إن لم يكن صحيحًا، واللَّه أعلم.

(2)

رواه الطبراني في الكبير (ج 3 ص 136 - 137) رقم (2883)؛ وفي الأوسط (2/ 398) رقم (1688).

ورواه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (7/ 501)(5719)؛ والحاكم في المستدرك في مواضع (1/ 36، و 2/ 525، و 4/ 90)؛ وأخرجه كذلك الترمذي في جامعه رقم (2154) في القدر.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 205): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، وقد صححه ابن حبان".

وقال الترمذي: "هكذا روى عبد الرحمن بن أبي الموالي هذا الحديث عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن بن موهب عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه سفيان الثوري وحفص ابن غياث وغير واحد عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن موهب عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهذا أصح".

وقال الحاكم في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعرف له علة. . ." وسكت عنه الذهبي.

وقال في موضع آخر: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري وتعقبه الذهبي بقوله: (قلت وإسحاق وإن كان من شيوخ البخاري فإنه يأتي بالطامات. . . وعبد اللَّه فلم يحتج به أحد والحديث منكر بمرة". =

ص: 129

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: تكونون قدرية ثم تكونون زنادقة ثم تكونون مجوسًا، وإن لكل أمة مجوسًا وإن مجوس أمتى المكذبة بالقدر فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم ولا تتبعوا لهم جنازة" (1).

قال أبو سليمان الخطابي: "إنما جعلهم مجوسًا لمضاهات مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة زعمون الخير من فعل النور والشر من فعل الظمة، فصاروا ثنوية.

وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى اللَّه والشر إلى غيره، واللَّه تعالى خالق الأمرين معًا" (2).

وكذا قال ابن الأثير في جامع الأصول: "القدرية في إجمع أهل السنة والجماعة هم الذين يقولون إن الخبر من اللَّه والشر من الإنسان وإن اللَّه لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون اللَّه تعالى، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر اللَّه وقضاه، وقال: وهؤلاء مع ضلالتهم

= وقال الشيخ الألباني في تخريج السنة (1/ 24 - 25) رقم (44) بعد أن ذكر كلام الحاكم والذهبي. . . والترمذي قال: "فالحديث ضعيف منكر كما قال الذهبي" انتهى.

قلت: ولعل العلماء الذين صححوه -كما مر- ققد خفيت عليهم العلل التي من أجلها ضعف الحديث وهي علة الإرسال والاضطراب كما أشار الترمذي والألباني، واللَّه أعلم. للتفصيل راجع تخريج الألباني للحديث في السنة وقم (44).

تنبيه: قول الشارح رحمه الله: قال الحافظ المنذري لا أعرف له علة وهم منه فهو من قول الحاكم وليس من قول المنذري.

انظر الترغيب والترهيب للمنذري (ج 1 ص 81).

(1)

رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 275) وقال: "هذا حديث لا يصح وفيه مجاهيل".

قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا الحديث باطل كذب".

(2)

انظر معالم السنن للخطابي (7/ 56 - 58).

ص: 130

يضيفون الاسم إلى مخالفهم من أهل الهدي فيقولون أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من اللَّه فأنتم أولى بهذا الاسم منا لأنكم تثبتون القدر ونحن ننفيه ومثبته أحق بالنسبة إليه من نافيه، فأنتم الداخلون تحت وعيد الحديث دوننا، فأجابهم أهل الحق بأنكلم أولى بذلك لأنكلم تثبتون القدر لأنفسكم ونحن ننفيه عن أنفسنا ومثبت الشيء لنفسه أولى بالنسبة إليه ممن نفاء عن نفسه، وأيضًا هذا الحديث يبطل ما قالوه فإنه عليه الصلاة والسلام قال:"القدرية مجوس هذه الأمة" ومعنى ذلك ليس إلا مشابهتهم للمجوس في مذهبهم وقولهم بالأصلين وهما النور والظلمة" (1) انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية روح اللَّه روحه: "من توهم من القدرية (2) أو من غيره بن نقل عنهم أن الطاعة من اللَّه والمعصية من العبد فجاهل بمذهبهم فإن هذا لم يقله أحد من علماء القدرية ولا يمكن أن يقولوه فإن أصل قولهم أن فعل العبد للطاعة كفعله للمعصية كلتاهما فعله بقدرة تحصل له من غير أن يخصه اللَّه تعالى بإرادة خلقها فيه تختص بأحدهما ولا قوة جعلها فيه تختص بأحدهما فمن احتج منهم بقوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] على مذهبهم كان جاهلًا بمذهبهم (3) وكانت الآية الكريمة حجة عليهم لا لهم لأنه تعالى قال: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وعندهم ليس الحسنات المفعولة ولا السيئات المفعولة من عند اللَّه بل كلاهما من العبد واللَّه سبحانه وتعالى ذكر هذه الآية الكريمة ردًا على من يقول الحسنة من اللَّه والسينة من العبد قال

