المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الزواج وشبان مصر وشوابها - مجلة المنار - جـ ٥

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (5)

- ‌غرة محرم - 1320ه

- ‌فاتحة السنة الخامسة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الكتاب الموعود بنشره

- ‌علم تلامذة العرب وبلاغتهم

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌حرية الجرائد والشعور العام بالفضيلة في مصر

- ‌16 محرم - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌القرآن والكتب المنزلة

- ‌الاجتماع الثاني - الداء أو الفتور العام

- ‌التعليم الذي ترتقي به الأمة

- ‌مقدمتنا لكتاب أسرار البلاغة

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌غرة صفر - 1320ه

- ‌لا وثنية في الإسلام

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌الإسلام في إنكلترا

- ‌(إلى الأغنياء)

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الحريق في ميت غمر

- ‌16 صفر - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع الثالثالداءأو: الفتور العام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قوانين التعليم الرسمي والجمعية العمومية

- ‌شهادة مفتي الديار المصريةلكتاب أسرار البلاغة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ربيع الأول - 1320ه

- ‌آثار محمد علي في مصر

- ‌أميل القرن التاسع عشر [*]

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1320ه

- ‌شروط الواقفينوعدم التعبد بكلام غير المعصومين

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع الرابع لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أأحياها محمد علي وأماتها خلفه

- ‌مصاب عظيم بوفاة عالم حكيم

- ‌غرة ربيع الثاني - 1320ه

- ‌إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

- ‌الملائكة والنواميس الطبيعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر [*]

- ‌الاحتفال السنوي بمدرسة الجمعية الخيريةوخطبة المفتي

- ‌تتمة سيرة الكواكبي

- ‌16 ربيع الثاني - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌نموذج من كتاب دلائل الإعجازللإمام عبد القاهر الجرجاني

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة جمادى الأول - 1320ه

- ‌الزواج وشبان مصر وشوابُّها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 جمادى الأولى - 1320ه

- ‌الأزهر والأزهريون - وفاضل هندي

- ‌أفكوهة أدبية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌قصص (روايات) مجلة الهلال

- ‌مسيح الهند

- ‌غرة جمادى الآخر - 1320ه

- ‌الاضطهاد في النصرانية والإسلام

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌إيمان المسلمين وأعمالهم

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مثال من أمثلة تسامح الإسلاموضيق صدر المسيحية

- ‌ الأخبار والآراء

- ‌غرة رجب - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الإسلام اليومأو الاحتجاج بالمسلمين على الإسلام

- ‌الاجتماع السادس لجمعية أم القرى

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الإسلام والدولة البريطانية

- ‌مثال من أمثلة طفولية الأمة

- ‌محادثة بينصاحب جريدة الحاضرة ورئيس تحرير جريدة فرنسوية

- ‌مثال من أمثلة تعصب النصرانية على العلم

- ‌سخافة بشائر السلام في الجاهلية والإسلام

- ‌16 رجب - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الوفاق الإسلامي الإنكليزي

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الاحتفال بافتتاح مدرسة بني مزار

- ‌تتمة سيرة السنوسي

- ‌مشروع مجلة الجامعة الاقتصادي

- ‌غرة شعبان - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الأزهر والأزهريون، وفاضل هندي

- ‌رسالة الكسائي في لحن العوام

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شعبان - 1320ه

- ‌المستقبل للإسلام

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رمضان - 1320ه

- ‌أيصومون ولا يصلون وهم مؤمنون

- ‌الأخبار والآراء

- ‌(كيف يكون المستقبل للمسلمين)

- ‌16 رمضان - 1320ه

- ‌مسير الأنام.. ومصير الإسلام

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع السابع لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مقدمة كتاب الإسلام والنصرانية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1320ه

- ‌رأيٌ في علم الكلام، وطريقةٌ في إثبات الوحي

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌الاجتماع الثامن لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌التقريظ

- ‌إعجاز أحمديأو سخافة جديدة لمسيح الهند

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1320ه

- ‌الإسلام دين العقل

- ‌الاجتماع التاسع لجمعية أم القرىويتبعه الاجتماع 10 و 11

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌16 ذو القعدة - 1320ه

- ‌رد الشبهات عن الإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مسألة الشيخ محمد شاكر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو الحجة - 1320ه

- ‌مسألة النساء

- ‌إحياء الإسلام لمدينة اليونان والرومان والمصريين

- ‌لاحقة سجل جمعية أم القرى

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ذو الحجة - 1320ه

- ‌رأيٌ في إصلاح المسلمينأو رأيان

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌وصية بطرس الأكبر قيصر روسيا

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الخامسة للمنار

الفصل: ‌الزواج وشبان مصر وشوابها

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الزواج وشبان مصر وشوابُّها

أكثرت الجرائد العمومية اليومية الخوض في هذه الأيام في مسألة اجتماعية

ذات بال وهي ميل كثير من الشبان المصريين إلى التزوج بالأوربيات، وإحجام كثير

منهم عن التزوج بالمرة، وزعم بعض الباحثين أن السبب في الأمرين هو عدم وجود

بنات مصريات (متربيات) يصلحن لشبان مصر (المتربين) .

وههنا شرح بعض الكتاب سوء حال تربية البنات ووصف من جهلهن وأطنب

في التنفير عنهن، وكنت أحب أن يكثر الكتاب البحث في تربية البنات في معرض

غير معرض تفضيل الزواج بالأوربيات والترغيب عن الزواج بالوطنيات.

المسألة كبيرة وفروعها متشعبة ولطريق البحث فيها نواشط كثيرة، وكأني بهذه

النواشط قد تمثلت أمامي فلا أدري أي ناشط أختار في ابتداء السير لأَصِلَ منه إلى

الطريق الأعظم. ولكنني أقول قبل كل قول: إن الذين تزوجوا بالأوربيات أو

يفضلون التزوج بهن هم أبعد المصريين عن التربية الصحيحة النافعة. وإن أكثر

الذين يتريثون بالزواج يتربصون الظفر بزوج غنية لا بزوج مهذبة متربية.

ثم أقول: إنه لا تربية عندنا للفتيان ولا للفتيات، وإن الإناث يقربن من الذكور

في الأخلاق والآداب والعادات والرغبات، ولكن الفرق بين الفريقين في التعليم،

فالمتعلمون أكثر من المتعلمات، ولكن أكثر هذا العلم مما لا يصح التفاضل فيه؛ لأنه

قليل التأثير في الحياة المنزلية والحياة القومية والحياة الملية. ولو ارتقى المتعلمون

في شئون الحياة لأصلحوا بيوتهم، ورأس إصلاح البيوت تربية البنات فكما يريد

الرجال يكون النساء؛ لأنهم القوامون عليهن والقوة بأيديهم فهم يسيرون العمران

كيف شاءوا ورب متفرنج غبي ينغض رأسه إذا سمع قولنا: كما يريد الرجال يكون

النساء. ويقول: إن هذا قول مَنْ لا يعرف الحقائق فإن الأوربيين يقولون: كما

يريد النساء يكون الرجال. رويديك أيها الغر المتفرنج إن في كلمة سادتك شيئًا من

المبالغة وإن كان نساؤهم وصلن إلى درجة من الاستقلال والعناية بالتربية بسعي

الرجال صار لهن بها شأن في تربية الأطفال يصح معها أن تقال هذه الكلمة فيهن

ولكن شأن بلادنا ونسائنا مباين لشئونهن.

التربية شيء والتعليم شيء آخر: التربية هي تعاهد القوى الجسدية والنفسية

ومساعدتها على الوصول إلى الكمال المستعدة له في أصل الفطرة حتى يكون

المربي إنسانًا كاملاً سويًا في خلقه، مهذبًا في خلقه، نافعًا لنفسه ولقومه، والتعليم

إيداع صور المعلومات في ذهن المتعلم، وقد وجد في مدارس مصر شيء من

التعليم الناقص ولكن التربية لم توجد في المدارس ولا في البيوت فما في الأمة من

الأخلاق والآداب الصحيحة فهو على قلته من سؤر ما تركه السلف الصالح من

التراث، وأشد الناس جناية عليه وإتلافًا له هؤلاء المتعلمون الذين انتفعوا بالتعلم

الجديد فصاروا ينفعون أنفسهم وأمتهم قليلون جدًّا، وإنما ساعدهم على الانتفاع

استعداد قوي في الفطرة وبعض الأخلاق والآداب المورثة؛ ولذلك يعد نجاحهم شذوذًا

لا نتيجة طبيعية لهذا التعليم الناقص في المدارس. وهؤلاء لا يَنصحون لشبان أمتهم

أن يتزوجوا بالأوربيات، وإنما ينصحون لهم أن يربوا ويعلموا البنات، وإذا

اشتكوا فإنما يشتكون من جهل الأغنياء وبخلهم إذ لا يسمحون بشيء من فضل مالهم

لإنشاء معاهد أهلية للتربية والتعليم.

أما تلك الحُثالة من سائر المتعلمين - وهم الأكثرون على أنهم قليل في مجموع

الأمة - فإنها لم تستفد من التعليم إلا رطانة لغة أوربية بها يتمكنون من معاشرة بغايا

الإفرنج مسافحات أو متخذات أخدان. وإن عقائل نساء الإفرنج ليترفعن ويستنكفن

أن يعاشرن هؤلاء الغلمان السفهاء الأحلام بَلْهَ الاقتران بهم وقبولهم بعولة لهن فهذا

التبجح الذي يتبجحه شباننا في الجرائد بعلمهم إنما هو التبجح بتفضيل البغايا

الأجنبيات على المحصنات الوطنيات.

لولا هؤلاء المتعلمون لما راج سوق الفحش في مصر، لولا هؤلاء المتعلمون

لما نشأ داء الزهري في البلاد؛ لولا هؤلاء المتعلمون لما فشا السُّكْر في القطر لولا

هؤلاء المتعلمون لما عُرِفَ الميسر والقمار في وادي النيل. لولا هؤلاء المتعلمون لما

فتن الناس بزخرف الأثاث والرياش والماعون التي تُجلب من أوربا فتذهب بثروة

البلاد. لولا هؤلاء المتعلمون لما خربت تلك البيوت العامرة التي ورثت الثروة

والمجد عن أب وجد، لولا هؤلاء المتعلمون لما انتهكت حرمات الدين وتركت فضائله

وسنته. فبماذا يفتخر هؤلاء المتعلمون المغرورون على البنات الأغرار الجاهلات؟

ولماذا يترفعون عليهن مع أن جهلهن لم يجن على الأمة والبلاد بعض ما جناه علم

أولئك المتبجحين المترفعين.

البنت الجاهلة تتربى في بيت زوجها تربية جديدة؛ لأن العذراء لا تستقر

أخلاقها وعاداتها على شيء إلا بعد الزواج كأنها قبل ذلك ترى كل شيء موقتًا غير

ثابت؛ لأنها في طور غير ثابت تنتظر في كل يوم الانتقال إلى الطور الذي بعده

الذي حكمت الفطرة بأن تقضي حياتها فيه؛ وهو كونها زوجًا لرجل ثم أمًّّّّّّّا لولد.

فليت شعري كم عدد المتعلمين الذين تزوجوا من هؤليَّا العذارى واشتغلوا بتربيتهن

ليعيشوا معهن عيشة راضية؟ كم عدد الذين أحصنوا بالزواج فرضوا بأزواجهن

حتى لا يَغْشَوْنَ المواخير ولا بيوت السر؟ ويا ليت شعري كم عدد البيوت التي كان

فيها هؤلاء المتعلمون صالحين مصلحين وأزواجهم فاسدات مفسدات؟ أظن بل أوقن

أن الرجال هم الذين يفسدون النساء بسوء المعاملة وقبح السيرة إلا ما جاء على

سبيل الشذوذ. فما بال تلك (الفتاة التعيسة) التي أرادت الدفاع عن أخواتها

التعيسات طفقت تذمهن وتهجوهن في مقالتها التي نشرتها في المؤيد توسلاً إلى كلمة

تسترضي بها الشبان في آخرها بأنهم مقصرون وبأن في البنات الآن من المتعلمات

من يليق بهم.

الغميزة الكبرى في تربية بنات مصر هي أنهن يكلمن هؤلاء الشبان

المغرورين ويعاشرنهم، وهذه الفتنة فاشية في المتعلمين والمتعلمات أكثر من فُشُوِّها

في الجالهين والجاهلات، والذنب في هذه الغميزة على الشبان فمنهم بدأت الفتنة

وإليهم تعود؛ لأنهم هم الذين يتعرضون لإغواء البنات، وقد حدثني غير واحد منهم

بأنه لا يكاد يوجد تلميذ إلا وله خليلة من البنات. ولكن لا تكاد توجد بنت بدأت شابًّا

بالمغازلة والمناغاة ، فإذا كان هذا حظ شباننا المتعلمين من البنات فماذا ينقمون

عليهن من فساد التربية! أينقم بعضهم على من يحبها أنها لا تُحسن الرطانة بلغة

أوربية، كيف وهو أوسع مادة في المسائل التي يكلمها بها بلغته العرفية منه باللغة

الأجنبية؛ لأنهما لا يتكلمان إلا باللغو والهذيان الذي يناسب العشاق الذين لا تربية لهم

ولا تهذيب.

يوهمنا بعض الكتاب أن هؤلاء المتعلمين يود أحدهم أن تكون له زوجة

تعلمت مثلما تعلم تكون حياته معها إنسانية بالمذاكرات العلمية والأدبية لا حيوانية

محضة مقصورة على التمتع البهيمي.

ويا ليت هذا كان صحيحًا ولكن يحزننا ويمضنا أنه غير صحيح فإن موضوعات

حوارهم في أنديتهم وسمارهم دون ما يقتضيه علمهم الناقص، كأن فساد التربية

حال بينهم وبين الانتفاع بالعلم. ومن ذا الذي يطلب العلم ليعمل به أو ليكمل؟ كلنا

نعرف علة طلبهم للعلم. هي أخذ الشهادة التي تعدهم لوظائف الحكومة والغرض من

وظائف الحكومة الأكل مع الراحة لما جلبوا عليه من الكسل. نرى أحدهم يجد ويكد

قريحته بالحفظ مدة الدراسة حتى إذا ما نال ورقة الشهادة التي سماها بعض الأوربيين

(جلدة الحمار) قال: ذهب دور التعب والعناء وجاء دور التمتع؛ فيترك البحث

والمذاكرة في كل ما تعلمه إلا إذا كان رزقه منه كالمهندسين والأطباء وقليل ما هم.

إن من يدرس لحاجة كرشه وفرشه كالثور الذي يدرس ليأكل بل ربما كان الثور

أنفع منه؛ لأنه يأكل ويأكل غيره من عمله بدرس الحنطة، ولكن أكثر الذين يدرسون

العلم عندنا لا يأكلون ولا يأكل أحد من ثمرة دراستهم وهم الذين قال فيهم الشاعر:

ودرس ثورين قد شُدَّا إلى قرن

أقنى وأنفع من تدريس حَبرينِ

أين أثر علم هؤلاء المتنفجين في التأليف أو العمل؟ أين الأندية والسمار

الأدبية؟ أين الجمعيات العلمية؟ أين الشركات الصناعية؟ أين الأعمال التجارية؟

أين التآليف النافعة في العلوم اللغوية أو العلمية أو الأدبية أو الدينية. أخرت ذكر

الدين؛ لأن أكثر المتعلمين؛ أجهل به من العامة الأميين، ولا يخفى أن الكلام كله في

المجموع لا في عموم الأفراد فإن من التلامذة من يرغب في العلم لفضله ونفعه

ومنهم من أحسن أهلُه أدبه وتربيته.

فيا معشر المتنفجين بالعلم - وإن كان الجهل خيرًا منه - إذا فتنتم بالأوربيات أو

استغنيتم بالسفاح عن الزواج الشرعي أو كنتم ترجئون الاقتران ليظفر أحدكم بامرأة

غنية يتنعم بمالها؛ لأن المدرسة ربته على الترف والكسل معًا - فأقسم عليكم بالشرف

الذي تذكرونه، والوطن الذي تتهمونه، بل أقسم عليكم بالله الذي تعبدونه أن لا

تعتذروا عن ذلك بغميزة أخواتكم والإزراء بأمهاتكم! ومن كان منكم يغار على قومه

وبلاده فليجتهد بتربية نفسه ثم تربية الأقرب فالأقرب، واعلموا أنه لو وجد عندنا

تربية وتعليم لوجد عندنا رجال وإذا وجد الرجال توجد النساء كما يريد الرجال

ويوجد المال ويوجد الاستقلال، فالرجال الذي عملوا كل شيء في الماضي وهم الذين

يعملون كل شيء في المستقبل، وخير لهم أن يكون نساؤهم عونًا لهم من أن

يكونوا كلاًّ عليهم، والسلام على من علم وعمل.

_________

ص: 338

الكاتب: محمد رشيد رضا

الاجتماع الخامس لجمعية أم القرى

(في مكة المكرمة يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة 1316)

في الوقت المعين من هذا اليوم تكامل الاجتماع واستعدت الهيئة للمذاكرة

والسماع، وقرأ كاتب الجمعية ضبط الجلسة السابقة حسب القاعدة المرعية.

قال (الأستاذ الرئيس) : سنبحث بعد يومين في وضع قانون الجمعية الدائمة

وإني أرى أن نفوض للجنة منا من الذين سبق لهم دخول في جمعيات علمية أو

الذين لم وقوف على مباني الجمعيات القانونية ولا سيما الغربية المعروفة باسم

(أكاديميات) لتنظم لنا هذه اللجنة سانحة قانون نضعها تحت البحث في الجمعية.

وإني أكلف بهذه اللجنة أخانا السيد الفراتي؛ ليقوم بكتابتها وأخانا السعيد

الإنكليزي ليفيد اللجنة عما يعلمه عن الأكاديميات وعن مجربات جمعيات ليفربول

ورأس الرجا وإخواننا العلامة المصري والصاحب الهندي والمدقق التركي وهذا

يرأسهم؛ لأنه أسنّهم [1] وهؤلاء أعضاء فهل تَسْتَصْوِبُ الجمعية ذلك وترى فيه

الكفاية والكفاءة أم تستدرك شيئًا.

ثم ابتدر (السعيد الإنكليزي) للمقال مخاطبًا الأستاذ الرئيس فقال: إننا

مسلمي (ليفربول) حديثو عهد بالإسلام ولنا إشكالات مهمة تتعلق ببحث اليوم،

أعني بطريقة الاستهداء من الكتاب والسنة؛ لأن أكثرنا قد هدينا والحمد الله إلى

الإسلامية منتقلين إليها من (البروتستانتية) أي الطائفة الإنجيلية لا من الكاثوليك أي

الطائفة التقليدية فنميل طبعًا لاتباع الكتاب والسنة فقط، ولا نثق بقول غير معصوم

فيما ندين.

وقد تركنا دين آبائنا وقومنا لنتبع دين محمد نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام

لا لنتبع الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي أو المالكي وإن كانوا ثقاة ناقلين.

ولنا جمعية منتظمة لها شعبتان في أمريكا وجنوب أفريقيا، ونحن راغبون أن

نسعى سعيًا حثيثًا في الدعوة للدين السامي الإسلامي المبين، والأقوام الذين ندعوهم

غالبهم متمدنون أي أفكارهم متنورة بالعلوم والمعارف وأكبر أملنا معقود بهداية فئتين

اثنتين: الأولى البروتستان والثانية الزنادقة.

أما أملنا في البروتستان، فلأنهم منقلبون حديثًا من الكاثوليكية انقلابًا ناشئًا عن

ترجيحهم الاقتصار على الإنجيل ومجموعة الكتب المقدسة متونًا فقط أي بإهمال

الشروح والتفسيرات والمزيادات التي لا يوجد لها أصل صريح في الإنجيل.

والبروتستان في أوربا وأمريكا يزيدون على مائة مليون من النفوس كلهم

مفطورون على التدين قليلو العناد في الاعتقاد مستعدون لقبول البحث والانقياد للحق

بشرط ظهوره ظهورًا عقليًّا، ولا سيما إذا كان الحق ملائمًا لأسباب هجرهم

الكاثوليكية، من نحو إنكارهم الرياسة الدينية والرهبانية والتوسل بالقديسين وطلب

الشفاعة منهم واحترام الصور والتماثيل والدعاء لأجل الأموات وبيع الغفران والقول

بأن للبطارقة قوة قدسية وقوة تشريعية، وأن للبابا صفة العصمة عن الخطأ في الدين

وأن للأساقفة ومن دونهم من القسيسين مراتب مقدسة إلى غير ذلك مما يُنْتِجُ في

النصرانية سلطةً دينية وتشديدات تعبدية لا يوجد لها أصل في الإنجيل.

وقد يشبه هؤلاء البروتستان في رأيهم فئة قليلة من اليهود تعرف باسم

القرائين وهم الآخذون بأصل التوراة والمزامير والنابذون للتلمود أي للتفسيرات

ومزيدات الأحبار والحاخاميين الأقدمين.

أما الفئة الثانية فهم الزنادقة المارقون من النصرانية كليًّا؛ لعدم ملائمتها للعقل

وهؤلاء في أوربا وأمريكا كذلك يزيدون على مائة مليون من النفوس غالبهم

مستعدون لقبول ديانة تكون معقولة حرة سمحة تريحهم من نصب الكفر في الحياة

الحاضرة فضلاً عن العذاب في الآخرة.

ومن غريب نتائج التدقيق أن أفراد هذه الفئة كلما بعدوا عن النصرانية نفورًا

من شركها وخرافاتها وتشديداتها يقربون طبعًا من التوحيد والإسلامية وحكمتها

وسمحاتها، فبناءً على هذا الحال وهذه الآمال ترى جمعية (ليفربول) أهمية عظيمة

لتحرير مسألة الاستهداء من الكتاب والسنة وتصوير حكمة وسماحة الدين الإسلامي

للعالم المتمدن، فأرجو حضرة الأستاذ الرئيس أن يسمح لي بتفهم مسألة الاستهداء

على أسلوب المحاورة والمساجلة مع بعض الإخوان الأفاضل في هذا المحفل العلمي

العظيم.

فأجابه (الأستاذ الرئيس) بقوله له: ساجِل مَن شئت وخاطبْ مَن أردت

فالإخوان كلهم علماء أفاضل حكماء.

فقال (السعيد الإنكليزي) مخاطبًا العالم النجدي: إنك يا مولاي قد صورت

في مقدمة خطابك في التوحيد مَنْ هو المسلم وألزمتَه العمل بالكتاب والسنة فأرجوك

أن تعرفني أولاً ما هو الكتاب وما هي السنة.

فقال (العالم النجدي) أما (الكتاب) فهو هذا القرآن الذي وصل إلينا بطريق

لا شبهة فيه؛ لاجتماع الكلمة واتفاق الأمة عليه وتناقُلها إياه جيلاً عن جيل حفظًا في

الصدور وضبطًا في السطور مع الحرص العظيم على كيفية أدائه لفظًا وعلى هيئة

إملائه كتابة ومع الاعتناء الكامل في تحقيق أسباب النزول ومكانه ووقته مع حفظ

اللغة العربية المضرية القرشية التي نزل بها بإتقان لا مزيد عليه. وبقاء القرآن

محفوظًا من التحريف والتغيير وموجات الريب إلى الآن هو أحد إعجازه حيث جاء

مصدقًا لقوله تعالى فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) .

أما (السنة) فهي ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أو فَعَلَه أو أقرَّه ولم يكن

صدر منه ذلك على سبيل الاختصاص أو الحكاية أو العادة، وقد اعتنى الصحابة ولا

سيما التابعون وتابعوهم رضي الله عنهم بحفظ السنة حديثها وآثارها وسِيَرها غاية

الاعتناء وتناقلوها بالرواية والسند مُتحرين الوثوق منتهى مراتب التحري والتثبت،

وقد حازت بعض مدونات السنة وثوقًا تامًا وقبولاً عامًّا في الأمة فوصلت إلينا بكمال

الضبط خصوصًا منها الكتاب السنة.

قال (السعيد الإنكليزي) لا يشك أحد حتى العدو المعاند في أنه لم تبلغ ولن

تبلغ أمة من الأمم شأو المسلمين في اعتنائهم بحفظ القرآن الكريم وضبطهم التاريخ

النبوي أي السنة، وكذلك يقال في اعتنائهم باللغة العربية التي هي آلة فهم الخطاب.

وبالنظر إلى ذلك كان يجب أن نحرر الشريعة الإسلامية أحسن تحرير فلا

يوجد فيها ما وجد في غيرها بسبب عدم ضبط أصولها من اختلافات ومباينات مهمة

بين العلماء الأئمة فأرجوك أن تبين لي ما هو منشأ هذا التشتت الذي نراه في

الأحكام.

أجابه (العالم النجدي) أن الاختلافات الموجودة في الشريعة ليس كما يظن

شاملة للأصول بل أصول الدين كلها والبعض من الفروع متفق عليها؛ لأن لها في

القرآن أو السنة أحكامًا صريحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة بإجماع الأمة الذي لا

يُجَوِّز العقلُ فيه أن يكون عن غير أصل من الشرع [2] .

أما الخلافات فإنما هي فروع تلك الأصول في بعض الأحكام التي ليس لها في

القرآن أو السنة نصوص صريحة بل بعض علماء الصحابة رضي الله عنهم وفقهاء

التابعين، ومن جاء بعدهم من الأئمة المجتهدين أخذوا تلك الأحكام التي اختلفوا فيها إما

تلقيًا من بعض الصحابة، فكلٌّ قَلَّدَ مَن صادف [3] . وإما استنبطوها اجتهادًا من

نصوص الكتاب أو السنة بالمدلول المحتمل أو بالمفهوم أو بالاقتضاء أو من قرائن

الحال أو قرائن القال أو بالتوفيق أو بالتخريج أو التفريع أو بالقياس أو باتحاد

العلة أو باتحاد النتيجة أو بالتأويل أو الاستحسان، وهذه الأحكام الخلافية كلها ترجع

إلى دلائل إما قطعية الثبوت ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت ظنية الدلالة. ولكل واحد

من المجتهدين أصول في التطبيق وقوانين في الاستنباط يخالف فيها الآخر، ومنشأ

معظمها الخلافات النحوية والبيانية.

ثم إن أكثر الخلافات هي في مسائل المعاملات وعلى كل حال جاحدها لا يكفر

باتفاق الأئمة بل المخالفون لا يفسق بعضهم بعض إذا كان التخالف عن اجتهاد لا

عن هوى نفس أو تقصير في التتبع الممكن للمقيم في دار الإسلام (مرحى) .

قال (السعيد الإنكليزي) : إني أشكرك على ما أجملت وأوضحت غير أنك لم

تذكر في جملة أسباب الاختلاف في اعتبار الناسخ والمنسوخ بين آيتين أو حديثين

أو آية وحديث وإني أظن أن ذلك من أعظم أسباب الاختلاف في الأحكام.

أجابه (العالم النجدي) : إن نواسخ الأحكام قليلة ومعلومة والخلاف فيها أقل؛

لأن النسخ في زمن التشريع لم يحصل إلا عن حكمة ظاهرة كالتدريج في منع

السُّكْرِ كالنهي عنه حالةَ الصلاة ثم تعين منعُه. وكتغيير المقتضي للتوارث بالإخاء

وهو القطيعة التي حصلت بين المهاجرين وذوي أرحامهم في بدء الأمر ثم لما

تلاحقوا بعد فتح مكة نُسخ ذلك وجُعل التوارث بالنسب. وكالدعوة في أول الإسلام

إلى التوحيد والدين بمجرد الموعظة بدون جدال ثم به بدون صدع ثم به بدون قتال

ثم به في أهل جزيرة العرب فقط ثم بتعميمه مع قبول الجزية والخراج من

غيرهم [4](مرحى)

قال (السعيد الإنكليزي) : إن ما وصفت من أصول الاجتهاد وقوانين

استنباط الأحكام قد أنتج خلاف ما يأمر الله به في قوله تعالى: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا

تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13) وخلاف ما تقضيه الحكمة فهل من وسيلة سهلة

لرفع هذا التفرق.

أجابه (العالم النجدي) إني لا أهتدي لذلك سبيلاً [5] ولعل في الإخوان من يتصور وسيلة لهذا الأمر المهم.

فابتدر (العلامة المصري) مخاطبًا السعيد الإنكليزي وقال: إن رفع الخلاف

غير ممكن مطلقًا ولكن يمكن تخفيف تأثيراته: وذلك أنه لما كان معظم الاختلاف

كما قرره أخونا العالم النجدي في الفروع دون الأصول وفي السنن والمندوبات

والصغائر والمكروهات دون الشعائر والواجبات والكبائر والمنكرات كان أكثر الأمة

هم العامة الذين لا يقدرون أن يميزوا بين الواجب والسنة والمندوب وبين النفل

والمباح بل تنقسم الأحكام كلها في نظرهم إلى نوعين أصليين فقط: مطلوب

ومحظور، وبتعبير آخر: إلى حلال وحرام، وكانت أحكام الشريعة كثيرة جدًّا،

فالعامة يجدون أنفسهم مكلفين بما لا يطيقون الإحاطة بمعرفته فضلاً عن القيام به

ويرون أن لا مناص لهم من التهاون في أكثره أو بعضه فيقوم أحدهم بالبعض فيأتي

بالنفل ويتهاون بالواجب ويتقي المكروه ويقدم على الحرام وذلك كما قلنا لاستكثاره

الأحكام وجهله بمراميها في التقديم والتأخير [6] .

بناءً على ذلك أرى لو أن فقهاء الأمة كما فرقوا مراتب الأحكام على المسائل

يفرقون المسائل أيضًا على المراتب في متون مخصوصة. فيعقدون لكل مذهب من

المذاهب كتابًا في العبادات ينقسم إلى أبواب وفصول تذكر في كل منها الفرائض

والواجبات فقط وتنطوي ضمنًا الشرائط والأركان بحيث يقال: إن هذه الأحكام على

هذه المذاهب هي أقل ما تجوز به العبادة.

ويعقدون كتابًا آخر ينقسم إلى عين تلك الأبواب والفصول تذكر فيها السنن

بحيث يقال: إن هذه الأحكام ينبغي رعايتها في أكثر الأوقات. ثم كتابًا ثالثًا مثل

الأولين تذكر فيه السنن الزوائد بحث يقال: إن هذه الأحكام رعايتها أولى من تركها

وعلي هذا النسق يوضع كتاب للمنهيات يقسم إلى أبواب وفصول تعد فيها المكفرات

والكبائر وكذا الصغائر والمكروهات، ومثل ذلك تقسم كتب المعاملات على طبقات

من الأحكام الاجتماعية أو الاجتهادية أو الاستحسانية.

فبمثل هذا الترتيب يسهل على كل من العامة أن يعرف ما هو مكلف به في

دينه؛ فيعمل عل حسب مراتبه وإمكانه، وبهذه الصورة تظهر سماحة الدين الحنيف

ويصير المسلم مطمئن القلب مثله كمثل تاجر له دفاتر وقيود وحسابات وموازنات

منتظمة فيعيش مطمئن الفكر، وكم بين هذا التاجر وبين تاجر آخر حساباته في

أوراق منتثرة ومعاملاته متزاحمة في فكره لا يعرف ما له وما عليه فيعيش عمره

مرتبك البال مضطرب الحال. (مرحى)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

هو من تُرْك كاشغر لا من أتراك الروم اهـ من الأصل.

(2)

المنار- هذا القول غير مسلّم إذ يُجَوِّزُ العقلُ أن يقول المجتهدون في زمن من الأزمان قولاً مبنيًّا على خطأ لا سيما إذا كانوا قليلي العدد كما هو الواقع بعد الصدر الأول وقد حصل مثل هذا في جميع الملل والذي لا يُجَوِّزُه هو الذي لا يمكن أن يقع.

(3)

وهذا أيضًا غير صحيح فإن هؤلاء الأئمة ما كانوا مقلدين للصحابة.

(4)

شرع الإسلام أو السيف خاصًّا بأهل جزيرة العرب بقصد إحكام الوحدة السياسة في الوحدة الجنسية لا كما يتوهم الطاعنون في الإسلامية أنها لم تقم إلا بالسيف اهـ من الأصل وما ذكره في الدعوة وفي تحريم الخمر ليس النسخ في شيء.

(5)

الأديان والمذاهب كلها مصابة بالانشقاق فهذه البرتستانتية تفرقت في مدة مائتي سنة إلى ما يزيد على مائتي فرقة وهذه أحكام الأحوال الشخصية من نكاح ونحوه في النصرانية مختلف فيها بين الكنائس أو بين رؤساء كل كنيسة اختلافًا لا يهتدي معه إلى نتيجة اهـ من الأصل.

(6)

كالأتراك يهتمون بالسنن والمكروهات أكثر من الواجبات والمنهيات اهـ من الأصل.

ص: 344