الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال السادس: «موقف أبي بكر من ميراث فدك» :
لو قال لنا قائل: ماذا ستقول أيها المسلم في موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين لم يعط فاطمة حقها من ميراثها في أرض فدك وغيرها، بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وماتت وهي لا تكلمه؟ مع أن الله تبارك وتعالى قرر الميراث في كتابه العزيز فقال:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وقرره كذلك بين الأنبياء، فقال عن زكريا عليه السلام:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5 - 6]، وقال تعالى عن سليمان عليه السلام:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16].
وبسبب هذا التصرف تجاه سيدة نساء العالمين عليه السلام، فإنه يكون قد أغضب
…
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله في حقها: (إن فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني).
الجواب:
أولاً: ينبغي أن لا ننسى أن لفاطمة وزوجها عليهم السلام مكانة عظيمة عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن دلالة تلك المكانة أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي أشار على أمير المؤمنين علي عليه السلام بالزواج من الزهراء
(1)
، وأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإشراف على تجهيزها للزواج
(2)
وشاركته زوجته أسماء بنت عميس أيضاً في هذا التجهيز لفاطمة في يوم زفافها
(3)
ولما ماتت فاطمة الزهراء
(1)
بحار الأنوار: (43/ 93)(19/ 112).
(2)
بحار الأنوار: (43/ 94)، الأمالي للطوسي:(ص: 40).
(3)
بحار الأنوار: (43/ 138).
عليه السلام قامت زوجة أبي بكر رضي الله عنها نفسها بعد ذلك بتجهيز كفن الزهراء وتغسيلها
(1)
.
ثانياً: لعل الكثير من المسلمين في الزمن المعاصر يجهل أن أرض فدك كانت فيئاً من الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، والفيء ما يكون من غنيمة من غير حرب، والقصة مذكورة بتمامها في سورة الحشر قال تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7].
وما أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو له، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحاجته وأهل بيته وصدقته، وكان يشرف على هذه الأرض ويرعاها، ولم يورثها أحداً من أهله، وهذا مسطور في كتب التاريخ، فلما توفي كان خليفته أبوبكر يقوم مقامه في ذلك، وفي خلافة عمر طلب الإمام علي بن أبي طالب والعباس أن يقوما بالإشراف عليها فوافق على طلبهما، حتى وصلت الخلافة إلى الإمام علي فاستمرت في يده في عهد عمر وعهد عثمان وعهده، وبعد وفاة الإمام علي أشرف عليها الإمام الحسن بن علي، ثم الإمام الحسين، ثم الحسن بن الحسن (الحسن المثنى)، ومعه علي بن الحسين، ثم زيد بن الحسن، ولم يتملكها أحد.
ثالثاً: أما عن قضية الميراث، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بأن الأنبياء لا يورثون الأموال والدنانير بعد مماتهم كسائر الناس، فما تبقى عندهم من الأموال بعد مماتهم فهو صدقة، وهذا ما علِمه وبينه الأئمة عليهم السلام من بعده.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه
(1)
بحار الأنوار: (43/ 185).
علما سهل الله له طريقا إلى الجنة).
(1)
.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض؛ حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)
(2)
.
وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضاً: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً)
(3)
.
وعن جعفر عن أبيه عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يورث ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا وليدةً، ولا شاةً ولا بعيراً، ولقد قُبِض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير، استسلفها نفقة لأهله)
(4)
.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (العلم أفضل من المال بسبعة: الأول: أنه ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة، الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة، والمال ينقص بها، الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه، الرابع: العلم يدخل في الكفن، ويبقى المال، الخامس: المال
(1)
الحاكم في المستدرك: (1/ 165)،
(ص: 3)، ثواب الأعمال:(ص: 131)، عوالي اللآلي:(1/ 358).
(2)
الكافي: (1/ 34)، بحار الأنوار:(1/ 164)، أمالي الصدوق:(ص: 60)، بصائر الدرجات:
(ص: 3)، ثواب الأعمال:(ص: 131)، عوالي اللآلي:(1/ 358).
(3)
الكافي: (1/ 32)، وسائل الشيعة:(27/ 78)، مستدرك الوسائل:(17/ 299)، الاختصاص:(ص: 4) بصائر الدرجات: (ص: 10).
