المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب نهج البلاغة - مجلة المنار - جـ ٦

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (6)

- ‌غرة المحرم - 1321ه

- ‌فاتحة السنة السادسة

- ‌وفد بني تميم

- ‌ورع أبي بكر رضي الله عنه

- ‌ديوان الرافعي

- ‌تتمة تقريظ(أحسن الكلام)

- ‌الدولة العلية ومكدونية

- ‌سلطان زنجبار والأمير العربي

- ‌16 المحرم - 1321ه

- ‌دعوى صلب المسيح(1)

- ‌معجزات نبينا عليه السلام

- ‌الدولة العلية وماليتها

- ‌كتاب من صديق إلى صديق في هذه الدياريصف له فيه حال بعض الأقطار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة صفر - 1321ه

- ‌النبأ العظيم

- ‌دعوى صلب المسيح(2)

- ‌قتل بني إسرائيل أنفسهموبعثهم بعد موتهم

- ‌16 صفر - 1321ه

- ‌استدراك

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌تتمة تقريظ رسالة الشيخ محمد بخيت

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الاحتفال بمدرسة الشوربجي في كفر الزيات

- ‌الإصلاح الشرعي في السودان المصري

- ‌تقريظ المنار

- ‌غرة ربيع الأول - 1321ه

- ‌اليهود والماسونية وحَدَثُ الوطنية

- ‌16 ربيع الأول - 1321ه

- ‌ شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌أي الفريقين المتعصب: المسلمون أم النصارى

- ‌سؤال في التثليث

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌الباب وقرة العين

- ‌الطلاق على الغائب والمعسر في السودان

- ‌فتاوى المنار

- ‌مأثرة للمنشاوي

- ‌غرة ربيع الثاني - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌كتابة القرآن بالحروف الإنكليزية

- ‌كتاب البؤساء

- ‌إعانة سكة الحديد الحجازية

- ‌16 ربيع الثاني - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌تحريم الخنزير ونجاسة الكلب

- ‌التقريظ

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌المحسن المصري العظيم منشاوي باشا

- ‌جمعية الفضائل الإسلامية

- ‌قراء الصحف المنشرَّة

- ‌نحن واليازجي

- ‌غرة جمادى الأول - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز [*]

- ‌البابا لاون الثالث عشر - ترجمته

- ‌الخديو وجمعية المسلمين في لوندره

- ‌الأخبار والآراء

- ‌عود إلى سرد الأحاديث الموضوعة

- ‌16 جمادى الأولى - 1321ه

- ‌النرد والشطرنج ونحوهما

- ‌فتاوى المنار

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌المحسن العظيم منشاوي باشا

- ‌مدرسة المعلمين الإلهامية

- ‌وفاء قراء الصحف ومطلهم

- ‌غرة جمادى الأول - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌قصة بقرة بني إسرائيلليس فيها معجزة

- ‌تحرير يوم مولد النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌الرد على شبهات النصارى وترجمة البابا

- ‌التقريظ

- ‌الدولة العلية ومكدونيةورأي في الإصلاح

- ‌البابا لاون الثالث عشر - تتمة ترجمته

- ‌الهيضة الوبائية في سوريا

- ‌16جمادى الثانية - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌بيان القرآن وبلاغتهوما يوهم غير ذلك

- ‌مضار تربية النساء الاستقلالية

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رجب - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌شكوى الأمهات من تربية البنات

- ‌التقريظ

- ‌وفاة حسن باشا ناظر البحرية

- ‌فتنة بيروت

- ‌سعاية خائبة

- ‌16 رجب - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلِّد وصاحب حجة

- ‌الدليل على اشتراط الإسلام في القاضي

- ‌تحريم تحليل المطلقة ثلاثًاوبدع المحللين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌(أميل) القرن التاسع عشر

- ‌المدرسة الكلية الأمريكانية في بيروت

- ‌الأستاذ الإمام - عودته

- ‌الأخبار والآراء

- ‌فتك الهيضة في حِمْص وطرابُلس

- ‌غرة شعبان - 1321ه

- ‌سورة العصر

- ‌مناظرة بين مُقلِّد وصاحب حجة

- ‌المدارس المصرية لا تربي رجالاً مستقلين

- ‌شذرة باب الآثار الأدبية

- ‌نصيحة الأستاذ الإمام لأهل الجزائر وتونس

- ‌الخطر في مراكش

- ‌16 شعبان - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌دلائل الإعجاز

- ‌كتاب نهج البلاغة

- ‌الإسلام والمسلمون

- ‌الأمر الصغير الكبير

- ‌غرة رمضان - 1321ه

- ‌حكمة الصيام وفضل رمضان

- ‌أحاديث في الوقف

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌خطبة مِنبرية

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1321ه

- ‌زكاة الفطر

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌أسئلة الشيخ محمد نجيب أفندي