(1) انظر: جامع الأصول (10/ 128).

(2)

العبارة كذا في النسختين وفيها غموض وتوضيحها كما في الفتاوى: "من توهم عنهم (القدرية) أو من نقل عنهم أن الطاعة عن اللَّه. . . ".

(3)

في النسختين (بمذهبه) وما أثبت عن الفتاوى (ج 8 ص 116)؛ وهو الصحيح.

ص: 131

ولم يقل أحد من الناس إن الحسنة المفعولة من اللَّه والسيئة المفعولة من العبد" (1) واللَّه تعالى أعلم.

تتمة:

قابلت طائفة القدرية الطائفة المسماة بالجبرية وهم الذين يزعمون أنه لا فعل للعبد أصلًا وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة له عليها ولا قصد ولا اختيار فأثبتوا أن اللَّه تعالى خالق كل شيء ومليكه وربه وهذا جيد حسن، لكن أساؤا بنفي تأثير الأسباب والحكم في الجماد والحيوان وبإنكارهم أن يكون للحيوان من الإنسان أو غيره فعل يفعله بقدرته واختياره وحقيقة قول هؤلاء ترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح وحدوث الحوادث بلا سبب أصلًا.

قال شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه: "قابل القدرية قوم من العلماء والعباد وأهل الكلام والتصوف فأثبتوا القدر وآمنوا بأن اللَّه خالق كل شيء ربه ومليكه وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهذا حسن لكنهم قصروا في الأمر والنهي والوعد والوعيد وأفرطوا (حتى غلا بهم الأمر)(2) إلى الإلحاد فصاروا من جنس المشركين الذي قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148]. ثم قال: فأولئك القدرية وإن كانوا يشبهون المجوس من حيث أنهم أثبتوا فاعلًا لما اعتقدوه شرًا غير اللَّه سبحانه فهؤلاء شابهوا المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} .

فالمشركون شر من المجوس لأن المجوس يقرون بالجزية باتفاق المسلمين حتى ذهب بعض العلماء إلى حل نسائهم وطعامهم، وأما المشركون فاتفقت الأمة على تحريم نكاح نسائهم، ومذهب الإمام أحمد في المشهور عنه والإمام الشافعي

(1) انظر مجموع الفتاوى (8/ 116 - 117).

(2)

كذا في النسختين وفى الفتاوى (8/ 99)"حتى خرج غلاتهم إلى الإلحاد".

ص: 132

وغيرهما أنهم لا يقرون بالجزية، فجمهور العلماء على أن مشركي العرب لا يقرون بالجزية.

والمقصود أن من أثبت القدر واحتج به على إبطال النهي والأمر فهو شر ممن أثبت الأمر والنهي ولم يثبت القدر.

قال شيخ الإسلام: هذا متفق عليه بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل، بل من جمع الخلق فإن من احتج بالقدر وشهد الربوبية العامة لجميع المخلوقات ولم يفرق بين الأمور والمحظور، والمؤمن والكافر، وأهل الطاعة وأهل المعصية لم يؤمن بأحد الرسل ولا بشيء من الكتب وكان عنده آدم وإبليس سواء، وهذا الضلال قد كثر في كثير من أهل التصوف والزهد والعبادة ولا سيما إذا قرنوا به توحيد أهل الكلام المثبتين للقدر والمشيئة من غير إثبات المحبة والبغض والرضى والسخط، الذين يقولون التوحيد هو توحيد الربوبية، وأما الإلهية فهي عندهم القدرة على الاختراع، وعندهم مجرد الإقرار بأن اللَّه تعالى رب كل شيء كاف، وهؤلاء يدعون التحقيق والفناء في التوحيد، ويقولون إن هذا نهاية المعرفة، وإن صاحب هذا المقام لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة لشهوده الربوبية العامة والقيومية الشاملة.

