المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسلام في إنكلترا - مجلة المنار - جـ ٥

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (5)

- ‌غرة محرم - 1320ه

- ‌فاتحة السنة الخامسة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الكتاب الموعود بنشره

- ‌علم تلامذة العرب وبلاغتهم

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌حرية الجرائد والشعور العام بالفضيلة في مصر

- ‌16 محرم - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌القرآن والكتب المنزلة

- ‌الاجتماع الثاني - الداء أو الفتور العام

- ‌التعليم الذي ترتقي به الأمة

- ‌مقدمتنا لكتاب أسرار البلاغة

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌غرة صفر - 1320ه

- ‌لا وثنية في الإسلام

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌الإسلام في إنكلترا

- ‌(إلى الأغنياء)

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الحريق في ميت غمر

- ‌16 صفر - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع الثالثالداءأو: الفتور العام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قوانين التعليم الرسمي والجمعية العمومية

- ‌شهادة مفتي الديار المصريةلكتاب أسرار البلاغة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ربيع الأول - 1320ه

- ‌آثار محمد علي في مصر

- ‌أميل القرن التاسع عشر [*]

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1320ه

- ‌شروط الواقفينوعدم التعبد بكلام غير المعصومين

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع الرابع لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أأحياها محمد علي وأماتها خلفه

- ‌مصاب عظيم بوفاة عالم حكيم

- ‌غرة ربيع الثاني - 1320ه

- ‌إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

- ‌الملائكة والنواميس الطبيعية

- ‌أميل القرن التاسع عشر [*]

- ‌الاحتفال السنوي بمدرسة الجمعية الخيريةوخطبة المفتي

- ‌تتمة سيرة الكواكبي

- ‌16 ربيع الثاني - 1320ه

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌نموذج من كتاب دلائل الإعجازللإمام عبد القاهر الجرجاني

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة جمادى الأول - 1320ه

- ‌الزواج وشبان مصر وشوابُّها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 جمادى الأولى - 1320ه

- ‌الأزهر والأزهريون - وفاضل هندي

- ‌أفكوهة أدبية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌قصص (روايات) مجلة الهلال

- ‌مسيح الهند

- ‌غرة جمادى الآخر - 1320ه

- ‌الاضطهاد في النصرانية والإسلام

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌إيمان المسلمين وأعمالهم

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 جمادى الآخرة - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مثال من أمثلة تسامح الإسلاموضيق صدر المسيحية

- ‌ الأخبار والآراء

- ‌غرة رجب - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الإسلام اليومأو الاحتجاج بالمسلمين على الإسلام

- ‌الاجتماع السادس لجمعية أم القرى

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الإسلام والدولة البريطانية

- ‌مثال من أمثلة طفولية الأمة

- ‌محادثة بينصاحب جريدة الحاضرة ورئيس تحرير جريدة فرنسوية

- ‌مثال من أمثلة تعصب النصرانية على العلم

- ‌سخافة بشائر السلام في الجاهلية والإسلام

- ‌16 رجب - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الوفاق الإسلامي الإنكليزي

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الاحتفال بافتتاح مدرسة بني مزار

- ‌تتمة سيرة السنوسي

- ‌مشروع مجلة الجامعة الاقتصادي

- ‌غرة شعبان - 1320ه

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الأزهر والأزهريون، وفاضل هندي

- ‌رسالة الكسائي في لحن العوام

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شعبان - 1320ه

- ‌المستقبل للإسلام

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رمضان - 1320ه

- ‌أيصومون ولا يصلون وهم مؤمنون

- ‌الأخبار والآراء

- ‌(كيف يكون المستقبل للمسلمين)

- ‌16 رمضان - 1320ه

- ‌مسير الأنام.. ومصير الإسلام

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الاجتماع السابع لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مقدمة كتاب الإسلام والنصرانية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1320ه

- ‌رأيٌ في علم الكلام، وطريقةٌ في إثبات الوحي

- ‌شبهات المسيحيينوحجج المسلمين

- ‌الاجتماع الثامن لجمعية أم القرى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية

- ‌التقريظ

- ‌إعجاز أحمديأو سخافة جديدة لمسيح الهند

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1320ه

- ‌الإسلام دين العقل

- ‌الاجتماع التاسع لجمعية أم القرىويتبعه الاجتماع 10 و 11

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌16 ذو القعدة - 1320ه

- ‌رد الشبهات عن الإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مسألة الشيخ محمد شاكر

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو الحجة - 1320ه

- ‌مسألة النساء

- ‌إحياء الإسلام لمدينة اليونان والرومان والمصريين

- ‌لاحقة سجل جمعية أم القرى

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ذو الحجة - 1320ه

- ‌رأيٌ في إصلاح المسلمينأو رأيان

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌وصية بطرس الأكبر قيصر روسيا

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الخامسة للمنار

الفصل: ‌الإسلام في إنكلترا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الإسلام في إنكلترا

رأينا في كراسة سياسية تسمى (ديبلوماتيك فلي شينس) أي: المنشورات

السياسية لشهري نوفمبر وديسمبر سنة 1887 مقالة بإمضاء المستر جورج كراشي

أحد أعضاء البرلمنت الإنكليزي أخذنا منه ما يأتى تعريبه وهو:

الإسلام دين لا يبتدع أحكامًا، ولا يخترع للوحي أساسًا جديدًا، ولا يوصي بغير

معهود ليس له كهنوت خاص ولا رئاسة كنسية، ولكنه يسن للملة شرعًا وللدولة قانونًا

يكون تنفيذهما باسم الدين. هذا ما قاله (داود أرقوهارت) في المجلد الأول من

كتابه المسمى بروح الشرق في الصفحة الخامسة والعشرين من مقدمة طبعته الثانية

سنة 1839.

