الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل من كلام العلامة المحقق ابن البناء من أئمة علمائنا، نعم زحزحت أنا البيت الأخير منها لما بعد عن (1) قول الناظم رحمه اللَّه تعالى:"وقل خير قول. . . " إلى آخره لأجل ذكر التابعين بعد الفراغ من ذكر الصحابة المكرمين رضي الله عنهم أجمعين، على أنه يحتمل إرادته بالتابعين -للأنصار والمهاجرين السابقين الذين آمنوا من قبل الفتح وأنفقوا وقاتلوا، فيكون التابعون لهم بإحسان هم- الصحابة الذين جاءوا من بمد غزوة الحديبية، لكن لبعد هذا المدرك على كثير من الأفهام لم أجعله معول شرحي.
تنبيهان:
الأول: ابن البناء (2) الناظم الثلاثة أبيات هو أبو (3) علي الحسن بن أحمد بن عبد اللَّه بن البناء (4) البغدادي الحنبلي الإمام المحدث الفقيه الأصولي الواعظ صاحب التصانيف، شيخ الإسلام، ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة وتفقه أولًا على أبي طاهر العبادي ثم على القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن (5) الفراء الإمام، وابن البناء من قدماء أصحابه، وحضر عند (6) علي بن أبي موسى وناظر في مجلسه وتفقه أيضًا على أبي الفضل التميمي وغيره وسمع منه الحديث خلق كثير وقرأ عليه الحافظ الحميدي كثيرًا، حدث عنه ولداه أبو غالب أحمد ويحيى، ودرس الفقه كثيرًا وأفتى زمانًا طويلًا، وكان (رقيق)(7) البدن، جيد القريحة، وقد صنف في زمان شيخه
(1) ساقطة من "ظ".
(2)
كتب في هامش "ظ" طلب في ترجمة ابن البناء الحنبلي رحمه الله.
(3)
في "ظ" ابن.
(4)
انظر ترجمة ابن البناء في: طبقات الحنابلة رقم (677)؛ وفي ذيل طبقات الحنابلة رقم (14)؛ وفي المنهج الأحمد رقم (687)؛ وفي سير أعلام النبلاء (18/ 380).
(5)
ليست في "ظ".
(6)
في "ظ" عنده.
(7)
في "أ" فقيد.
الإمام أبي يعلى في المعتقدات وغيرها، وكتب له خطه عليها بالإصابة والاستحسان وتزيد تصانيفه على ثلاثمائة مصنف، وذكر عنه أنه قال صنفت خمسمائة مصنف، وكان طاهر الأخلاق، حسن الوجه والشيبة، محبًا لأهل العلم مكرمًا لهم، توفى رحمه الله ورضي عنه ليلة السبت خاص رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وصلي عليه في الجامعين جامع القصر، وجامع المنصور، وكان الجمع فيهما متوفرًا جدًا وأم الناس في الصلاة عليه أبو محمد التميمي وتبعه خلق كثير وعالم عظيم ودفن بباب حرب رحمه اللَّه تعالى. ومن شعره:
إذا غيبت أشباحنا كان بيننا
…
رسائل صدق في الضمير تراسل
وأرواحنا في كل شرق ومغرب
…
تلاقي بإخلاص الوداد تواصل
وثم أمور لو تحققت بعضها
…
لكنت لنا بالعمر فيها تقابل
وكم غائب والقلب منه سالم
…
وكم زائر في القلب منه بلابل
فلا تجز عن يومًا إذا غاب صاحب
…
أمين فما غاب الصديق المجامل (1)
الثاني: التابعون للصحابة رضي الله عنهم بإحسان (2) هم أحق وأجدر بعد الصحابة بالفضل والإتقان والتقديم على غيرهم من سائر أهل الإسلام والإيمان من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد عدنان.
وتعريف التابعي: هو كل من صحب الصحابي صحبة متعارفة ومطلقة مخصوص بالتابع بإحسان.
