المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القراءة والحياة القراءة والحياة خلاصة مقال نشره (أدمون جالو) في صحيفة الطان - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٩

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌ ‌القراءة والحياة القراءة والحياة خلاصة مقال نشره (أدمون جالو) في صحيفة الطان

‌القراءة والحياة

القراءة والحياة

خلاصة مقال نشره (أدمون جالو) في صحيفة الطان الفرنسية

يدعو فن النقد لتقسيم القراء لدرجات، وإذا ابتدأنا بالدرجة الأخيرة، نلقي قراء الأخبار المحلية الذين لا يودون إلا معرفة ما صار حولهم وما وقع في جوارهم، ويأتي في الدرجة التي فوقها القراء الذين يقرأون لأحياء عامل التأثر في نفوسهم، ويدخل عادة في هذه الطبقة النساء والشبان ويتبع هؤلاء الذين يقرأون ليستفيدوا ويتعلموا ثم الذين يقرأون ليتلذذوا بجمال الأسلوب وبراعة الإنشاء. وليس بين هؤلاء جميعاً من يصح أن يطلق عليه اسم قارئ، لأن القارئ الحقيقي في نظرنا هو من يقرأ ليعيش أكثر من مرة واحدة وإن هذه الرغبة التي هي ثورة على طبيعة الحياة ونظامها قد يكون ما يفسر برغبة الابتعاد عن الحقيقة والواقع والتخلص من السآمة التي تورثنا إياها الحياة التي نحياها في كل يوم. ولكن الحقيقة غير ذلك فمظاهر هذه الثورة النفسية هي مظاهر تستتر تحتها غاية سامية شريفة من شأنها أن تحدو بالذات لمعاناة المصاعب والانغماس في تجارب الحياة العديدة والتوصل لمعرفة أشياء كثيرة لا تساعد طبيعة الكون على الوصول إليها. فقراء شكسبير ومونتيين وبول فيفال مثلاً لهم صفة عامة تجمع بينهم وهي رغبتهم بأن يزيدوا في عدد الحياة الواحدة التي يحيونها لأن ما تمنحه الطبيعة لهم من المدارك في كل يوم مما يجري حولهم لا يطفئ ظمأ نفوسهم وهم يعرفون أن ما يستطيعه الإنسان محدود بسيط فيأسفون لذلك ويتألمون من جرائه.

حينما رسم ميشيل آنج في سقف قاعة سيكستين أولئك الأنبياء المنصرفين إلى القراءة والذاهلين بها عن سواها، أولئك الأنبياء الذين لا يستطيع ميشله أن يتكلم عنهم إلا ويضطرب صوته بالبكاء فإنه لم يخطئ بتقديره أهمية العمل الذي صورهم منصرفين إليه ومأخوذين به عن أنفسهم. لقد كان يعلم ولاشك أن أسمى ما كان يرمي إليه ذلك العصر هو تخليص الإنسان من الطراز الوحيد الذي يعيش عليه وإفهامه أن هنالك عيشاً أخر يجب اكتشافه ومعرفته. وهذا أعظم ما رمت إليه مدرسة أثينا وفلسفة الإغريق القدماء ولقد جاء عصر التجدد الغابر من بعد ذلك يعارك ويجالد ليوسع في الإنسان مداركه وتجاريه فيفسح

ص: 71

مجالاً كبيراً في قلبه لعاطفة البشرية وفكرتها الواسعة المترامية الأطراف ولكنه لم يستطع أن يغير من طبيعته شيئاً كثيراً. على أن أقرب ما يساعد على الوصول إلى تلك الغاية التي عمل لها الأقدمون ومن جاء من بعدهم هي القراءة أيضاً والقراءة التي أقصدها هنا هي القراءة الحقيقية التي تزيد في تجارب العيش وتنميها بدلاً من أن تقوم مقامها.

ك. د

موت اللغات

خلاصة مقال نشر في مجلة لموا الشهرية

نشر المسيو فاندريس عضو المعهد العلمي الفرنسي والأستاذ في الصوريون مقالاً ممتعاً في مجلة الدروس والمحاضرات الفرنسية عن موت اللغات قال فيه ما ملخصه: إن اللغات تموت إذا لم يبق من يتكلم بها وهذا كثيراً ما يصيب اللغة التي تضمحل بعامل لغة أقوى منها تستولي عليها فتغمرها وتبتلعها كما وقع للغة البروسية القديمة واللغة البولابية اللتين خنقتهما اللغة الألمانية وقضت عليهما تماماً وهكذا شأن اللغة الغالية أيضاً تجاه اللغة الفرنسية التي أبادتها وهضمتها فإذا التقت لغتان تموت الضعيفة الفقيرة منهما شأن تنازع البقاء ولكن من أين ينشأ هذا الضعف والتأخر اللذان يجعلان هذه اللغة دون اللغة الأخرى ومن هو الذي يحدد ويعين مكانتها الاجتماعية بالنسبة للغة الثانية التي تناظرها؟ يقول الأستاذ فاندريس أن لذلك أسباباً وعوامل كثيرة من أهمها أن إحدى هاتين اللغتين تكون أغنى وأقدر من الثانية على إيضاح ما يجول في نفس المتكلم بها ولذلك تصبح الثانية في نظر المتكلمين دون الأولى التي تتقدم عليها بصرف النظر عن قيمة اللغة ومكانتها بحد ذاتها فاللغة اللاتينية واللغة اليونانية القديمة رغم مجدهما القديم ومكانتهما التاريخية والذاتية تلاشياً أمام اللغة الانكليزية والفرنسية وكذلك اللغة الغالية فهي لغة ذات مجد وآداب وأن تكن شفهية فهي غنية لكنها لم تستطع أن تقف طويلاً أمام اللغة اللاتينية التي غمرتها وأبادتها بسبب أنها لم تكن لتعادلها وتساويها في مجدها الأدبي واستطاعتها على إيضاح ما يجول في نفوس أبناء العصر ومجاراتها للفكرة العصرية ومكانتها العالمية التي نشأت عن ذلك فهي قد استغوت الكثيرين من الفاتحين الذين انصرفوا إليها لما رواه في معرفتها من حسنات مادية ومعنوية ولما أورثهم الإطلاع عليها من تيه وفخر فبقيت اللغة السلتية بعد