إن حقيقة الإسلام التي أماط الحجاب عنها أولاً من اشتهر بروح الشرق،

وأبرزها للمرتابين من الغربيين، لم تزل تزداد وضوحًا منذ كشفها حتى تجلت اليوم

بنفسها على وجه لم يبق معه للأكاذيب المفتراة على الإسلام سبيل لسلطتها على

النفوس فيما بعد ذلك التجلي الباهر كان فيما ألقاه القسيس (إسحاق طيلر) من

خطابته في المحفل الديني، صدق أرقوهارت في دعواه أن حقيقة الإسلام أمر مسلّم

عند كثيرين، فالنبلاء الكرام (بالكراد) و. مبري و. راولنسون و. لايارد

و. رولاند و. ستانلي أوف ألدرلي و. ديشانسكي وقوم آخرون من قبيلهم شاركوه

في البصيرة وصدقوه فيما قرره. وكل مسافر عاشر الأقوام المحمدية وأنس إليهم،

فله عنهم خبر محمود ومع ذلك كله نرى الجمهور في إنكلترا لم تزل آراؤهم في

مواقفها الأولى.

كانت الحقيقة في احتجاب عن أنظار العامة لأن أكثر أهالي إنكلترا

مصروفون إلى النصرانية عن النظر فيما سواها، وتوارثوا فيها عصبية تظهر لهم

في شعار الدين أما الآن وقد قام قسيس محترم من البيعة الإنكليزية يصدع بهذا الحق،

فلا بد أن يصغي إلى قوله ويذعن له ملايين ممن كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم

ويعرضون عن مقالات قوم يعدونهم سياحين أو متفلسفين.

هذه الحقائق مما لا يقبل الإنكار، وإنما كان الإشكال في طريق اجتلاب

الخواطر إليها حتى تجتليها، وحيث زال هذا الإشكال بهمة أحد القسيسين المحترمين

فالغاية المطلوبة أصبحت مما لا يشك فيه معشر الذين قبلوا نصيحة داود أرقومارت.

ليس السعي لبيان أن الإسلام مما يمكن احتماله فقط، بل لم نزل نطلب أن يكون من

النفوس في مكانة الاحترام، وقد استيقنّا الآن أن رجاءنا المُرْجَأ قد تحقق ومدّعانا

الحق قد سلم به.

لا ينبغي أن يظن أننا نحسب دين الإسلام مخالفًا للدين المسيحي، فذلك مما لم

يخطر لنا ببال قط، وقصارى ما نقول: إن الغاية من كل دين إنما هو العمل الصالح

والمسلك المستقيم، ولسنا نحكم على أبناء جنسنا إلا كما قال المسيح عليه السلام

(بثمراتهم تعرفونهم) وحيث استمسكنا بهذا الأصل فلنا أن نجهر بأن المعتقدين بالدين

المسيحي في هذه الأوقات ليسوا بمنزلة يفضلون بها على المسلمين.

هذا الحق ننادي به ونحن على يقين منه ونحثّ الذين يقولون إنا نصارى. على

أن يضعوا الإسلام في منزلة تنطبق على الواقع ونفس الأمر، فإن استطاعوا أن

يدحضوا حجتنا بالبراهين الساطعة فليعملوا على مكانتهم، وإن لم يفعلوا ولن يفعلوا

فليكن نظرهم إلى الإسلام على حد ما بيّنا مناسبًا للحقيقة الواقعية، ولينصفوا الإسلام

ذلك الدين القيم الذي هو نظام لمعيشة قسم عظيم من أمم كريمة كثيرة العدد من النوع

البشري.

مما يهم الشعب الإنكليزي خاصة أن يتخلصوا من أطوار التعصب التي لا

تنحصر آثارها في إلحاق العار بهم فقط بل تتعدى إلى جلب المضرة عليهم أيضًا؛ لأن

لحضرة الملكة ملايين من رعاياها كلهم مسلمون ونحن في مقام على أحد جانبيه

دولة الروسية، وعلى الجانب الآخر الدولة العثمانية ولا يمكننا أن نزعم عدم المبالاة

بعقابيل الحروب التي قامت على سوقها بين هاتين الدولتين من أمد بعيد، وإلى الآن

لم تضع أوزارها وضعًا حقيقيًّا. إن الدولة الروس لا يمكنها أن تكون في حرب

مستمرة، لكنها لا تراعي ما تكلف به من شروط السلام ولا يزال وكلاؤها الخفيّون

مشتغلين بالعمل (كذا) وما من زمان إلا والحذر فيه من الروسية ضروري للباب

العالي وهذا مجموع أحوال توجب على دولة الإنكليز أن تسأل نفسها آنًا بعد آن: هل لنا أن نقاوم الروسية أو ندعها وشأنها؟