(4)
قرب الإسناد: (ص: 44)، بحار الأنوار:(16/ 219).
يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن خاصة، السادس: جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم، ولا يحتاجون إلى صاحب المال، السابع: العلم يقوي الرجل على المرور على الصراط، والمال يمنعه)
(1)
. انتهى.
رابعاً: وأما القول بأحقية فاطمة عليه السلام في ميراث والدها استدلالاً بقوله تعالى:
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [مريم: 6].
وقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]، فهذا الإستدلال مقطوع عن سياق الآية، وهو في غير محله لأن الوراثة في هاتين الآيتين وراثة نبوة وعلم وحكمة، وليست وراثة المال، ويتضح ذلك من خلال المناقشة التالية:
المبحث الأول: قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6].
وردت هذه الآية في سياق دعاء نبي الله زكريا عليه السلام ربه بأن يهبه ولداً رغم كبر سنه وعقم زوجته، وذلك بعد ما رأى من علامات التقوى والصلاح من مريم عليه السلام فكان ذلك حافزاً له لأن يدعوا الله تبارك وتعالى أن يرزقه الذرية الطيبة الصالحة، فتوجه بهذا الدعاء إلى الله قال تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)} [آل عمران: 38]، وعلل رغبته هذه بالقول كما قال الله عنه {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} فكل هذا السياق يدل على أن بغية زكريا عليه السلام أن يرزقه الله ابناً صالحاً يرث علمه ونبوته.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: أي: عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك، والحاصل
(1)
بحار الأنوار: (1/ 185).
أنه سأل الله ولدا، ذكرا، صالحا، يبق بعد موته، ويكون وليا من بعده، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدا صالحا، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته
(1)
.
وقال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: ليكون امتدادا للخط الرسالي الذين يدعو إلى الله ويعمل له، ويجاهد في سبيله، ولتستمر به الرسالة في روحه وفكره وعمله
(2)
.
أما تفسير هذه الآية بأن المراد وراثة مال فإنها تؤدي إلى الإشكالات التالية:
1 -
إن نبي الله زكريا عليه السلام لم يكن غنيا حتى يُوَرِّث المال؛ بل كان نجارا يأكل من عمل يده، فهل الأولى أن نقول إن طلب نبي الله زكريا عليه السلام ذرية طيبة وولداً صالحاً يرثه يقصد منه وراثة المال الذي لا وجود له أصلاً؟ أم وراثة العلم والنبوة التي يتمتع بها زكريا عليه السلام كما يفهم من سياق الآية:{قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} .
2 -
إذا قلنا إن وراثة يحيى لآل يعقوب وراثة مالٍ، فكيف يرث يحيى آل يعقوب، علماً بأنها تطلق على بني إسرائيل جميعهم؟! والذي يجعلنا على يقين من أن قوله تعالى:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يراد به العلم والنبوة هو ما كان عليه حال زكريا عليه السلام من العلم والنبوة، ومن مقتضىت المنطق السليم أن نقول إن زكريا عليه السلام إنما أراد أن يرث ابنه النبوة والحكمة، ودليل ذلك ما ذكره الله تعالى من منة على زكريا عليه السلام حين أجاب دعاءه فقال:
…
{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} [آل عمران: 39] فلم يذكر الله من بين هذه الأمور ما
(1)
تيسير الكريم المنان: (1/ 489).
(2)
تفسير من وحي القرآن (سورة مريم: 6).
يتعلق بوراثة المال، وإنما ذكر السيادة والصلاح والنبوة، وهذا ما يبتغيه زكريا عليه السلام.
المبحث الثاني: قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]
أخبر الله تعالى عمّا خصَّ به نبيه سليمان عليه السلام من ميراث للنبوة والملك من أبيه
…
داود عليه السلام دون بقية أبنائه تفضلاً منه سبحانه وتعالى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: أي: ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه، فلعله تعلم من أبيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه
(1)
.
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي: أي ورث الملك والنبوة بأن قام مقامه دون سائر بنيه وهم تسعة عشر
(2)
.
