المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السؤال الثامن: «موقف خالد بن الوليد من مالك بن نويرة وزوجته»: - ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن

[عبد الله بن جوران الخضير]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المدخل

- ‌المبحث الأول:تعريف لفظ «الصحابة»

- ‌أولاً: تعريف لفظ «الصحابي» لغة:

- ‌ثانياً: تعريف الصحابي اصطلاحاً:

- ‌المبحث الثاني:ثناء الثقلين على الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الثناء على الصحابة رضي الله عنهم في كتاب الله:

- ‌ثناء أهل البيت عليهم السلام على الصحابة الكرام رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم

- ‌ثناء القرآن الكريم على المهاجرين والأنصار:

- ‌المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر:

- ‌المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده:

- ‌المبحث الثالث:كيف ظهرت الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌أولاً: من أشعل الفتنة بين المسلمين

- ‌ثانياً: بداية الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ معركة الجمل

- ‌معركة صفين:

- ‌ما بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام:

- ‌المبحث الرابعالمؤامرة ضد الإسلام والمسلمين

- ‌أولاً: إسقاط عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ثانياً: تشويه سيرة الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المبحث الخامس:الموقف الصحيح (الحق) من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌المبحث السادسالأسماء والمصاهرات بين الصحابة وأهل البيت عليهم السلام

- ‌المبحث السابعسؤال وجواب

- ‌السؤال الأول: «القول بردة الصحابة»:

- ‌السؤال الثاني: «حديث الحوض»:

- ‌السؤال الثالث: «القول بذم الله طائفة من الصحابة»:

- ‌السؤال الخامس: «رزية يوم الخميس»:

- ‌السؤال السادس: «موقف أبي بكر من ميراث فدك»:

- ‌السؤال السابع: «القول بإهانة أبي بكر لفاطمة»:

- ‌السؤال الثامن: «موقف خالد بن الوليد من مالك بن نويرة وزوجته»:

- ‌قبل الختام:شجون عابرة

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌السؤال الثامن: «موقف خالد بن الوليد من مالك بن نويرة وزوجته»:

‌السؤال الثامن: «موقف خالد بن الوليد من مالك بن نويرة وزوجته» :

ماذا تقول عن موقف أبي بكر الصديق، وما وقع في أول خلافته من إرساله الصحابة بقيادة خالد بن الوليد وإستباحتهم دماء المسلمين لمجرد جهلهم المتمثل في عدم دفع الزكاة مثل ما فعلوا بقوم مالك بن نويرة، وقتل خالد له، ودخوله على زوجة مالك في نفس الليلة؟

الجواب:

أولاً: الزكاة أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وهي حق للفقراء والمساكين وغيرهم من مال الأغنياء، ولهذا كثيراً ما يقرن الله ما بين الصلاة والزكاة في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)} [البقرة: 110].

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن الله عز وجل قرن الزكاة بالصلاة فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة)

(1)

.

وعن محمد بن مسلم وأبي بصير وبريد وفضيل كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله عنه قالا: (فرض الله الزكاة مع الصلاة)

(2)

، لذلك فإن الحكم في تارك الزكاة كالحكم في تارك الصلاة ألا وهو القتل، وهذا ما أثبته الثقلان:(كتاب الله والأئمة عليهم السلام).

قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ

(1)

الكافي: (3/ 506)، من لا يحضره الفقيه:(2/ 10)، وسائل الشيعة:(9/ 22).

(2)

الكافي: (3/ 497)، وسائل الشيعة:(9/ 13).

ص: 143

رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5]، وعن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (دمان في الإسلام حلال من الله، لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت، فإذا بعث الله عز وجل قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله، لا يريد عليهما بينة: الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب عنقه)

(1)

.

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابن مسكان يرفعه، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال:(بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذ قال: قم يا فلان! قم يا فلان! قم يا فلان! حتى أخرج خمسة نفر فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون)

(2)

.

ثانياً: من المعلوم وفق الروايات التاريخية - التي رواها كبار العلماء - أنه قد ارتد الكثير من الأعراب عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وترك بعضهم الزكاة وغيرها.

