الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أميرة السياسة
السيدة براين أوين
وزيرة أمريكا الخصوصية في الدانيمرك
السيدة روث براين أوين هي من شهيرات النساء في هذه السنين الأخيرة ومن المعروفات في ميدان السياسة ومفاوضاتها في أمريكا وأوروبا وقد عقدت مجموعة له موا فصلاً عن حياتها وأعمالها نلخصه فيما يلي:
قالت السيدة براين أوين في حديث لها عن المشاغل السياسية والولع بأعمالها التي لم تعد تجد سبيلاً للخلاص منها إن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون وذلك ليتبين كيف انتقل إليها هذا الولع في الأعمال السياسية ومشاغلها عن أبيها المستر جانينغ براين أوين الذي لم يغادر جامعة نيبرسكا إلا ليكون رئيساً للولايات المتحدة وكانت ابنته إذ ذاك في الخامسة من عمرها فلم يك وهو على ما هو عليه من الإعجاب بها يستطيع إلا أن يرافقها إلى المجلس النيابي الأمريكي حيث كانت تجلس إلى جانبه وهنالك في ذلك الجو المضطرم بعواصف السياسة وجد لها العنيف وضجيجها المستمر نشأت الفتاة وترعرعت. ولقد كانت لا تفقه بالغالب ما يجري أمامها من الأحاديث ولكنها كانت دائماً تتابع بنظراتها إياها النائب المحامي الذي كان يمتاز بفصاحته وبراعته في الجدل وإدلاء الحجج والبراهين ولقد كان ذلك معواناً على نبوغها السياسي في الأتي فساعدتها تربيتها الاجتماعية على التصرف في مصاعب الأمور وحل المعضلات والانتصار على أخصامها السياسيين في أحرج المواقف. وكأنها عزمت على اختيار السياسة سلكاً منذ الصغر فأعدت ما استطاعت وهيأت لها جميع ما تحتاجه من المعارف والصفات النفسية عدا ما كانت عليه منذ صباها من النشاط وقوة العزيمة واللباقة والبراعة في الحديث تلك الصفات التي ظهرت بوادرها لرفيقاتها منذ دراستها الثانوية في دير (مونتيتسللو) في سنة 1901 ثم في جامعة نيبرسكا التي درس أبوها فيها. ولم تحل دروس الفتاة الصعبة في الجامعة دون زينتها وتأنقها واعتنائها بتربية جسمها فكانت صبوحة الوجه رشيقة القامة جريئة في الكلام فاتنة اللهجة عذبة الصوت لها جميع ما تحتاجه من الصفات للنبوغ والتقدم في جميع الأوساط التي عملت فيها من بعد. ولقد قضت زمناً تعمل مع أبيها ككاتمة لأسراره حينما كان رئيساً للجمهورية في سنة
1908 ثم لم تلبث أن انصرفت إلى معالجة الشؤون العامة الأميركية والتدخل في كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية ثم حدا بها صباها القوي وشبابها النشيط أن تبعث بنظرها إلى خارج البلاد الأميركية وهل ثمة ما يحاول دون أسفار من كانت مثلها لها ما تريد من جمال وثقافة وذكاء وغنى؟ ولقد عاشت مدة في ألمانيا درست خلالها الموسيقى والغناء وعرفت كثيراً من أسرار الروح الألمانية ثم انتقلت إلى انكلترا فأقامت فيها سنتين ثم غادرتها فقضت ثلاث سنوات في بلاد الجاماييك وثلاث سنوات أخرى في مصر ثم قامت بعد ذلك بجولة حول الأرض قضت خلالها مدة في الهند ثم في سيلان ثم في اليابان والصين ومختلف بلاد الشرق الأقصى ولم يكن شأنها في جميع هذه البلاد التي مرت بها وسكنتها شأن الدارس النبيه المتتبع وهكذا فقط تعلمت ليس من الكتب فقط بل من الحياة نفسها إن الحياة والعقل والعالم بأسره ليس لها لون واحد بل ألوان مختلفة متباينة وكذلك الحب أيضاً فتزوجت ثم طلقت زوجها الأول ثم تزوجت بالماجور اوفن أحد ضباط الجيش البريطاني فرافقته إلى فلسطين خلال الحرب العامة وكانت معه مثال الزوجة الصالحة على أنها لم تنس قط القضايا العامة في بلادها الأمريكية ولم تنفك عن دراستها والاهتمام بكل شأن من شؤونها. وعندما عادت مع زوجها الضابط الجريح إلى فلوريد في أمريكا انصرفت إلى السياسة والأشغال بها كما كانت تطمح إلى ذلك منذ زمن بعيد وقد ساعدها على العمل أن أولادها الأربعة الذين أحسنت تربيتهم وأحاطتهم بعطفها وحنانها كبروا وأصبحوا بغنى عن عنايتها فاستطاعت هي أن تكرس وقتها إلى الاهتمام بالشؤون المحلية العامة التي ما لبثت أن أصبحت في طليعة من يديرونها فكانت رئيسة كثير من المؤسسات المدنية والدينية والتعليمية أو العائدة لشؤون التربية وعدا ذلك فقد كانت من العاملات في عصبة أسعار الحاجيات وجمعية الآباء والمعلمين وجمعية لتنظيم المسارح والجامعة الرسمية وعصبة المحاضرات العامة والمجلس الوطني النسائي وعصبة الأدبيات الأمريكيات ومجلس العناية بالأطفال وغير ذلك من مختلف المؤسسات والجمعيات العلمية والأدبية التي ساعدت في تأسيسها أو عملت في إدارة شؤونها، وهكذا فقد وقفت لأن تفسح المجال وتهيئ ما يتطلبه انتخابها في مجلس النواب من الشهرة وسعة الإطلاع وقد ساعدها على ذلك أيضاً ماضيها الذي مابرح ماثلاً لأعين أعضاء مجلس الشيوخ الذين ما زالوا
