الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
تعريف لفظ «الصحابة»
لزاماً علينا قبل الشروع في بيان الأدلة الدالة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم، أن نبين مفهوم كلمة (الصحابة)؛ لأن جلاء المعنى لهذه الكلمة، وبيان حدود إطلاقها، ومن يتصف بها؟ ومن هو المعني بها؟ لأن ذلك فيه إزالة اللبس والغموض الذي يحيط بهذا المصطلح الشرعي فكان لابد من التمييز بين الصحبة الشرعية واللغوية.
أولاً: تعريف لفظ «الصحابي» لغة:
الصحابي: نسبة إلى صاحب، وله معانٍ عدة تدور في جملتها حول الملازمة والانقياد
(1)
.
والصحبة في اللغة أعم وأشمل تعريفاً في الإصطلاح الشرعي، فاستخدام الصحبة في اللغة لا يندرج ضمن التعريفات الاصطلاحية الشرعية، إذ هي وفق التعريف اللغوي غير مقيدة بقيود محددة كما هو الحال في المصطلح الشرعي وفقاً لما سنعرفه لاحقاً.
على سبيل المثال نورد جملة من معاني الصحبة اللغوية لدفع اللبس بينها وبين الصحبة في المصطلح الشرعي، ومن هذه الإطلاقات:
1 -
الصحبة المجازية: وهي التي تطلق على اثنين بينهما وصف مشترك، وقد يكون بينهما أمد بعيد، كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أزواجه:(إنكن صواحب يوسف)
(2)
.
(1)
لسان العرب: (1/ 519).
(2)
انظر البخاري كتاب الأذان رقم: (712)، بحار الأنوار:(28/ 137).
2 -
الصحبة الإضافية: وهي التي تضاف للشيء لوجود متعلق به، كما يقال: (صاحب مال، صاحب علم
…
إلخ).
3 -
صحبة القائم بالمسئولية: وهذا كما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} [المدثر: 31].
4 -
صحبة اللقيا: تطلق الصحبة على التلاقي الذي يقع بين اثنين، ولو لمرة واحدة لسبب ما، ثم ينقطع.
وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر
…
)
(1)
، فسمى صلى الله عليه وآله وسلم المشتري (صاحباً) مع أن اللقيا وقعت مرة واحدة مع البائع حين يشتري منه السلعة وقد لا تتكرر.
5 -
صحبة المجاورة: وهي التي تطلق على المؤمن والكافر والعكس، وهو مصداق ما جاء في قوله تعالى:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)} [الكهف: 37].
وكما في قوله تعالى: {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)} [الكهف: 34].
ويجوز أن تطلق الصحبة على من لا يعرف صاحبه ولم يلتق به يوماً، كما قال عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه للغلامين من الأنصار اللذين كانا يبحثان عن أبي جهل في غزوة بدر يريدان قتله بسبب سبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهما:(هذا صاحبكما الذي تسألان عنه)
(2)
.
(1)
مصدر سني مستدرك الوسائل: (13/ 299).
(2)
انظر صحيح مسلم برقم: (1752)، بحار الأنوار:(19/ 327).
ووفق ما سبق ذكره يتضح أن مدلول الصحبة اللغوية لا يمكن انطباقه على الصحبة الشرعية ولا يمكن تعريفها طبقاً له، إذ لو كان (الصحابي) يُعرّف بالتعريف اللغوي للصحبة وفق الاستخدامات التي مرت، لكنّا نحن جميعاً في عداد الصحابة، ولكان اليهود والمنافقون والنصارى والمشركون الذين لقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك من باب أولى، إذ لا يشترط في اللغة للفظ المصاحبة اللقاء المستمر والإيمان بالله والموت على ذلك.
ومن ذلك على سبيل المثال نذكر قصة تطاول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول على
…
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلب عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأذن له بضرب عنقه، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم:(دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)
(1)
.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الصحبة للمنافق في هذا الحديث، لكنه قصد الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي، وهذا من بلاغته صلى الله عليه وآله وسلم وحكمته، وفق ما تعارف عليه العرب في لغتهم، ولم يكن هناك من محظور في فهم الإطلاق اللغوي، وذلك لأمرين:
الأول: أن الإطلاق اللغوي لا يقصد منه التفريق بين الإيمان والنفاق؛ لأنه ليس له ضابط.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن سبب منع عمر رضي الله عنه عن قتله للمنافق: (حتى لا يتحدث الناس)، والناس المشار إليهم هنا هم فئة ليست من الصحابة وفقاً للمصطلح الشرعي؛ لأن القرآن حينما خاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو لعموم الناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} .
(1)
شرح أصول الكافي/ مولى محمد سالم المازندراني: (12/ 487). وانظر: الصحيح من السيرة/ السيد جعفر مرتضى: (6/ 163).
ومن المعلوم بداهة أن الكفار هم أكثر الناس عداوة وحرصاً على الطعن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، ولذلك حينما يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي بن سلول، فلن يقول الكفار بأنه قد قتل منافقاً يستحق القتل، بل سيقال:(إن محمداً يقتل أصحابه)، وسينتشر الخبر بين العرب ويتحقق ما يرمي إليه الكفار، وهو صد الناس عن قبول هذه الدعوة والالتفاف حول
…
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن هذا التحديد اللغوي في فهم معنى الصحابي عسيراً أو مشكلاً عند الكفار أو المنافقين فضلاً عن سائر المسلمين الأوائل؛ لأنهم كانوا أهل اللغة وفرسانها والبارعين في دروبها وميادينها، فمن اقتدى بفهمهم وسار على دربهم، وفقه الله لفهم سديد ورأي رشيد لكثير من المعضلات والمبهمات.