الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال الثاني: «حديث الحوض» :
كيف يمكن لنا أن نحكم على عدالة وصدق من حكم الله على ردتهم وتبديلهم لدينهم يوم القيامة، مثلما هو وارد في حديث الحوض، والذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أصحابي أصحابي)، ثم أتاه الجواب الحاسم من ربه: إنهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم؟
الجواب:
أنه وفقاً لما سبق بيانه من تعريف وتوضيح للمقصود (بالصحابي) فإن أهل البيت عليهم السلام والصحابة لما سمعوا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الحوض) زادهم ذلك خوفاً من النفاق، فجدوا في إخلاص العمل لله تعالى، رغم أنهم يعلمون أن المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أصحابي أصحابي) أُناسٌ لهم أوصاف معلومة مخالفة لمنهج الحق هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن توجيه هذا الحديث إلى أن المراد (بالصحابي) أحد الأصناف التالية:
أولاً: أن المراد بالأصحاب هنا هم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام في عهد
…
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال الله تبارك وتعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقون: 1].
والمنافقون فيهم من عَلِمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم باطنه - وهم الأكثر- وفيهم من لم يعلمه وأولئك الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أصحابي أصحابي) كانوا من المنافقين الذين خفي باطنهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} [التوبة: 101].
فالذين قال فيهم (أصحابي) عند الحوض كانوا من المنافقين المتواجدين في المدينة والذين كان يظن صلى الله عليه وآله وسلم أنهم من الصحابة، ولم يكونوا كذلك، لعدم معرفته صلى الله عليه وآله وسلم للغيب وأحوال الناس الباطنة، وكان الحكم الشرعي يقتضي الحكم على الظاهر فقط.
ثانياً: قد يكون المراد بالأصحاب هنا أولئك الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كحال الكثير من العرب المرتدين، وممن أسلموا في السنوات الأخيرة.
روى المجلسي في البحار عن السيد ابن طاوس أنه قال: ذكر العباس بن عبد الرحيم المروزي في تاريخه: لم يلبث الإسلام بعد فوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طوايف العرب إلا في أهل المدينة وأهل مكة وأهل الطائف، وارتد ساير الناس.
ثم قال: ارتد بنو تميم والرباب واجتمعوا على مالك بن نويرة اليربوعي، وارتدت ربيعة كلها، وكانت لهم ثلاث عساكر، باليمامة مع مسيلمة الكذاب، وعسكر مع معرور الشيباني وفيه بنو شيبان وعامة بكر بن وايل وعسكر مع الحطيم العبدي، وارتد أهل اليمن ارتد الأشعث بن قيس في كندة، وارتد أهل مأرب مع الأسود العنسي وارتد بنو عامر إلا علقة بن علاثة
(1)
.
ثالثاً: قد يراد بكلمة (أصحابي) كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الطريق القويم، ولو لم يره، ويدل على هذا رواية:(أمتي، أمتي) ورواية: (إنهم أمتي).
وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أعرفهم)، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أنه يعرف هذه الأمة من آثار الوضوء، وهذا كما قال الله عز وجل على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)} [الفرقان: 30] فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقصد بالقوم أصحابه ومن كان في
(1)
بحار الأنوار (28/ 11).
زمنه، بل هذا تحذير عام لجميع أمته من هجرهم القرآن بعده، فهؤلاء هم الذين يقول فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أصحابي أصحابي). فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.. أي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم.
وخلاصة ما سبق:
يمكن القول بأن أهل البيت عليهم السلام قد فهموا مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحديث، وهذا الفهم منهم ظهر جلياً في حياتهم بأقوالهم وأفعالهم مع الصحابة وذلك من خلال توثيق الصلة بهم تجلى ذلك في المصاهرات بين الصحابة وأهل البيت وهو أمر يدل على شيوع المحبة والمودة بينهم، كما أنه لم يثبت عن أي أحدٍ من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أطلق كلمة النفاق على أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا فيه دلالة صادقة منهم على ترابطهم مع الصحابة بعيداً عن المنافقين.