هذا هو السياق الذي تدل عليه الآية، وتفسيرها على غير هذا الوجه كالقول بأن المراد وراثة مال مخالف لما تضمنته الآية من حكمة في اختصاص نبي الله سليمان عليه السلام دون سائر إخوته، كما أنها مخالفة للوقائع التاريخية وتصطدم بالإشكالات التالية:
1 -
من المعلوم تاريخياً أن نبي الله داود عليه السلام له الكثير من الزوجات والجواري، وله العديد من الأبناء، فهل من العدل أن يرث داود عليه السلام واحدٌ من أبنائه فقط؟!
2 -
مما يؤيد أنَّ ميراث سليمان لداود عليهما السلام كان ميراث نبوة وملك، أنه لو كان متعلقاً بالمال لكان من الطبيعي أن يشترك فيه جميع الأخوة، ولما خُصَّ به سليمان من بين أبناء داود، ثم ما الفائدة من ذكر هذا الميراث الدنيوي في كتاب الله على سبيل الإخبار؟! لأنه من الطبيعي أن الولد يرث والده! فأين البلاغة أو الحكمة من ذكر شيء معلوم حدوثه ووقوعه
(1)
تيسير الكريم المنان: (1/ 602).
(2)
تفسير الجديد، وانظر: تفسير معين (سورة النمل: 16).
بين الناس؟!
وأخيراً نقول: إنما سبق بيانه من نصوص يوضح لنا أن ميراث الأنبياء هو ما تركوه من علم وحكمة يهتدي بها الناس، وأن الله خص بعض أنبيائه بجعل النبوة في بعض ذريتهم ولأن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين فإن ما تركه من علم وحكمة هو لجميع أمته، ويتعزز هذا المعنى ويتضح مضمونه من خلال المناقشة التالية:
خامساً: قد يقف البعض متسائلاً: هل فاطمة الزهراء عليه السلام طلبت فدك من
…
أبي بكر رضي الله عنه على أنه من باب الإرث أم أنه كان هبة وهدية من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وهبها وأهداها إياها بعد فتح خيبر؟
ذلك أن المقصود من هذا التساؤل ستظهر ثمرته تحديداً في نهاية القصة، فمن المتفق عليه أن فاطمة عليه السلام بعد سؤالها لفدك من أبي بكر، وذكر أبو بكر دليله على المنع ذهبت ولم تكلمه، فهل كانت تريد هذا الشيء على أنه كان إرثاً أو هبة من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم؟!
فإن كان إرثاً فالأنبياء لا يورثون لا ديناراً ولا متاعاً كما بينا في القول، وإن كان هبة وهدية أهداها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة، فلنا وقفة وتساؤل أيضاً في هذا.. فنقول:
1 -
لم يعط النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدك لفاطمة عليه السلام في أي وقت من الأوقات، وقد علمت ذلك الزهراء عليه السلام حين طلبت فدك من أبي بكر رضي الله عنه، لأنها طلبته على أنه من باب الإرث، لا من باب الهبة، ومن المعلوم تاريخياً أن فتح خيبر تم في أول السنة السابعة من الهجرة، وزينب بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفيت في السنة الثامنة، وأختها أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة، فكيف يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعطية فاطمة لوحدها ويدع أختها أم كلثوم وزينب عليهن السلام؟! فهذا اتهام صريح مباشر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه كان يفرق بين أولاده، وحاشاه عن ذلك.
2 -
وعلى سبيل الإفتراض، لو قلنا: إن أرض فدك كانت هبة لفاطمة عليه السلام فهي إما أن تكون قد قبضتها وتصرفت فيها في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لم تقبضها؟
فإن كانت قبضتها، فلماذا تأتي أبا بكر رضي الله عنه وتطالبه بما هو تحت يدها؟
وإن لم تكن قد تسلمتها فإن الهبة إذا لم تقبض تكون باطلة شرعاً، وتكون حينئذ للورثة بعد موت الواهب.
سادساً: من المعلوم في الفقه لدى محبي أهل البيت! أنه ليس للنساء ميراث في عقار الأراضي بل يؤخذ لهن من قيمته، وهذا ما يروى عن الأئمة عليهم السلام:
فعن يزيد الصائغ قال: (سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن النساء هل يرثن الأرض؟ فقال: لا ولكن يرثن قيمة البناء، قال: قلت فإن الناس لا يرضون بذا، فقال: إذا وُلينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف)
(1)
.
