الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
لاحقة سجل جمعية أم القرى
يقول (السيد الفراتي) : إنه بعد تفرق الجمعية بنحو شهرين ورَدَ إليّ من
الصاحب الهندي كتاب يذكر فيه أنه بعد مفارقته مكة المكرمة اجتمع بأمير جليل
فاضل من أعاظم نبلاء الأمة ورجال السياسة. فاستطلع رأي الأمير في شأن
النهضة الإسلامية، وبعد أن دار بينهما حديث طويل تحقق من خلاله سمو فكر
الأمير والتهاب غيرته، ذكر له اطلاعه على سجل جمعية أم القرى وأشياء من
مذاكراتها ومقرراتها فأظهر الأمير سروره من الخبر وشديد شوقه للاطلاع على
السجل الذي ذكره له فعندئذ وعده إعارته نسخة من السجل، ثم أرسلها إليه
وبعد أيام تلاقيا فدارت بينها المحاورة الآتية:
قال الأمير: أشكر لك أيها الصاحب هذه الهدية العزيزة ويا لذة ليلة أَحْييتُها
في مطالعة تلك المذاكرات الغنية التي لم أتمالك أن أتركها تلك الليلة حتى أتيت على
آخرها ثم في الأيام التالية أعدت النظر فيها بالتدقيق.
قال الصاحب: يظهر من عبارة مولاي الأمير استحسانه كيفية تشكل الجمعية
وامتنانه من مجرى مذاكراتها.
قال الأمير: كيف لا أعجب بذلك ولطالما كنت أتمنى انعقاد جمعية يتضافر
أعضاؤها على مثل هذا المقصد، وتكون فيهم المزية التي ظهرت على رجال هذه
الجمعية. الذين حَلُّوا المشكلة حلاًّ سياسيًّا ودينيًّا معًا، وكنت أستبعد وجود أكفاء
كهؤلاء، وأعظم إعجابي هو في هذا الرجل الملقب بالسيد الفراتي، كيف اهتدى
في رحلة قصيرة مع إقامته أيامًا قلائل في مكة لانتخاب هؤلاء الأعضاء الأجلاء.
قال الصاحب: لا بد أن يكون هذا الرجل مخلصًا في قصده فأعانه الله عليه
كما ورد في الخبر: إذا أراد الله أمرًا هيّأ أسبابه: فلعل في الأقدار شيئًا آن أوانه.
قال الأمير: نعم للأقدار دلائل، ولنعم البشائر.
قال الصاحب: أود أن أستفيد من مولاي الأمير وجوه إعجابه بهذه الجمعية
ومذاكراتها لأصحح رأيي في بعض انتقادات تختلج في فكري القاصر، فإن أذن لي
أعرضها عليه مسألة مسألة.
قال الأمير: قل، ولعلي أقف على ما لم أنتبه إليه.
قال الصاحب: يظهر أن أعضاء الجمعية ليس بينهم بعض من السياسيين
المحنكين، فلو وجد ربما كانت تأتي المقررات أشد إحكامًا.
قال الأمير: لا أظن في الأمراء والوزراء المسلمين المعاصرين من هم أعلى
كعبًا في السياسة من بعض هؤلاء الأعضاء الذين تشفّ آراؤهم عن سعة اطلاع
وسمو فكر وبُعد نظر مع ملاحظات السياسة الدينية والحالة العلمية والتدقيقات
الأخلاقية.
قال الصاحب: أرى أن الجمعية أعطت لمباحث السياسة الدينية الموقع الأول
وقد أصابت، على أن السياسة الإدارية أيضًا جديرة بالاهتمام فتُركت بدون تدبير
كاف.
قال الأمير: لا شك أن السياسة الإدارية مهمة أيضًا، وقد ابتدأت الجمعية بها
ولكن رأت أفضل وسيلة لحصول المطلوب هي رفع علة الفتور إذ أنتجت مباحثاتها
أن علة الفتور هي الخلل الديني فحولت اهتمامها لجهة العلة حتى إذا زالت العلة
زال المعلول، ومع ذلك لم يترك السيد الفراتي في فصل الأسباب الإدارية شيئًا من
أمهات أصول الإدارة إلا وأشار إليه بما يغني عن تفصيله.
قال الصاحب: أليس بعض الأعضاء كالعالم النجدي والمجتهد التبريزي قد
أسهب كثيرًا بما كان بعضه يكفي عن باقيه.