ص: 72

ذلك خاصة بالطبقة العامة الجاهلة من الناس وكادت أن تنحصر بهم وحدهم. واللغة العامية هي دائماً دون اللغة الأدبية التي يتكلمها كبار الناس وأصحاب المكانة العليا والمثقفون في الأمة ولذلك فاللغة العامية لا تلبث أن تضمحل وتترك المكان للغة الأدبية التي تصبح أقوى وأشد منها وذلك لأنها أي اللغة العامية، لغة لا ثقافة ولا تاريخ ولا آداب مكتوبة لها ثم أنها لم تؤلف وترتب بصورة يستطيع المتكلم بها أن يوضح عن جميع ما يخامر نفس الرجل المتعلم من أفكار وصور ومعان وهي منحصرة أيضاً بأشياء ومعان خاصة تقوم في نفس الرجل العامي الجاهل وجميعها تتعلق بالحياة المادية العلمية والتي تعود أكثر ما يكون للقرى والأرياف وهي تستطيع بهذه الميزات والصفات أن تبقى ثابتة وأن تعيش طويلاً ولكنها لا تستطيع أن تجاري لغة المثقفين المتعلمين من الطبقة العليا في الأمة تلك اللغة التي هي أوسع في التعبير عن الفكر وأغنى في إيضاح ما يجول في النفس من شتى المعاني والصور ومما تقدم يتضح أن هنالك عراكاً يكاد لا ينقطع بين اللغات والغلبة دائماً تتم للقوية على الضعيفة هي التي يتكلمها عدد قليل من الناس بالنسبة للأخرى وجلهم من رجال الطبقة العامة. وتموت اللغة حينما يشعر المتكلمون بها بعدم الحاجة إليها وعدم الميل والإرادة للتكلم بها لعجزها عن إيفاء جميع ما يريدون قوله وينتج من هذا أن اللغة لا تعيش بذاتها بل تعيش بإرادة أبنائها وحرصهم عليها بالعمل في سبيل إصلاحها المستمر وجعلها وافية بكل ما يتطلبه تفكير العصر الذي يعيشون فيه ويذكر الأستاذ فاندريس لذلك أمثلة كثيرة نأسف لضيق المجال هنا عن إيرادها جميعها ويستنتج من مجمل تلك الأمثلة والشواهد أن اللغة لغتان لغة تحكى ولغة تكتب ولا يمكن مهما تقدمت اللغة أن تكون هي هي كتابة وتكلماً وأن هنالك خطراً متى تباعدت اللغة المحكية عن اللغة المكتوية فيجب دائماً السعي لتوثيق الصلة بين اللغتين وتقريبهما من بعضهما ما أمكن وذلك بإدخال ما صلح من اللغة المحكية في اللغة المكتوبة وهذا لابد عنه في تطور اللغة الأدبية فمن يحاول أن يكتب بالفرنسية مثلاً في هذا العصر بلغة فولتير الكاتب الفرنسي فلا مندوحة له وهو يعالج موضوعاً لم يعالجه ذلك الكاتب من إدخال بعض مصطلحات عصرية رغماً عنه تمثل الزمن الذي يعيش فيه فاللغة هي شيء ذو حياة فإن جمدت ولم تسر مع ما يتطلبه التجدد ماتت والويل للأمة التي تحاول أن تبقى بلغتها حيث هي فالزمن يتقدم جارياً مع

ص: 73

حركة الحياة الدائمة ثم لا تلبث الصلة أن تنقطع بين حركة الحياة وبين هذه اللغة فيقضى عليها بالجمود والموت. وهذا التجدد والإصلاح في اللغة لا يفيدان وجوب إبدال اللغة المكتوبة وجعلها كاللغة المحكية ولا يفيان لزوم الكتابة باللغة العامية لأن في ذلك ما يدعو لموت اللغة أيضاً كما تقدم فالإصلاح المنشود هو إصلاح اللغة المكتوبة بتوسيع مفرداتها وتحديد معانيها والمحافظة على تراثها القديم وهذا لا يتأتي إلا عن طريق الثقافة العامة فالثقافة وحدها هي التي يمكنها أن تحافظ على التوازن بين احترام القديم والحرص عليه وبين حب الجديد والأخذ بالأسباب التي يتطلبها العصر الذي نعيش فيه. والكاتب المثقف هو الذي يمكنه أن يوفق بين الحاضر القريب والماضي البعيد فيحبهما ويحترمهما معاً.

ك. د

ص: 74