وعن أبان الأحمر قال: (لا أعلمه إلا عن ميسر بياع الزطي، قال: سألته - يعني أبا عبدالله- عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب وأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيها، قال: قلت: فالثياب؟ قال: الثياب لهن نصيبهن قال: قلت: كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمى؟ قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، وإنما صار هذا كذا كي لا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً في عقارهم)
(2)
.
سابعاً: التعليل الصحيح لما جرى بين الزهراء وأبي بكر رضي الله عنهم هو الآتي:
أن سيدة نساء أهل الجنة عليه السلام طالبت بما ظنته حقاً لها، ولما بيّن لها أبو بكر رضي الله عنه
(1)
الكافي: (7/ 129)، وانظر: وسائل الشيعة: (26/ 70)، تهذيب الأحكام:(9/ 299).
(2)
الكافي: (7/ 130).
سبب منعها من الميراث، ذهبت عليه السلام ولم تكلمه في هذا الأمر مرة أخرى.
والذي يشهد لصواب ما ذهب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سار عليه الإمام
…
علي عليه السلام حيث لم يعط أولاده من فاطمة عليه السلام فدك حينما استلم خلافة المسلمين، وعندما سُئل في رد فدك قال:(إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر)
(1)
فإذا كان الحكم على أبي بكر رضي الله عنه أنه كان ظالماً لمنعه حق الزهراء عليه السلام، فهل ينطبق هذا الحكم على الإمام علي عليه السلام والعياذ بالله- لأنه لم يُرجع لأولاده الحق في ميراث والدتهم؟ والمحب لأهل البيت وللمسلمين ينزه الجميع عن الظلم، ويبتعد عن سوء الظن بأبي بكر رضي الله عنه وغيره، وهذا ما تبينه النقطتان الآتيتان:
ثامنا: لم يدّع أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا المال لابنته عائشة أو لغيرها من أمهات المؤمنين، بل تضمن تحريم الميراث جميع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(2)
وما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا الفعل إلا عملاً بوصية النبي، فهل تمسك أبي بكر بوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطأ؟!
تاسعا: لا يستلزم من عدم إعطاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه الميراث لفاطمة أن يكون مبنياً على الكراهية والعداوة كما يروّج له أصحاب الفتن.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لم يعط ابنته فاطمة خادمة تساعدها على شؤون المنزل حينما طلبت منه، وهذا من المباح في الشرع، وفق المتيسر أو ما يراه صاحب الأمر، فهل نطعن كذلك في عدالة نبي هذه الأمة صلى الله عليه وآله وسلم؟!
قال الإمام علي عليه السلام في حديث طويل: (
…
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينصرف فقالت له فاطمة: يا أبتِ لا طاقة لي بخدمة البيت، فأخدمني خادماً تخدمني وتعينني على أمر البيت
(1)
شرح نهج البلاغة: (16/ 252).
(2)
بحار الأنوار: (29/ 70).
فقال لها: يا فاطمة! أولا تريدين خيراً من الخادم؟ فقال علي: قولي: بلى، قالت: يا أبت! خيراً من الخادم؟ فقال: تسبحين الله عز وجل، في كل يوم ثلاثاً وثلاثين مرة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرة، وتكبرينه أربعاً وثلاثين مرة، فذلك مئة باللسان وألف حسنة في الميزان)
(1)
.
عاشرا: القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغضب لغضب فاطمة، قول صحيح ولا يختلف عليه اثنان، ولكن نقول إنَّ منع أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن بقصد إغضابها؛ لأن المنع كان استجابة منه لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يعيب أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولا غيره إن فعله، كما لا يلزم منه أن كل غضب تغضبه الزهراء عليه السلام يغضب لأجله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد حدثت خلافات أسرية بين الإمام علي والزهراء مثل ما يقع بين الأزواج عادة، فهل يمكن الطعن في عدالة الإمام علي عليه السلام على هذا الأساس، ونقول إنه أغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإغضابه الزهراء؟! كما تدل عليه الروايات التالية:
عن أبى ذر رضي الله عنه قال: (كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدِمنا المدينة أهداها لعلي عليه السلام
…
تخدمه فجعلها علي عليه السلام في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليه السلام يوما فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن! فعلتها؟ فقال: لا، والله! يا بنت محمد! ما فعلت شيئاً، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال لها: قد أذنت لك. فتجلببت بجلبابها، وتبرقعت ببرقعها، وأرادت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهبط
…
جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد! إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: إن هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو علياً فلا تقبل منها في علي شيئاً!!، فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جئت تشكين علياً؟ قالت: إي؛ ورب الكعبة! فقال لها: ارجعي إليه، فقولي له: رغِم أنفي
(1)
كشف الغمة: (1/ 362)، بحار الأنوار:(43/ 134).
