المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌جمال المرأة في نظر الشعراء للسيدة وداد سكاكيني المحاسني لا تثريب عليّ إذا - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ١٠

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌ ‌جمال المرأة في نظر الشعراء للسيدة وداد سكاكيني المحاسني لا تثريب عليّ إذا

‌جمال المرأة

في نظر الشعراء

للسيدة وداد سكاكيني المحاسني

لا تثريب عليّ إذا قلت أن شعراء الفرنجة تطلعوا إلى جمال المرأة بأعين عميقة الأغوار دقيقة الأنظار وأنهم نادموا الحسن والملاحة بلغات فنية وساجلوا الغيد إلا ما ليد مساجلة الأطيار للأطيار. وكادت تكون رقة شعورهم في المناجاة استغراقاً في التأمل أو غلواً في العبادة.

وشعراء الغرب لهم عهد عتيق بالجمال ريان بحبه ملآن بذكره وقديماً مرنوا على دقيق الإحساس وعميقه، وأخذوه عن طبيعة اليونان الذين نحت لهم بركستيالوس تمثال فينوس. فجعلوه مثال الملاحة والبداعة وسموه آلهة الجمال.

تأله الحسن في يونان فاستبقوا

إلى عبادة فينوس بمضمار

وقد حدثنا ببيرلوئيس في قصة افروديت أحاديث عن عبادة الجمال بالإسكندرية في خوالي العصور على الإغريق حيث كانت لهم مجالس وهياكل ملؤها التسبيح للمحاسن والبدائع وعلى تراخي السنين برع النحاتون والمصورون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فجاء العباقرة منهم بأعاجيب النبوغ في فنونهم الجميلة الرائعة ومثلوا جمال المرأة بأنواع تصلح وحدها لأن تكون شعراً ناطقاً بأوصافها ومظاهرها سجيس الليالي.

ولما هب شعراء الرومانتيك منذ أواسط القرن الماضي فتحوا أعينهم على الجمال وتصوروه في خيالهم، ونما في شعرهم، وساعف على ذلك هذا أن لجمال المرأة منالاً عندهم وكان من أثر ذلك أن غإلى بعضهم فأتبع طريقة في فهم الجمال جعلوه يعم كل نسبة واتساق وأوغل ناس منهم فخيل إليهم لدقة حسهم ورقته أن في القبح جمالاً، فالدميم يعد وسيماً إذا صوره لك الشاعر تصويراً متناسباً متسقاً، وقد أراد ذلك فيكتو هوغو حين كتب رواية نوتردام دوباري فصور لنا خادم الكنيسة نوتردام دوباري فصور لنا خادم الكنيسة كازي مورو على مثال الشناعة والبشاعة في الدنيا، تعاورت على شكله ضروب العاهات والمثالب، فهو أبكم أفلج أعشى، ذو صمم بطين الأحشاء أحدب الظهر أقعس الصدر، بيد أنه في كل هذا صورة للجمال بتناسب شناعته وتناسق دمامته، ثم يمعن هوغو في تمثل

ص: 27

الجمال بشكل آخر فيرينا إياه في ازميرالدا الراقصة الفاتنة.

وقد تجاوز غيره من الشعراء هذا الحد في معرفة الجمال على صور النساء، أما شعراء العرب فقد نظروا لجمال المرأة نظراً لم يحلقوا فيه كشعراء الغرب وإن استطاع بعضهم ذلك فما دوموا تدويماً، أنهم تطلعوا إلى حسن المرأة في عهد جاهليتهم فوجدوه بدوياً على مثالتهم. وظهر لهم منذ النظرة الأولى في الأعين الدعجاء والشفاه اللسعاء وفي الأجفان والحوا جيب وأبصرووه في الغدائر السود والغرر البيض ثم رأوه في القامات الممشوقة والخصور الدقيقة والأطراف الرقيقة والأعجاز الرجراجة الثقيلة، وقد أخذ من البابهم منظر القمر ومشرق الشمس وأعناق المها وعيون الجآذر وغصون البان وجعلوا من كل هذا تشبيه ونعوتا لجمال المرأة عندهم فتعزلوا به وفتنوا وافتنوا، وأول من وصف المرأة فيهم هو أمرؤ القيس سيد شعراء الجاهلية، فاقتفى أثره وترسم خطاه من جاء بعده من الشعراء، وهاك شعراً له ينعت به جمال فاطمة يوم دارة جلجل:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسجنجل

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش

إذا هي نضته ولا بمعطل

وفرع يزين المن أسود فاحم

أثيت كقنو النخلة المتعسكل

فقد شبه صدر فاطمة الأبيض بالمرآة المجلوة وعنقها بعنق الغزال ونعت لون شعرها الأسحم بغصن النخلة ثم بدأ جمال المرأة لشعرائنا في عهد الإسلام وكانت ضربت عليه الخمر وحالت دونه الستور، فوصفوه وصفاً لا ينطبق على المشاهدة إلا عمر بن أبي ربيعة شاعر الحب والجمال، فإنه نال حظوة لدى ربات الحسن وملكاته، فأجاد في وصف الجمال النسوي وأبدع، وقصر عن شوطه الشعراء العذريون من أهل الغزل إذ وصفوا الحب في أشعارهم ولم يصفوا الجمال مثله، وإن الشعراء الثلاثة الأخطل وجرير والفرزدق لم يجيدوا إجادة عمر في فنه البارع، لأن الهجاء اللاذع هروه فنجهم، وصرفهم عن مفاتن الهوى والشباب، وكان يصح لجرير أن يبذ نديه لوترك وشأنه فقد حرمتنا سياسة الأمويين إبداع جرير في وصف الجمال، ولعله كفر عن تقصيره حين وصف العيون الحوراء بقوله:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله إنسانا