وقد ذكر الطوسي في الأمالي عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم، قال: ارتد الأشعث بن قيس وأناس من العرب لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: نصلي ولا نؤدي الزكاة، فأبى عليهم

أبو بكر ذلك، وقال: لا أحُلّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أنقصكم شيئاً مما أخذ منكم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأجاهدنكم، ولو منعتموني عقالا مما أخذ منكم نبي لجاهدتكم عليه، ثم قرأ

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]

(3)

.

ولتدارك هذا الموقف أرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيوش المسلمين بقيادة خالد بن

(1)

الكافي: (3/ 503)، من لا يحضره الفقيه:(2/ 12)، وسائل الشيعة:(9/ 33)، مستدرك الوسائل:(7/ 25)، بحار الأنوار:(52/ 325).

(2)

الكافي: (3/ 503)، من لا يحضره الفقيه:(2/ 12)، وسائل الشيعة:(9/ 24)، تهذيب الأحكام:(4/ 111).

(3)

الأمالي للطوسي: (ص: 262)، بحار الأنوار:(28/ 11).

ص: 144

الوليد رضي الله عنه لمحاربة هؤلاء المرتدين، ومن بين هؤلاء قوم مالك بن نويرة

(1)

، الذين امتنعوا عن دفع الزكاة.

ثالثاً: شنع الكثير من أهل الأهواء والفتن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في إرساله خالد بن الوليد في الغزوات والحروب، واتخذوا مسارعة وحزم خالد بن الوليد مع أعداء الإسلام ذريعة لاتهامه بقتل الناس واستباحة أموالهم زورا وبهتاناً، ومن ثم الطعن فيه وإخفاء حسناته بقصد تشويه تاريخه ومكانته في الإسلام.

ونقول لهؤلاء إن أبا بكر رضي الله عنه فعل ذلك أسوة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمَّر خالد بن الوليد في عدة سرايا وبعوثٍ خاصةً في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم، كبعثه إلى الطائف، وأهل اليمن، وهدم العزى والبحرين، ودومة الجندل، وغيرها كثير، وهذه المزايا والصفات القيادية التي اتصف بها خالد بن الوليد رضي الله عنه، تجعلنا نكرمه ونقدر دوره في دك معاقل الكفر، ولا ندعي الكمال والعصمة فيه ولا في غيره من الصحابة رضي الله عنهم.

رابعاً: قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها الله في الآية:(الاستخلاف في الأرض، والتمكين لدين الله، وإبدال الخوف بالأمن) توفرت في زمن الصحابة رضي الله عنهم، ولم يحصل ذلك إلا حينما قاتلوا المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسقطوا دولتي فارس والروم.

خامساً: إن قصة قتل خالد بن الوليد رضي الله عنه لمالك بن نويرة، جاء فيها ثلاث روايات:

(1)

انظر: (ص: 96) من هذا الكتاب.

ص: 145

الأولى: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه جاء لمالك بن نويرة وقومه، فقال لهم: أين زكاة الأموال؟ ما لكم فرقتم بين الصلاة والزكاة؟

فقال مالك بن نويرة: إن هذا المال كنا ندفعه لصاحبكم في حياته، فمات، فما بال أبي بكر؟ فغضب خالد بن الوليد وقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ فأمر ضرار بن الأزور أن يضرب عنقه.

وقيل: إن مالك بن نويرة قد تابع سجاح التي ادعت النبوة.

وهناك رواية ثالثة وهي: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كلم قوم مالك بن نويرة، وزجرهم عن هذا الأمر وأسَرَ منهم من أسر، قال لأحد حراسه: أدفئوا أسراكم؟ وكانت ليلة شاتية وكان من لغة ثقيف (أدفئوا الرجل) تعني: اقتلوه، فظن الحارس أن خالداً رضي الله عنه يريد القتل فقتلهم وفق فهمه بدون أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه.

