المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أدب الغرب - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٤

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌من أدب الغرب

‌من أدب الغرب

الجندي شوايك

في طريقه إلى السماء

مقتبسة عن قصة للكاتب التشيوسلواكي هاتشيك

(الجندي (شوايك) يصعد وحده إلى السماء ثم ينضم إليه (ماريك)، كلاهما باجنهة. على أبواب السماء كان ملك يقوم بالحراسة. وبعد برهة جاء جنديان انكليزيان.)

الملك الحارس: - من هناك؟ فق.

الجندي الأول (بالانكليزية): - وقعت في حرب (غاليبولي).

الجندي الثاني: - قضيت من الجوع في سورية.

جندي أفرنسي (ظهر فجاءه وقال بالا فرنسية): - تطايرت أعضائي في الهوء عند (فردون)(وأشار إلى رجله المقطوعة)

الملك الحارس: - انتظروا قفوا بالترتيب فان الزحام شديد اليوم والجنود داخل المحل مكدسة بعضها إلى بعض (كالسردين).

جندي آلماني: - غريق في غواصة.

جندي طلياني (في هياج): - طار رأسي في (ايزونزو)

جندي روسي: - أصيبت يدي ورئتي في (غاليسيا)

الملك الحارس: - انتظروا جميعاً

الألماني (مخاطباً الروسي): - يظهر أنه كان لك رئة حسنة، قوية أيها الرفيق.

الإنكليزي: - رئة تصلح للرياضة البدنية

الأفرنسي (مخاطباً الطلياني): - أسفاً على رأسك الروماني الجميل.

الألماني (إلى الأفرنسي): سفاً على رجلك القوية

الأفرنسي: - حقا لقد كنا جميعاً في رجلك القوية

الملك: - أسكتوا لا تشاغبوا هنا

(بين الجنود الكثيرين الذين يصلون زرافات ويتزاحمون على أبواب الجنة وأكثرهم بدون رأس كان يرى (شوايك)(وماريك) أيضاً. ومن بعيد كان لايزال يسمع صوت المدفع)

ص: 57

شواك: - أين نحن؟ لقد طال الوقت كثيراً. يظهر أن الأقدار رمت بنا مرة أخرى في سحن أو مكان رسمي لآخر في إدارة الحكومة الإمبراطورية - الملكية النمساوية - المجرية

ماريك: - ولكن هناك بعض الفروق شوايك: - المحل الرسمي يبقى محلا رسمياً. انه دائماً نفس الشيء. من الإمام ترى الناس الذين يدخلون يدعو مظهرهم جميعاً إلى الاحترام ولكن من خلف تجدهم كلهم من الأنذال الساقطين. أنني أعرف جيداً هذه الدوائر الرسمية التي يقف على بابها حرس.

ماريك: - ولكن أنظر يا شوايك إلى هذا الحارس، أن له أجنحة حقاً ونحن أنفسناً أيضاً. (ويأخذ كلاهما في لمس جسمه).

شوايك: - صحيح مثل الإوز ولكن ماذا يضر ذلك. ويظهر أن السبب إنما هو لأننا أصبحنا من الأموات.

ماريك (بغضب): أنهم قد لحقوا بنا، إذن، هؤلاء الأنذال. وأنا كنت أعتقد بأننا وفقنا للفرار. شواك: - لا تشغل فكرك، يا ماريك بما نالك من موتة الأبطال، فأنه لو لم نكن نحن لكان غيرنا من الكثيرين. ولا مندوخة من أن يسقط كل يوم بضعة آلاف في ساحة القتال. لأنه بدون ذلك لا تسمى هذه الحرب حرباً حقاً ولا يمكن أن يبقى لها ذكر في التاريخ إلا بهذه الصورة. هكذا يجب أن يكون.

ماريك: - إنني أحتقر الحرب. شوايك: - ولكن لاحق لك في الهياج والغضب بسبب هذا القليل من موتة الأبطال ماذا يلحقك من ذلك؟ لاشيء. (بينما الجنود يتزاحمون وصلت سيارة وفيها قائد في زي غريب مع سائقه) السائق: - نحن على أبواب السماء يا حضرة القائد. ومن الصعب أن نجتاز الزحام. وكل هؤلاء من الجنود.