ص: 28

على أن ابن ربيعة في وصفه جمال المرأة يريده حضرياً، فلا يأتيه إلا بدوياً، لأن تأثير البداوة في عصره كان شديداً، لاسيما وقد نشأ وعاش في الحجاز، حيث كان يتلمس الجمال بين مناسك الحج ويتحسس الحسن في أفياء الخرد الرعابيب، انظر إلى وصفه جمال فاطمة بنت عبد الملك:

وذكرت فاطمة التي علقتها

عرضاً فيا لحوادث الدهر

ممكورة ردع العبير بها

جم العظام لطيفة الخصر

وكأن فاها عند رقدتها

تجري عليه سلافة الخمر

وبجيد آدم شادن خرق

يرعى الرياض ببلدة قفر

ويصف عمر هندا بنت الحارث بقوله:

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

تخالها في ثياب العصب دينارا

كأن عقد وشاحيها على رشأ

يقر ومن الروض روض الحزن أثمارا

فلندع شعراء العصر الأموي. ولنعكف على العصر العباسي، عصر الجمال المبذول والشعر المصطفى الذي يجرر من خيلائه أذيال المرح والحضارة ويتقلب على أعطاف النعيم. لنأت إلى أبي نواس، ويح هذا الشاعر الماجن لقد شغله جمال الخمرة عن جمال المرأة، ولكنه لم يقصر إذ قال:

وذات خد مورد

فضية المتجرد

تأمل العين منها

محاسناً ليس تنفد

فبعضه يتناهى

وبعضه يتجدد

والحسن في كل شيء

منها معاد مردد

فكون النواسي من هذا الجمال صورة فنية دقيقة أيما دقة وجعله غير منعدم المادة كأنه الجوهر الفرد، وعرج بالجمال إلى سماء من الشعر الحضري لم يسبقه إليها شاعر عربي، وليت شعري أن قصر أبو نواس في وصف الجمال فمن يجيده؟

بدأ التطور في هذا الوصف منذ عهد الشعراء المولدين من أيام زعيمهم أبي نواس وكان له ولصحبه من المجان شعر كثير في الجمال الحضري أخذ روحه وريحانه من الأدب الفارسي ومن حياة الحسان والقيان.

ص: 29

ليت جمال المرأة بقي منية هؤلاء الشعراء، وما جاوزا به إلى العبث والمجون حتى أفسده على الأذواق والأخلاق بغزل المذكر، ثم مادت الأشعار بالجمال الفاتن والملاحة الخالبة حتى كان العصر الثالث وأيام المتوكل وشعر البحتري المترع بالرفه والنعمة والبهجة يقول أبو عبادة:

رحن والليل قد أقام رواقا

فنثرن الصباح فيه عمودا

بمهاة مثل المهاة أبت أن تصل

الوصل أو تصد الصدودا

ذات حسن لو استزادت من

الشمس إليها لما أصابت مزيدا

فحذا هذا الشاعر العبقري حذو الشعراء السابقين في التشبيه البدوي. وإذا غبر بنا الزمن إلى أواسط القرن الرابع ألفينا المتنبي ماليء الدنيا وشاغل الناس قد بسط جناحي شعره على عصره وما فاته أن ينشدها أبياتاً خالدة في جمال المرأة وهو لا يريده إلا بدوياً بحتاً خلواً من التصنع والتكلف:

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

ما أوجه الحضر المستحسنات به

كأوجه البدويات الرعابيب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها

صوغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

وحق للمتنبي أن يصبو إلى هذا الجمال الخالص لأنه لبث في البادية زمناً وطبع على محبة الأعاريب. وأما المعري فلا أفوز عنده بأوصاف لجمال المرأة، فإن هذا الأعمى الجبار الذي نقم على النساء وأقام عليهن الحدود ورماهن بالشتائم، لا يرى لهن من صفات الحسن والصباحة شيئاً ولو أنه كان بصيراً لهفت نفسه إليهن وألهب روحه جمالهن وأصباه ولكان له غير رأيه في الوجود.

لقد قيل هذا الشعر الذي تقدم على عدوة من الأرض، أما العدوة الثانية فهي ربوع الأندلس الزهراء حيث ازدهرت معالم الجمال وأينعت مراتع الفنون التي حمل قيثارتها ابن زيدون، وهناك هام بالولادة بنت المستكفى وتجلى لعينه روعة جمالها فوصفه وصفاً ملك على الإسماع والقلوب، وقد أثرت فيه مغاني الأندلس الوارفة وظلها الظليل ونسيمها العليل فقال في ذلك الجمال الساحر:

ربيب ملك كأن الله أنشأه

مسكاً وقدر إنشاء الورى طيناً

ص: 30

أو صاغه ورقاً محضاً وتوجه

من ناصع التبر إبداعاً وتحسبنا

إذا تأود آدته رفاهية

نوم العقود وأدمته البرى لينا

كانت له الشمس ظئراً في أكلته

بل ما تجلى لها إلا أحابينا

كأنما أثبتت في صحن وحنته

زهر الكواكب تعويذا وتزيينا

فلما قال هذا الشعر ابن زيدون كاد يعفى على آثار الشعراء قبله في وصف جمال المرأة.

أما في هذا العصر، فإن شاعره العظيم قد أفل نجمه بموت أحمد شوقي سامحه الله إنه سار على غرار أنداده الغابرين من شعراء العرب في فهم الجمال وتصويره.

ولو سألوه أن يصف التفاته المرأة لأنشد دون جمجمة شعره بلسان مجنون ليلى:

تلفتت ظبية الوادي فقلت لها

لا اللحظ فاتك من ليلى ولا الجيد

دمشق:

وداد سكاكيني محاسني

ص: 31