المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صفحة من تاريخ أعراب شمالي الشام - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ١٠

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌صفحة من تاريخ أعراب شمالي الشام

‌صفحة من تاريخ أعراب شمالي الشام

تابع

للأستاذ وصفي زكريا

قلت ويظهر من كلام آخر لا للقلقشندي أضربت عن نقله ومن كلام غيره من المؤرخين الذين نوهوا بأخبار نعير أي محمد بن جبار بن مهنا المذكور أن الإمرة بقيت في أعقابه دون غيرهم من أعقاب أخوته آل مهنا وأبناء عمه آل عيسى بن آل فضل كلهم فخمل ذكر هؤلاء وضاع اسمهم تدريجياً وخلفه أولاد جبار أو آل جبار ردحاً من الزمن إلى أن ظهر اسم أولاد أبي ريشة أو غلب كما هي العادة عند أهل البادية تتغير أسماؤهم في كل قرن أو قرنين تبعاً للسائد عليها.

ولمحمد بن جبار هذا ترجمة في (المنهل الصافي) لابن تغرى بردى ننقلها عن (تاريخ حلب لراغب الطباخ ج4) قال: محمد بن جبار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن ماتع بن حديثة شمس الدين أمير آل فضل بالشام ويعرف بنعير ولي الإمرة بعد أبيه ودخل القاهرة مع يلبغا الناصري ولما عاد الظاهر برقوق من الكرك رافق نعير منطاشاً نائب حلب في الفتنة الشهيرة وكان معه لما حاصر حلب، ثم أرسل نعير نائب حلب إذ ذاك كمشبغا في الصلح وسلمه منطاش، ثم غضب الظاهر برقوق على نعير وطرده من البلاد فأغار نعير على بني عمه الذين قرروا بعده وطردهم. فلما مات برقوق أعيد نعير إلى أمرته، ثم كان ممن استنجد به دمير داش لما قدم اللنكية (التتار) فحضر بطائفة من العرب فلما علم أنه لا طاقة له بهم برح إلى الشرق فلما برح التتار رجع نعير إلى سلمية، ثم كان ممن حاصر دمير داش بحلب ثم جرت بينه وبين حكم نائب حلب وقعة فانكسر نعير ونهب وجيء به إلى حلب فقتل في شوال سنة 808 وقد نيف على السبعين وكان شجاعاً جراداً مهيباً إلا أنه كثير الغدر والعناد وبموته انكسرت شوكة آل مهنا وكان الظاهر خدعه ووعده حتى تسلم منطاش وغدر به ولم يف له الظاهر بما وعده بل جعل ذلك ذنباً عليه وولي بعده ابنه معجل ذكره شيخنا في أنبائه وهو في المقريزي مطول. وترجم ابن تغرى بردى معجل أيضاً فقال. معجل (وفي نسخة العجل) بن نعير بن جبار. . . الخ أمير آل فضل بالشام والعراق نشأ في حجر أبيه فلما جاوز العشرين خرج عن طاعته ثم لما كان حكم بحلب

ص: 32

وخرج لقتال ابن صاحب الباز إلى جهة أنطاكية توجه إليه معجل نجدة له وآل الأمر إلى أن انكسر نعير وجيء به إلى حكم فلما رآه قال لابنه انزل فقبل يد أبيك فجاء ليفعل فأعرض عنه أبوه ثم أن حكم رسم عليه ولم يزل يقاتل ويحارب إلى أن قتل سنة 816 وحمل رأسه فعلق على باب قلعة حلب وسنه ثلاثون سنة. الخ. . .

ثم سكتت التواريخ عن بيان خلف معجل بن نعير المذكور في الإمرة وعن وقائع هؤلاء الأعراب إلى سنة 885 قال ابن إياس فيها: وقعت في هذه السنة فتنة كبيرة في أنحاء حماة قام بها سيف أمير آل فضل الذي خرج عن الطاعة فحاربه ازدمر نائب حماة فقتل في المعركة وقتل معه جماعة من أمراء حماة. فعين السلطان قايتباي الأمير يشبك الدوادار ومعه عدد وافر من الجند لقتال سيف ففر سيف وتوجه إلى أنحاء الرها وكانت هذه لأحد نواب حسن الطويل ملك بغداد فحاصر يشبك الرها ولكنه كسر كسرة شنيعة وأسر ثم قتل. وفي سنة 887 جاءت الأخبار بقتل سيف قتلة ابن عمه غسان في بعض بلاد العراق.