القائد: - هؤلاء الخنازير، يرون القائد ولا يفسحون الطريق ولا يقومون بالثحية العسكرية؟ السائق: - ذلك صعب عليهم لأن أكثرهم قد فقد رأسه.

القائد: - لا تتأخر عن دهس أحدهم، فأنهم حينئذ لابد أن يحيوا عن الطريق. مالى الإمام دمن أكتراث. (تقدمت السيارة بين جمهور العساكر وفتحت في طريقها الأبواب. شوايك يقبض على يد ماريك ويقول له: - تعال معي ولا فأننا ننتظر إلى يوم القيامة وتعلق الاثنان بالسيارة) (في الساحة وراء أبواب السماء)

ص: 58

ضابط الملائكة: - لتمر السيارة ولكن كيف جاء هذان الجنديان إلى هنا.

عريف الملائكة: - الأمر أعرف حقاً، كيف؟ شوايك: - أرجوكم يا حضرة الرئيس الملك لا تزعجوا نفسكم بالسؤال. إنني قد تعلقت بالسيارة لأننا ما كنا نريد الانتظار. والبقاء ساعات طويلة في قبر مزدحم بالأموات ليس مما يدعو إلى السرور يا حضرة الملك. وكان يجب أن تجربوا ذلك مرة بنفسكم قبل أن تخاطبونا بهذه اللهجة القاسية. حقاً أنه لم يحدث شيء ذو بال ولقد كنا في حاجة إلى هذا القليل من البعث بعد الموت الذي كان واعظ الجيش (كاتس) يتقن وصفه لنا في أحسن الصور. والجندي (ماريك) لا ذنب له في الأمر فقد أخذته أنا معي.

الضابط الملك: - يا عريف، خذ الاثنين إلى المحكمة العليا سنريكم البعث آيها النذلان.

(السير في السماء) ماريك: - صه ذلك مالا يمكن معرفته كنهه.

شوايك: - لقد تعلمنا ذلك منذ أيام المدرسة، يا ماريك اعدم معرفتك هذا. إن أوامر السماء وأعمالها لا يجوز البحث في كنهها. وهذا مثل أمر النظامفي العسكرية فانه إذا لم يعرف أحد لماذا أمر بعمل ما، قيل له هذا هو النظام الذي لا يجوز البحث فيه. وكذلك كل شيء في السماء.

العريف) وقد مر على زمرة من الجنود الملائكة. فصاح في وجه أحدهم وأخذ يضربه ويقول له:) ياثور أفتح فمك جيداً وأصرح (هاله لويا) هل في فمك حجرة أي ثور أدخلك إلى الجنة، يا حمار، يا بليد أصرخ مرة أخرى. الجندي الملك يصرخ) هلا له هلويا.

العريف: - يقولون ها له لويا يادب لماذا تجعر هكذا، يابغل مرة أخرى الجميع سوية. ماريك: - حقاً أنها نفس الحالة المؤسفة مثل عندنا.

شوايك: - أن هذا يعجبني جداً يجب أن يكون الأمر هكذا في غاية الانتظام. (يخاطب العريف (إلى أين نذهب الآن العريف: - إلى القائد الأعلى. (غرفة يظهر فيها مثال القائد العام على حائط بكامله. رعد وبرق.)

القائد الأعلى) بتكلم بآلة تصغير الصوت) الجندي جوزيف شوايك من الشاة رقم 91. والجندي ماريك.

أيها الجندي شوايك، كيف تأتي إلى الحكمة العليا في اللباس العسكري الروسي وأنت جندي

ص: 59

نمساوي؟ بماذا تدافع عن نفسك؟

ماريك (متسائلا): - غريب جداً، كنت اعتقد دائماً أنه لا قيمة للزى الرسمي في السماء وأنه لا يوجد هنا إلا بشر لا تفريق بين قوميتهم.