كل وجه من وجوه السياسة يتعلق بسلامة الدولة الإنكليزية وبقائها، يرشدنا

إلى الاعتراف بلزوم عقد معاهدة مع الدولة التي لم تضرنا قط، وفتحت فُرَصَها

لتجارتنا، وأبواب بلادها لأشغالنا، أما الصيحة الفارغة بأن الروسية دولة نصرانية،

والدولة العثمانية دولة محمدية فقد كان لها إلى الآن أسوأ الأثر في إعماء عقولنا

وخطلنا في سياستنا، فلنأخذ من الآن بأصل صحيح وهو أن نعلق الحكم بالأعمال لا

بالعقائد، فإنه ليس خاصًا بالأفراد، بل كما يكون بها يكون بالأقوام والدول أيضًا،

فإن قابلنا بين روسيتنا النصرانية وبين العثمانية المحمدية لم يشك في أن المعاهدة

مع العثمانية هي التي تظهر أفضليتها عند الحاكمين بالحق أجمعين، وإذا ذكرنا

المعاهدة العثمانية فلا نستعمل اللفظ فيها بمعناه السياسي أو تركيبه الديبلوماسي، ولا

ينبغي أن يفهم ذلك من كلامنا، إنما المعاهدة التي كنا نجتهد في إعدادها لسنين طويلة

كانت معاهدة مبنية على شروط مساواة مؤسسة على الاحترام من الجانبين، وظهر لنا

في الأزمان الماضية أن إكمال مثل تلك المعاهدة من المحال. أما الآن فلا نقول: إنها

من قبيل الممكن الذاتي فقط بل صارت من قبيل ما بالقوة القريبة من الفعل.

_________

ص: 101

الكاتب: محمد رشيد رضا

تتمة الاجتماع الثاني

لجمعية أم القرى

الداء

أو: الفتور العام

أجابه (المرشد الفاسي) إننا كنا على عهد السلف الصالح وشريعتنا سمحة

واضحة المسالك معروفة الواجبات والمناهي، فكان الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر وظيفة لكل مسلم ومسلمة، وكنا في بساطة من العيش متفرغين لذلك، ثم شغلنا

شأن التوسع فخصصنا لذلك محتسبين ثم دخل في ديننا أقوام ذوو بأس ونفاق أقاموا

الاكتساب مكان الاحتساب، وحصروا اهتمامهم في الجباية وآلتها التي هي الجندية

فقط؛ فبطل الاحتساب وبطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبعًا، فهذا يصلح

أن يكون سببًا من جملة الأسباب، ولكنه لا يكفي وحده لإيراث ما نحن فيه من الفتور.

على أن انحصار همة الأمراء الدخلاء في الجباية والجندية أدى بهم إلى

إهمال الدين كليًّا ولولا أن في القرآن آيتين اثنتين لهجروه ظهريًّا إحداهما قوله تعالى:

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (النساء: 59) مع الغفلة عن

المراد بكلمة (أولي) وما تقتضيه صيغة الجمع وما يقتضيه قيد منكم. والثانية قوله

تعالى: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة: 218) مع إغفال بيان الجهاد المأمور

به؛ هل هو ما يكون به إعزاز كلمة الله أم ما تؤيد به سلطة الأمراء العاملين على

الإطلاق؟ فإهمال الاهتمام بالدين قد جر المسلمين إلى ما هم عليه حتى خلت قلوبهم

من الدين بالكلية، ولم يبق له عندهم أثر إلا على رءوس الألسن لا سيما عند بعض

الأمراء الأعاجم الذين ظواهر أحوالهم وبواطنها تحكم عليهم بأنهم لا يتراءون بالدين

إلا لقصد تمكين سلطتهم على البسطاء من الأمة، كما أن ظواهر عقائدهم وبواطنها

تحكم عليهم بأنهم مشركون ولو شركًا خفيًّا من حيث لا يشعرون.

فإذا أضيف إلى شرهم هذا ما هم عليه من الظلم والجور يحكم عليهم الشرع

والعقل بأن ملوك الأجانب أفضل منهم وأولى بحكم المسلمين لأنهم أقرب إلى العدل

وإقامة المصالح العامة وأقدر على عمارة البلاد وترقية العباد، وهذه هي حكمة الله في

نزع الملك من أكثرهم كما يقتضيه مفهوم {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا

مُصْلِحُونَ} (هود: 117)[1] . وقد افتخر النبي عليه السلام بأنه ولد في زمن

كسرى أنوشروان عابد الواكب [2] فقال: (ولدت في زمن الملك العادل)[3]

وحكى ابن طباطبا في (الآداب السلطانية والدول الإسلامية) أنه لما فتح

السلطان هلاكو (وهو مجوسي) بغداد سنة (656) أمر أن يستفتى علماؤها: أيّ

الرجلين أفضل السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر؟ فاجتمع العلماء

في المستنصرية لذلك، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب حيث كان رضي

الدين علي بن طاووس حاضرًا وكان مقدمًا محترمًا فتناول الفتيا ووضع خطَّه

فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الظالم فوضع العلماء خطوطهم بعده.