وهذا الموضع وقع فيه من الشيوخ الكبار من شاء اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وغاية توحيد هؤلاء توحيد المشركين الذين كانوا يعبدون الأوثان ويقرون أن اللَّه تعالى خالقهم وخالق السموات والأرض ومن فيهن وبيده ملكوت كل شيء فكانوا مقرين بالقدر وهو معروف عنهم (1) في النظم والنثر، ومع هذا فلما لم يكونوا يعبدون اللَّه تعالى وحده لا شريك له بل عبدوا غيره كانوا مشركين شرًا من اليهود والنصارى فمن كان غاية توحيده ومنتهى تحقيقه هذا التوحيد كان توحيده توحيد المشركين.

(1) في "ظ" عندهم.

ص: 133

قال شيخ الإسلام: "وهذا المقام مقام وأي مقام زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام، وبدل فيه دين الإسلام والتبس فيه أهل التوحيد بعباد الأصنام على من يزعم نهاية المعرفة والتحقيق والكلام، ومعلوم عند كل من يؤمن باللَّه ورسوله أن الشيعة والمعتزلة والقدرية المثبتين للأمر والنهي والوعد والوعيد خير ممن يسوى بين المؤمن والكافر والبر والفاجر، والنبي الصادق، والمتنبئ الكاذب وأولياء اللَّه وأعدائه، بل هم أحق من المعتزلة بالذم.

كما قال أبو محمد الخلال (1) في كتاب "السنة" عن المروذي (2) قال قلت لأبي عبد اللَّه -يعني الإمام أحمد- رضي الله عنه: رجل يقول إن اللَّه أجبر العباد على المعاصي فقال: (هذا لا نقول)(3) وأنكر ذلك، وقال:{يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: 31].

وأنكر سفيان الثوري أيضًا على من يقول (جبر)(4) وقال إن اللَّه تعالى جبل العباد.

وقال المروذي أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "إن فيك لخلقين يحبهما اللَّه تعالى؛ الحلم والأناة" فقال: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟

(1) الخلال تقدم (1/ 107).

(2)

المروذي: أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز أبو بكر المروذي فقيه محدث من كبار أصحاب الإمام أحمد وكان إمامًا في السنة شديد الاتباع، مات سنة 275 ببغداد.

طبقات الحنابلة (1/ 56)؛ وسير أعلام النبلاء (13/ 173).

(3)

كذا في الأصل وفي "ظ" هذا لا تقل.

وفي الفتاوى: (8/ 103)"هكذا لا نقول".

(4)

في الأصل (جبروا) والمثبت من "ظ" ومن الفتاوى.

ص: 134

فقال: "بل خلقين جبلت عليهما" فقال: الحمد للَّه الذي جبلني على خلقين يحبهما" (1).

وقال الأوزاعي (2): "ما أعرف للجبر أصلًا من القرآن ولا السنة فأهاب أن أقول ذلك ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل فهذا يعرف في القرآن والحديث".

قال شيخ الإسلام: "أدخل الخلال وغيره من علماء الإسلام القائلين بالجبر في مسمى القدرية وإن كانوا لا يحتجون بالقدر على المعاصى فكيف بمن يحتج به على المعاصى، ويدخل في ذم أهل الحلم ممن يحتج بالقدر على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له فإن ضلال هذا أعظم وأكثر".

قال شيخ الإسلام: "ولهذا قرنت القدرية يعني الجبرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، فالقدري إن احتج بالقدر كان عونًا للمرجيء وإن كذّب به كان هو والمرجيء متقابلان هذا يبالغ في التشديد حتى يجعل العبد لا يستعين باللَّه على فعل ما أمره يه وترك ما نهاه عنه، وهؤلاء القدرية حقيقة -كما مر- والمرجيء يبالغ في الناحية الأخرى ومن المعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث اللَّه بهما رسله وأنزل بهما كتبه فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى، بل قول هؤلاء متناقض لا يمكن أحدًا منهم أن يعيش به ولا تقوم به مصلحة أحد من الخلق ولا يتعاشر عليه (اثنان)(3).

(1) الحديث رواه أبو داود بهذا اللفظ رقم (5225) في الأدب باب في قُبلة الرجل من رواية زارع، رقد رواه مسلم في الإيمان رقم (17 - 18) من رواية ابن عباس وأبي سعيد الخدري في قصة وفد عبد القيس وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأشج:"إن فيك خصلتين بحبهما اللَّه الحلم والأناءة".

(2)

الأوزاعي تقدم (1/ 340).

(3)

في النسختين: (إنسان) والمثبت من الفتاوى (8/ 106) ومنه ينقل الشارح ولعله الصحيح.

ص: 135

فإن القدر إن كان حجة فهو حجة لكل أحد وإلا فليس هو حجة لأحد فمتى أساء إنسان لآخر بأخذ ماله أو إفساد عياله فلامه أو ذمه أو طلب عقوبته أبطل الاحتجاج بالقدر" (1).

قال شيخ الإسلام قدس اللَّه روحه: "ومن ادعى أن العارف إذا شهد الإرادة سقط عنه الأمر والنهي كان هذا من الكفر الذي لا يرضاه أحد بل هو ممتنع في الحقل محال في الشرع"(2).

وقال تلميذه المحقق ابن القيم في كتابه "شرح منازل السائرين":

"مشهد أصحاب الجبر الذي يشهدون أنهم مجبورون على أفعالهم وأنها واقعة بغير قدرتهم واختيارهم، بل لا يشهدون أنها أفعالهم البتة ويقولون إن أحده غير فاعل في الحقيقة ولا قادر وأن الفاعل فيه غيره والمحرك له سواه، وأنه آلة محضة وحركاته بمنزلة هبوب الرياح وحركات الأشجار، وإذا أنكرت عليهم أفعالهم احتجوا بالقدر وحملوا ذنوبهم عليه، وقد يغلون (3) في ذلك حتى يروا أفعالهم كلها طاعات خيرها وشرها لموافقتها المشيئة والقدر ويقولون كما إن موافقة الأمر طاعة فموافقة المشيئة طاعة".

قال: "وهؤلاء شر من القدرية النفاة، وأشد عداوة للَّه، ومناقضة لكتبه ورسله ودينه، حتى أن من هؤلاء من يعتذر عن إبليس لعنه اللَّه ويتوجع له، ويقيم عذره بجهده وينسب ربه تعالى وتقدس إلى ظلمه بلسان الحال و (القال)(4) ويقولون ما

(1) مجموع الفتاوى (8/ 99 - 106).

(2)

مجموع الفتاوى (8/ 106).

(3)

في الأصل: وقد يفعلون والمثبت من "ظ" وهو الصحيح.

(4)

كذا في النسختين وفي المدارج "المقال".

ص: 136

ذنبه وقد صان وجهه عن السجود لغير خالقه وقد وافق حكمه ومشيئته فيه وإرادته منه، ثم كيف يمكنه السجود وهو الذي منعه منه وحال بينه وبينه، وهل كان في ترك سجوده لغير اللَّه إلا محسنًا لكن إذا كان المحب قليل حظ فما حسناته إلا ذنوب" (1).

قال المحقق ابن القيم: "وهؤلاء أعداء اللَّه حقًا وأولياء إبليس وأحبابه وإخوانه".

قال: "وإذا ناح منهم نائح على إبليس رأيت من البكاء والحنين أمرًا عجبًا ورأيت من تظلم الأقدار واتهام الجبار ما يبدو على فلتات ألسنتهم وصفحات وجوههم وتسمع من أحدهم التظلم والتوجع ما تسمعه من الخصم المغلوب (2) الحاجز عن خصمه.

قال: فهؤلاء الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته:

وتدعى خصوم اللَّه يوم معادهم

إلى النار طرا فرقة القدرية (3)

يعني الجبرية.

وتقدم أن شيخ الإسلام ذكر أن بدعة القدرية النفاة كانت في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم (4).

قال: "وأما بدعة هؤلاء المحتجين بالقدر فلم يعرف لها إمام ولم تعرف بها طائفة من طوائف المسلمين معروفة"(5).

