المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر بعض أمهات السمعيات - لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية - جـ ٢

[السفاريني]

الفصل: ‌فصل في ذكر بعض أمهات السمعيات

‌فصل في ذكر بعض أمهات السمعيات

ذكر الناظم رحمه الله ورضي عنه أنموذجًا من السمعيات في منظومته ليستدل بما ذكر على كل ما شاع واشتهر فقال: (ولا): ناهية (تنكرن): فعل مضارع مبني على الفتح لأنه مؤكد بالنون الخفيفة في محل جزم بلا الناهية و (جهلًا): مفعول لأجله أي لأجل الجهل وقلة الحلم والفضل الملكين المسميين (نكيرًا ومنكرًا) مفعول لا تنكرن وهما الملكان اللذان ينزلان على الميت في قبره يسألانه عن ربه ومعتقده، فالإيمان بذلك واجب شرعًا لثبوته عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر وقد استنبط ذلك واستدل عليه بقوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

وأخرج الشيخان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ. . .} نزلت في عذاب القبر.

زاد مسلم: يقال له من ربك؟ فيقول: اللَّه ربى ونبي محمد فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} .

وفي رواية للبخاري: إذا قعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ} (1) الآية.

(1) الآية (27) سورة إبراهيم، والحديث رواه البخاري في صحيحه (ج 3/ 274) رقم (1369) في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم رقم (2871) في الجنة باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه.

ص: 144

وفي سنن أبي داود من حدث البراء مرفوعًا: يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: ما هذا الرجل؟ الذي بعث فيكم فيقول هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيقولون له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب اللَّه فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الحنة وألبسوه من الجنة ويفسح له فيه مد بصره"، وقال في الكافر: فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. . . إلى أن قال فينادى مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه"(1).

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولون ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار وقد أبدلك اللَّه مقعدًا من الجنة قال فيراهما جميعًا -يعني المقعدين-.

قال قتادة ذكر لنا أنه يفسح له في قبره.

وقال المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطراق من حديد فربة فيصيح صيحة يسمعه من يليه غير الثقلين".

ورواه أبو داود وزاد: "إن المؤمن يقال له ما كنت تعبد؟ فإن هداه اللَّه قال: كنت أعبد اللَّه فقال: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد اللَّه ورسوله فما يسئل عن شيء غير هذا".

(1) رواه أبو داود في السنة رقم (4753، 4754)، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر.

ص: 145

وزاد أيضًا- فيقول: دعوني حتى أبشر أهلي فيقال له: اسكن. وذكر الكافر أنه يسئل عما كان يعبد ثم عن هذا الرجل" (1).

وفي الصحيحين أيضًا عن أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس: "ولقد أوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا (2) من فتنة الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول محمد رسول اللَّه جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له: نم صالحًا فقد علمنا إن كنت لمؤمنًا، وأما النافق والمرتاب فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته"(3).

وأخرجه الإمام أحمد بلفظ: "ولقد رأيتكم تفتنون في قبوركم يسئل الرجل ما كنت تقول وما كنت تعبد؟ "(4).

وروى أيضًا من حديث أبي هرووة رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأخرجه الطبراني أيضًا وفيه:

"أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر -أي قرونها- وأصواتهما مثل الرعد القاصف"(5).

(1) رواه البخاري (3/ 275) في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم رقم (2870) في كتاب الجنة، وأبو داود رقم (3231) في الجنائز باب المشي في النعل بين القبور.

(2)

في النسختين أو قريب والمثبت من صحيح البخاري وهو الصحيح.

(3)

رواه البخاري (2/ 631) رقم (1053) في الكسوف باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف، ومسلم رقم (905) في الكسوف باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.

(4)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (ج 6/ 354 - 355).

(5)

رواه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر رقم (1071)؛ وابن حبان في صحيحه الإحسان (5/ 47 - 48)؛ والآجري في الشريعة (365)؛ وابن أبي عاصم في =

ص: 146

وروي أيضًا من حديث جابر رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد (1)؛ ومن حديث أبي سعيد رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد أيضًا (2).

ومن حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه أبو بكر الخلال في كتاب السنة وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف أنت يا عمر إذا كنت من الأرض في أربعة أذرع في ذراعين ورأيت منكرًا ونكيرًا قلت: يا رسول اللَّه وما منكر ونكير قال: فتانا القبر يبحثان الأرض يأنيابهما ويطآن في أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف ومعهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يطيقوا رفعها هي أيسر عليهما من عصاي هذه قلت: يا رسول اللَّه وأنا على حالي هذه؟ قال: نعم. فقلت: إذًا أكفيكهما".

زاد في رواية: فامتحناك فإن التويت ضرباك بها ضربة صرت رمادًا" (3).

وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر (4).

وروي أيضًا من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وفيه فقال عمر رضي الله عنه: "أترد علينا

= السنة (2/ 416 - 417)؛ وقال الترمذي: إسناده حسن، وكذا قال الألباني في تخريج السنة وفي الصحيحة رقم (1391).

(1)

المسند (ج 3/ 346) بلفط آخر.

(2)

المسند (ج 3/ 3 - 4) بلفظ آخر.

(3)

أخرجه عبد اللَّه بن أبي داود في البعث (ص 35)؛ والبيهقي في إثبات عذاب القبر رقم (103) و (105)؛ وفي الاعتقاد (ص 222 - 223)؛ وعزاه الحافظ ابن رجب في كتابه "أهوال القبور"(ص 12 - 13) إلى الخلال في كتابه السنة، وقال: إسناده ضعيف.

(4)

وفي إسناده ضعيف أيضًا. قاله الحافظ ابن رجب في أهوال القبور (ص 13)؛ ونقله المؤلف في كتابه البحور الزاخرة (1/ 126).

ص: 147