قال الأمير: إن مسألتَيْ التوحيد والاستهداء ركنان مهمان في الدين، وقد
تطرق إليهما الخلل منذ قرون كثيرة فصار إصلاحهما وردهما إلى أصلهما من
أصعب الأمور، وفي مثل ذلك لا بد من الإسهاب في البحث والتعميق فيه أَوَلَا يرى
ولله المثل الأعلى كيف جاء القرآن الكريم بألف أسلوب في تأييد التنزيه والتوحيد
والحث على اتباع الكتاب والنبي دون التقليد.
قال الصاحب: إني أرى أيضًا بعض مكررات في المذاكرات خلافًا لما قاله
السيد الفراتي أي أنه لو اهتم ذو غَيْرة في اختصارها يكون حسنًا.
قال الأمير: إني لا أوافقك على هذا أيضًا؛ لأنك إذا دققت النظر لا تجد
مكررات وإنما هي آراء فلا بد أن يعاد فيها بعض ما سبق، وعلى كل حال هذا
سجلّ قد ضُبط فيه ما وقع فلا يجوز اختصاره والتصرف فيه وإني أرى من أكبر
محاسن هذه المذاكرات أن جاءت مباحثها متسلسلة مترقية، فكل موضوع فيها يتلوه
ما هو أهم منه فلا يملّ منها سامع ولا مُطالع.
قال الصاحب: ما هو رأي مولانا الأمير في القانون الموضوع؛ لأجل تشكيل
جمعية تعليم الموحدين هل هو قانون محكم الترتيب، وهل هو قابل الإجراء
والتطبيق على الأحوال الحاضرة والمنتظرة.
قال الأمير: القانون هو أهم ما أثمرته الجمعية وقابل الإجراء مع الصعوبة.
قال الصاحب: لا أدري هل أصابت الجمعية أم أخطأت في تعليق أكبر أملها
في إعزاز الدين بالعرب دون دولة آل عثمان وملوكها العظام.
قال الأمير: لا يفوتك أن مطمح نظر الجمعية منحصر في النهضة الدينية فقط
وتؤمل أن يأتي الانتظام السياسي تبعًا للدين ولا شك أن لا يقوم بالهدي الديني ويغار
على الدين أمة مثل العرب.
قال الصاحب: أليس دولةٌ راسخة الملك إدارة وعسكرية وسياسة وافرة القوى
مالاً وعُدّة ورجالاً تكون أقدر على تمحيص الدين وإعزازه من العرب الضعفاء من
كل وجه. وإذ قد ألفت الأمة سماع لقب خدمة الحرمين قديمًا ولقب الخلافة أخيرًا
في حضرة السلطان العثماني فلا تستنكف عن الإذعان الديني له بسهولة.
قال الأمير: إن حضرة السلطان المعظم يصلح أن يكون عضدًا عظيمًا في
الأمر، أما إذا أراد أن يكون هو القائم به فلا يتم قطعًا؛ لأن الدين شيء، والملك
شيء آخر، والسلطان غير الدولة.
قال الصاحب: ما فهمت المراد من أن الدين غير الملك، وأن السلطان غير
الدولة، فهل يتفضل مولاي الأمير بإيضاح ذلك؟
قال الأمير: أريد أن احترام الشعائر الدينية في أكثر ملوك آل عثمان هي
ظواهر محضة، وليس من غرضهم بل ولا من شأنهم أن يقدموا الاهتمام بالدين
على مصلحة الملك وهذا مرادي بأن الدين غير الملك وعلى فرض إرادتهم تقديم
الدين على الملك لا يقدرون على ذلك ولا تساعدهم الظروف المحيطة بهم؛ لأن
دولتهم مؤلفة من لفيف أهل أديان ونِحل مختلفة كما أن الهيئة التي تتشكل منها الدولة
أعني الوزراء هم كذلك لفيف مختلفة الأديان والجنسيات وهذا مرادي بأن السلطان
غير الدولة. فخدمة الحرمين ولقب الخلافة ورسوخ الملك ووفرة القوى كلها لا
تكفي للمرجع في الدين نعم؛ إذا بذل آل عثمان العظام قوتهم في تعضيد وتأييد من
يقوم بذلك يأتون بفضل عظيم.
قال الصاحب: قد وجد في هذا البيت الكريم بعض أعاظم خدموا إعزار الدين
خدمًا كبيرة كالسلطان محمد الفاتح والسلطان ياوز سليم والسلطان سليمان والسلطان
محمود والسلطان الحالي المعظم فهم أولى وأجدر بالخلافة من غيرهم.
