الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم
-:
بعد أن تبين لنا كيف استفاض المدح والثناء على الصحابة في كتاب الله عموماً، جاء التخصيص لبعضهم كالخلفاء الراشدين الثلاثة الأُول، فخصهم أهل البيت عليهم السلام بمزيد الثناء والمدح والتكريم لتميزهم وانفرادهم بخصائص لم تتوفر في غيرهم من الصحابة وللعلاقة الوطيدة بين الخلفاء الثلاثة وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت أقوى من أن تتهدم.
فإضافة إلى العلاقة النسبيّة كانت هناك المصاهرة التي تعزز من هذه العلاقة وتضفي عليها طابع المودة والرحمة كما هو حاصل بين الخلفاء الثلاثة وأهل بيت النبوة، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وحفصة ابنتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل لم يتزوج هاشمية وله إحدى عشرة امرأة، وزوَّج ابنتيه: رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان
(1)
وزوَّج الإمام علي عليه السلام ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب
(2)
، وسمى أولاده بأسمائهم، وكذا أبناؤه
(3)
.
ويمكن أن يستدل بهذا على حسن علاقة بعضهم ببعض، وعلى ما بينهم من مودة ومحبة وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يظهر هذا جلياً لمن صلح قلبه، وزالت غشاوة التعصب عن بصره، وقلَّب بصره في كتب التاريخ ليخرج منها بأمور كثيرة وروايات عديدة، وسأكتفي ببعض الروايات التي ساقها العلماء في كتبهم عن الأئمة عليهم السلام الدالة على هذا الثناء.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا)
(4)
.
(1)
انظر بحار الأنوار: (22/ 202)، إعلام الورى:(ص: 141).
(2)
انظر الكافي: (6/ 115)، مرآة العقول:(21/ 199).
(3)
انظر: (ص: 82) من هذا الكتاب.
(4)
انظر وقعة صفين: (ص: 88)، شرح نهج البلاغة:(15/ 76).
وقال عليه السلام مثنياً على خلافة الثلاثة، وعلى من اختارهم:
(إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى)
(1)
.
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام مثنياً على عمر بن الخطاب: (لله بلاء فلان! فلقد قوّم الأود وداوى العمد، وأقام السُنّة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه)
(2)
.
وقال أيضاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في حياته، حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم:(إنك متى تَسِرْ إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة -ستر ووقاية- دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت رِدءاً للناس ومثابة للمسلمين)
(3)
.
وتجاوز التقدير من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلى ما بعد وفاتهما بوقت طويل، حيث إنهم مضوا على هديهما ولم يغيروا شيئاً أمرا به، بل كانوا ينهلون من علمهما وفتواهما رضي الله عنهما، ودليل ذلك: ما قاله الإمام علي عليه السلام حين سُئِل في رد فدك -وكان حينئذٍ الخليفة-: (إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر، وأمضاه عمر)
(4)
.
(1)
نهج البلاغة: (ص: 366)، بحار الأنوار:(33/ 76).
(2)
نهج البلاغة: (ص: 350).
(3)
نهج البلاغة: (ص: 192)، بحار الأنوار:(31/ 135).
(4)
شرح نهج البلاغة: (16/ 252).
وقد حث الإمام محمد الباقر عليه السلام شيعته بأن يفعلوا مثل ما فعل، حين تعلم واقتدى بأبي بكر الصديق، وذلك عندما سُئل عن جواز حلية السيف، فقال: نعم، قد حلَّى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة! فقال (أي: السائل): أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال:(نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له: الصديق فلا صدّق الله قوله في الدنيا والآخرة)
(1)
.
فهؤلاء أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم أقرب الناس عهداً بالشيخين، لم يفتهم ما عملا ولا غاب عنهم ما فعلا، ألا تكفينا شهادتهم ورأيهم في أولئك النفر، أم نريد هدياً وقولاً غير هديهم وقولهم؟!!
(1)
كشف الغمة: (2/ 147).