ولو تمسكنا بأي رواية مما سبق، فإن كان الخطأ قد وقع من خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة، فإن العذر يلحقه من باب قتله لمانع للزكاة، أو لمتابعة لسجاح الكذابة، أو أنه كان متأولاً، وهذا التأويل ليس بمسوغ لإقامة الحد والقصاص على خالد رضي الله عنه. ومثل ما وقع فيه خالد رضي الله عنه من خطأ، فإنه قد حدث مثله مع الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنهما، حينما تأول في قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، ولم يوجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه دية أو كفارة.

قال القمي في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 94]: إنها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام، وكان رجل من اليهود يقال له: مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى، فلما أحس بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع أهله وماله، وصار في ناحية

ص: 146

الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فمر به أسامة بن زيد فطعنه وقتله، فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت، فحلف أسامة بعد ذلك أنه لا يقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)

(1)

.

سادساً: القول بأن خالدا رضي الله عنه قتل مالك بن نويرة، ثم تزوج امرأته في تلك الليلة قول باطل لا يستند إلى رواية صحيحة، وما قيل بشأن ذلك إتهام باطل.

خاصة إذا علمنا ان أهل الأهواء والفتن لم تكن لهم قدوة حسنة في حبهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا الإنصاف لهم أو حسن الظن بهم، بل إنهم يهرعون إلى الروايات الضعيفة المتناثرة في الكتب مع تحريفهم لمعانيها، وتأويلهم لها تأويلاً باطلاً، كما هو الحال في قصة زواج خالد بن الوليد رضي الله عنه من امرأة مالك بن نويرة، إذ جعلوا خالداً رضي الله عنه يحرص على قتل مالك لأجل الظفر بزوجته، وهذا من البهتان.

وهذا القول ليس بمستغرب على من يريد أن ينشر الفتنة في الناس من خلال الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل يستطيع كل صاحب فتنة أن يتأول ويحرف القصص والروايات والتاريخ على وفق ما يهواه من الكذب وغيره، من دون الرجوع إلى الأسانيد الصحيحة الموافقة للصواب، لهذا السبب نفسه استطاع المستشرقون أن يطعنوا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما طُعن في خالد بن الوليد.

(1)

تفسير القمي: (1/ 148)، بحار الأنوار:(21/ 11)، مستدرك الوسائل:(16/ 79).

ص: 147

فماذا سنقول ونرد لو قال لنا أحد المستشرقين الحاقدين: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نظر إلى امرأة زيد بن حارثة وهي تغتسل وأعجب بها، وطلقها من زوجها حتى تحل له.

قال الرضا عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك! وانما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم إن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)} [الإسراء: 40] فقال النبي: لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: يا رسول الله! إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله.

وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشى الناس أن يقولوا: إن محمداً يقول لمولاه: إن امرأتك ستكون لي زوجة، يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] يعنى بالإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} يعني بالعتق، {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه، فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل بذلك قرآنا، فقال عز وجل:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} [الأحزاب: 37])

(1)

.

(1)

عيون أخبار الرضا: (1/ 203)، الاحتجاج:(2/ 431)، بحار الأنوار:(22/ 216).

ص: 148

فالحاقدون من الكفار والمنافقين الظانين بالله ظن السوء يطيرون فرحاً بمثل هذه الأقاويل الواهية، لكن المحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته لا يحرف الكلم، ولا يختلق القصص الباطلة والروايات الموضوعة، فينزه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل زلة أو هفوة تخل بعصمته، ويلتمس العذر لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويحسن الظن بهم إن وقع منهم ما يظن أنه زلة أو هفوة.

أما إن ثبت من الصحابة رضي الله عنهم ما يفيد الخطأ برواية معتمدة مقبولة، فإن الواجب على المسلم أن لا يُظهر المساوئ ويطير فرحا بصيدها، بل عليه أن يقذفها في بحار حسناتهم ويغضُ الطرف عنها ويمسك اللسان عن بيانها؛ لأن دلالة الحب العفو والصفح والغفران لأهل الفضل والإيمان، وأما الروايات الباطلة، فهي كما قال الله تبارك وتعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد: 17].

ص: 149