الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمل الجماعات في سورية
لقد أصبح من المعروف حتى بين عامة الناس في سورية أن كل عمل تقوم به جماعة أو شركة أو رهط من السوريين مصيره في الغالب إلى الفشل ومن المعروف أيضا أن اكبر أعمال وأعظم المشاريع في الغرب قل أن يقوم بها إلا جماعة اشتراك أفرادها في العمل واتحدوا عليه سواء كانت تلك الأعمال صناعية أو تجارية أو سياسية. ويتساءل الناس كثيرا عن السر في عدم نجاح عمل الجماعات في سورية تساؤلا جدليا قل من ينصرف فيه إلى التحليل والدرس على الطريق الاستقراء والاستنتاج. ولتحليل الحادثات الاجتماعية
وتفهمها أصول لا يصح معها تفسير الظاهرة الاجتماعية بعلة واحدة والاعتماد بالبحث عن أسبابها على عامل واحد فقد تتضافر العوامل والعلل فتخلق وضعا اجتماعيا واحدا وقد تكون هذه العوامل والعلل فردية يرجع فيها إلى التحليل النفسي أو اجتماعية أصولها إلى روح الجماعات ومزاياها الخاصة وما احتفظت به من تقاليد الماضي وعرفه وأوهامه. على أن بين هذه العوامل والعلل ما هو رئيسي يعمل أضعاف أضعاف ما تعمله العوامل الأخرى في تكيف الوضع الاجتماعي وتطوره وهذه العوامل الأساسية في عدم نجاح عمل الجماعات في سورية هو ما سنتعرض لبسطه وتعليله في هذه العجالة.
يتوقف نجاح العمل في الجماعات على شروط أساسية كثيرة غير وحده الغاية والمبدأ من أهمها الثقة المتبادلة بين أفرادها الجماعة والمفاداة بكثير مما تمليه الأثرة وحب الذات، وأهمها اعتقاد الفرد بإخلاص شركائه في العمل وحسن ظنه بهم وتناسبه جزءا من ذاتيته وتنازله عن شيء كثير مما يعتقده من حقوقه لإنهاض المشروع الذي ترمي إليه الجماعة قبل سعيه لتأمين ما يرمي إليه هو نفسه وتفضيله الغاية العامة على الغاية الخاصة متى تعارضت الغايتان وغير هذه من الشروط التي تتطلب في كل فرد من أفراد الجماعة شيئا من التضحية والإخلاص وسلامة القلب وشرف النفس وسمو الروح وهي صفات لا تتفق بشيء مع ما نسميه الأنانية على أن الأنانية من الوجهة العامة تكاد تكون ابرز ظاهرة من ظواهر نفسية الرجل السوري يؤيد ذلك ما يمكن الرجوع إليه من التحليل النفسي بطريقة درس ظواهر
الأعمال ونتائجها. والأنانية لا تنافي الذكاء بل تؤيده وتدل عليه فالرجل السورية حديد الذكاء سريع الخاطر لكن في ذكائه شيء كثير من الخبث والدهاء وسوء الظن وعدم الثقة
بغيره وهذا ما يدعو لنجاحه منفردا بعيدا عن جماعته ويسلبه أكثر الصفات التي يقوم عليها نجاح العمل في الجماعة.
وليست هذه المساوئ ناشئة عن مزاج الرجل السوري أو عن طبيعة الخاصة
فهو كغيره من الرجال الأذكياء غير أن هنالك أسبابا اجتماعية عملت عملها في روحه منذ الصغر فأورثت نفسه ما أورثتها وسلبت منها ما سلبت منها ما سلبت حتى صار إلى ما هو عليه اليوم، قويا ناجحا ما دام منفردا، وضعيفا فاشلا إذا انضم إلى جماعة.
نحن من المؤمنين أن أهم هذه الأسباب وأعظمها أثرا في تكييف نفسيه الرجل السوري هو النظام العائلي الذي تربينا عليه وترعرعنا في حماه وان تجارب سنوات طويلة قضيناها في درس العائلة (الزوجية) في سورية وتفهم أوضاعها أيدت لنا ذلك وجعلتنا نكاد أن نأبى الجدل فيه.
تجرد عن العاطفة وحكم العقل والمنطق وأقدم على درس العائلة السورية كأنك غريب عنها. انك لا تكاد تجد من أوضاعها غير ما يورث الأنانية وحب الذات
في نفس من نشأ فيها.
في هذه الجماعة الصغيرة الأولى التي تقوم على دعائمها الأمة بأسرها بتلون الذكاء بلون الخشية وسوء الظن ويصير هدؤ الضمير إلى قلق وحذر فتنقلت لذة التضحية إلى حب الذات وتتلطخ طهارة النفس بادر أن الأنانية وأوساخها.
من الصعب علينا أن نبسط في مقال واحد أوضاع هذه الجماعة السورية الأولى التي فيها سر كل ما نعانيه وعليها مدار إصلاحنا الاجتماعية والاقتصادي والسياسي فنبين أثرها وعواملها في تربية النفوس وتطورها لان ذلك يحتاج إلى إقامة الحجج والإدلاء بالبراهين وضرب الأمثلة الصريحة المقنعة. على إننا لا نجد مندوحة عن الإشارة هنا منذ الآن إلى أن جميع تلك الأوضاع تنشأ عن مبدأ واحد هو تحكم الرجل في شؤون المرأة والعائلة تحكما نشأ عن تقاليد قديمة فلم يعد يتفق مع ما تطلبه التربية في هذا العصر لإعداد رجال أشداء لإنجاح لهم إلا في عملهم مجتمعين وهذا ما سنفرد لبيانه وتفصيله بابا خاصا في اعدد الثقافة الآتية.
كاظم الداغستاني