ثم قال: إني أظن أن السبب الأعظم لمحنتنا هو انحلال الرابطة الدينية؛ لأن

مبنى ديننا على أن الولاء فيه لعامة المسلمين، فلا يختص بحفظ الرابطة والمسيطرة

على الشؤون العمومية رؤساء دين سوى الإمام إن وجد وإلا فالأمر يبقى فوضى بين

الجميع، وإذا صار الأمر فوضى بين الكل فبالطبع تختل الجامعة الدينية وتنحل

الرابطة السياسية كما هو الواقع. ومن أين لنا حكيم (كبسمرك) أو ملزم

(كغاريبالدي) يوفق بين أمرائنا أو يلزمهم بجمع كلمتنا. وقد زاد على ذلك فقدنا

الرابطة الجنسية أيضًا، فإن المسلمين في غير جزيرة العرب لفيف أخلاط دخلاء،

وبقايا أقوام شتى لا تجمعهم جامعة غير التوجه إلى هذه الكعبة المعظمة.

ومن المقرر المعروف أنه لولا رءوساء الدين في سائر الملل وروابطهم

المنتظمة المطردة أو من يقوم مقام الرؤساء من الدعاة أو مديري ومعلمي المدارس

الجامعة المتحدة المبادئ لضاعت الأديان وتشعب أخلاق الأمم ونالهم ما نالنا من

كون كل فرد منا أصبح أمة في ذاته.

أجابه (المحقق المدني) إن فقد الرابطة الدينية والوحدة الخلقية لا يكفيان أن

يكونا سببًا للفتور العام بل لابد لذلك من سبب أعم وأهم. ثم قال: أما أنا فالذي

يجول في فكري أن الطامة هي من تشويش الدين والدنيا على العامة بسبب العلماء

المدلسين وغلاة المتصوفين الذين استولوا على الدين فضيعوه وضيعوا أهله. وذلك

أن الدين إنما يعرف بالعلم، والعلم يعرف بالعلماء العاملين، وأعمال العلماء قيامهم

في الأمة مقام الأنبياء في الهداية إلى خير الدنيا والآخرة. ولا شك أن لمثل هذا

المقام في الأمة شرفًا باذخًا يتعاظم على نسبة الهمم في تحمل عنائه والقيام بأعبائه.

فبعض ضعيفي العلم وفاقدي الدم تطلعوا إلى هذه المنزلة التي هي فوق طاقتهم،

وحسدوا أهلها المتعالين عنهم، فتحيلوا للمزاحمة والظهور في مظهر العلماء العظماء

بالإغراب في الدين ، وسلوك مسلك الزاهدين. ومن العادة أن يلجأ ضعيف العلم

إلى التصوف كما يلجأ فاقد المجد إلى الكبر، وكما يلجأ قليل المال إلى زينة اللباس

والأثاث (مرحى) .

فصار هؤلاء المتعالمون يدلسون على المسلمين بتأويل القرآن بما لا يحتمله

محكم لفظه الكريم، فيفسرون البسملة أو الباء منها مثلاً بسفر كبير تفسيرًا مملوءًا

بلغط لا معنى له، أو تحكم لا برهان عليه، ثم جاءوا الأمة بوراثة أسرار ادعوها

وعلوم لدُنيات ابتدعوها وتسنيم مقامات اخترعوها ووضع أحكام لفقوها وترتيب

قربات زخرفوها. وبالإمعان نجدهم قد جاءوا مصداقًا لما ورد في الحديث الصحيح

(لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع - وفي رواية: حذو القذة بالقذة -

حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال هو

فمن؟) . وذلك أن هؤلاء المدلسين اقتبسوا ما هنالك كله أو جله عن أصحاب

التلمود وتفاسيرهم ومن المجامع المسكونية ومقراتها ومن البابوية ووراثة السر ومن

مضاهاة مقامات البطارقة والكردينالية والشهداء وأسقفية كل بلد ومطاهر القديسين

وعجائبهم والدعاة المبشرين وصبرهم، والرهبنات ورؤسائها وحالة الأديرة

وبادريتها، والرهبنة أي التظاهر بالفقر ورسومها والحمية وتوفيتها ورجال الكهنوت

ومراتبهم وتميزهم في ألبستهم وشعورهم ومن مراسم الكنائس وزينتها، والبيع

واحتفالاتها والترنحات ووزنها والترنمات وأصولها، وإقامة الكنائس على القبور

وشد الرحال لزيارتها والإسراج عليها والخضوع لديها وتعليق الآمال بسكانها.

وأخذوا التبرك بالآثار كالقدح والحربة والدستار من احترام الذخيرة وقدسية

العكاز، وكذلك إمرار اليد على الصدر عند ذكر بعض الصالحين من إمرارها

على الصدر لإشارة التصليب، وانتزعوا الحقيقة من السر، ووحدة الوجود من

الحلول، والخلافة من الرسم، والسقيا من تناول القربان، والمولد من الميلاد، وحفلته من الأعياد، ورفع الأعلام من حمل الصلبان، وتعليق ألواح الأسماء

المصدرة بالندامة على الجدران من تعليق الصور والتماثيل، والاستفاضة والمراقبة

من التوجه بالقلوب انحناءً أمام الأصنام، ومنع الاستهداء من نصوص الكتاب

والسنة من حظر الكهنة الكاثوليك قراءة الإنجيل على غيرهم، وسد اليهود باب

الأخذ من التوارة وتمسكهم بالتلمود إلى غير ذلك مما جاء به المدلسون تقليدًا لهؤلاء

شبرًا شبرًا واقتفاء لأثرهم بالدخول حيث دخلوا جُحرًا جحرًا. وهكذا إذا تتبعنا

البدع الطارئة نجد أكثرها مقتبسًا وقليلها مخترعًا.