شوايك (مخاطباً ماريك): - ذلك لأنك من المتعلمين البهاء. (يخاطب القائد الأعلى) معذرة، يا حضرة القائد الأعلى، أن الرجل سمع محاضرات من الماسونيين قد أفسدت عليه فكره. (يخاطب ماريك) هل تتظاهر بالبلادة أم حقاً لأتعرف أن أحيانا تلك تتال الحظوة في السماء؟ ولذلك فقد كان الجميع من إنكلترا إلى اليابان يتسابقون في العبادة والدعاء بانتصار جيوشهم. أو لم تفهم لماذا يعتنون وتدريب هذه الجيوش من الملائكة في السماء، كما رأيتها قبل حين في الساحة؟

القائد الأعلى: - (وقد ظهر عليه بعض التردد) دعنا من هذا. أنك لأتفهمه.

شوايك: - أفهم جيداً، يا حضرة القائد العام، أن ذلك مما لا يجوز البحث في كنهه وكفى القائد الأعلى: - قلت يجب عليك أن لا تتكلم في ذلك، يا شوايك. وألا فضل أن ننظر الآن في ورقة الضبط. (يتقدم أحد الضباط بالورقة ويقرأ عنوانها) مغامرات الجندي الصالح شوايك - أنك، إذن، قد سجنت في بلدية الحرب العامة لتفوهك بآراء تستشم منها الخيانة الوطنية. ولكن ظهر من بعد أن في الأمر التباساً وسوء تفاهم ثم دخلت في الجيش كرجل غير صحيح البنية وصرخت في طرقات (براغ): هيا إلى بلغراد مما كان السبب في اشمئزاز الجميع. على أنك في الحقيقة لم تقصد مخالفة الرأي العام بل كنت ترمي إلى غاية وطنية. ثم سرقت كلباً - ولكن حباً في قائدك. ومرة شددت على آلة الخطر - وإنما سهواً منك. وأخيراً فتشت على كتيبتك ولكنك لم تجدها. أليس كذلك؟ شوايك - إن ذلك صحيح. فأنني لم أستطع، مع كل ما أعطيته من شجاعة أن أتقدم إلى جبهة الحرب.

القائد الأعلى: - أنت تعترف، أذن بكل شيء ولا تمتنع عن التوقيع على ورقة الضبط. شوايك: - أمراً سيدي إذا أردتم جلالتكم فأنني أوقع بكل سرور. ولكنكم إذا قلتم: يا شوايك، لا توقع على الورقة وتمسك بالأفكار فأنني أصر، حينئذ، على النكران ولا أرجع عن رأيي ولو رأيت الشيطان. أنني أعمل كل ما يطلب مني.

القائد الأعلى: - يأبني شوايك، قل أنك جندي صالح ورغم ذلك فقد حدثت لك كل هذه

ص: 60

المصائب. إنك دوماً كنت تعمل غير ما تريده، فكيف ذلك؟

شوايك: - يا حضرة القائد، ذلك يؤلمني ويحزنني جداً ولكنني منذ الصغر كنت قليل الحظ. كنت دائماً أقصد الخير ولكن النتيجة كانت تأتي على العكس على أن هذا يحدث مع الجميع. وأرجوك، يا حضرة القائد أن تقول لي بشرفك أليس الأمر معك أنت أيضاً كذلك؟ ماريك: - مرحى لك، يا شوايك، لقد أحسنت وعرفت كيف تفحمه. أنه قد حدث معه ذلك في خلق هذا العالم وإدارته.

شوايك: - أسكت، أيها الفوضوي الساقط إنني لا أقصد ذلك أبداً.

القائد الأعلى: - الآن أيضاً أرك تقصد إلى غير ما تقوله. يجب أن تحسن التعبير عن التفكير بوضوح. أنه لا تقبل منك هنا معاذير وأهمية. ومن السهل أن أصبح شديداً، مخيفاً للغاية. أنك لا تعرفني وسوف تعلم عني شيئاً كثيرا، يا شوايك. ماريك: - أنه يتكلم مثل الضابط (بيكر) تماماً.