- ‌اعتبار رؤية الهلال في الشهور العربية

- ‌حديث غريب

- ‌سكنى الشيطان في بدن الإنسان

- ‌لبس القلنسوة المعروفة بالبرنيطةأو التشبه بالنصارى

- ‌احتفال الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌ربح صندوق التوفير في إدارة البريد

- ‌الأحاديث الموضوعة في الصيام ورمضان

- ‌الولدان في الحمامات

- ‌إعلان الفسق في موسم العبادة

- ‌بِتْخِسِّي

- ‌غرة شوال - 1321ه

- ‌الوقف من الدين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌التقريظ

- ‌سيرالون

- ‌عدن وبلاد العرب

- ‌16 شوال - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الفتاوى الثلاثفي لبس قلنسوة أهل الكتاب وأكل ذبائحهمواقتداء الشافعية بالحنفية

- ‌شبهة على الوحي

- ‌فتاوى المنار

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌استمساك العرب بالدولة العلية

- ‌نصيحة لمسلمي سيرالون

- ‌غرة ذو القعدة - 1321ه

- ‌كلمة في القبور [*]

- ‌مسألة ذبائح أهل الكتابتأييد الفتوى بالإجماع

- ‌بلرم - صقلية(2)

- ‌التقريظ

- ‌16 ذو القعدة - 1321ه

- ‌المفتي والقاضي في الشرع

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌كيفية الاعتقاد بالوحي

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌الاحتفال لتذكار تأسيس الدولة العلية

- ‌غرة ذو الحجة - 1321ه

- ‌المفتي والإفتاء في الشرع

- ‌الآثار المكذوبة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌أسئلة رُفعت إلى مفتي الديار المصرية

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌قصيدة عالم جزائري في الأستاذ الإمام

- ‌مجلة بشائر السلام

- ‌الشيخ محمد الأشموني - وفاته

- ‌16 ذو الحجة - 1321ه

- ‌تأييد علماء الآفاق للفتوىبحل طعام الكتابي على الإطلاق

- ‌سؤال عن فتوى

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌التقريظ

- ‌الحرب بين اليابان والروسية

- ‌دعوى الخلافة

- ‌دعاء شعبانانتقاد المنار

- ‌خاتمة السنة السادسة

الفصل: ‌كتاب نهج البلاغة

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌كتاب نهج البلاغة

قد طبع هذا الكتاب الجليل، المستغني بشهرته عن التعريف، طبعة جديدة

مضبوطة بالشكل على نفقة الشيخ محمد سعيد الرافعي الكتبي وهي الطبعة الثالثة

بإذن شارحه الأستاذ الإمام وقد طبع في سوريا طبعة أخرى بغير حق. وتعدد الطبع

آية على معرفة الناس بقدر الكتاب. ولا نرى وسيلة لتعريف غير العارف به إلا

تزيين المنار بخطبة الشارح - حفظه الله تعالى - فإنها في أسلوبها ومعناها صورة

مصغرة للكتاب وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدًا لله سيّاج النعم، والصلاة على النبي وفاء الذمم، واستمطار الرحمة على

آله الأولياء، وأصحابه الأصفياء، عرفان الجميل، وتذكار الدليل، وبعد: فقد

أوفى لي حكم القدر بالاطِّلاع على كتاب (نهج البلاغة) مصادفة بلا تعمل أصبته

على تغير حال، وتبلبل بال، وتزاحم أشغال، وغطلة من أعمال، فحسبته تسلية،

وحيلة للتخلية، فتصفحت بعض صفحاته، وتأملت جُملاً من عباراته، من مواضع

مختلفات، وموضوعات متفرقات، فكان يخيل لي في كل مقام أن حروبًا شبت،

وغارات شنت، وأن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة، وأن للأوهام عرامة [1]

وللريب دعارة، وأن جحافل الخطابة، وكتائب الذرابة، في عقود النظام،

وصفوف الانتظام، تنافح [2] بالصفيح الأبلج، والقويم الأملج، وتمتلج المهج،

برواضع الحجج، فتفل [3] من دعارة الوسواس، وتصيب مقاتل الخوانس، فما أنا

إلا والحق منتصر، والباطل منكسر، ومرج [4] الشك في خمود، وهرج الريب في

ركود، وإن مدبر تلك الدولة، وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب، أمير

المؤمنين علي بن أبي طالب.