(1) انظر: مدراج السالكين (1/ 404 - 405).

(2)

في ظ "المقلوب".

(3)

مجموع الفتاوى (8/ 246)؛ ومدارج السالكين (1/ 405)؛ ولوامع الأنوار (1/ 309 - 310)

(4)

انظر: (2/ 121).

(5)

انظر: منهاج السنة (3/ 109) وتتمة كلام شيخ الإسلام: بعد هذه العبارة (إلا ما يحكى عن الجهم بن صفوان وغيره من غلاة المثبتة).

ص: 137

قال: "وإنما كثر ذلك في المتأخرين وسموا هذه حقيقة وجعلوا الحقيقة تعارض الشريعة ولم يميزوا بين الحقيقة الشرعية التي تتضمن تحقيق أحوال القلوب كالإخلاص والصبر وبين الحقيقة الكونية القدرية التي نؤمن بها ولا نحتج بها على المعاصي ويزعم بعض هؤلاء أن الخضر عليه السلام إنما سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة"(1).

(ومن مثل هذه الخرافات)(2) وهذه المقالة من أشنع المقالات وأفظع البدع المحدثات والمحتج على معاص اللَّه تعالى بالقدر زنديق وخارج عن ربقة التوفيق وعادم التحقيق فإن الباري جل شأنه أرسل الرسل عليهم السلام بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطل المفاسد وتقليلها وفي الاحتجاج بالمعاصي على القدر عكس ما جاءت به الرسل من تعظيم النهي والأمر. واللَّه تعالى أعلم (3).

فإن قلت قد ذكرت طائفتي (4) القدرية النافية والمثبتة (5) بالذم فما الممدوح بعدهما؟

قلنا: الممدوح أهل السنة والجماعة الذين هم الوسط ما بين الإفراط والتفريط فلم يفرطوا تفريط القدرية النفاة ولم يفرطوا إفراط الجبرية المحتجين بالقدر على معاصي اللَّه، فمذهب أهل السنة كافة من السلف الأثرية والخلف الأشعرية

(1) نهاية كلام شيخ الإسلام وقد نقله الشارح ببعض التصرف.

انظر: منهاج السنة (ج 3/ 76 - 78).

(2)

هذه العبارة من كلام الشارح ولعل هنا سقطًا، وعبارة الشارح في كتابه اللوامع (1/ 311) كذا: "لأنه شهد الإرادة. . . إلى غير ذلك من كلامهم والحاصل أن هذه المقالة من أشنع المقالات. . . إلخ.

(3)

انظر: لوامع الأنوار (1/ 311).

(4)

في "ظ" طائفتين.

(5)

في "ظ" المشبهة.

ص: 138

والماتريدية (1) أن جميع أنواع الطاعات المعاصي والكفر والفساد وكل عمل وفعل وقول واقع بقضاء اللَّه وقدره وهو تعالى خالق ذلك كله لا خالق سواه فأفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى خيرها وشرها حسنها وقبيحها والعبد غير مجبور على أفعاله بل هو قادر عليها بإقدار اللَّه تعالى له على ذلك.

فهذا القدر باتفاق طوائف أهل السنة (الثلاثة)(2).

ثم اختلفوا فقال الأشعري ومن وافقه العبد مكتسب فأثبت للعبد كسبًا ومعناه أن العبد قادر على فعله وإن كانت قدرته لا تأثير لها في ذلك كما مر.

قال شيخ الإسلام روح اللَّه روحه: هذا قول الأشعري ومن وافقه من المثبتة للقدر من الفقهاء وطوائف من أهل السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى ولا طبائع ويقولون إن اللَّه تعالى فعل عند الأسباب لا بها ويقولون إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل ويقول الأشعري إن اللَّه تعالى فاعل فعل العبد وإن عمل العبد ليس فعلًا للعبد بل كسب له".

