الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بول بنليفه
حملت إلينا الأنباء الأخيرة خبر وفاة العالم الكبير والسياسي المشهور بول بنليفه فكان لهذا النبأ وقعه العظيم في المحافل العلمية والأندية السياسية في الغرب عامة وفي فرنسا خاصة.
ولد هذا العالم الكبير في باريز سنة 1863 وكان أبوه رساماً من عمال المطابع فدخل المدرسة الابتدائية وظهر استعداده للرياضيات وهو لا يزال في الحادية عشرة من سنه، قال عن نفسه: قد درسني أستاذي في المدرسة الابتدائية كل ما كان يعرفه من مبادئ العلوم فحصلت مواد البكالوريا العلمية وعمري إذ ذاك 11 سنة ثم انه دخل مدرسة المعلمين العليا سنة 1883 وعمره 20 سنة فلما خرج منها اسند إليه تعليم الرياضيات في جامعة (ليل) وعمره 23 سنة ثم درس الرياضيات في استوكهولم سنة 1895 ثم عين محاضراً في جامعة الصوربون وعمره لا يزيد عن الثامنة والعشرين ثم انتخب عضواً في المجتمع العلمي 1900 ثم أستاذا في الصوربون 1905 ثم رئيساً لمجلس إدارة الرصد في باريز ثم رئيساً لمدرسة الصنائع والفنون وأستاذا في مدرسة الطيران أما حياته السياسية فلم تكن دون حياته العلمية نشاطاً فقد انتخب لأول مرة نائباً عن باريز سنة 1910 فتنقل في مناصب الدولة من وزارة إلى لأخرى حتى صار رئيساً للوزراء ثلاث مرات ورئيسا لمجلس النواب مرتين ووزيراً خمس عشرة مره وكان أثناء الحرب العامة مكلفاً بتنظيم الاختراعات المتعلقة بالدفاع الوطني.
1 -
بنليفه العالم
لقد كان نبوغ بنليفه العلمي شبيهاً بنبوغ باسكال من حيث سرعة شدته فقد بدأ بالاختراع وهو لا يزال تلميذاً فذاع صيته وانتشر اسمه في النوادي العلمية قبل أن يخرج من المدرسة. ثم توالت اختراعاته العلمية حتى صار من أئمة الرياضيات في العصر الحاضر. فمن المباحث التي أبدع فيها مسائل المنحنيات والسطوح الجبرية ومعادلات التفاضل وتطبيقات الجمل المتصلة مع التوابع، وتوابع القطوع الناقصة وغير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره هنا وقد نشر من الكتب بديهيات الميكانيك، ودروس الميكانيك التي ألقاها في مدرسة الصنائع وكثيراً من الرسائل التي تبحث في التوابع ومعادلات التفاضل وهو صديق هنري
بوانكارة وزميل (بول آبل) وله بدا لامبر ولا غرانج صلة فكرية لأنهم جميعاً من مذهب واحد هو مذهب ديكارت ومذهب إقليدس. وهذا المذهب يقتضى أن يكون المكان متجانساً لا نهاية له. ولذلك كانت الهندسة التحليلية التي اخترعها (ديكارت) لا تخالف مبادئ إقليدس بل تتمها وحساب التفاضل لا يخالف مبادئ الجبر الأولى بل يوسعها. وقد ظن بنليفه أن معادلات التفاضل التي اخترعها تنطبق على الكون. فلما علم بنظريات (آينشتين) في النسبية ومخالفتها لمبادئ نيوتن وإقليدس وقف في وجهها وقفة المدافع الجسور الذي يود أن يحافظ على الكون الإقليدسي. ولم يخضع لنظرية النسبية إلا يوم جاء آينشتين إلى باريز وألقى محاضرته في (الكوليج دو فرانس) وجاء بنليفه