بل كنت كلما انتقلت من موضع منه إلى موضع أحس بتغير المشاهد،

وتحول المعاهد، فتارة كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية، في

حُلَل من العبارات الزاهية، تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب

الصافية، توحي إليها رشادها، وتقوّم منها مرادها. وتنفر بها عن مداحض المزال،

إلى جوادّ الفضل والكمال.

وطورًا كانت تتكشف لي الجمل عن وجوه باسرة، وأنياب كاشرة، وأرواح

في أشباح النمور، ومخالب النسور، قد تحفزت للوثاب، ثم انقضت للاختلاب،

فخلبت القلوب عن هواها، وأخذت الخواطر دون مرماها، واغتالت فاسد الأهواء،

وباطل الآراء.

وأحيانًا كنت أشهد أن عقلاً نورانيًّا، لا يشبه خلقًا جسدانيًّا، فُصل عن

الموكب الإلهي. واتصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به

إلى الملكوت الأعلى. ونما به إلى مشهد النور الأجلى، وسكن به إلى عمار جانب

التقديس، بعد استخلاصه من شوائب التلبيس.

وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة، ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمة،

يعرّفهم مواقع الصواب، ويبصرهم مواضع الارتياب، ويحذرهم مزالق

الاضطراب، ويرشدهم إلى دقائق السياسة. ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم

إلى منصات الرئاسة، ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حسن المصير.

ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضِيّ رحمه الله من

كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، جمع متفرقه

وسماه بهذا الاسم (نهج البلاغة) ولا أعلم اسمًا بما تليق بالدلالة على معناه من هذا

الاسم، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه ولا أن آتي

بشيء في بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الاختيار كما ستراه في مقدمة الكتاب.

ولولا أن غرائز الحيلة، وقواضي الذمة تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه

وشكر المحسن على إحسانه ما احتجنا إلى التنبيه على ما أودع نهج البلاغة من

فنون الفصاحة، وما خص به من وجوه البلاغة، خصوصًا وهو لم يترك غرضًا

من أغراض الكلام إلا أصابه، ولم يدَع للفكر ممرًّا إلا جابَهُ.

إلا أن عبارات الكتاب لبعد عهدها منا، وانقطاع أهل جيلنا عن أصل لساننا.

قد نجد فيها غرائب ألفاظ في غير وحشية، وجزالة تركيب في غير تعقيد، فربما

وقف فهم المطالع دون الوصول إلى مفهومات بعض المفردات أو مضمونات بعض

الجمل. وليس ذلك ضعفًا في اللفظ أو وهنًا في المعنى، وإنما هو قصور في ذهن

المتناول.

ومن ثَم همت بي الرغبة أن أصحب المطالعة بالمراجعة. والمشارفة

بالمكاشفة. وأعلق على بعض مفرداته شرحًا، وبعض جمله تفسيرًا، وشيء من

إشاراته تعيينًا. واقفًا عند حد الحاجة مما قصدت، موجزًا في البيان ما استطعت،

معتمدًا في ذلك على المشهور من كتب اللغة والمعروف من صحيح الأخبار، ولم

أتعرض لتعديل ما روي عن الإمام في مسألة الإمامة أو تجريحه؛ بل تركت

للمطالع الحكم فيه بعد الالتفات إلى أصول المذاهب المعلومة فيها، والأخبار

المأثورة الشاهدة عليها، غير أني لم أتحاشَ عن تفسير العبارة، وتوضيح الإشارة،

لا أريد في وجهي هذا إلا حفظ ما أذكر، وذكر ما أحفظ، تصونًا من النسيان،

وتحرزًا من الحيدان، ولم أطلب من وجه الكتاب إلا ما تعلق منه بسبك المعاني

العالية في العبارات الرفيعة في كل ضرب من ضروب الكلام وحسبي هذه الغاية

فيما أريد لنفسي ولمن يطلع عليه من أهل اللسان العربي.