قال الأمير: أرجوك لا تنظر للمسألة بنظر العوام بل بنظر حكيم سياسي فأبعد
النظر ماضيًا ومستقبلاً وقلب صفحات التاريخ بدقة؛ تجد أن إدارة الدين وإدارة
المُلك لم تتحدا في الإسلام تمامًا إلا في عهد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز
فقط رضي الله عنهم واتحدتا نوعًا ما في الأمويين والعباسيين. ثم افترقت الخلافة
عن الملك، وأما سلاطين آل عثمان الفخام فإني أذكر لك أنموذجًا من أعمال لهم
أتوها رعاية للملك وإن كانت مصادمة للدين، فأقول: هذا السلطان محمد الفاتح
وهو أفضل آل عثمان قد قدم الملك على الدين فاتفق سرًا مع (فرديناند) ملك
(الأراغون) الإسبانيولي ثم مع زوجته (إيزابيلا) على تمكينهما من إزالة ملك
بني الأحمر آخر الدول العربية في الأندلس ورضي بالقتل العام والإكراه على
التنصر بالإحراق وضياع خمسة عشر مليونًا من المسلمين بإعانتهما بإشغاله أساطيل
أفريقية عن نجدة المسلمين وقد فعل ذلك في مقابلة ما قامت له به رومية من خذلان
الإمبراطورية الشرقية عند مهاجمته مكدونيا ثم القسطنطينية. وهذا السلطان سليم
غدر بآل العباس واستأصلهم حتى إنه قتل الأمهات؛ لأجل الأجنة، وبينما كان هو
يقتل العرب في الشرق كان الإسبانيول يحرقون بقيتهم في الأندلس. وهذا السلطان
سليم ضايق إيران حتى ألجأهم إلى إعلان الرفض. ثم لم يقبل العثمانيون تكليف
نادرشاه لرفع التفرقة بمجرد تصديق مذهب الإمام جعفر كما لم يقبلوا من أشرف
خان الأفغاني اقتسام فارس كي لا يجاورهم ملك سني. وقد سعَوْا في انقراض
خمس عشرة دولة وحكومة إسلامية ومنها أنهم أغروا وأعانوا الروس على التتار
المسلمين وهولانده على الجاوة والهنديين. وتعاقبوا على تدويخ اليمن فأهلكوا إلى
الآن عشرات ملايين من المسلمين يقتل بعضهم بعضًا لا يحترمون فيما بينهم دينًا
ولا أخوة ولا مروءة ولا إنسانية حتى إن العسكر العثماني باغت المسلمين مرة في
صنعاء وزبيد وهم في صلاة العيد.
وهذا السلطان محمود اقتبس عن الإفرنج كسوتهم وألزم رجال دولته وحاشيته
بلبسها حتى عمت أو كادت ولم يشأ الأتراك أن يغيروا منها الأكمام رعاية للدين؛
لأنها مانعة من الوضوء أو معسرة له وهذا السلطان عبد المجيد رأى من مؤيدات
إدارة ملكه إباحة الربا والخمور وإبطال الحدود. ورأى مصلحة في قهر الأشراف
وإذلال السادات بإلغاء نفوذ النقابات ففعل.
وفي هذا المقدار كفاية لإيضاح قاعدة أن مؤيدات الملك عند السلاطين مُقدَّم
على المحافظة على الدين. أما صفة خدمة الحرمين وأُلفة مَسَامع العثمانيين للقب
الخلافة فهذا كذلك لا يفيد الدين وأهله شيئًا وليس له ما يتوهم البعض من الإجلال
عند الأجانب.
ولو أن السطان المعظم أخذ على نفسه تأييد الدين بما أمدّه الله به من القوة
المادية بدون استناد إلى صبغة معنوية لتمكن من أن يخدم دينه وملكه حقًّا خدمًا مقبولة
عند الله مشكورة عند المؤمنين كافة ولَرُفِعَتْ له راية الحمد في شرق الأرض
وغربها واحترمه الأبيض والأحمر وعظمه المسلم والكافر. وأظن أنه قد قرب
اليوم الذي يتنبه فيه فيتروّى في الأمر فيعدل عن الاعتماد على غيرالماديات
ويضرب على فم بعض الغشاشين المتملقين الخائنين الذين ينسبون حضرته إلى ما لم
ينتسب هو إليه ويُشيعون عنه دعوى ما ادّعاها قَطّ أحد من أجداده العظام بوجه
رسمي.