وقد فعل المدلسون ذلك سحرًا لعقول الجهلاء، واختلابًا لقلوب الضعفاء كالنساء

وذوي الأهواء والأمراض القلبية أو العصبية من العامة والأمراء السلسي القياد طبعًا

إلى الشرك؛ لأن التعبد رغبة أو رهبة لما بين أيديهم وتحت أنظارهم أقرب إلى

مداركهم من عبادة إله ليس بجوهر ولا عرض وليس كمثله شيء، ولأن التعبد باللهو

واللعب أهون على النفس والطبع من القيام بتكليفات الشرع كما وصف الله تعالى

عبادة مشركي الرب فقال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إِلَاّ مُكَاءً وَتَصْدِيَة} (الأنفال: 35) أي: صفيرًا وتصفيقًا وهؤلاء جعلوا عبادة الله تصفيقًا وشهيقًا

وخلاعة ونعيقًا (مرحى) .

والحاصل أنه بذلك وأمثاله نجح المدلسون فيما يقصدون، ولا سيما بدعوى فئة

منهم الكرامة على الله والتصرف بالمقادير وباستمالتهم العامة بالزهد الكاذب والورع

الباطل والتقشف الشيطاني وبتزيينهم لهم رسومًا تميل إليها النفوس الضعيفة الخاملة

سموها آداب السلوك ما أنزل الله بها من سلطان ولا عمل بها صحابي ولا تابعي،

ظاهرها أدب وباطنها تشريع وشرك، وبجذبهم البله الجاهلين لتصعيب الدين من

طريق العلم والعمل بظاهر الشرع، وتهوينه كل التهوين من طريق الاعتقاد بهم

وبأصحاب القبور.

وقد تجاسروا على وضع أحاديث مكذوبة أشاعوها في مؤلفاتهم حتى التبس

أمرها على كثير من العلماء المخلصين من المتقدمين والمتأخرين مع أنها لا أصل

لها في كتب الحديث المعتبرة. وجلبوا الناس بالترهيب والترغيب، أما الترغيب:

فبالاستفادة من الدخول في الرابطات والعصبيات المنعقدة بين أشياعهم. وأما

الترهيب: فبتهديدهم مناوئيهم أو مسيئي الظن بهم بإضرارهم في أنفسهم وأولادهم

أموالهم ضررًا يتعجلهم في دنياهم قبل آخرتهم. (مرحى)

وقد قام لهؤلاء المدلسين أسواق في بغداد ومصر والشام وتلمسان قديمًا،

ولكن لا كسوقها القائم في القسطنطينية منذ أربعة قرون إلى الآن حتى صارت فيها

هذه الأوهام السحرية والخزعبلات كأنها هي دين معظم أهلها، لا الإسلام، وكأنهم لما

ورثوا عن الروم الملك حرصوا على أن يرثوا طبائعهم أصلاً حتى التوسع في هذه

المصارع السيئة، فاقتبس لهم المدلسون كثيرًا مما طبقوه على الدين، وإن كان الدين

يأباه، وزينه لهم الشيطان بأنه من دقائق الدين، ومن هذه العواصم سرى ذلك إلى

الآفاق بالعدوى من الأمراء إلى العلماء الأغبياء إلى العوام.

فهؤلاء المدلسون قد نالوا بسحرهم [4] نفوذًا عظيمًا، به أفسدوا كثيرًا في الدين

وبه جعلوا كثيرًا من المدارس تكايا للبطالين؛ الذين يشهدون لهم زورًا بالكرامات

المرهبة وبه حولوا كثيرًا من الجوامع مجامع للطبالين الذين ترتد من دوي طبولهم

قلوب المتوهيمن، وتكفهر أعصابهم فيتلبسهم نوع من الخيل يظنونه حالة من الخشوع

وبه جعلوا زكاة الأمة ووصاياها رزقًا لهم وبه جعلوا ربع أوقاف الملوك والأمراء

عطايا لأتباعهم مما نسمي في البلاد العثمانية (دعا كوا وطعامية)(مرحى) .

وبذلك ضاق على العلماء الخناق لا رزق ولا حرمة وكفى بذلك مضيعًا للعلم

وللدين؛ لأنه قد التبس على العامة علماء الدين بالفقراء الأدلاء من هؤلاء

المدلسين الأغنياء الأعزاء، فتشوشت عقائدهم وضعف يقينهم فضيع الأكثرون

حدود الله وتجاوزوها، وفقدوا قوة قوانين الله ففسدت أيضًا دنياهم واعتراهم هذا

الفتور.