أما أخبار الأمير نعير بن جبار ومساويه فهي (خطط الشام ج2 ص158 عن مصادر مختلفة) الفتنة التي وقعت بينه وبين ابن عثمان بن قارا سنة 785 وانكساره ونهب ثلاثين ألف بعير له، ثم (ص169) اشتراكه سنة 794 بالفتنة التي أحدثها منطاش نائب حلب الثائر ودخوله معه بمحاصرة حلب وحماة ونهبها تم مجيء جند حلب وفتكه بنعير وأهله حتى اضطر لتسليم منطاش، ومنها (ص186 وقد لقبه هنا بأمير عرب آل فضل) اقتتاله مع عصاة التركمان وظفره بهم وتطاوله على أعمال حلب، وخروجه سنة 808 (ص187 وقد سماه هنا نعير بن مهنا الحياري البدوي) على أعمال دمشق وظفره بجندها وإفساده في ضواحيها إلى أن ظفر به حكم نائب حلب وقتله سنة 808 وأرسل رأسه إلى القاهرة. وقد ناف على السبعين وبموته انكسرت شوكة آل مهنا، قالوا ثم انتقلت الإمارة إلى ابنه معجل وهذا سار على سنة أبيه في الفساد نازل سنة 810 حماة وحاصرها إلى أن أوقع به نائب دمشق وكسره (ص191) ثم لما حوصر نوروز في حماة اشترك معجل في الحصار والقتال ضده، ولم يزل يحارب يقاتل إلى أن قتل سنة 816 وحمل رأسه وعلق على باب قلعة حلب.

ثم سكتت الخطط عن بيان من خلف معجل بن نعير بن جبار في الإمارة وعن وقائع

ص: 33

الإعراب إلى سنة 883 (ص204) إذ ذكرت اسم سيف بن نعير الغاوي وعصيانه وخروج نائب حلب لتأديبه وفراره واضطراب أحوال حماة بسبب ذلك، وذكرت (ص234) في أحاث سنة 992 التي فتح السلطان سليم فيها الشام أسماء أرباب المقاطعات الذين كانوا يضمنون الخراج للدولة مقابل أموال يتعهدون بها وعدت منهم مدلج بن ظاهر من آل جبار أمير عرب الشام وكانت منازل قومه في سلمية وعانة والحديثة ثم ذكرت في (ص248) إن المتغلب على أكثر البر في غرة القرن الحادي عشر كان الأمير شديد بن أحمد حاكم العرب من آل جبار وإنه كان كاسمه ولقبه جباراً ظالماً عنيداً. وذكرت في أحداث سنة 1017 أن فرقة من عرب آل جبار المعروفين بأولاد أبي ريشة نفروا من العراق فوصلوا إلى تدمر وانضم إليهم قوم من جند السكبان العصاة فعاثوا معاً وافسدوا إلى أن أوقع بهم نائب دمشق وشتتهم. وهذه المرة الأولى التي يظهر فيها اسم (أبي ريشة) في الخطط. ومن الغريب أن آل جبار هؤلاء ذكروا في الخطط المستندة على مصادر مفروض فيها الصحة بلقب آل جبار بينما حيدر الشهابي في تاريخيه وكاتب جلبي في جغرافيته ذكراهم وصاحب الخطط وصاحب تاريخ حلب ذكرهم أيضاً مرة واحدة - بلقب آل الجبار حتى أن الشهابي استعمل ذلك مراراً منذ سنة 680 التي ذكر فيها عيسى بن مهنا بلقب الحياري كما لقب أعقابه من بعدة بالحياريين. والثابت عندي أن في الأمر تصحيف ناخ جعل هؤلاء المؤرخين يقرأون كلمة جبار (حيار) ويصل الوهم بالشهابي إلى إلصاقها بأسلاف جبار أي بأبيه مهنا وبجده عيسى بن مهنا، بينما لا القلقشندي ولا ابن خلدون ولا أبو الفداء ولا غيرهم استعملوا هذا اللقب لهؤلاء الأسلاف فإذا كان هؤلاء المتقدمون الثقاة الذين عاصروا آل عيسى في القرن الثامن والتاسع لم يذكروا هذه الكلمة فحري بنا أن ننسب للمتأخرين الوهم وعدم الانتباه للتصحيف ونحكم بأن كلمة الحيار لا أصل لها وأن أولاد أبي ريشة فخذ من آل جبار، الذين هم بطن من آل عيسى بن مهنا آل فضل بن ربيعة الطائي.