وهؤلاء العثمانيون يُغْرُونَ حضرة السلطان بهذه الدعوى بما يُهْرِفُون به عليه
وبما يؤلفونه هم وأعوانهم من الكتب والرسائل التي يعزون بعضها لأنفسهم وبعضها
لغيرهم من المنافقين أو لأسماء يسمونها أو كتب يختلقونها فيجعلون تارة آل عثمان
العظام يتصلون نسبًا بعثمان بن عفان رضي الله عنه، وأخرى يرفعون نسبهم إلى
أعالي قريش ويعطونه حق الخلافة مرة بالتنازل والإدلاء من العباسيين وأخرى
بالاستحقاق والوراثة وآونة بالعهد وأخرى بالبيعة العامة، وحينًا بخدمة الحرمين
الشريفين ووقتًا بحفظ المخلفات النبوية. وكأن هؤلاء الغشاشين يريدون بهذه
الدسائس أن يجعلوا حضرة السلطان نظيرهم دعيّ نسب كاذب كدعواهم لأنفسهم
السيادة ومتسنِّم مقام موهوم كدَعْواهم الولاية والقُطْبانية في أنفسهم وآبائهم وأجدادهم
فيحشون في تلك المؤلفات أنسابًا انتحلوها لأنفسهم مقرونة بنسب السلطان
ويستطردون لحكايات كرامات لأجدادهم ملفقة مخترعة لا يعترف بها لهم أحد من
المسلمين يدسّونها بين حكايات وقائع الخلفاء والسلاطين.
ومن المعلوم عند أهل الوقوف أن التلقب بالخلافة أو الإمامة الكبرى أو إمارة
المؤمنين في أل عثمان العظام حدث في عهد المرحوم السلطان محمود؛ إذ صار
بعض وزرائه يخاطبونه بذلك أحيانًا تفننا في الإجلال وغلوًّا في التعظيم. ثم توسع
استعمال هذه الألقاب في عهد ابنَيْه وحفيديه إلى أن بلغ ما بلغه اليوم بسعي أولئك
الغشاشين الذين يدفعون ويقودون السطان الحاضر للتنازل عن حقوق راسخة
سلطانية؛ لأجل عنوان خلافة وهمية مقيدة في وضعها بشرائط ثقيلة لا تلائم أحوال
الملك ومعرضة بطبعها للقلقلة، والانتزاع والخطر العظيم، ولذلك لا يزال السلاطين
أنفسهم إلى الآن يأبون التلقب بالخلافة رسميًا في منشوارتهم ومسكوكاتهم وإنما
تمضغها أفواه البعض فيلوكها التركي تعظيمًا لقومه، والعربي نفاقًا لسلطانه
والمصري اتباعًا للمرائين، والهندي اعتزازًا بالوهم، والأجنبي هُزُؤًا ومكرًا
بخلاف سلطان مراكش وأمير عمان وإمام اليمن المتنازعين في هذا المقام رسما
المتقاطعين لأجله على أنهم قد شعروا أو كادوا يشعرون بضررهم السياسي في ذلك
ولا نعلم متى يخلق الله من يسعى في إقناعهم جميعًا بترك هذه الدعوى الداعية
للانفراد والتخاذل ويرتب بينهم قواعد محافظة الاستقلال السياسي ومراسم
التشريفات والمخاطبات وروابط التعاون والاتحاد بصفة سلاطين وأمراء كما آل
الأمر على عهد الخلفاء العباسيين مع السلاطين الخارزمية والدَّيْلم والأيوبيين
وغيرهم.
ثم قال الأمير: وقد حملتني إشارات السيد الفراتي في كلامه على
الجامعة الدينية تحت لواء الخلافة أن أفكر في القواعد الأساسية التي ينبغي أن
يبنى عليها ذلك فلاح لي ما قيدته في هذه المفكرة وأخرج من جيبه ورقة قرأها،
وعند ختام مجلسنا استنسختُها منه وهذه صورتها.
(1)
إقامة خليفة عربي قريشي مستجمع للشرائط في مكة.
(2)
يكون حكم الخليفة سياسة مقصورًا على الخطة ومربوطًا بشورى
خاصة حجازية.
(3)
الخليفة ينيب عنه مَنْ يترأس هيئة شورى عامة إسلامية.
(4)
تتشكل هيئة الشورى العامة من نحو مائة عضو منتخبين مندوبين من
قِبَل جميع السلطات والإمارات الإسلامية، وظائفها منحصرة في شؤون السياسة
العامة الدينية فقط.