إذ ذاك واستقبله لا باسم العلم فقط بل بصفة السياسة أيضا وكان شارع المدارس المؤدي إلى الجامعة غاصاً بمجي الاطلاع الذين لم يجدوا لأنفسهم محلا داخل المدرج وقد شاهد الحاضرون كيف احتدم الجدال بين (آينشتين) وبنليفه وكيف أن هذا الأخير كاد ينقض نظرية النسبية لولا أن الموسيو (هادمارد) قال له: (ألا ترى يا صديقي انك تخلط بين زائد ر وناقص ر) فارتعش الحاضرون لاعتراض الموسيو (هادمارد) وصفر احد الجالسين في شرفات المدرج ولم يدر هذا الذي صفر انه هدم بتصفيره عالم ديكارت وزمان نيوتن وانه لم يبق اليوم بعد بنليفه من يستطيع أن يدافع عن مفاهيم الطبيعة القديمة وصور الزمان المجرد والمكان المطلق. الم يقل هنري بوانكارة قبل آينشتينأننا لا نستطيع أن نصور العالم بمعادلات التفاضل ولكن بنليفه لم يأبه لكلام هنري بوانكاره بل حاول الكشف عن حقيقة الوجود بمعادلات التفاضل فقال فيه هنري بوانكاره (لما رأيت بنليفه سائراً في هذه الطريق وددت أن أقول له قف هنا ولا تتابع سيرك لان مطلبك صعب المرتقى ولأنك ستصادف في طريقك جداراً لا تقوى على هدمه وفي الحق أن بنليفه قد وصل إلى هذا الجدار ولكنه استطاع أن يهدمه ويتابع سيره فأوصل الرياضيات القديمة إلى غاية ما يمكن أن تصل إليه قبل ظهور نظرية النسبية بعشر سنين يوم نشر كتابه في تحليل معادلات التفاضل (1895) ولكنه بعد الاجتماع بآينشتين اعترف بمبادئه الجديدة وطويت بذلك صفحة من صفحات التاريخ.
2 -
بنليفه السياسي
ولعل لانصراف بنليفه إلى السياسة علاقة بعجزه عن إقامة الجدار الذي هدمته نظرية
النسبية، فانصرف إلى السياسة كما انصرف باسكال قبله إلى التصوف، واظهر في عالم السياسة نبوغاً لا يقل عن نبوغه في العلم ولولا وزارته التي ألفها قبل وزارة كلمنصو أثناء الحرب العامة لما تم لفرنسا الظفر فهو الذي ولى (فوش) و (به تن) القيادة العامة كما ذكر ذلك في كتابه:(كيف وليت فوش وبه تن قيادة الجيش) وهو الذي نظم صنع السيارات المصفحة وغيرها من الاختراعات الحربية ثم خلع قسطنطين ملك اليونان بواسطة الجنرال ساراي وحاصر ممالك أوربا الوسطى وساعد ايطاليا بعد موقعة (كابوريتو) وحمل انكلترا على تصريحها القائل أنها لن تتخلى عن فرنسا حتى نهاية الحرب واستخدم جميع ملكاته العلمية في نجاح سياسته فنظم الطيران في فرنسا بعد الحرب العامة ونظم الخدمة العسكرية وكان في جميع الوزارات التي تقلدها موضع إعجاب الذين عرفوه لجلده على العمل وشدة صبره حتى قيل عنه انه جبار لا يعرف التعب وقد رشحه الحزب الراديكالي سنة 1924 لرئاسة الجمهورية فلن يفز في الانتخاب لتكاتف أحزاب اليمين مع الاشتراكيين ضده وقد كان بالرغم من بعض أعماله التي أبعدت الاشتراكيين عنه ديمقراطياً محباً لبلاده ومحباً للشعب والإنسانية فلا عجب إذا قرر المجلس الوطني أن يدفنه في البانتئون مع العظماء هذا هو الرجل الذي فقده العالم في أواخر الشهر المنصرم وخلد اسمه تاريخ العبقرية مع الخالدين.