وقال للواحد تابع وتابعي، ولابد في التابعي من زيادة على ما تعتبر به الصحبة في الصحابي كما تقدم لأن للصحبة خصوصية لا توجد لغيرها، وللتابعين طبقات
(1) الأبيات في المنهج الأحمد (2/ 168) وفي ذيل طبقات الحنابلة (1/ 36 - 37).
(2)
ليست في "ظ".
بالنسبة إلى من اجتمع بعشرة أو ثلاثة من الصحابة، وبالعلم والزهد وغير ذلك (1).
وقد اختلف في أفضل التابعين فقال سيدنا الإمام أحمد وغيره من أهل العلم "أفضل التابعين سعيد بن المسيب"(2).
وقال قوم: أفضل التابعين أويس بن عامر ويقال عمرو وكنيته أبو عمرو وهو القرني، واستدلوا له بحديث: "خير التابعين أويس رواه الحاكم عن علي بن أبي طالب (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر: معرفة علوم الحديث (41) وما بعدها، والتقييد والإيضاح (ص 274) وما بعدها، وتدريب الراوي (ص 416) وما بعدها، وفتح المغيث (ج 3/ 139) وما بعدها.
(2)
رواه عن الإمام أحمد بن حنبل عثمان الحارثي النحاس كما في طبقات الحنابلة (1/ 222)؛ وتهذيب الكمال (11/ 73).
وقال ابن الصلاح في مقدمته (ص 283): "وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد اللَّه بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له قال اختلف الناس في أفضل التابعين فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري" انتهى.
قال العراقي في الشرح: والصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة لما روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس. . . " الحديث.
قال: "وقد يحمل ما ذهب إليه أهل المدينة وأحمد أيضًا من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين أنهم أرادوا فضيلة العلم لا الخيرية الواردة في الحديث واللَّه أعلم" انتهى.
وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 94 - 95)؛ وإرشاد طلاب الحقائق له (ج 2/ 614)؛ وفتح المغيث (3/ 143 - 145)؛ وتدريب الراوي (ص 421 - 422).
(3)
كذا ذكر المؤلف رحمه الله ولم أجده عند الحاكم عن علي رضي الله عنه والذي فيه: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني قالوا: نعم. فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "خير التابعين أويس القرني" انظر: المستدرك (ج 3/ 402)؛ والحلية (2/ 86).
وفي صحيح مسلم: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر وله والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم"(1).
قال النووي: "هو أويس بن عامر كذا رواه مسلم وهو مشهور"(2).
وقال ابن ماكولا (3): ويقال "أويس بن عمرو"(4) وهو القرني بفتح القاف والراء وهو بطن من مراد وهو قرن بن ردبان، وغلطوا من نسبه إلى قرن المنازل الجبل المعروف ميقات أهل نجد في الإحرام" (5).
وفي الحديث طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه لأنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل (6).
فإن قيل كيف استجاز الإمام أحمد رضي الله عنه ومن نحى نحوه تفضيل
(1) مسلم في فضائل الصحابة (4/ 1968) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه من حديث عمر رضي الله عنه.
(2)
شرح مسلم للنووي (16/ 94).
(3)
ابن ماكولا: علي بن هبة اللَّه بن علي بن جعفر أبو نصر سعد الملك أمير مؤرخ نسابة من العلماء الحفاظ الأدباء، من كتبه: الإكمال في المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب طبع. قال ابن خلكان: لم يوضع مثله وله شعر حسن، توفى سنة 475. سير أعلام النبلاء (ج 18/ 568)؛ والأعلام (5/ 30) ومقدمة كتابه الإكمال.
(4)
الإكمال (1/ 114).
(5)
انظر شرح النووي لمسلم (ج 16/ 94)؛ وتهذيب الأسماء واللغات له (ج 4/ 90 - 91).
والذي نسبه إلى قرن المنازل الجوهري في الصحاح. انظر: (6/ 2181)(قرن).