(5)
تجتمع الشورى العامة مدة شهر في كل سنة قبل موسم الحج.
(6)
مركز الشورى العامة يكون مكة عندما يصادف الحج موسم الشتاء
والطائف في موسم الصيف.
(7)
تقترع الشورى يوم افتتاح كل اجتماع على انتخاب نائب الرئيس
ويعينه الخليفة.
(8)
تتعين وظائف الشورى العامة بقانون مخصوص تضعه هي، ويصدق
عليه من قِبل السلطان والإمارات.
(9)
ترتبط بيعة الخليفة بشرائط مخصوصة ملائمة للشرع بناءً على أنه إذا
تعدى شرطًا منها ترتفع بيعته وفي كل ثلاث سنين يعاد تجديد البيعة.
(10)
انتخاب الخليفة يكون منوطًا بهيئة الشورى العامة.
(11)
الخليفة يُبلّغ قرارات الشورى ويراقب تنفيذها.
(12)
الخليفة لا يتدخل في شيء من الشئون السياسية والإدارية في
السطلنات والإمارات مطلقًا.
(13)
الخليفة يُصَدِّق على تولية السلاطين والأمراء التي تجري احترامًا
للشرع على حسب أصولهم القديمة في وراثاتهم للولاية.
(14)
الخليفة لا يكون تحت أمره قوة عسكرية مطلقًا، ويذكر اسمه في
الخطبة قبل أسماء السلاطين ولا يذكر في المسكوكات.
(15)
يُناط حفظ الأمن في الخطة الحجازية بقوة عسكرية تتألف من ألفين
إلى ثلاثة آلاف من جنود مختلطة ترسل من قبل جميع السلطنات والإمارات.
(16)
تكون القيادة العامة للجنود الحجازية منوطة بقائد من قبل إحدى
الإمارات الصغيرة.
(17)
يكون القائد تحت أمر هيئة الشورى مدة انعقادها.
(18)
هيئة الشورى تكون تحت حماية الجنود المختلطة.
أما وظائف الشورى العامة فيقتضي أن لا تخرج عن تمحيص أمهات
المسائل الدينية التي لها تعلُّق مهم في سياسة الأُمة وتأثير قوي في أخلاقها ونشاطها.
وذلك مثل فتح باب النظر والاجتهاد تمحيصًا للشريعة وتيسيرًا للدين وسد أبواب
الحروب والغارات والاسترقاق اتباعًا لمقتضيات الحكمة الزمانية، وكفتح أبواب
حسن الطاعة للحكومات العادلة والاستفادة من إرشاداتها وإن كانت غير مسلمة وسد
أبواب الانقياد المطلق ولو لمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكفتح باب أخذ
العلوم والفنون النافعة ولو عن المجوس، وسد باب إضاعة الأوقات بالعبث ونحو
ذلك من أمهات المنجيات والمهالك.
ثم قال الأمير: وبمثل هذا الترتيب تنحل مشكلة الخلافة ويستهل عقد اتحاد
إسلامي تضامني تعاوني يقتبس ترتيبه من قواعد اتحاد الألمانيين والأمريكانيين مع
الملاحظات الخاصة، وبذلك تأمن الحكومات الإسلامية الموجودة على حياتها
السياسية من الغوائل الداخلية والخارجية فتتفرغ للترقي في المعارف والعمران
والثروة والقوة بما لا بد منه للنجاة من الممات، وما أَجْدَرَ إمارات الجزيرة بالسبق
إلى مثل هذا االاتحاد.
قال الصاحب: يستشف من ظاهر فكر مولاي الأمير أنه لا يجوز الاتكال
على الملوك العثمانيين العظام في أمر الخلافة علاوة على السلطنة.
قال الأمير: إني أحب العثمانيين للطف شمائلهم وتعظيمهم الشعائر الدينية
ولكن النصيحة للدين تستلزم قول الحق، وعندي أن آل عثمان العظام أنفسهم إذا
تدبروا لا يجدون وسيلة لتجديد حياتهم السياسية أفضل من اجتماعهم مع غيرهم على
خليفة قرشي.
