الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تطور القضية النسائية في سورية
من دواعي الغبطة والسرور أن القضية النسائية في الأمصار العربية ارتقت درجات ولئن كانت متفاوتة إلا أنها حسنة على وجه عام ومطردة السير إلى الأمام بفضل جهود نسائنا وبتأثير روح العصر والعدوى الاجتماعية، ومما يستدعي الإعجاب بهذه النهضة وعقد الآمال عليها أنها تجاري تطور الزمن وتتمشى مع حاجة الوطن. فقد ألفت المرأة الجمعيات الخيرية والأدبية وقامت هذه الجمعيات النشيطة بما يتطلب منها مساعدة الإنسانية والدعوة إلى العلم والثقافة والتربية وتخطها إلى التعاون لرفع مستوى المرأة وحفظ كرامتها. ومع ذلك فلطالما تعرض المنتقدون والمنتقدات إلى المرأة وأظهروا استخفافاً بما قامت به من أعمال يساعدهم على ذلك ما يرونه من استمرار جهود الجمعيات ضمن منطقة حتى كأن حركتها تدور حول نفسها. ولو أن أنصف هؤلاء المنتقدون لما حكموا على الحركة النسائية بالعقم لما غشيتها من جمود في الآونة الأخيرة بل إنهم لو أنصفوا لاستعرضوا أعمال المرأة السورية اللبنانية منذ فجر النهضة حتى الآن وراقبوا الخطوات الواسعة التي خطتها في برهة قصيرة والخدمات الجلي التي بذلتها في سبيل الحياة الاجتماعية، وعلى أنّ الجمود الذي حدث أخيراً في ما أتي المرأة لم يكن عن ضعف في نشاطها ولا عن تأخر بحركتها وإنما ظهر هذا الجمود على أثر التطور الاجتماعي في البلاد، فإنّ الانقلاب الذي حدث في العالم عن تأثير الحالة الاقتصادية، وعما صار للمال من النفوذ في تكييف مناهج الأمم المعاصرة وأخلاقها شمل هذا الوطن العزيز فاستدعى أن يحصل فيه تطور بالحركة النسائية يلائم ذلك الانقلاب. وهذا ما استرعى انتباه سيدات هذه المدينة الزاهرة وعملن على مداركته فقد راقب بعض بعض فضلياتنا الأثر الذي أحدثه هذا التطور الجديد ولاسيما من حيث نزول المرأة إلى ميدان الكسب، وما حصل عنه من توفر صاحبات المهن الحرة بين الطوائف كافة، من محاميات وطبيبات وكيماويات وقابلات وقانونيات وممرضات، فضلاً عن الصحفيات، والمعلمات، وعدا التاجرات، والكاسبات، فرأين أن الحاجة أصبحت ماسة للقيام بسعي يقصد منه اتحاد النساء العاملات الكاسبات لخدمة والوطن ومساعدة المحتاجات للكسب على إيجاد أعمال لهن تناسب استعدادهن وبيآتهن، فأسسن نقابة المرأة العاملة، وتوخين فيها أيضاً العمل والتعاون على ترويج المصنوعات والمنتوجات الوطنية وهكذا تداوي هذه النقابة الأزمة الاقتصادية وتوفير الكسب لصاحبات الصنعة العاطلات من
جهة وبالسعي لرواج مصنوعاتهم الوطنية وسائر منتجات الوطن من جهة أخرى، ثم أنها تستفيد في الوقت نفسه من القوة النسائية التي تحصل عن اتحاد العاملات وتستخدم هذه القوة لنيل المرأة حقوقها كاملة. وبهذه الواسطة تخطو المرأة في بلادنا خطوة جديدة، فتنتقل من دور الأقوال إلى دور الأعمال. على أنه إذا صح وجود عقم في أعمال المرأة التي قامت بها حتى الآن فسببه بقاؤها تحت وصاية الرجل واستمرار