شوابك: - (يصفعه على وجهه) كيف تجسر على ذلك. حقاً إن هذا لعجيب. (يخاطب القائد الأعلى) يا للفضيحة انه لا يؤمن بكم، يا حضرة الأميرال. وهو لن يتأخر عن إنكار كل السماء لو أستطاع إلى ذلك سبيلا. وأنا كنت دائماً أقل له: لماذا أنت لست مؤمناً مثلي ألا ترى أن أوعظ الجيش يحق له أن يحبسك كأنه ضابط. وهذا يكفي ليثبت لك أنه يجب أن يكون هناك دين. وإذا سجنت ثلاثة أسابيع لتغيبك عن الصلاة فأنه يمكنك حينئذ، وقد أقصر طعامك على الماء والخبز أن تفكر في الدين. ثم لماذا يأتي البشر إلى العالم ويقضون نحبهم في البؤس والفقر يفتك بهم السرطان والسل وغيرهما من الأمراض الجميلة ولماذا تقوم الحروب وتع الكوارث الطبيعية الأخرى من الزلازل والمجاعات والإنفجارات لو لم السماء لمجازاتنا. أنه يجب فرض العقوبات علينا ولهذا وجدت السماء. أليس كذلك أيها القائد الأعلى؟

إنني لا أتزحزح عن عقيدتي وإيماني ولا أتأخر عن تقطيع جسمي أرباً في سبيل الله والإمبراطور. ومهما جرى فأنني لا أحيد عن القول، رغم ما تكتبه الصحف بأنه ليس جميلاً أن نرى بعض الناس منغمسين في الترف يلتهمون كل شيء دون أن يقوموا بأي عمل بينما يشتغل ويكد الآخرون حتى تنهكهم الأمراض من كثرة الشغل دون أن يتمتعوا

ص: 61

بشيء من ملذات الحياة ويقتصر نصيبهم على قليل من السل إنني لا أفتأ بوجود عدالة سماوية.

القائد الأعلى (وقد تزعزع موقفه): - يا شويك، كيف تخاطبني؟

شوايك: - كإنسان بسيط.

القائد الأعلى: - لو كنت في مكاني، أتراك تدير العالم أحسن مني؟ ماذا كنت تعمل ياشوايك؟.

(استراحة. رعد.)

شوايك: - إن ذلك بسيط جداً، أيها القائد الأعلى.

وقد تذكرت الآن قصة الحداد (دوبراقا) الذي سعى لانتخابه رئيساً للبلدية في (بوموستى) ثم لم يعرف ماذا يعمل وأخذ الموظفون من سكان المدينة وكاد الرجل يفقد عقله وأخذ يشعر بأن العجلات في دماغه تدور كأنها محركات طيارة فإنه طلب مشورتي ونصيحتي وسألني ماذا كنت أفعل لو كنت في مكانه؟ لقد أجبته قائلاً: إنني لو كنت مكانك لما زاحمت أحداً على الوصول إلى هذه الوظيفة.

ماريك:= (بإعجاب)، نعم، هكذا هو الأمر. إنني لا أعترف بالعدالة السماوية بل أنكر السماء كلها وأنكر نظام العالم. وأنكر كل شيء.

شوايك: - هذا ما يليق بك يا حمار! لماذا النكران؟ إنه لا يسبب لنا إلا وجع الرأس ومشاكل كثيرة. إن النظام لا بد منه ولا أرى ما يمنعني من السعي لأتمتع في السماء بالراحة كما فعل القائد نفسه. فإذا تم كل شيء حسب المراد فيها. وإذا فسد كل شيء فإنه يقول في نفسه: ماذا يهمني أمركم؟

القائد الأعلى) وقد صغر مظهره) إن ماريك رجل ملحد ولكنه شريف وصالح. يسمح له بالبقاء هنا. أما شوايك فيجب أن يخرج. أرجعوه إلى الأرض يجب أن يظل حياً، يعيش إلى الأبد ولا يسمح له بالدخول إلي فإنه ربما يفسد علي نظام السماء أيضاً.

تعريب كامل عياد

ص: 62