قال الصاحب: أخبَرَني أيها الأمير أحدُ أعضاء الجمعية العامة أنه لمَّا رأى
السيد الفراتي يميل للتنقيب عن سياسة العثمانيين واستمالة الجمعية عليهم لا لهم ذكر
له مرة ذلك متلوّمًا، وقال له: ألا ينبغي ستر أحوالهم والمدافعة عنهم؛ لأنهم أعظم
دولة إسلامية موجودة؟
فأجابه بأن ذلك لولا أن فيه تغرير المسلمين وتَرْكهم متكلين على دولة ما
توفَّقتْ لنفع الإسلامية بشيء في عنفوان شبابها بل أضرتها بمحو الخلافة العباسية
المُجمع عليها، وتخريب ما بناه العرب وإفناء الأمة بفتوحاتها شرقي أوربا
ومدافعاتها عنه وأنه لا يقصد بكشف الحقيقة وإظهارها غير إزالة الغرور والاتكال
المُسْتَولِيَيْنِ على جماهير المسلمين بسبب عدم التأمل. ثم قال له: أليس الترك قد
تركوا وفود الملتجئين يعودون خائبين، وتركوا المستنصرين بها عُرْضة للمنتقمين
وتركوا ثلثَيْ مُلكهم طُعْمَة للمتغلبين؟ أفما آن لهم أن يستيقظوا ويصبحوا من النادمين
على ما فرطوا في القرون الخالية فيتركوا الخلافة لأهلها والدين لحماته ويحتفظوا
هم على بقية سلطنتهم ويكتفوا بشرف خدمة نفس الحرمين، وبذلك يتقون الله في
الإسلام والمسلمين؟
وقال أيضًا: إنه غير متعصب للعرب وإنما يرى ما لا بد أن يراه كل حر
مدقق يتفحص الأمر من أن الغيرة على الدين والاستعداد لتجديد عز الإسلام
منحصران في أهل المعركة البدوية من العرب إذ يرى أن المشيئة الإلهية قد حفظتهم
من تلك الأمراض الأخلاقية التي لا دواء لها كفالج الحرية في الحواضر باعتقاد
أهلها أنهم خلقوا أنعامًا للأمراء، وكجذام التربية في المدن بوضعهم النساء في مقام
ربائط للاستمتاع، وكطاعون الحياة في بعض الأقوام بألفتهم اللواط المميت للأخلاق
الشريفة دفعة الذي جزى الله أهله بخسف الأرض بهم تطهيرًا لها منهم، وكوباء
النشاط في أهل الأراضي الخصبة حيث يسهل أن يغنوا فيبطروا فتفسد أخلاقهم
فيخسروا الدنيا والآخرة.
قال الأمير: نعم الرأي ونعم التدقيق.
قال الصاحب: إن ما ذكر مولاي من حصر صفة الخلافة في خليفة قرشي في
مكة ترتبط به جميع السلطنات والإمارات الإسلامية ارتباطًا دينيًّا، وما وصف من
تشكيل الشورى العامة المؤيدة لهذا الارتباط الديني لأمر عظيم جدًّا، والغالب أن
الدول المسيحية التي لها رعايا من المسلمين أو المجاورة للمسلمين تتحذر من أن
يجرّ جمع الكلمة الدينية إلى رابطة سياسية تولد حروبًا دينية فتعمد هذه الدول إلى
عمل الدسائس والوسائل لمنع حصول هذا الارتباط بالمرة فما هو التدبير الذي
يقتضي اتخاذه أمام تحذر الدول من ذلك.
قال الأمير: لا يفكر هذا الفكر غير الفاتكان وأحزابه الجزويت وأمثالهم أما
رجال السياسة في إنكلترا وروسيا وفرنسا وهي الدول العظام التي يهمها التفكر في
هذا الشأن فقد علمتهم التجارب النتائج الآتية وهي:
(1)
أن المسلمين لا ينتصرون أبدًا لا سيما في زمان يبتعد فيه النصارى
عن نصرانيتهم.
(2)
أن المسلمين المستنيرين أفرادًا وجموعًا أبعد عن الفتن من الجاهلين.