وظل حيدر الشهابي يردد أسماء وأحداث الأمراء الحياريين الذين نشأوا في القرن الحادي عشر وصوابه أن يقول الجبارين وهو مع ذكره إياهم بالحيارين - كما كان يذكر من قبل عيسى بن مهنا وأعقابه - صار يلقبهم بأبي ريشة كما لقبهم الجغرافي التركي كاتب جلبي والمؤرخ التركي نعيما في تاريخه أيضاً - وقد عد منهم أسماء الأمير فياض المتوفي سنة

ص: 34

1029 وابنه حسين وابن عمه سلطان وابن أخيه مدلج. ذكر نعيما في تاريخه (ج3 ص6) أن فياضاً هذا شق عصا الطاعة في عهد السلطان أحمد الأول وحارب أحمد باشا الذي تولى إمارة الأمراء في مصر. وذكر الشهابي أن الإمارة انتقلت بعد فياض إلى ابن أخيه مدلج فقام ينازعه فيها حسين بن فياض وانضم إلى كل منهما فريق من قبيلتهما وجرت بينهما وقائع عديدة وبسبب ذلك اضطر مدلج في أحداها أن يستنجد بالأمير فخر الدين المعني الثاني سيد جبل لبنان في ذلك العهد وقد كانت سيطرته تمتد من القدس إلى حمص وحماة وسلمية ويتصل بأمراء الأعراب ويتخذهم أعواناً له. فجاء الأمير فخر الدين سنة1023 بعسكر وفير لنجدة مدلج فلاقاه في مكان بين حمص وحماة وأكرمه وأهداه الفرس سعدة المشهورة. لكن حسين فر مرتاعاً إلى حلب فرجع الأمير فخر الدين دون أن يخوض حرباً. ولم يزل مدلج يقتفي أثر حسين ويكيد له حتى وشى بقتلة مراد باشا الكوسا والي حلب فقتله واستقرت الإمارة بيد مدلج على أنه بقي تابعاً للأمير فخر الدين ولائذاً به يقدم إليه الضرائب والهدايا. وبينما كان الشهابي يلقب هؤلاء بالحياريين وبآل أبي ريشة إلى سنة 1034 وإذا به في أحداث سنة 1035 يذكرهم باسم الموالي لما طلب الأمير فخر الدين المعني منهم الذخيرة وتمنعوا ورحلوا فلحق بهم حتى عبرهم النهرين. قلت لعل هذه الذخيرة هي الضريبة التي كان يقدمها مدلج ورأى أن يقطعها إذ لم يعد بعد موت رقيبه حسين بحاجة إلى الحماية والمعونة ولما طولب بها رحل بقبيلته خوفاً من الأمير فخر الدين ثم عاد بعد رجوعه أو بعد أن أزالت الدولة وجوده. فاسم الموالي لم يذكره الشهابي إلا هذه المرة فهل نبتت هذه القبيلة سنة 1035 وهل كانت تذكر لو لم تكن هي القبيلة التي كانت وما برحت ملتفة حول الأمراء آل أبي ريشة منذ القرن السابع الذي نشأ فيه جدهم عيسى بن مهنا وأفرادها يلقبون بالموالي لأنهم أما عبيد معتقون من الذين ذكرهم كاتب جلبي في جغرافيته أو صنائع أو حلفاء منضمون إليهم.

وفي تاريخ نعيما (ج3 ص60) أن مدلج المذكور استقر في إمارة البادية سنين عديدة واتسعت سلطته حتى صارت تشمل أعراب بلاد بغداد والموصل. على أنه لم يخل من الموارية فتارة كان يمالئ الإيرانيين الذين استولوا على بغداد في تلك الحقبة وتارة العثمانيين يماشي الأقوى منهما. (على سنة أحد أجداده مهنا بن عيسى الذي قدمنا ذكره)

ص: 35

ولما افتضح أمره وزاد عيثه لاسيما بعد أن فشل الوزير الأعظم خسرو باشا من استرداد بغداد ورجع عنها خائباً اعتزم الوزير المذكور على استئصال شأفة مدلج فأرسل عليه في سنة 1040 عسكراً وفيراً فكسروه ونهبوا بلاده وقتلوا من لقوا من أتباعه ففر مدلج مع حاشيته. وبينما هو فار سقط عن فرسه ومات فطلبت الأعراب الأمان وأخلدت إلى الطاعة. ولما كان لابد لهؤلاء من أمير يسوسهم أقام الوزير الأعظم المذكور سعيد بن فياض الذي تقدم ذكره وتاريخ وفاته أميراً عليهم.

وصفي زكريا

ص: 36