الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم وهو غلام
روى ابن سعد في (الطبقات)(1) قال: أخبرنا هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي قال: حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري عن ابنٍ لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة عن أبيه قال: حدثني مخرمه بن نوفل الزهري قال: سمعتُ أمي رُقيقة بنت أبى صيفي بن هاشم بن عبد مناف تُحدّث وكانت لِدَة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال وأشفين على الأنفس، قالت: فسمعت قائلًا يقول في المنام: يا معشر قريش، إن هذا النبي المبعوث منكم، وهذا إبان خروجه وبه يأتيكم الحيا والخصب فانظروا رجلًا من أوسطكم نسبًا طوالًا عظامًا أبيض مقرون الحاجبين أهدب الأشفار جعدًا سهل الخدّين رقيق العرنين، فليخرج هو وجميع ولده، وليخرج منكم من كل بطن رجل، فتطهروا وتطيبوا ثم استلموا الركن، ثم ارقوا رأس أبي قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستقي وتؤمنون فإنكم ستسقون. فأصبحتْ فقصّتْ رؤياها عليهم، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب، فاجتمعوا إليه، وخرج من كل بطن منهم رجل، ففعلوا ما أمرتهم به، ثم عَلَوْا على أبي قبيس ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غلام، فتقدم عبد المطلب وقال: لا هُمّ هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك وإماؤك وبنات إمائك، وقد نزل بنا ما ترى، وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف، وأشفت على الأنفس، فأذهبْ عنا الجدب وأتنا بالحيا والخصب، فما برحوا حتى سالت الأودية، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم سُقوا، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هشام بن عبد مناف:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا
…
وقد فقدنا الحيا وأجلوّذ (2) المطر
فجاد بالماء جَوْنيّ له سبل
…
دان فعاشت به الأنعام والشجر
مبارك الأمر يُستسقى الغمام به
…
وخير من بُشّرت يومًا به مضر
(1) 1/ 89.
(2)
قال ابن منظور: أجلوذ المطر أي امتد وقت تأخره وانقطاعه (اللسان مادة جلذ)
منًّا منَّ الله بالميمون طائر
…
ما في الأنام له عدل ولا خطر ا. هـ
وهشام الكلبي متروك. ورواه البيهقي في (الدلائل): (3) من طريقين في الأول
منهما عبد الغزيز بن عمران وهو متروك أيضًا، والآخر عن زحر بن حصن عن
جده حميد بن منهب، وهما مجهولان كما قال الذهبي (4). والحديث ذكره
الهيثمي، وقال: رواه الطبرني في الكبير وفيه زحر بن حصن قال الذهبي لا
يُعرف (5). ورقيقه ترجم لها الحافظ في (الإصابة)(6) فقال: ذكرها الطبراني
والمستغفري في الصحابة، وقال أبو عمر: وما أُراها أدركت. وعمدة من
ذكرها ما أخرجوه من طريق حميد بن منهب عن عروة بن نصر (*) عن مخرمة
بن نوفل عن أمه رقيقة .. قال أبو موسى (7) -بعد إيراده-: هذا حديث حسن. وما
نسبه إلى أبي عمر ابن عبد البر من قوله: وما أُراها أدركت، فليس في المطبوع
من (الاستيعاب)(8) هذه العبارة.
وأورد الذهبي في: السيرة من (تاريخ الإِسلام)(9) استسقاء أبي طالب به فقال:
"وقال إبراهيم بن محمَّد الشافعي، عن أبيه عن أبان بن الوليد عن أبان بن
ثعلب حدثني جلهمة بن عرفطة قال: "إني لباقاع من نمرة إذ أقبلت عير من
(3) 2/ 15 - 17.
(4)
المغني في الضعفاء (1/ 364) وقال الحاكم في (3/ 369): ثنا زكريا بن يحيى الخراز، ثنا عم أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن منهب وساق حديثا ثم قال: هذا حديث تفرد به رواته الأعراب عن آبائهم، وأمثالهم من الرواة لا يضعون (هكذا، ولعلها: لا يُعرفون) وكذا قال الذهبي في التلخيص.
