المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العائلة في أفريقيا الشمالية - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٦

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌العائلة في أفريقيا الشمالية

‌العائلة في أفريقيا الشمالية

ألقى الأستاذ مونيه المدرس في جامعة باريز محاضرة في اليوم الخامس عشر من هذا الشهر في مدرج الجامعة السورية الكبير في دمشق موضوعها العائلة في أفريقيا الشمالية ولقد بدأ المحاضر بتعريف العائلة في أفريقيا الشمالية وعلى الأخص في بلاد الجزائر التي أقام فيها زمناً طويلاً كما ذكر فوصف بعضاً من الأوضاع الاجتماعية لدى القبائل موجزاً البحث في الفوارق القائمة بين أهاليها وبين سكان المدن معتبراً أن الصفة الخاصة التي تمتاز بها العائلة في أفريقيا الشمالية هي السلطة الأبوية التي كانت تتصف بها العائلة الرومانية القديمة وضرب على ذلك أمثلة كثيرة ذكر التشابه بينها وبين ما يمكن ذكره من الأمثال في البلاد الإسلامية الأخرى أو جميع البلاد القائمة على شواطئ البحر المتوسط مستخلصاً من ذلك أن العائلة الأبوية التي تمتاز بسلطة الأب الذي هو رئيس العائلة وخضوع جميع أفراد العائلة وأولادهم وأحفادهم متزوجين أو غير متزوجين لهذه السلطة التي تؤلف في بلاد الإسلام الشكل العائلي الخاص بالأقوام الإسلامية وتختلف اختلافاً واضحاً عن العائلة الأوربية التي لم يبق فيها اثر لتلك السلطة الأبوية. ثم تطرق إلى البحث عن المرأة وخضوعها لحكم الرجل، ضارباً على ذلك أمثلة كثيرة شاهدها جميعها كما ذكر في بلاد المغرب وقد فسر هذه الأمثلة التي ذكرها فقال أنها ترمي جميعها لوجوب خضوع المرأة لزوجها خضوعاً تاماً مطلقاً وعلل ذلك بأن العائلة الأبوية تتطلب هذا الخضوع إذ أن النظام العائلي لا يتم في العائلة الكبيرة إلا بخضوع المرأة لزوجها وخضوع الزوج لأبيه أو لجده خضوعاً تاماً تنشأ عنه السلطة الأبوية المتمثلة في شخص رئيس العائلة الأكبر وحاكمها الفرد. وقد ختم المحاضر بحثه بعد أن أتى على ذكر صفات كثيرة تفرق

هذه العائلة الإسلامية عن العائلة الأوربية ببيان الوحدة في الصفات المتشابهة بين العائلة الأوربية والعائلة الإسلامية معدداً أمثلة كثيرة على ذلك شاهدها وقرأ عنها في البلاد الفرنسية مستخلصاً من ذلك أن الفوارق وان تكن كثيرة فان هنالك من التشابه في النظام العائلي والعادات والأخلاق ما يسهل التفاهم بين الفريقين ويساعد عليه.

هذا ملخص ما ذكره الأستاذ مونيه في محاضرته وان وجوه النقد على هذه المحاضرة كثيرة أتاح لنا أحد الاجتماعات التي حضرناها في جمعية مقايسة الحقوق في باريز منذ سنتين أن

ص: 71

نوجه أهمها إلى الأستاذ مونيه نفسه بعد أن انتهى من إلقاء هذه المحاضرة نفسها على جمع من أساتذة باريز والمتشرعين فيها. ووجوه هذا النقد يمكن تلخيص أهمها بما يأتي:

إن الأستاذ مونيه وهو أستاذ في التشريع لا في علم الاجتماع لم ينظر إلى العائلة كوضع اجتماعي فيصف قبل كل شيء المراحل التي اجتازتها العائلة منذ القدم فهو يتكلم عن العائلة كما كانوا يتكلمون عنها قبل أن يكون لعلم الاجتماع قواعد وأسس مقررة لا محيد عن الرجوع إليها في درس الأوضاع الاجتماعية. فالعائلة الإسلامية كغيرها من العائلات اجتازت مراحل كثيرة في مختلف البلاد الإسلامية لابد لمن يعالج هذا البحث من الاطلاع عليها حتى لا يتسرع في حكمه تسرع الأستاذ مونيه، وهنالك فوارق كثيرة بين العائلة في المدن والقرى ولدى الإعراب المتحضرين والبدو الراحلين لابد من ذكرها أيضاً حتى يمكن وصف الصورة صحيحة كما هي فليس من الصحيح أن يحكم بان الصفة التي تميز العائلة الإسلامية عن غيرها هي السلطة الأبوية كما هو الحال في العائلة الرومانية القديمة، فالمرحلة الأخيرة التي اجتازتها العائلة الإسلامية في المدن حتى أصبحت تتألف من الزوج والزوجة والأولاد مستقلين عن العائلة الكبيرة لا تفرق بشيء عن العائلة الأوربية. وإذا وصلت العائلة الإسلامية إلى هذه المرحلة الطبيعية من مراحل التطور الاجتماعي فليس معنى ذلك أنها أصبحت غربية وغير مسلمة. والأغرب في محاضرة الأستاذ مونيه أن يذكر حادثاً من الحوادث الاجتماعية شاهده في شمال أفريقيا ثم لا يلبث أن يقول أن هذا الحادث موجود في جميع البلاد الإسلامية دون أن يؤيد ذلك بالأوضاع الاجتماعية الموصوفة في بقية البلاد الإسلامية المتعددة الأقطار المترامية الأطراف.

لقد ذكر مثلاً أن ذبح الضحية قبل دخول العروس إلى بيت زوجها هو من التقاليد التي لا محيد عنها في بلاد المغرب وهكذا الأمر في بقية البلاد الإسلامية مع إننا لم نقع على أثر لهذه العادة عند المسلمين في سورية إلا عند قبائل البدو الراحلة أو عند بعض الأعراب الساكنين في المضارب وهنالك أمثلة أخرى ذكرها المحاضر الأستاذ مونيه وخصصها بالبلاد الإسلامية دون أن يتحقق منها فكانت مجالاً لعجب من حضروا محاضرته ولقد عجبنا مع من عجب ونحن نستمعها في دمشق كما عجبنا ونحن نستمعها في باريز كيف أنه يعمد إلى هذا التعميم السريع دون أن يؤيده بالحادثات الاجتماعية ويضرب عليه الأمثلة

ص: 72

الراهنة.

يشكو علماء الاجتماع في هذا العصر وعلى رأسهم بوكله وفو كونه وليفي برول من أساتذة جامعة الصوربون مما يلقاه علم الاجتماع الصحيح من المصاعب بسبب هذا التعميم العاجل قبل التحقيق والبحث، موصين تلامذتهم في كل وقت وحين بإتباع قاعدة سلفهم دور كليم شيخ علماء الاجتماع، تلك القاعدة التي تحظر التعميم في الأبحاث الاجتماعية إلا إذا تقدمه الاستقراء الدقيق والأدلاء بالبراهين ووصف الحادثات المختلفة متشابهة أو غير متشابهة مع ضرب ما يؤيدها من الأمثلة الحسية الراهنة. ولا نعرف كيف يرضى الأستاذ مونيه أن يقدم في محاضرته على ما يشكو منه أساتذة علماء الاجتماع ويرون فيه كل الخطر. علي أن في إلقاء هذه المحاضرة في دمشق كثيراً من الفوائد العلمية والاجتماعية تدعونا لشكره على ما بذله من السعي في سبيل العلم والمتعلمين.

ك. د

ص: 73