أجاب (المولى الرومي) إن كل الديانات مُعَرَّضة بالتمادي لأنواع من

التشويش والفساد، ولكن لا تفقد من أهلها حكماء ذوي نشاط وعزم ينبهون الناس

ويرفعون الالتباس، أو يعوضون قواعد الدين إذا كان أصلها واهيًا (لا متينًا كقواعد

الإسلام) بقوانين موضوعة تقوم بنظام دنياهم ويتحملون في سبيل ذلك ما يتحملون

من المشاق خدمة لأفكارهم السامية، ويبذلون ما عز وهان حفظًا لشرفهم القائم بشرف

قومهم، بل حفاظًا لحياتهم وحياة قومهم من أن يصبحوا أمواتًا متحركين في أيدي

أقوام آخرين. ولقد أثبت الحكماء المدققون بعد البحث الطويل العميق أن المَنْشأ

الأصلي لكل فساد في أخلاق العباد، والمَنْبَت الأول لكل شقاء في بني حواء هو أمر

واحد لا ثاني له؛ ألا وهو وجود السلطة القانونية منحلة ولو قليلاً لفسادها، أو لغلبة

سلطة شخصية عليها من فرد أو أكثر، فما بال الزمان يَضِنُّ علينا برجال ينبهون

الناس، ويرفعون الالتباس، يفتكرون بحزم، ويعلمون بعزم، ولا ينفكون. حتى

ينالوا ما يقصدون، فينالوا حمدًا كثيرًا، وفخرًا كبيرًا، وأجرًا عظيمًا؟ وعندي أن

داءنا الدفين دخول ديننا تحت ولاية العلماء الرسميين وبعبارة أخرى تحت ولاية

الجهال المتعممين.

وهنا نبه السيد الفراتي الأستاذ الرئيس إلى قرب وقت الانصراف؛ عندئذ

جهز (الأستاذ الرئيس) بشعار (لا نعبد إلا الله) تنبيهًا للإخوان وقال لهم إن أخانا

المولى الرومي لفارس مغوار نحب ما عودنا من التفصيل والإشباع، والآن قد آن

وقت الظهر وحان أن نتفرق لندرك الصلاة وموعدنا غدًا إن شاء الله تعالى.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

الظلم هنا الشرك.

(2)

يظن أن اتخاذ الشمس إلى الآن شارة للملك في إيران وكذلك اتخاذ الهلال والنجم شارة للملك عند الترك هو من بقايا دياناتهم الأولى.

(3)

الحديث موضوع باطل وإن استشهد به بعض العلماء الأعلام ومنهم حجة الإسلام.

(4)

السحر لغة إخراج الباطل في صورة الحق بالتمويه والخداع، والسحر الذي جاء في الشرع ليس غير هذا بدليل وصفه تعالى لعمل سحرة فرعون في قوله جلت حكمته:[قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوَهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ](الأعراف: 116) وقوله: [فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى](طه: 66) .

ص: 105

الكاتب: محمد رشيد رضا

قانون التعليم الرسمي والجمعية العمومية

كان كل مصري يسيء الظن بكل عمل يجري على أيدي المحتلين فما زالت

الأعمال تنقض وتبرم وتمحو وتثبت حتى اعترف الأكثرون بأكثر نتائج الأعمال

الإصلاحية النافعة في الري والمالية والإدارة والسياسة، ولولا أن أكثر الناس أو كل

الناس غير راضين عن سير نظارة المعارف لاعترفوا أجمعين بحسن نية المحتلين

وإرادتهم الخير للبلاد وأهلها، وليس هذا مقام بسط هذه المسألة ولكن هذه الكلمة

تمهيد لما يأتي وهو أن سخط الناس من سير نظارة المعارف في التعليم جعل شأنًا

عظيمًا لاقتراح الوجيه الفاضل أمين بك الشمسي على الجمعية العمومية أن تطلب

من الحكومة عرض قوانين التعليم (بروجرامات) ومنشورات المعارف على

مجلس شورى القوانين ومجلس النظار.

وتوقع الناس أن تقبل الحكومة هذا الاقتراح بمقدار ما لهم من حسن الظن فيها.

وما كانوا ينتظرون أن يدافع صاحب السعادة ناظر المعارف الجمعية العمومية

ويناضلها نضال بني ثعل؛ ليدفع عن نظارته هذا الاقتراح؛ لأنهم يعتقدون أنه

مستريح من أعمال المعارف لثقته بأمين أسرارها العامل الدائب المستر دنلوب

وسائر الموظفين تحت يده، ولأن من شأن الواثق بحسن عمل ينسب إليه حقيقة أو

عرفًا بالذات أو بالواسطة أن يحب عرضه على الناس ويسعى في توجيه أنظارهم إليه

لا سيما إذا كان الغرض من العمل المنفعة العامة وكان نقد الناظرين فيه من أسباب

ترقيه وإتقانه كنظام التعليم ولكن الناظر جاء بما لم يكن في الحسبان ولا نخوض في

تعليل ذلك مع الخائضين، ولكننا نبحث في دفاعه وتعليله في مناقشة الجمعية العمومية

في جلسة 6 ذي الحجة سنة 1319 ونختصر ما نورده من المناقشات غالبًا ونحذف

الألقاب الرسمية فنقول:

عندما عرض اقتراح الشمسي بيَّن الناظر للجمعية كيفية وضع قوانين التعليم

(البروجرامات) وهو أن نظار المدارس ومفتشيها يقدمون في آخر كل سنة مكتبية

تقارير بما يرونه في نظام التعليم فتبحث فيه اللجنة العلمية المؤلفة من كبارهم، وتقدم

ما تقر عليه منه إلى مجلس المعارف الأعلى فيبحث فيه ويقدم ما يراه منه إلى

مجلس النظار (قال) : (والذي يتقرر يصدر الأمر بإجرائه) .

فقال مفتي الديار المصرية: الذي يلاحظه الناس هو أن القوانين تعرض

بمقتضى العادة على مجلس النظار ثم ترسل إلى مجلس شورى القوانين، ومن ذلك ما

يكون متعلقًا بوضع مائة قرش غرامة ونحوه. فالقوانين المتعلقة بالأصول العامة

للتربية والتعليم أولى بهذا، وهي لا تخص نظارة المعارف وحدها بل القطر كله،

فيصح للجمعية العمومية أن تطلب ضمانًا زائدًا بالنسبة إلى حالة الأشخاص، فإن

الكثيرين يعتقدون أن تلامذة السنة الثانية في المداس الابتدائية يعلمون بعض العلوم

باللغات الأجنبية فلا يفهمونها طبعًا. ثم إن طرق التهذيب وتربية النفوس هي التي

عليها مدار مستقبل الناشئين ومعرفتهم ما يجب عليهم لمصلحة أنفسهم فمن الضروري

الاعتناء بأمثال هذه المسائل، فلو درس قانون التعليم بمجلس النظار وتحول إلى

مجلس الشورى لكان ذلك أكثر ضمانًا، فإن المشتغل بعمل يحكم ذلك العمل عليه

فيضيع منه كثير من الأشياء المتعلقة بالحالة العمومية.

(الناظر) : (البروجرامات) جار نشرها قبل دخول السنة المكتبية، وما

يفهمه البعض من أن السنة الثانية تدرس باللغة الأجنبية فهو خطأ؛ لأن التلميذ يبتدئ

في هذه السنة في تعلم مبادي اللغة الأجنبية فقط، ولم يكن المعلمون وحدهم منفردين

في إبداء رأيهم في سير التعليم بل المشتغل بذلك هم ونظار المدارس والمفتشون

الذين هم من خيار الناس، فعندنا تقارير نظار المدارس وتقارير المفتشين وتقارير

اللجنة العلمية وقرار مجلس المعارف وقرار مجلس النظار فهذه خمس ضمانات) .

أوردنا جواب ناظر المعارف بلفظه كما نشر على ما فيه من ضعف العبارة

لتظهر مغالطته بأتم إيضاح، وهي من وجهين:

أحدهما قوله: إن التلميذ يبتدئ في السنة الثانية بتعلم اللغة الأجنبية؛ أي:

العلوم فلا يتعلم بها شيئًا من العلوم والصواب أنه يبتدئ بتعلمها في السنة الأولى كما

ترى في الصفحة 10 من قانون التعليم الابتدائي الصادر بإمضاء الناظر نفسه في

جمادى الثاني سنة 1319 أي قبل هذه المناقشة بنحو نصف سنة، وكون التلميذ يتعلم

في السنة الأولى وكذا الثانية لغة أجنبية خطأ ظاهر، وإننا لنعرف كثيرين من المعلمين

ونظار المدارس يتبرمون منه ولكنهم يعتقدون أنه أمر مبرم هبط من سماء القوة على

أرض الضعف والاستكانة، ولو علموا أن إبداء رأيهم يصل مجلس الشورى فيطالب

به باسم الأمة لأبدوه آمنين من مغبته؛ لأن كل ما يتوقعونه حينئذ من المؤاخذة على

نكث شيء من فتل ذلك الأمر المبرم يكون معلومًا للناس إذا وقع بعد إطلاع

مجلس الشورى ومجلس النظار وسائر الناس على اقتراح المقترح.

ثم إن تعليم التاريخ الطبيعي (الأحياء) وتقويم البلدان يكون باللغة

الإنكليزية في السنة الثالثة الابتدائية والفرق بينها وبين السنة الثانية ليس كبيرًا

وإنهم ليعلمون أنه لا يمكن أن يحصل التلميذ من اللغة الأجنبية في سنتين ما يتمكن

به من فهم العلوم الطبيعية فيها، ولذلك يعيدون عليه في السنة الثالثة من دروس

تقويم البلدان بالإنكليزية ما كان تعلمه بالعربية، فإن كان الغرض العلم فلا معنى لهذا

الرجوع القهقرى، وإن كان المراد اللغة العربية فالأوقات المخصصة لها ليست

بقليلة كما سنبينه في نبذة أخرى.

والوجه الثاني: (الضمانات الخمس) وهي لا تصلح دفعًا لقول المفتي؛ لأنه

قال: إن عرض نظام التعليم على مجلس الشورى أكثر ضمانًا أي: إن الخمس تكون

به ستًّا فإذا كان الناظر واثقًا من إتقان نظام نظارته ويود أن تزداد إتقانًا وارتقاءً

فماذا يضره لو عرض ذلك على كل من له رأي من الناس وعلم رأيه؟ ثم هو يعلم

أن الحكومة أنشأت مجلس الشورى والجمعية العمومية لتعلم الأمة كيف تحكم

ولتجعل لها رأيًا في قوانينها ونظاماتها لتكون أمة حية كأمم أوربا، حتى إذا ما

استعدت لذلك يكون كل شيء برأي مجلسها النائب عنها، فلماذا يبخل عليها ناظر

المعارف بالبحث في قوانين نظارته ونظام التعليم في مدارسها بواسطة أعضاء

مجلس الشورى الذين هم من خيارها كما أن نظار المدارس ومفتشيها من الخيار كما

قال وزيادة الخُيَّار خير.

ولا يخفى عليه أن الأمة تثق بمجلس الشورى أكثر من ثقتها بأي مجلس من

مجالس الحكومة؛ لأنها تعتقد أن أعضاءه لا سلطان عليهم للسياسة؛ لأن الحكومة

وضعتهم للانتقاد على قوانينها، ولأنهم لا يتوقعون ضرًّا من مخالفة رغائبها.

أما (الضمانات الخمس) فهي في المعنى شيء واحد، وإن شئت قلت: لا

شيء؛ لأن العامل الذي تطلب الأمة الضمان على إتقان عمله هو نظارة المعارف،

فلا يصح أن تكون هي الضامنة لنفسها بأن عملها برأي الموظفين فيها. وذلك

التعدد في الضمانات لا تأثير له؛ لأن آراء المعلمين والناظرين والمفتشين يدغم

بعضها في بعض، ولا يعرض على مجلس النظار إلا ما يراه مجلس المعارف الأعلى

وحده فمجلس النظار لا يبحث في آراء أصحاب (الضمانات) الثلاث

ولا يعرفها. ذلك أن المعلمين يبدون آراءهم لنظار مدارسهم فيختار منها هؤلاء ما

يرضونه أو ما يرضون به، ويقدمونه للجنة العلمية فتمحو منه ما تشاء وتثبت ما

تشاء وترفعه إلى اللجنة العليا فتنسخ منه ما تشاء، وتقدم الباقي إلى مجلس النظار

فيصدق عليه. وإنما يتحقق الضمان من معلمي المدارس ونظارها ومنشئيها إذا

أعطوا حرية بأن يقولوا ما يرونه وكان يعمل بما يقولون أو يبين المانع من العمل

به وأعطوا مع ذلك ضمانًا بأن من رأت اللجنة العلمية أو العالية خطأ رأيه فإنه لا

يؤاخذ سرًّا ولا جهرًا.

ثم إن المفتي احتج على كون تلك (الضمانات) غير كافية بأمرين، أحدهما:

استمرار التغيير في قانون التعليم (البروجرام) حتى في المسائل الكلية. قال:

وهذا يدل على أن معلومات واضعي التقارير غير كافية. وأجاب الناظر عنه بأن

التغيير يدل على دقة البحث. وظاهر أن هذا الجواب غير سديد؛ لأن دقة البحث إذا

سلمت وكان من المسلم أيضًا أن التغيير مستمر حتى المسائل الكلية فذلك دليل على

أن هذه الدقة لم تأت بالفائدة المطلوبة، وما ذلك إلا لأنها غير مبنية على علم

كاف فهي تحتاج إلى الإمداد والمساعدة، وللحكومة مجلس أنشئ للبحث في القوانين

خاصة فيجب أن يكون هو المساعد والممد لنظارة المعارف في تنقيح قوانينها.

والأمر الثاني الذي احتج به المفتي: هو أن لكمال ثقة الناس بسير التعليم أكبر

شأن وأهمه، وإن ذلك يكون باطلاع مجلس النظار ومجلس الشورى على قوانينه،

وأجاب الناظر بإعادة ذكر (الضمانات الخمس) وزاد ضامنًا آخر سماه (الضمانة)

الكبرى وهو طبع تلك القوانين ونشرها. قال: وقلما نرى واحدًا من الناس يقرؤها

فيعرف سير التعليم. وظاهر أن هذا الجواب في غير موضوع الدعوى؛ لأن

الدعوى هي أن ثقة الأمة بالتعليم مطلوبة، وأنها تكون بكذا بدليل طلب نوابها له.

فكان ينبغي أن يكون الجواب إما بالتسليم وإما بمنع الحاجة إلى ثقة الأمة بالتعليم، أو

بمنع أن ثقتها تكون بعرض قوانين التعليم على مجلس النظار ومجلس الشورى، فأما

المنع الأول فيستحيل أن يصدر من ناظر المعارف، وأما الثاني فالفصل فيه للجمعية

العمومية، وقد وافقت أخيرًا عند أخذ الآراء على وجوب عرض قوانين التعليم

ومنشورات المعارف على مجلس الشورى فثبت رأي مفتي الديار المصرية، وأما

الجواب عن (الضمانة) الكبرى، فهو أن عدم رؤية الناظر لقراء قوانين التعليم لا

يدل على عدم القارئين لها فإذا قال: كان يجب أن ينتقدوها إن لم يرتضوها. نقول:

إن العامل لا يتوجه إلى عمل إلا إذا رجا فائدته، ولا يطوف في ذهن أحد أن

انتقاده قانون التعليم يكون سببًا لرجوع نظارة المعارف عن خطئها فيه. وإذا كان قد

ظهر أن ناظر المعارف يدافع الجمعية العمومية الناطقة باسم الأمة المصرية،

ويمنعها بالمغالطات عن طلب النظر في قوانين التعليم، فهل كان ينتظر أن يلتفت إلى

قول واحد من الناس أو اثنين أو أكثر إذا هم انتقدوا على قوانينه؟ على أن الجرائد

كثيرًا ما تنتقد المعارف في سير التعليم وسائر نظامها فيه ولم يغن ذلك شيئًا.

ثم تكلم بعد المفتي الشيخ علي يوسف فذكر بعض ما ينتقد على نظام التعليم

وقوانينه مما يصح أن يذكر في مجلس رسمي، وسنذكر ذلك الجزء الثاني مع جواب

الناظر وبيان الصواب، ونزيد من الانتقاد على تلك القوانين ما شاء الله أن نزيد.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 110