لرضاكَ)
(1)
.
وعن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال: (شكت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً، فقالت: يا رسول الله! لا يدع شيئاً من رزقه إلا وزعه على المساكين! فقال لها: يا فاطمة! أتسخّطيني في أخي وابن عمي، إن سخطه سخطي، وإن سخطي سخط الله عز وجل
(2)
.
الحادي عشر: لنتذكر ابتداء أن من أهم أهداف أعداء الإسلام تفكيك وحدة المسلمين من خلال ترويج مقولات باطلة، ونشرأخبار مفتراة تتحدث عن وجود البغضاء والشحناء في الجيل الأول المبارك، ولوسألنا أنفسنا واستخدامنا عقولنا، ماذا سنستفيد من قصص تلوكها بعض الألسنة ويُرَدِّدها بعض المسلمين في مجالسهم سنوياً بقصد إثارة العواطف وتهييج النعرات للوصول إلى حالة نفسية نهايتها إثارة شائعات تروج لوجود عداوة مترسخة تجاه أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك أن المنصف العاقل لو فتش فيما فعله أبو بكر رضي الله عنه تجاه فاطمة عليه السلام عند مطالبتها بأرض فدك، لوجد أن ما حكم به أبو بكر الصديق تجاه فدك ما كان إلا بموجب نص شرعي مستقى من قول المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم الذي طاعته أمر مفروض، فما ذنبه تجاه ما أمر به فانقاد إليه؟! ولذا ماذا سنقول لمن يطعن من النواصب في سيدة نساء أهل الجنة ويقول: غريب أمر فاطمة! تغضب وتخالف عموم المسلمين، حتى يصل خصامها وغضبها للهجر الأبدي الذي ينهى عنه الإسلام، وما كان ذلك إلا عن هوى وعناد في نفسها، رغبة في جمع المال وأوساخ الدنيا الفانية، كما حدث بينها وبين خليفة رسول الله أبي الصديق في طلبها للميراث، وعدم الامتثال لوصية أبيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت أيضا قبل ذلك كثيرة الإزعاج للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في احتجاجها المتواصل على زواجها من علي بن أبي طالب بسبب فقره وقلة ماله
(1)
علل الشرائع: (1/ 163)، المناقب:(3/ 342)، بحار الأنوار:(39/ 208).
(2)
بحار الأنوار: (43/ 153)، وانظر كشف الغمة:(1/ 473).
في بداية زواجهما، وبعد ذلك، وهذا ما ذكرته الروايات الثابتة، فعن أبي إسحاق السبيع عن الحارث، عن علي قال:(إن فاطمة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ألا ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأحلمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟ أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما جعل الله لمريم بنت عمران، وأن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة)
(1)
.
وعن أبي صالح عن ابن عباس: (أن فاطمة عليه السلام بكت للجوع والعري، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اقنعي -يا فاطمة- بزوجك، فوالله: إنه سيد في الدنيا سيد في الآخرة، وأصلح بينهما
…
)
(2)
.
فيا أيها المحب لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أترضى أن تكون في زمرة المبغضين الحاقدين لأهل البيت الطاهرين كالنواصب وغيرهم؟ أو أنك تدافع عن حمى أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم من خلال تمسكك بالهدي الصحيح المبارك، مع سلامة قلبك تجاه من كانوا مع سيد البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فأي الفريقين تختار؟
(1)
أمالي الطوسي: (248).
(2)
المناقب: (3/ 319)، بحار الانوار:(24/ 99).