الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال الأول: «القول بردة الصحابة» :
كيف يمكن لنا أن نقول بعدالة الصحابة جميعاً، والله تبارك وتعالى قد صرح بردتهم جميعاً بعد وفاة نبيه إلا ثلاثة منهم
(1)
، مثلما جاء في قوله تبارك وتعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران: 144].
الجواب:
أولاً: يجب على القارئ لكتب التفسير أن يختار من يقرأ له من المفسرين، فيتحرى أصحاب العقائد الصحيحة، ممن شهد له العلماء المجتهدون بالعلم والفضل، ويكون على إلمام بأصول التفسير كأسباب نزول القرآن، والناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، وغيره حتى لا يفسر أو يؤّول كلام الله تعالى من غير علم.
ثانياً: ذكر علماء التاريخ، وكذا المفسرون أن تلك الآية نزلت في واقعة محددة معلومة وهي انهزام المسلمين في غزوة أحد، وكانت هذه الواقعة من أوائل الغزوات التي قاتل فيها المسلمون، فكيف يكون ما نَزَل من القرآن في بداية الهجرة، وفي حادثة معينة محددة، دليلاً على ردة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!
قال ابن كثير في تفسيره: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل، ورجع ابن قَمِيئَةَ إلى المشركين، فقال لهم: قتلت محمدا، وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشجه في رأسه، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل، وجوزوا عليه ذلك،
…
فحصل ضعف ووهن
(1)
انظر: رجال الكشي: (ص: 11)، بحار الأنوار:(28/ 259)(71/ 220)، الاختصاص (ص 6).
وتأخر عن القتال، ففي ذلك أنزل الله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه
(1)
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره: سبب النزول، أن الآية الأولى من هاتين الآيتين ناظرة أيضاً إلى حادثة أخرى من حوادث معركة أحد، وهي الصيحة التي ارتفعت فجأة في ذروة القتال بين المسلمين والوثنين: أن قتلت محمداً، قتلت محمداً
(2)
.
وقال محمد جواد مغنية في تفسيره: تشير هذه الآية إلى واقعة معينة وهي واقعة أحد
(3)
.
ثالثاً: سياق الآية لا يدل على ردة الصحابة، بل فيه معاتبة وإرشاد من الله عز وجل للصحابة على ما كان منهم من هلع وجزع في غزوة أحد، عندما قيل لهم: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قُتل، فيخبر الله هؤلاء النفر: أن محمداً بشر، اختاره الله لرسالته إلى خلقه وقد مضت قبله رسل، بعثهم الله لأقوامهم فأدوا الرسالة ومضوا وماتوا وقُتل بعضهم، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم حاله كحال الرسل في الحياة والممات فقال تعالى مبياً هذا المعنى بصيغة الاستفهام الإستنكاري:{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] فمعناه: أفإن أمات الله نبيه، أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إيمانكم؟! فسمي الارتداد انقلاباً على العقب: وهو الرجوع القهقرى لأن الردة رجوع إلى أقبح الأديان، كما أن الانقلاب رجوع عن الإقدام، والألف في قوله {أَفَإِنْ مَاتَ}: ألف إنكار، صورته صورة الاستفهام، كما في قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} [الأنبياء: 34]، فهذه الآية ليست إخباراً من الله بخلود
(1)
تفسير القرآن العظيم: (2/ 111).
(2)
تفسير الأمثل: (2/ 169).
(3)
تفسير الكاشف: (2/ 554).
الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن الآية الأولى ليست إخباراً بردتهم بعده صلى الله عليه وآله وسلم.
رابعاً: كيف نحكم على من انهزم من الصحابة بالردة وقد عفا الله عنهم بقوله:
خامساً: إن هذه الآية تذكرنا بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشجاعته وقوة تعلقه بالله واستحضاره للأدلة القرآنية عند المواقف العصبية بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران: 144]، حينما كان
…
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدمة من شدة الموقف، فمنهم من أنكر موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كعمر بن الخطاب رضي الله عنه لشدة تعلق قلبه بحبيبه، ومنهم من التزم الصمت بسبب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
سادساً: من المعلوم أن الذي يرتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقال عنه صحابي لأن الصحابي في الشرع كما أسلفنا هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام، والذي يرتد عن الإسلام لا يكون منهم إلا إذا رجع إلى الإسلام من جديد.
واختم هذا المبحث بتساؤل مهم ألا وهو: كيف يأتي الثناء العام من الله سبحانه وتعالى مثلما مرَّ معنا سابقاً - وكذا أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عموم الصحابة، ثم يقع التغيير المخالف لهذه الأقوال المباركة
…
أليس هذا فيه طعن في علم الله السابق وأيضاً لعلم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستمد من كتاب الله وهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟!