الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال الثالث: «القول بذم الله طائفة من الصحابة» :
كيف تقول بعدالة الصحابة، والله قد ذمهم في عدة مواضع في كتابه بآيات صريحة:
مثل قوله سبحانه عند تثاقلهم عن الجهاد: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة: 38].
وجاء وعيد الله وتحذيره لهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة: 54].
وأيضاً ذم الله عدم خشوع قلوبهم لذكره، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد: 16].
أو عند تركهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قدوم التجارة، فقال تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} [الجمعة: 11].
الجواب:
أولاً: يجب على المسلم أن يكون باحثاً عن الحق تاركاً للتعصب الفكري، طالباً للهداية كما نقرأ في صلاتنا قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة: 6]، وأن يجتنب الباطل ولو كان صادراً من عالم أو شيخ يقلده؛ لأن الله ذم أهل التعصب، الذين قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف: 23].
ثانياً: لا بد أن نعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير معصومين من الخطأ، والإسلام حفظهم من رذائل الجاهلية التي كانت متفشية في مجتمعاتهم.
فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم داعياً إلى توحيد الله بفعل الطيبات، وترك ما كانوا عليه من مفاسد، استجابوا له وآمنوا به اختياراً منهم، فَعَلَّمهم الله وَوَجَّههم إلى الخير والصلاح ونهاهم وحذرهم من المحرمات، فكان يناديهم في كتابه العزيز بقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .
فالصحابة رضي الله عنهم قد تعلموا عن طريق الأخطاء الناتجة من بعضهم بسبب جهلهم بهذا الدين الجديد أو تأثرهم بالجاهلية، وهذا يشمل الصحابة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالعباس وحمزة وجعفر الطيار وغيرهم من الصحابة من غير أهل البيت.
وهذه الأوامر والنواهي والتحذيرات لم ولن تختص بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط بل هي حجة على الأمم المتبعة لهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثالثاً: لنفترض جدلاً أننا وإن لم نفهم القرآن ونفقه تفسيره، ماذا سيكون جوابنا حينما يقول لنا أحد المستشرقين المتعصبين: إن نبي الإسلام محمد بن عبد الله يطيع الكفار والمنافقين مثلما جاء في القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)} [الأحزاب: 1].
بل يدعي على ديننا فيقول: إن نبيكم يحلل ما حرمه الله فقط لإرضاء زوجاته، مثل ما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)} [التحريم: 1]، أو أن نبيكم كان يريد أن يصلي على المنافقين ليترحم عليهم: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة: 84] فلابد أن يكون جوابك أيها المحب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعصي ربه فيما أمره به والآيات تفيد بأن الله تعالى يعلّم نبيه شرعه ودينه ليبلغه للناس، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} [الأحزاب: 45].
رابعاً: ما جوابنا حينما يقول لنا ناصبي مبغض لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لماذا لم يقاتل النبي المنافقين ويغلظ عليهم، وقد أمره الله بذلك في قوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ؟
ثم لماذا لم يجاهد علي بن أبي طالب المرتدين والمنافقين من الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة الذين غصبوا خلافته؟ (كما يزعم الغلاة).
فهل عاملهم بغلظة كما ورد في الآية الكريمة؟! أم خالف القرآن وعامل الصحابة بلين ونصح ومشورة كما ثبت في التاريخ؟! أليس ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام مخالف للقرآن؟!
خامساً: ما جوابنا حينما يسألنا الناصبي ويقول: إن عليا عليه السلام هو المعني بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]
لأنه خالف القرآن واتخذ أعداء الله أولياء له! واستدل الناصبي لطعنه الباطل بظاهر القرآن والروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما أنزل الله عز وجل آية وفيها قوله:
…
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا وعلي عليه السلام رأسها وأميرها)
(1)
.
(1)
انظر اليقين في إمرة أمير المؤمنين: (ص: 174، 177)، بحار الأنوار:(40/ 21).
واستدل أيضاً بما ثبت في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس في هذا القرآن {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا في حقنا)
(1)
، ثم يقول هذا الناصبي: إذاً: إن علياً في رأس هذه الآية وغيرها!.
ألا يستحق هذا الناصبي أن نقول إنه أظهر عداوته وطعنه في أمير المؤمنين عليه السلام وانكشف حقده الدفين على أهل السبق في الإسلام الذين عرفوا بجهادهم مع
…
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذين هم أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه من أمثال أمير المؤمنين
…
علي عليه السلام.
كما نقول: إن هذا الكلام باطل وتحريف كتحريف اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وهو زيغ في قلوب الذين يتبعون المتشابه من الكلم، كما لايليق بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نصفهم بالردة والنفاق لأن ذلك يعد تحريفاً لكلام الله، وخلافا لظاهر القرآن، وخلافا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومناف لمقتضى تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حيث خصه بصحب كرام يرضى عنهم، كما أنه مخالف للعقل السليم وواقع الحال.
(1)
المناقب: (3/ 53)، البرهان (سورة البقرة آية: 153).
السؤال الرابع: «القول بمخالفة الصحابة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية» :
كيف تقول بعدالة الصحابة، وهم قد عارضوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية، بسبب عصيانهم لأمره، عندما أمرهم أن يحلقوا وينحروا فلم يستجيبوا لأمره؟ بل إن عمر صرح بالمعارضة لقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اتفاقه وصلحه مع المشركين فقال للنبي:(ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، فقال عمر: فلم نعط الدنية من ديننا إذاً)؟
الجواب:
أولاً: يجب على المسلم ألا يقذف التهم جزافاً من غير تبيين وتمحيص لأسباب الحوادث وينبغي عليه أن يكون منصفاً إن أراد الحق، ولا يشنع ويقسو ابتداءً على أحد، وخاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغير علم، ولابد أن يعرف مقدار حب الصحابة لنبيهم، والذي تجلى واضحاً في أحوال ومناسبات عديدة، ومنها مبادرتهم إلى التبرك بأثره صلى الله عليه وآله وسلم من أخذ فضل وضوئه، ولم يكن ليبصق صلى الله عليه وآله وسلم بصاقاً ولا يتنخم نخامة إلا ويتلقونها بأكفهم فيدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولم تسقط منه شعرة صلى الله عليه وآله وسلم إلا ويبتدرون إلى أخذها لنيل البركة منه مثلما جاء في رواية عروة بن مسعود
(1)
.
ثانياً: الصحابة في صلح الحديبية لم يعصوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمرهم، بل كان لهم شوق عظيم لبيت الله الحرام، فتمنوا عندما أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع العمرة والتحلل بحلق رؤوسهم لو يغيّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حكمه، أو ينزل الله تبارك وتعالى شيئاً من الوحي يأمر
…
نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يدخل مكة، فانتظروا جميعهم (بلا استثناء) لعل شيئاً من ذلك يقع!، ولذلك تمهلوا قليلاً في تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رغبة في حدوث مثل هذا الرجاء، فلما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(1)
انظر: (ص: 30) من هذا الكتاب.
عليهم حالقاً وناحراً هديه، علم الصحابة يقيناً حينئذ انقضاء رجائهم، وتحقق الأمر، فاستجابوا مباشرة عند ذلك لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فحلقوا رؤوسهم ونحروا هديهم دون تردد منهم فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم:
ثالثاً: عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعارض قرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلح، بل كان يتباحث معه ويشاوره في أمر الأمة، مثلما كانت عادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مشاورته للصحابة وخاصة الكبار منهم، حيث إن المشاورة سنة يمتثلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه بأمر من الله عز وجل، لما جاء في قوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].
قال أبو جعفر الطبري:
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمرَ نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرةَ التي يُؤْمَنُ عليه معها فتنة الشيطان وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزُبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وآله وسلم يفعله.
فأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك. وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُقٍ وتأخٍّ للحق، وإرادةِ
(1)
.
(1)
تفسير جامع البيان: (7/ 345).
وقال الفيض الكاشاني عن قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} : في أمر الحرب وغيره، مما يصح أن يشاور فيه، استظهاراً برأيهم، وتطييباً لنفوسهم، وتمهيداً لسنة المشاورة للأمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا وحدة أوحش من العُجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة. وجاء في نهج البلاغة:(من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وفي الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه). وفي الخصال عن الصادق عليه السلام: (وشاور في أمرك الذين يخشون الله). اهـ
(1)
.
وفي تلك الحادثة أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في إرسال عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل مكة للمفاوضة معهم.
وقد ذكر الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان صلح الحديبية مختصرة فقال عن ابن عباس: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة. فقال أصحابه: خلأت الناقة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن يدخل مكة ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله! ما لي بها حميم، وإني أخاف قريشاً لشدة عداوتي إياها. ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان! فقال: صدقت)
(2)
.