قال شيخ الإسلام: "وهذا قول من ينكر الأسباب والقوى التي في الأجسام وينكر تاثير القدرة التي للعبد التي يكون بها الفعل ويقول لا أثر لقدرة العبد أصلًا في فعله، نعم الأشعري يثبت للعبد قدرة محدثة واختيارًا، ويقول إن الفعل كسب للعبد مع قوله لا تأثير لقدرة العبد في إيجاد المقدور، وهو مقام دقيق حتى قال بعض أهل التحقيق: إن هذا الكسب الذي أثبته الأشعري غير معقول ولذا قال جمهور

(1) قد تقدم بيان أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة. انظر التعليق على (1/ 142).

(2)

كذا في النسختين والصحيح: الثلاث.

قلت: والأشعرية والماتريدية وإن كانوا يوافقون أهل السنة في باب القدر كما ذكر الشارح هنا فقد تقدم أنهم يخالفون أهل السنة في باب الصفات انظر (1/ 142).

ص: 139

العقلاء ثلاثة أشياء لا حقيقة لها طفرة النظام (1) وأحوال أبي هاشم (2) وكسب الأشعرى (3).

وذلك لأنه يلزم منه أن لا يكون فرق بين القادر والعاجز، إذ مجرد الاقتران لا اختصاص له بالقدرة، فإن فعل العبد يقارن حياته وعلمه وإراداته وغير ذلك من صفاته فإذ لم يكن للقدرة تأثير إلا مجرد الاقتران فلا فرق بين القدرة وغيرها (4) فإن الكسب المذكور هنا في كلام الأشعري هو ما اصطلح عليه المتكلمون وهو ما وقع

(1) النظام: إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري أبو اسحاق النظام من أئمة المعتزلة، تبحر في علوم الفلسفة وانفرد بآراء خاصة وله مصنفات كثبرة، توفى سنة 231. سير أعلام النبلاء (10/ 541)؛ والأعلام (1/ 43) أما طفرة النظام:

فهي قوله: "إن الجسم قد يكون في مكان ثم يصير منه إلى المكان الثالث أو العاشر منه من غبر مروره بالأمكنة المتوسطة بينه وبين العاشر ومن غير أن يصير معدومًا في الأول معادًا في العاشر".

انظر عن طفرة النظام: مقالات الإسلاميين (2/ 19)؛ والملل والنحل (1/ 55 - 56)، والفرق بين الفرق (140).

(2)

أبو هاشم: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي تقدم (1/ 186).

أما أحوال أبي هاشم فهي قوله: ان للعالم أحوالًا يفارق بها من ليس بعالم، وللقادر حال يفارق به حال العالم.

ومنها علم العالم بأن له علمًا، ثم يقول: إن هذه الأحوال ليست بموجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة ولا هي قديمة ولا محدثة ولا يمكن الفرق بين حال العالم وحال القادر إذ لا يعلم حال واحد منهما ومن لا يعلم من نفسه ما يقول كيف يقدر أن يعلمه غيره".

انظر: الفصل لابن حزم (5/ 165)؛ والفرق بين الفرق (195 - 196)؛ والتبصير في الدين (ص 53 - 54).

(3)

انظر: هذا المبحث في منهاج السنة النبوية لابن تيمية (1/ 459، 2/ 296 - 297، 3/ 109)؛ وما بعدها، ومجموع الفتاوى (8/ 467 - 468).

(4)

من كلام شيخ الإسلام. انظر منهاج السنة (3/ 113).

ص: 140

من الفاعل مقارنًا لقدرة محدثة واختيار، وقيل هو ما وجد بقدرة محدثة في المكتسب.

وقال ابن حمدان في نهاية المبتدئين: "الكسب هو ما خلقه اللَّه في محل قدرة المتكسب على وفق إرادته في كسبه".

قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه تعالى: "فسر المتكلمون الكسب بما قارن القدرة المحدثة في محلها قال ومجرد المقارنة لا يميز القدرة عن غيرها فإن الفعل يقارن العلم والإرادة وغير ذلك قالوا والقدرة هي التمكن من التصرف وقيل سلامة البنية".

وقال شيخ الإسلام أيضًا فيما كتبه على حسن إرادة اللَّه تعالى: "الكسب عند القائل به عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، والخلق هو المقدور بالقدرة القديمة"(1).

ومن الأشعرية من يقول: قدرة العبد مؤثرة في صفة الفعل لا في أصله كأبي بكر الباقلاني ومن وافقه.