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: "اتفقوا على تغليط الجوهري في فتح الراء منه، وفي قوله: إن أويس القرني رضي الله عنه منسوب إليه. . . ".
(6)
هذا الكلام من شرح النووي للحديث وهو يشير إلى ما جاء في الحديث من طلب عمر رضي الله عنه الدعاء من أويس.
سعيد ابن المسيب على سائر التابعين مع وجود النص الصريح بالنقل الصحيح في تفضيل أويس رحمه الله، مع أن مذهب الإمام أحمد أن لا يقدم على مقبول الأخبار شيئًا؟
فالجواب أن مراد سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه وأضرابه أفضلية سعيد بن المسيب رحمه اللَّه تعالى في العلوم الشرعية كالتفسير والحدث والفقه ونفع الأمة بذلك، وبما بلغه عن الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن سيدًا هو الإمام الحافظ الثقة المأمون حتى قيل فيه:"أعلم أمة محمد بدين محمد صلى الله عليه وسلم سعيد بن المسيب رضي الله عنه"(1).
والدليل على أفضلية التابعين على غيرهم بعد الصحابة رضي الله عنهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال عمران: "فلا أدرى أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدهم قومًا يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمونون وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن "زاد في رواية: "ويحلفون ولا يستحلفون"(2).
وأخرج الترمذي من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمس النار مسلمًا رآني أو رأى من رآني"(3).
قال الإمام المحقق ابن القيم في أول كتابه "أعلام الموقعين" "ألقى الصحابة الكرام
(1) انظر ما تقدم حول ذلك (2/ 108).
(2)
البخاري في فضائل الصحابة (ج 7/ 1) رقم (3650)؛ ومسلم رقم (2535) في فضائل الصحابة.
(3)
الترمذي في جامعه رقم (3858) وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري".
رضي اللَّه عنهم إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سندهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا، وقالوا هذا عهد نبينا إلينا وقد عهدناه إليكم، وهذه وصية ربنا وفرضه علينا وهي وصيته وفرضه عليكم، فجرى التابعون لهم وإحسان على منهاجهم واقتفوا آثار صراطهم المستقيم" (1). ثم بعد التابعين أتباع التابعين.
ثم جاءت الأئمة من القرن الرابع المفضل في إحدى الروايتين كما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وعمران بن حصين رضوان اللَّه عليهم أجمعين من قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني. . . "(2) الحديث.
والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، والأصح أنه لا يضبط بمدة، فقرنه صلى الله عليه وسلم هم أصحابه وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من أصحابه وهو أبو الطفيل مائة وعشرين سنة، وقرن التابعين من نحو مائة إلى سبعين سنة، وقرن أتباع التابعين من ثم إلى حدود العشرين ومائتين.
وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا وأطلقت المعتزلة ألسنتها وأظهرت الجهمية نحلتها ورفعت الفلاسقة رؤوسها، وحررت الباطنية والقرامطة دروسها، وامتحن أئمة الدين وعلماء المسلمين ليقولوا بخلق القرآن وكان المقصود الأعظم منهم إمامنا الإمام أحمد بن حنبل عليه الرحمة والرضوان فقام بأمر السنة أتم قيام، وعاضده على ذلك أئمة نبلاء أعلام وحفاظ لدين الإسلام فخام، شكر اللَّه سعيهم
(1) انتهى كلام ابن القيم. انظر كتابه "أعلام الموقعين"(1/ 6).
(2)
تقدم تخريجه (2/ 110).
وثبتنا على نهجهم، وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم يفشوا الكذب" كما في رواية (1) واللَّه تعالى أعلم (2)(3).
* * *
(1) هذه الرواية أخرجها الترمذي رقم (2165، 2303)؛ وابن ماجه رقم (2363) من حديث عمر رضي الله عنه مرفوعًا وفيه: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب. . . " الحديث.
(2)
انظر هذا المبحث في فتح الباري (7/ 8).
(3)
في "ظ" بلغ مقابلة.