يذكرون تلك الفتاة التي كانت ترافق أباها في مجلس النواب وتجلس دائماً إلى جانبه هادئة رصينة. على أن شهرة أبيها لم تكن العامل الوحيد الذي ساعدها على النجاح فقد استطاعت هي نفسها أيضاً أن تثير إعجاب الذين انتخبوها وإن تحرز رضاء واحترام أعضاء مجلس الشيوخ وثقتهم حتى استطاعت أن تنال مكانة أسمى بكثير من المكانة التي يحرزها الأعضاء الأربعة من عائلتها في المجلس الوطني الذين يعدون من المشاهير وكبار الأغنياء في أمريكا. وفي الحقيقة أن السيدة براين هي أميرة السياسة الآن ورغماً عن التسعة والأربعين عاماً التي عدتها حتى اليوم فهي ما برحت متأنقة ذات قوام أهيف ورداف منسجمة يسترها ثوب ملتصق في انسداله وانتظامه جمال وفخامة. وكثيراً ما تتحدث السيدة أوين فتلقى بنظراتها إلى الأرض مطرقة مفكرة كأنها لا تريد أن ترى ما يتركه حديثها العذب وصوتها الرنان من أثر في نفوس السامعين ولكنها لا تلبث أن تعود للتحديق في وجه محدثها فتبعث إليه بنظرات تشع من أعين خضراء رمادية لا يسعه أمام قوتها إلا أن يقف موقف الاهتمام والتجلة والاحترام. وليست السيدة أوين ممن يطلبون الشهرة وإظهار مواهبهم عن طريق السياسة فهي ولوعة بالسياسة تكاد لا تستطيع الانصراف عنها ويدعونها هذا الولع إلى العمل وتحمل المتاعب الجمة فتبذل من الجهود شيئاً كثيراً لأنها تعتقد أن المرأة، حتى في البلاد الأميركية جنة النساء، يجب أن تعمل أضعاف ما يعمله الرجل لتصل إلى النتيجة نفسها.
على أن السيدة أوين لا تخاف العمل ولا تضيق ذرعاً به يساعدها على ذلك الألعاب الرياضية التي مارستها في صباها وما عليه جسمها من سلامة وقوة فهي نشيطة حمولة صبورة جريئة مقدامة استطاعت أن تلقي خلال المعركة الانتخابية الأخيرة التي فازت بها ستمائة خطاب وإن تفاوض بنفسها تسعين رئيساً للتحرير في منطقة انتخابها الأمر الذي عجز عنه أقوياء الرجال من أخصامها في السياسة. ولقد كان من المعقول جداً بعد نجاحها الباهر في معالجة الشؤون الوطنية الداخلية أن تنصرف إلى السياسة الخارجية التي عادت فلقيت فيها النجاح نفسه فهي اليوم وزيرة الولايات المتحدة في بلاد الدنيمرك فائزة ناجحة في عملها وموضع إعجاب أبناء الدانيمرك من جهة ومواطنيها الأميركيين من جهة ثانية وقد كادت الكلمة أن تتفق على حب واحترام هذه المرأة التي استطاعت وهي جدة تعيش
لجانب أبنائها وأحفادها أن تتحلى بكل ما تتصف به المرأة الفاتنة المحبوبة. وهي ترى أن في السياسة مجالاً واسعاً لعمل النساء ولذلك فهي تربي أصغر بناتها هيلانة التي لها الآن من العمر ثلاثة عشر عاماً تربية عملية وتدربها منذ الآن على الاشتغال بالمسائل العامة ولعلها تجد في ذلك ما بماضيها القديم فتلقى في هذه الابنة الصغيرة صورة مصغرة عن نفسها هي حينما كانت في هذه السن. ومن رأيها أن المرأة التي تود الاشتغال في السياسة ومعالجة القضايا العمة تحتاج لجسم سليم قوي اعتاد الرياضة وألفها كما تحتاج لعقل سليم يصرف لكل عمل ما يحتاجه من الجهد بنسبة صحيحة عادلة، ولذكاء يساعد على التصرف بالأمور وعلى الخروج من المآزق الحرجة، ولمزاج هادئ رصين يستطيع الهزوء والتنكيت بلباقة وبراعة، ولمقدرة في الكلام وبراعة في الحديث. وإذا استطاع أحد أن يزعم أن أكثر النساء ليس فيهن هذه الصفات فهو لا يستطيع أن يقول ذلك عن السيدة براين أوين أميرة السياسة التي أظهرت للناس في هذا العصر صورة جديدة من صور المرأة الأمريكية التي يحق للولايات المتحدة أن تباهي وتفاخر بها.
كاظم الداغستاني