الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقَدِّمَة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد، فهذا بعض (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولم أتقصّد ذكر جميع المرويات الضعيفة فيها، فهي كثيرة جدًا، لكني اقتصرت على أشهر المرويات، التي يكثر ورودها في كتب السيرة والمغازي.
والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت، وكما عمل المحدّثون على تنقية الحديث النبوي، ونخله؛ لتمييز صحيحه من سقيمه، كذلك فإنّ من الواجب عمل ذلك في هذه السيرة العطرة، وما أجمل ما قاله الإِمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:"في صحيح الحديث غُنية عن سقيمه" فكذلك في صحيح السيرة ما يغني عن سقيمها.
ومما ينبغي أنّ يُعلم أن الشهرة والتداول للقصة، أو الرواية ليس دليلًا على ثبوتها، "فلا تلازم بين الشهرة والصحة (1) "."ولا يعني ذلك نفي وقوع الأمر تاريخيًا، بل عدم ثبوته فقط"(2)، ومن المعروف أن أكثر مرويات السيرة من طريق الإِمام محمَّد بن إسحاق رحمه الله إمام أهل السيرة والمغازي، ومَنْ بعده ناقل عنه في الغالب (3)، وابن إسحاق تكلّم فيه علماء الجرح والتعديل، وفي حفظه، وضبطه، وبيّنوا أنه حسن الحديث خاصة في السيرة، ما لم يُعنعن، لأنه قد عُرف بالتدليس، قال الإِمام البيهقي رحمه الله:"الحفّاظ يتوقّون ما ينفرد به ابن إسحاق"(4).
(1) الألباني، السلسة الضعيفة (13/ 1112).
(2)
أكرم العمري، السيرة الصحيحة (1/ 62).
(3)
لا توجد نسخة كاملة من سيرة ابن إسحاق، والموجود تهذيب سيرة ابن هشام لها (محمَّد حميد الله، سيرة ابن إسحاق، المقدمة).
(4)
السنن الكبرى (9/ 87).
قال الإِمام الذهبي رحمه الله: "الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام (5) ".
وأكثر هذه المرويات قد أشار أهل العلم رحمهم الله إلى ضعفها، وعدم ثبوتها، ومن أجل من نقدها، وبيّن حالها: مؤرخ الإِسلام الإِمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي رحمه الله خاصة في كتابيه العظيمين: (تاريخ الإِسلام) و (سير أعلام النبلاء)، ثم تبعه على ذلك: تلميذه الإِمام الحافظ إسماعيل ابن كثير رحمه الله في تاريخه المشهور: (البداية والنهاية) في القسم الخاصّ بالسيرة، وهو من أطول المصنّفات في السيرة النبوية، وأكثرها فائدة. وكذا الإِمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله خاصة في كتابه العُجاب:(فتح الباري) وكتابه: (الإصابة).
ومن المعاصرين: الشيخ الإِمام الألباني، خاصة في سلسلتيه النافعتين: الصحيحة، والضعيفة، وكتابه:(إرواء الغليل) وكتابه في الردّ على البوطي ومنهم الدكتور الفاضل: أكرم العمري، خاصة في كتابه:(السيرة النبوية الصحيحة). والشيخ محمَّد رزق بن طرهوني، في كتابه:(السيرة الذهبية).
وقد حرصت عند تضعيف إحدى الروايات أن أُبيّن ما يغني عنها مما صحّ. وأنا راجع عن كل رواية تبيّن ثبوتها، فالحكمة ضالة المؤمن، والحقّ أحقّ أن يُتّبع والتزمت -غالبًا- أن أُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وأنّ أترضّى عن الصحابة رضي الله عنهم، وأترحّم على أهل العلم رحمهم الله، مستحضرًا المقولة اللطيفة التي قالها أبو محمَّد التميمي رحمه الله:"ما لكم تأخذون العلم عنّا وتستفيدونه منّا ثم لا تترحمون علينا؟ (6) ".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
محمد بن عبد الله العوشن
الرياض في 1/ 7/ 1428 هـ
ص. ب 25663
الرياض 11476
(5) تاريخ الإِسلام (141/ 591)
(6)
قضاة الأندلس، ص 133.