(5)
مجمع الزوائد (2/ 215).
(6)
4/ 296.
(*) كذا بالأصل والصواب: عروة بن مضرّس، الصحابي رضي الله عنه قال في الإصابة:"قال الأزدي: روى عنه حميد بن منهب، ولا يقوم"(2/ 471).
(7)
أبو موسى المديني.
(8)
4/ 304.
(9)
ص 52، 53.
أعلى نجد، فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير .. " إلى أن قال جلهمة: "فهويت رحلي نحو تهامة
…
حتى انتهيت إلى المسجد الحرام، وإذا قريش عزين، قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون، فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى، وقائل يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم عليه السلام وسلالة إسماعيل؟ قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيهًا. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه .. . فقالوا: يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد فهلم فاستسق، فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح، فلما زاغت الشمس أو كادت، خرج أبو طالب معه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أُغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وبَصْبصتْ الأغيلمة حوله، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا واغدودق وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وميزان عدل لا يخيس شعيرة
…
ربيع (10) اليتامي عصمة للأرامل
تطيف به الهلاّك من آل هاشم
…
فهم عنده في نعمه وفواضل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ووزان صدق وزنه غيرعائل (11)
وأبان بن الوليد إن كان المعيطي فهو مجهول كما في: (اللسان)(12) وإلّا فلم
أعرفه، وجلهمة لم أجد له ترجمة حسب بحثي.
(10) الذي في صحيح البخاري: "ثمال"(الفتح 4/ 494) وكذلك في سيرة ابن إسحاق (الروض
3/ 65) والبداية والنهاية (3/ 55). والثمال: الملجأ والغياث والمطعم في الشدة (لسان العرب. مادة ثمل).
(11)
البيت في السيرة والبداية:
بميزان قسط لا يخس شعيرة
…
له شاهد من نفس غير عائل
(12)
1/ 26.
وقول أبي طالب: وأبيض يستسقى الغمام ..
ضمن قصيدة طويلة له تزيد على الثمانين بيتًا قالها بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: "فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد في أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مُسْلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه، فقال:
…
وذكر القصيدة. قال ابن هشام: هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها" (13).
قال ابن كثير بعد أن أورد القصيدة: "هذه قصيدة عظيمة بليغة جدًا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعًا"(14).
قال الإِمام البخاري رحمه الله في كتابة الاستسقاء من صحيحه: "باب سؤال الناس الإِمام الاستسقاء إذا قحطوا": حدثنا عمرو بن علي .. قال: (ابن دينار) سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب:
وأبيض يُستسقى الُغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه "ربما ذكرت قول المشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يّجيش كل ميزاب":
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهو قول أبى طالب. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكره مناسبة الأحاديث لترجمة الباب: وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في (الدلائل)(15) من رواية
(13) الروض الأنف (3/ 63).
(14)
البداية والنهاية (3/ 57).
(15)
6/ 141 وفي سنده غير مسلم الملائي أحمد بن راشد (في الدلائل: رشيد) بن خثيم اتهمه الذهبي في الميزان باختلاق حديث في ذكر بني العباس (1/ 233) لكنه ليس هذا الحديث.
مسلم الملائي (16) عن أنس قال: "جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط. ثم أنشده شعرًا يقول فيه:
وليس لنا إلا إليك فرارنا
…
وأين فرار الناس إلا الرسل
فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال: "اللهم أسقنا" الحديث، وفيه:"ثم قال صلى الله عليه وسلم: لو كان أبو طالب حيًّا لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله؟ " فقام عليَّ فقال: يا رسول الله، كأنك أردت قوله:"وأبيض يستسقى الغمام بوجهه" الأبيات .. وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة" (17).
(16) ضعيف، من الخامسة (تقريب).
(17)
فتح الباري (2/ 494 - 495).