المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحركة الفلسفية المعاصرة في مصر والشام - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٩

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌الحركة الفلسفية المعاصرة في مصر والشام

‌الحركة الفلسفية المعاصرة في مصر والشام

للأستاذ جان لوسرف - تعريب عز الدين التنوخي

تعرض الأستاذ جان لوسرف للبحث في

برنامج الدروس ونظام التعليم في دمشق وبيروت

وبيت المقدس وبغداد ثم قال:

إن مطبوعات التربية والتعليم كثيرة، كذلك كتب التربية الموجزة قد أخذ يزداد وعددها وكلا النوعين يقتبس من المطبوعات الأجنبية، وأما المجلات فأنا نذكر منها في بغداد مجلة التربية والتعليم التي ينشئها الأستاذ ساطع الحصري وهي مجلة تقتبس عن الانكليزية والأمريكية، وهي مطلعة على مجاري الإصلاحات الأخيرة المسماة بمقاييس الذكاء، وفي بيت المقدس مدير دار المعلمين الأستاذ أحمد سامح فقد نشر قبل ذلك في سنة 1928 بحثاً في التربية بعنوان (إدارة الصفوف)، وفي مصر نذكر علي فكري مؤلف كتاب في التربية الاجتماعية، وموجز في تربية الأحداث مرآة الأشياء وفيه كثير من الكلمات التي تستمد لمعجم المفردات. ومن المختصين بأبحاث التربية أحمد فهمي العمروسي الذي يعرف عنه ما أرسله إلى مؤتمر التربية المنعقد في القاهرة سنة 1925 من أبحاثه عن تربية الذوق ومحاضراته الأربع عن التربية القياسية بين البلاد اللاتينية والسكسونية.

إن موجزات التدريس منها ما هو تأليف مرتجل، وما هو تعريب منتحل، يمتاز به أدب الترجمة غي هذا العصر، ولا ريب في حكمنا على كلا النوعين بتأثرهما بالأدب الغربي، ومع ذلك فأن نجد المؤلفين الذين نذكرهم مرتبطين بحركة اللاتجدد، والمعربات تنقسم إلى قسمين: الأول قوامه الموجزات الأوروبية كموجز مبادئ الفلسفة تأليف رابويور وتعريب أحمد أمين وهو عبارة عن 176 صفحة منها تسع في علم النفس، ومثله ترجمة إسماعيل مظهر لمحاضرات جون تيودور، ومما عرب من ذلك في دمشق كتاب علم النفس لسعيد البحرة، فقد ترجمه عن وجيز طوماس الفرنسي.

والصنف الثاني تعريب المؤلفات الغربية التي يقصد بتأليفها تعميم التعليم كمؤلفات غوستاف لوبون التي نالت شهرة واسعة وحظوة لدى القراء كبيرة، وقد نقل منها الأستاذ طه حسين كتاب روح التربية، ومنها تعريب كتاب هيكل فلسفة النشوء والارتقاء بقلم حسن

ص: 41

حسين.

وثمت نوع من التعريب جدير بالذكر وهو المعرب عن أصل فرنسي أو انكليزي ومؤلف الأصل عربي، وهي حالة في التعريب غير نادرة الوقوع شأن أمين الريحاني الكاتب العربي الأمريكي، فأن تأليفه الانكليزي بخطورة العربي.

وفي حظيرة الفلسفة نذكر لطه حسين كتابه فلسفة ابن خلدون الاجتماعية الذي عربه محمد عبد الله عنان. وهذا الصنف من التعريب ليس عليه مسحة الاقتباس من الحضارة الأوروبية. وأن موضوع الأطروحة نفسه عبارة عن بيان موضع فلاسفة العرب في تاريخ الفكرة الإنسانية وهو غرض تأليف فلسفي آخر كبير القدر، أعني تاريخ الفلسفة لمحمد بدر عضو اكاذيمية ادمبرغ والمؤازر في المعلمة الإسلامية. ومن هذا التاريخ الذي ألف في الانكليزية ليس بأيدينا سوى تعريب حسن حسين - القاهرة 1911 - وقد ذكرناه في قائمة المؤلفات.

إن غاية المؤلف والمعرب المزدوجة بيان مابين الفلسفة الحديثة وبين العقائد الموروثة وفلسفة القرون الوسطى العربية من الاتصال فهي إذن الرجعى إلى الفكرة الأصلية للبلدان المشرقية. وهذه هي النزعة التي سنعرض الآن لذكر أهم ممثليها، وقد بين جيداً مركزهم في الخلاصة التي تقدمت مقدمة حسن حسين. ونحن نقتبس عنها عبارة أكمل بيان من بحث جميل صليبا على فلسفة نيقو ماخوس الأخلاقية المنشورة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. وهذا البحث هو شرح لنقل كتاب أرسطو من الترجمة الفرنسية لبارتلمي سانت هيلير، وقد نقله إلى العربية أحمد لطفي السيد.