(3)
أن العرب من المسلمين أقرب من غيرهم للألفة وحسن المعاملة
والثبات على العهد. فإذا أُرْشِد أولئك السياسيون لأن يضموا إلى معرفتهم هذه
علمهم أيضًا بالأحكام الإسلامية في مسألة الجهاد التي يتهيبونها علمًا يستخرجونه مما
عندهم من تراجم القرآن الكريم لا من مؤلفات متعصبي الفريقين، حيث يجدون
نحوًا من خمسين آية بأساليب شتى كلها تنهى عن الإلحاح في الهداية إلى الدين
فضلاً عن التشديد والإلزام بالقتال كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (القصص: 56){وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) {لَسْتَ عَلَيْهِم
بِمُسَيْطِرٍ} (الغاشية: 22) ويجدون آيتين في التشديد إحداهما {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الحجر: 94) والأخرى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (الحج: 78) ،
وبمراجعة أسباب نزول هاتين الآيتين يعلمون أنهما نزلتا في حق المشركين
والكتابيين من العرب، ولا يوجد في القرآن مُلْزِمٌ لاعتبار عمومية حكمها. وإذا
دققوا البحث يجدون أن ليس في علماء الإسلام مطلقًا من يحصر معنى الجهاد في
سبيل الله في مجرد محاربة غير المسلمين، بل كل عمل شاق نافع للدين والدنيا،
حتى الكسب لأجل العيال يسمى جهادًا. وبذلك يعلمون أن قِصَر معنى الجهاد على
الحروب كان مبنيًّا على إرادة الفتوحات والتوسل للتشجيع حين كان مجال للفتوحات،
كما أعطي اسم الجهاد مقابلة لاسم الحروب الصليبية التي أشعل نارها المسيحيون.
ثم بعطف نظرهم إلى التاريخ يجدون أن العرب منذ سبعة قرون لم يأتوا
حربًا باسم الجهاد، وما كانت تعديات أساطيل إمارات الغرب إلا من قبيل القرصان
الذي كان مألوفًا عند جميع إمارات الأرخبيليين الصقلي واليونان وكلهم نصارى. أما
غارات التتار على شمالي أوربا وغارات الترك على شرقها؛ فكذلك ليست من نوع
الجهاد ولا من الحروب الدينية وإنما هي من ملحقات غارات البرابرة الشماليين
على أوربا. ويجدون أنهم كما أغاروا على أوربا أغاروا على البلاد الإسلامية. ثم
أسلم التتار وحسنت أخلاقهم.
أما الترك فإذا دقق الأوربيون في سياستهم يجدونهم لا يقصدون بالاستناد
للدين غير التلاعب السياسي وقيادة الناس إلى سياستهم بسهولة وإرهاب أوربا باسم
الخلافة واسم الرأي العام. وعدم اشتراك البلاد العربية في المذابح الأرمينية
الأخيرة برهان كافٍ على أن الإسلامية بمعزل عن المجافاة؛ لأن العرب يفهمون
معنى القرآن الكريم فيدينون به، وقد يندهش الأوربيون إذا علموا أن السياسة
التركية لم يوافقها أن تترجم القرآن إلى اللغة التركية إلى الآن.
ولدى رجال السياسة دليل مهم آخر على أن أصل الإسلامية (لا يستلزم
الوحشة بين المسلمين وغيرهم بل يستلزم الألفة) ، وذلك أن العرب أينما حلّوا من
البلاد جذبوا أهلها بحسن القدوة والمثال لدينهم ولغتهم، كما أنهم لم ينفروا من الأمم
التي حلت بلادهم وحكمتهم فلم يهاجروا منها كعدن وتونس ومصر بخلاف الأتراك،
بل يعتبرون دخلوهم تحت سلطة غيرهم من حكم الله، لأنهم يذعنون لكلمة ربهم
تعالى شأنه {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: 140)(كذا) فإذا
علم السياسيون هذه الحقائق وتوابعها لا يحذرون من الخلافة العربية، بل يَرَوْن من
صوالحهم الخصوصية، وصوالح النصرانية، وصوالح الإنسانية، أن يؤيدوا قيام
الخلافة العربية. بصورة محددة السطوة، مربوطة بالشورى على النسق الذي قرأته
عليك.
ثم على فرض أن الدول - ولو المسلمة - أرادت عرقلة هذا الأمر فهي لا
تقوى عليه؛ لأن أفكار الأمم لا تقاوم ولا تصادم على أني لا أظن بمثل فرنسا أن
تنخدع لرأي أنصار الجزويت لا سيما بعد أن تعلمت من الإنكليز كيف تسوس
المسلمين فأبقت لتونس أميرها فاستراحت مما عانته قبلاً في الجزائر بسبب السياسة
التعصبية الخرقاء.
قال الصاحب: أستشف من كلام مولاي الأمير أن أمله ضعيف في تشكيل
جمعية تعليم الموحدين مع أنه معجب بإتقان التدبير.
قال الأمير: إن دون تشكيل الجمعية عوائق مالية شتى، وأرجو الله تعالى أن
يزيلها.
قال الصاحب: إنني أجاهد في الوقوف على خبر السيد الفراتي، ولعلي أظفر
بمعرفته فأجتمع به أو أكاتبه، فهل لمولاي الأمير رأي أو أمر أبلغه إياه إذا ظفرت
به.
قال الأمير: نعم إذا ظفرت بمعرفته فأقرئه مني السلام وبلّغه عني هذه الجمل
وهي أني على صدق عزيمته. وعلى حسن انتخابه رفقاءه وأوصيه بالثبات والإقدام
ولو طال المطال. وأن يحرص على إبقاء علاقته مع أعضاء جمعية أم القرى
باستمراره على مكاتبتهم. وأن لا يقنط من مساعدة القسطنطينة أو مصر أو مراكش
أو طهران أو كَابُل أو حائل أو عمان لا سيما بعد انعقاد جمعية تعليم الموحدين
ورسوخها.
قال الصاحب: إذا ظفرت به إن شاء الله بشره بتحية مولاي الأمير وأبلغته
كل ما أمر به.
(انتهت المحاورة)
***
يقول (السيد الفراتي) : قد ألحقت هذه المحاورة بسجل المذاكرات وكتبت بها
إلى باقي الإخوان تنويهًا بشأن حضرة الأمير المشار إليه وشكرًا على غيرته،
وتبصراته، وافتخارًا بحسن ظنه ونظره في هذا العاجز، وتبشيرًا لجنابه
وللمسلمين بأن جمعية أم القرى قد أحكم تصورها وتأسيسها، فهي بعناية الحي
القيوم الأبدي حية قائمة أبدًا.
***
(تَذْكِرة)
ربما يتأخر تشكيل جمعية تعليم الموحدين مدة، فالمأمول من الجمعيات
الإسلامية الموجودة في الهند وقازان والقرم ومصر وغيرها أن لا تأنف من تنوير
أفكارها بمباحث هذا السجلّ فتقتبس منه ما يناسبها، وتتخذ القانون والوظائف مثالاً
وذكرى.
***
(رجاء)
مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر وعنده شمّة حمية ومروّة؛ فلا يتجسس عن
جمعية أم القرى وأعضائها بقصد إيصال سوء إليها، ولْيعلمْ أن يده وإن طاولت
الأفلاك أقصر عن الإضرار بها؛ لأن الجمعية في أمان الإخلاص ولا يحيق المكر
السيئ إلا بأهله.
***
(تهوين)
ليعلم أُسَراء التقليد وورثة الأوهام ومعظمو العظام ومؤلهو الطَّغَام أن تألمهم
من صدمة بعض هذه المباحث لما ألفوه عمرهم؛ هو تألم مباغت لا يلبث أن يزول
متى خلوا بعقولهم وحكموا الحكمة والإنصاف وتأملوا حق الإيمان، وناطق القرآن،
وحينئذ ينجلي لهم الحق ويندمون كما ندم قبلهم الأولون، فيتوبون ويتوب الله عليهم
والله يهدي من يشاء.
***
(إعلان)
من أحب أن ينجد مقاصد جمعية أم القرى برأي فائق أو عمل مهم أو رغب
في تعضيدها بجاه أو مال وأراد مراسلة الجمعية أمكنه أن يُرَاسل وكالة الجمعية
بدون اسم، بل بإرسال كتاب مُعَنْون إلى مدينة.... . إلى صندوق البوستة عدد
.... . وإذا أراد التخفي يمكنه أن يكاتبها أولاً باسم له مختلق، ثم بعد أخذه الجواب الأول يستعمل الكتابة الجفرية الموضحة في الجدول المذيل به هذا السجل.
والذين يُرجى منهم تعضيد مهم كحضرات الأمراء العظام والأغنياء الكرام فلهم
أن يطلبوا رسولاً من قِبَل الجمعية ليوضح لهم ما يستوضحون...... (انتهى)
***
(المنار)
قد انتهى كتاب سجل جمعية أم القرى وما ألحق به، وقد كنا اتفقنا مع جامعه
السيد الفراتي (تغمده الله برحمته) على نشره في المنار بتصرف يختص بتصحيح
عبارته وحذف مساوئ الدولة العلية (أيدها الله تعالى) منه، ثم استحسن فضلاء
القراء عدم حذف شيء منه فللمطلعين على ما نشرناه من أول سنة المنار إلى الآن
أن يثقوا بأنهم اطلعوا على هذا السجل كله بعبارة أصح إلا جملة واحدة ذُكِرَ فيها
خديو مصر بأنه مرجو لمساعدة الجمعية وإلا جدول المخاطبة الرمزية.
_________