قال شيخ الإسلام: "ومذهب الأشعري في هذه المسألة (2) يقرب من مذهب الجبرية الجهمية فإنه يحكي عن الجهم بن صفوان وغلاة أتباعه أنهم سلبوا العبد قدرته واختياره حتى قال بعضهم: إن حركته كحركة الأشجار بالرياح.

قال شيخ الإسلام: إن الجهم كان يقول: لا أثر لقدرة العبد أصلًا في فعله، وكان يثبت مشيئة اللَّه تعالى، وينكر أن يكون له حكمة ورحمة وينكر أن يكون للعبد فعل أو قدرة مؤثرة. قال وحكي عنه أنه كان خرج إلى الجذمى ويقول: أرحم

(1) مجموع الفتاوى (ج 8/ 119).

(2)

وهي مسألة فعل العبد وقدرته.

وقول الأشعري: إن العبد كاسب ليس بفاعل حقيقة كما تقدم قبل قليل، وانظر منهاج السنة (3/ 109).

ص: 141

الراحمين يفعل هذا إنكارًا لأن يكن له تعالى رحمة يتصف بها سبحانه زعمًا منه أنه ليس له إلا مشيئة محضة لا اختصاص لها بحكمة بل يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح (1).

هذا وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة حقيقة واستطاعة حقيقة ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن اللَّه تعالى ينبت النبات بالماء وأن اللَّه يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها أثرًا لفظًا ومعنى من تأثير الأسباب في مسباتها واللَّه تعالى خالق السبب والمسبب.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي من العبد بمعنى أنها قائمة به وحاصلة بمشيئته وقدرته وهو المتصف بها والمتحرك بها ويعود حكمها عليه وهي من اللَّه تعالى بمعنى أنه خلقها قائمة بالعبد وجعلها عملًا له وكسبًا، فهي من اللَّه مخلوقة له، ومن العبد صفة قائمة به واقعة بقدرته وكسبه كما إذا قلنا هذه الثمرة من الشجرة، وهذا الزرع من الأرض بمعنى أنه حدث منها ومن اللَّه بمعنى أنه خلقه منها فالحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار وإلى أسبابها باعتبار (2).

والحاصل أن مذهب السلف ومحققي أهل السنة أن اللَّه تعالى خلق قدرة العبد وإرادته وفعله وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ومحدث لفعله واللَّه تعالى هو الذي جعله فاعلًا محدثًا له قال تعالى:

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، فأثبت مشيئة العبد وأخبر أنها لا تكون إلا بمشيئته تعالى.

(1) انظر: مجموع الفتاوى (8/ 460).

(2)

انظر: منهاج السنة النبوية (3/ 110 - 114).

ص: 142

وهذا صريح قول أهل السنة في إثبات مشيئة العبد وأنها لا تكون إلا بمشيئة الرب.

قال شيخ الإسلام: "هذا قول جمهور أهل السنة من جميع الطوائف وهو قول كثير من أصحاب الأشعري كأبي إسحاق الإسفرائيني (1) والجويني (2) وغيرهما: فيقولون العبد فاعل لفعله حقيقة وله قدرة واختيار وقدرته مؤثرة في مقدورها كما تؤثر القوى والطبائع والأسباب كما دل على ذلك الشرع والعقل قال تعالى: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57]، وقد أثبت للعبد استطاعة فقال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال:{هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]، وقال:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، وقال:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، وفي القرآن من هذا ما لا يحصى إلا بكلفة، وقد ذكرت في شرح الدرة المسماة (3)(بلوامع الأنوار) ما يشفي ويكفى (4).

(1) إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرائيني أبو إسحاق الشافعي الأصولي الفقيه، نشأ في اسفرائين ثم خرج إلى نيسابور وبنيت له فيها مدرسة عظيمة فدرس فيها وله مصنفات كثيرة في أصول الدين والفقه وأصوله، مات سنة 418. سير أعلام النبلاء (17/ 353)؛ والأعلام (1/ 61).

(2)

الجويني تقدم (1/ 137).

(3)

في "ظ": المسمى وهو أصح.

(4)

انظر: لوامع الأنوار للشارح (ج 1/ 312 - 314)؛ ومنهاج السنة (3/ 110) وما بعدها.

ص: 143