إن حزب القديم يخضع لعاطفة طبيعية مشروعة حينما يحاول إيجاد التوفيق بين أحدث المعارف وعناصر الشعور القومي القديمة، وهو يرغب كذلك في العودة إلى درس فلاسفة الإسلام في العصر المدرسي. وتراه يرجو أن لا يجد في ماضي مدنيته عناوين مجد ونبل فحسب بل أن يجد حلولاً للمعضلات الحاضرة. إن المرحلة الأولى تقوم بتمجيد الأبحاث العلمية عن فلاسفة العرب وهو ما يلح أبداً في اقتضائه الأستاذ محمد كرد علي في مجلة المجمع العلمي العربي، لأنه لا يظهر كتاب حديث إلا نبه مؤلفه إلى أن في رجال العرب أناساً أحرياء بأن يكونوا عبرة لأحفادهم اليوم وعند العرب من هذه العلوم المادية والفلسفية

ص: 42

بحسب أعصارهم ما يجب أحياؤه، والتنظير بينه وبين ما عرف المحدثون من نوعه، فما كل قديم بال ولا كل جديد حال. وهذا النداء تلبيه مؤلفات حديثة كأطروحة الأستاذ جميل صليبا في بحث (ما بعد الطبيعة لابن سينا)، ولكن اتقتصر بعثة القدماء هذه على نبش بقاياهم وآثارهم النفسية؟ هذا ما ناقشه الأستاذ جميل صليبا في البحث الذي كتبه على كتاب الأخلاق لنيقو ماخوس، فقد عدد أحمد لطفي السيد معرب هذا الكتاب أسباب سقوط الفلسفة العربية، وبين أن الغربيين في هذا العصر يعرفونها أكثر مما يعرفها العرب أنفسهم، غير أنهم لا يدرسونها ليقتبسوا منها أصولاً. لأنها في نظرهم قد أصبحت من التاريخ ثم يسترسل في ذلك إلى أن نقول ما معناه: فإذا كنا اليوم نريد فلسفة مصرية تلتئم مع علمنا الحاضر فما علينا إلا أن نجدد الدرس لفلسفة أرسطو التي بنيت عليها الفلسفة العربية، وهنا يناقشه الأستاذ جميل صليبا ويخالفه في تفسيره الفلسفة العربية قائلاً ما معناه: لا ريب أن البلاد العربية في أشد الحاجات إلى فلسفة، ونحن لا نعارض في كونها يجب أن تتفق مع مطالبنا ورغائبنا، ذلك أن العصر الحاضر كما يقول ليبنيز ناهض بحمل الماضي وأعباء المستقبل معاً، غير أن المنفعة التي يجب الحصول عليها مجدداً من الفلسفة العربية هي منفعة تاريخية محضة، وأن هذه الفلسفة العربية لا ينبغي أن تبنى على الأسس التاريخية وحدها، إذ يعوزها أن تقتبس أيضاً من فلاسفة العصر أمثال ديكارت ولوك وليبنتز وسبينوزا وسبنسر ما يمكن أن يوائم البيئة، ونحن نعتقد أنا في الحقيقة على اتفاق تام مع المؤلف في الإعراب عن هذا الرأي، إذ ليست الفلسفة العربية في حملتها عبارة عن فلسفة أرسطو فحسب، فقد بينا في مبحث ما وراء الطبيعة لابن سينا تأثير أفلاطون عليها، كذلك يبرهن غوتيه في صدد البحث عن ابن سينا أن الاتصال بين مبادئ أرسطو وعقائد الإسلام قد كان الشغل الشاغل لفلاسفة العرب من ابن سينا حتى ابن رشد، وذلك مشاهد جداً في نظريتي العقل الفعال والفيض المتين اقتبسهما فلاسفة العرب من مدرسة الاسكندرية. . .

إن فلسفة ابن سينا قد ارتوت من معين التصوف، وذلك ما يؤيده ابن الطفيل في رسالة حي بن يقظان، وثمت من جهة أخرى طائفة من الفلاسفة كالمناطقة المتكلمين الذين يخالفون ارستطاليس في مسألة الجواهر الفردة، فإذا ما عددناهم من جملة فلاسفة العرب كانت فلسفة

ص: 43

هذه أعم وأشمل من فلسفة أرسطو، فلنا أن نقول إذاً أن فلسفته هذه ليست في الواقع إلا جزءاً من الفلسفة العربية.

إلى أن يقول: ونرى من جهة عملية أن رغائب أنصار القديم الحاضرة قد بردت جذوتها حتى في الحظيرة الخيالية من الفلسفة، ذلك أنها قد اقتصرت تقريباً على تأويل الفلسفات الغربية لكيلا تصادم العقائد الدينية والخلقية المهددة بأزمة نمو الفلسفة السريع.

إن نشاط الحركة الفلسفية يبدو في إنتاج الأبحاث المعدة للجمهور أقل مما تبدو في موجزات الفلسفة، وعلى سبيل المثال نذكر تاريخاً صغيراً للفلسفة تأليف حنا أسعد فهمي، وقد كتب مقدمته الأستاذ محمد فريد وجدي مؤلف المعلمة الموسومة بكنز العلوم واللغة، وهذه المقدمة تدافع عن الإسلام مؤيدة كونه لا يقاوم حرية الفكرة الفلسفية. وهذه الفكرة مشروحة في مؤلفات فريد وجدي مثل كتابه المدنية والإسلام وفي الوجديات ودائرة معارف القرن التاسع عشر وغيرها.

(يتبع)

جان لوسوف

ص: 44