رابعاً: لماذا نشنع على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب مشاورته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونتهمه بمعارضة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونبني عليها طعوناً كثيرة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينهه عن ذلك الفعل، إن كان مستحقاً للنهي والزجر؟!
(1)
تفسير الصافي، وانظر: تفسير مجمع البيان، الجوهر الثمين، تفسير معين، تفسير شبر: في تفسير (سورة آل عمران آية: 159).
(2)
تفسير مجمع البيان: (9/ 194)، بحار الأنوار:(20/ 329).
هل نحن أعلم وأفقه من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه، وفي كيفية تعاملهم مع كلامه؟!
أو أننا علمنا أمراً قد خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟! أو أن هناك سبباً آخر يدعو للغيظ والحنق على ما فعله عمر؟
إن مثل تلك المشاورة قد وقعت بين الإمام علي عليه السلام وشيعته، من أمثال حجر بن عدي في معركة صفين، حينما نهى الإمام علي عليه السلام جيشه عن لعن وسب معاوية رضي الله عنه وجيشه وناقشه في هذه القضية حجر بن عدي وغيره، ومع ذلك لم يطعن الإمام علي عليه السلام أو من جاء بعده على حجر بن عدي بسبب معارضته لأمر الإمام علي عليه السلام.
فعن عبد الله بن شريك قال: (خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يُظهران البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل إليهما علي عليه السلام: أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا: أو ليسوا مبطلين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين يشهدون ويتبرؤون)
(1)
.
خامساً: لو سلمنا جدلاً بأن ما فعله عمر رضي الله عنه كان مجانباً للصواب بسبب معارضته لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فماذا سيكون جوابنا إن قال لنا أحد النواصب: (إن علياً عليه السلام كان من رؤوس المعارضين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية، وقد عصى أمره مع سائر الصحابة في عدم حلق رؤوسهم وذبح هديهم؟
بل إن رفض علي بن أبي طالب لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفوق معارضة عمر بن الخطاب وذلك حينما طلب صلى الله عليه وآله وسلم منه أن يمسح اسمه عندما كان يكتب كتاب الصلح مع مندوب قريش سهيل بن عمرو فرفض علي بن أبي طالب الانصياع لأمر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟
(1)
مستدرك الوسائل: (12/ 306)، بحار الأنوار:(32/ 399)، وقعة صفين:(ص: 102).
ودليل ذلك ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام، في حديث طويل في قصة صلح الحديبية:
…
(إن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: باسمك
(1)
اللهم، هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والملأ من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله
…
ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله، أتأنف من نسبك يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا رسول الله وإن لم تقروا، ثم قال: امح يا علي! واكتب: محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده
…
) الخبر
(2)
.
فبماذا سنرد على ذلك الناصبي حين يقول: لماذا يرفض علي بن أبي طالب أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما طلب منه أن يمحو اسمه؟ أعلي بن أبي طالب أتقى وأحرص وأعلم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدم رغبته لمسح الاسم؟ بل تكررت منه المعارضة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلما حصل في غزوة تبوك، حينما طلب منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكث بالمدينة، كحال بعض الصحابة من أهل الأعذار كابن أم مكتوم وغيره لأسباب معينة رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنه خرج ولحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم محاولاً أن يثنيه عن قراره ويأخذه معه للمعركة.
فعن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن جعيد بن عبد الرحمن عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد أن علياً عليه السلام خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاء ثنية الوداع وهو يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟)
(3)
.
(1)
وفي المصدر: بسمك.
(2)
مستدرك الوسائل: (8/ 437).
(3)
بحار الأنوار: (37/ 262)، العمدة:(ص: 127).
وبماذا نرد على الناصبي لو تساءل قائلاً: لماذا ينزعج علي بن أبي طالب من أمر
…
النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بتركه بالمدينة في غزوة تبوك؟ أيعصي علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمره؟ هل كان علي يجهل أن استخلافه في المدينة منقبة وفضل له أم لا؟ فإن كان يجهل فهذه مصيبة، وإن كان يعلم فالمصيبة.. أعظم.
والرد على كل هذه التقولات على أمير المؤمنين عليه السلام، هو من مثل ما بيناه في حق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.. فالحق واحد، وإن تعددت صور الافتراءات.