حرمانها من الحقوق التي تتمتع بها شقيقتها في البلاد الراقية ومن البديهي أن تأتي آثار القاصرات قاصرة. فإذا أردنا أن نطالب المرأة بما يترتب عليها من واجبات الهيئة الاجتماعية كان علينا أن نطالب أنفسنا قبل ذلك بالتخلي عن حقوقها كاملةً لأن إشراك المرأة في هذه الواجبات ومحاسبتها عليها من شأنهما أن يشحذا مواهبها، ويثقفا مداركها تثقيفاً تعجز دور العلم عن إدراكه، تثقيفاً يؤهلها لخدمة قومها وخدمة الإنسانية في شؤون كثيرة يقصر الرجل عن مجاراتها فيما وإنّ شريعة البلاد كما أن تاريخنا القومي يساعدنا أشد مساعدة على تمتع نسائنا بالحقوق المنشودة. فكما إن الشريعة الإسلامية جعلت المرأة صنو الرجل فأجازت لها الاستقلال في أموالها وأملاكها، وسمحت لها بتعاطي الأعمال الاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة، وخولها الحق بتولي الأعمال العامة كالقضاء وغيره، فأن تاريخنا العربي أرانا أمثلة كثيرة على الأدوار الاجتماعية والسياسية التي لعبتها المرأة: فقد اشتركت في الأحزاب السياسية وفي الحروب والثورات، وزاحمت الرجل على تولي الزعامة الحركة الفكرية، كما زاحمته في الأسواق التجارية. ولقد استبشرنا خيراً كثيراً للخطوة الجديدة التي سلكتها المرأة في هذه البلاد لما هو معلوم من ارتباط كرامة النساء بالاستقلال المالي وبتنا نترقب نجاح هذه الخطوة نجاحا للمطالبات بالحقوق. ولكن بلوغ هذه الأماني لا يزال يتوقف على اتجاه جديد آخر ننتظره من نسائنا العناية به وقبل الإشارة إليه اسمحوا لي يا سادة أن اطرح عليكم سؤالا بهذه المناسبة طالما ساءلت نفسي به، وهوان المرأة السورية، ولاسيما في لبنان، أصبحت تتمتع بخط كبير من التربة والثقافة، وصار في عدادها جمهور غير قليل من صاحبات الشهادات العليا والتخصصات كما رأينا رأي العين في الاجتماعات التي توالت لتأليف نقابة المرأة العاملة. ومع ذلك فانا نرى عجباً إذا ما عمدنا إلى المقابلة بين ما بلغة نساؤنا من الحقوق وبين ما استحوذت عليه من ذلك
نساء أمم شرقية وغربية، نسبة المتعلمات بينهن دون نسبة المثقفات لدينا، اجل نرى عجباً إذ نجد نساء تركيا والهند والبلقان وبعض الممالك ألاتينية والسلافية وكذا نساء الصين يتمتعن بالحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية، على أن نساءنا بقين محرومات من معظم هذه الحقوق. هذا سؤالي وإذا سمحتم بان أكفيكم مؤنه الجواب عليه فأقول: ليس السر في ذلك أن نساء لأمم الأخرى اللاتي تمتعن يتلك الحقوق بلغن ما بلغته بفضل رقي المرأة وإلحاحها بالمطالبة بحقوقها فحسب، كلا فأن المرأة الغربية جاهدت مدة جيل في سبيل الحصول على المساواة مع الرجل ولكنها لم تحظ بهذه الأمنية في معظم الدول الكبرى إلا فجأة بعد أن كان صوتها قد خفت وكانت قد انصرفت عن الافتكار بهذه المساواة. ذلك لان الرجل الذي كان ينكر على المرأة حقها قبل الحرب العامة لم يلبث أن استسلم لشقيقته بعد انتهاء هذه الحرب وساعدها على بلوغ حقوقها كرة واحدة ولم يكن هذا التساهل يأتيه الرجل عن انقلاب علمي في عقيدتهم، كلا، بل حدث عن براهين حسية قدمتها المرأة أثناء الحرب ساكنة صامتة بما بذلته من خدمات جلى لأوطانها، براهين لم يسع الرجل المعترف بجميل المرأة إلا إن يقنع من بعد بصواب مطالبيها وصحتها وكذلك كان شأن المرأة التركية فان ما بذلته في الثورة الكمالية من المظاهرة لها وتأييد مباديها أوصلها إلى حقوق مدنية وسياسية ما كانت لتنالها في نصف جيل لو اقتصرت على المطالبة المجردة. ويقال مثل ذلك عن المرأة الهندية التي ساوت الرجل مساواة كاملة في الحقوق العامة. فان مظاهرتها للرجل قي الجهاد الوطني كانت أعظم مساعد لها على التمتع بهذه المساواة. ولقد ذكرتني بطولة المرأة الهندية ببطولة المرأة العربية في صدر الإسلام فأن عجوزاً هندية مسلمة فجعت أخيراً في ثورة غندي بوحيد لها فازرفت دمعات حارة على وجنتيها الجعديين. ولما حاول صحبها أن يطيبوا خاطرها قالت ولست احزن على فقد وإنما اذرف الدمع آذ لم يبق لي ولد آخر يستمر بعده على خدمة الوطن ثم يبذل نفسه فداء للوطن
سيداتي - تلك هي السبل التي سلكتها المرأة في الأقطار الأخرى فبلغت بها حقوقها كاملة، وتلك هي السبيل التي يجدر بسيداتنا أن يسلكنها لنيل ما نالته نساء العالم من الحقوق: فأن مظاهرة وطنية واحدة تظاهر المرأة فيها الرجل تجعله يتأهب للتخلي عن حقوقها أشد من ألف خطاب يصفق له بيديه مجاملة، ويغلق فؤاده دونه استنكاراً. وأني إذا خصصت
الوطنية بالذكر والعناية بالوطنية فلا أقصد بذلك دعوة سيداتي للتخلي عن واجباتهن الأخرى وإنما أخصها بالذكر لأن المرأة غافلة عنها حتى كأني بها تحسبها من واجبات الرجل وحده. على حين أن اهتمام المرأة بالوطنية يؤمن مصلحتها ومصلحة الوطن أيضا سياسياً واقتصادياً. مثلا فان مصدر خراب هذه البلاد أاكتساح المصنوعات والمحصولات الأجنبية أسواقنا بينما نحن عزل عن أسباب الدفاع، وما العدة للدفاع في هذا الميدان الاقتصادي إلا النعرة الوطنية فلو أن التعصب الوطني متأصل في نفوس نسائنا تأصله في نساء فرنسة وألمانيا لكان يتاح لنا أن ندفع عن أسواقنا الجارف الأجنبي بما للمرأة في الأوساط الاجتماعية والعائلية من تأثير عظيم، فكم جرّبنا يا سادة أن نقاطع البضائع الأجنبية وكم جربنا أن نعمل على ترويج المحصولات الوطنية وكنا مع ذلك نفشل على الدوام وعبثا ننجح في الآتي إذا لم تشعر المرأة قبل الرجل شعوراً عميقاً بوجوب هذه المقاطعة فتشعر الأمة بأسرها من ورائها. وفضلا عن كل ذلك فانا لنرتجى من عناية المرأة في الوطنية فائدة جلى من حيث تأليف رأي عام. فأن بلاداً كبلادنا تعددت فيها الطوائف وتنازعت فيها الأهواء جعلت حكم الرجل في الشؤون العامة يأتي على الأغلب مطبوعاً بطابع المصلحة، وإما كان نساؤنا لايزلن مترفات عن المصالح الشخصية والطائفية فمن المنتظر أن تكون أحكامهن وأفكارهن أشد تقارباً وأكثر إنصافاً، وتكون من ثم أقوى على تأليف رأي عام.
محمد جميل بيهم