وقد عني جماعة من أجلَّة العلماء بشرح الكتاب، وأطال كل منهم في بيان ما

انطوى عليه من الأسرار، وكُلٌّ يقصد تأييد مذهب، وتعضيد مشرب، غير أنه لم

يتيسر لي ولا واحد من شروحهم إلا شذرات وجدتها منقولة عنهم في بطون الكتب.

فإن وافقت أحدهم فيما رأى فذلك حكم الاتفاق وإن كنت خالفتهم فإلى صواب فيما

أظن. على أني لا أعد تعليقي هذا شرحًا في عداد الشروح. ولا أذكره كتابًا بين

الكتب. وإنما هو طراز لنهج البلاغة وعَلَمٌ تُوَشَّى به أطرافه.

وأرجو أن يكون فيما وضعت من وجيز البيان فائدة للشبان من أهل هذا

الزمان، فقد رأيتهم قيامًا على طريق الطلب، يتدافعون إلى نيل الأرب من لسان

العرب، يبتغون لأنفسهم سلائق عربية، وملكات لغوية، وكل يطلب لسانًا خاطبًا،

وقلمًا كاتبًا، لكنهم يتوخَّوْن وسائل ما يطلبون في مطالعة المقامات، وكتب

المراسلات. مما كتبه المولدون، أو قلدهم فيه المتأخرون، ولم يراعوا في تحريره

إلا رقة الكلمات، وتوافق الجناسات، وانسجام السجعات، وما يشبه ذلك من

المحسنات اللفظية، التي وسموها بالفنون البديعية، وإن كانت العبارات خلوًا من

المعاني الجليلة، أو فاقدة الأساليب الرفيعة.

على أن هذا النوع من الكلام بعض ما في اللسان العربي وليس كل ما فيه بل

هذا النوع إذا انفرد يعد من أدنى طبقات القول وليس في حلاه المنوطة بأواخر

ألفاظه ما يرفعه إلى درجة الوسط، فلو أنهم عدلوا إلى مدارسة ما جاء عن أهل

اللسان خصوصًا أهل الطبقة العليا منهم لأحرزوا من بغيتهم ما امتدت إليه أعناقهم،

واستعدت لقبوله أعراقهم، وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن

أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة

وأرفعه أسلوبًا وأجمعه لجلائل المعاني، فأجدر بالطالبين لنفائس اللغة والطامعين في

التدرج لمراقيها أن يجعلوا هذا الكتاب أهم محفوظهم، وأفضل مأثورهم، مع تفهم

معانيه في الأغراض التي جاءت لأجلها، وتأمل ألفاظه في المعاني التي صيغت

للدلالة عليها؛ ليصيبوا بذلك أفضل غاية، وينتهوا إلى خير نهاية.

وأسأل الله نجاح عملي وأعمالهم، وتحقيق أملي وآمالهم اهـ.

هذا، وقد جعل ثمن النسخة من هذه الطبعة المشكولة 15 قرشًا وهو يطلب

من طابعه.

_________

(1)

العرامة: الشراسة، والدعارة: سوء الخلق، والجحافل: الجيوش والكتائب الفِرق منها، والذرابة: حدة اللسان في فصاحة، والكلام تخييل حرب بين البلاغة وهائجات الشكوك والأوهام.

(2)

تنافح: تضارب أشد المضاربة، والصفيح: السيف، والأبلج: اللامع البياض، والقويم: الرمح والأملج: الأسمر وهي مجازات عن الدلائل الواضحة والحجج القويمة المبددة للوهم وإن خفي مدركها وتمتلج: أي تمتص والمهج: دماء القلوب والمراد لا تُبقي للأوهام شيئًا من مادة البقاء.

(3)

فلّ الشيء والقوم هزمهم، والخوانس خواطر السوء تسلك من النفس مسالك الخفاء.

(4)

المرج: الاضطراب، الهرج: هيجان الفتنة.

ص: 633

الكاتب: محمد رشيد رضا

آثار علمية وأدبية

(ثمرات الأفكار)

لمحمد أفندي حمدي النشار الدمياطي أحد كُتّاب محكمة الإسكندرية الأهلية

شعر منسجم هَامَ به في كل واد، وارتقى به كل نجاد، فاستغاث وناجى، ومدح

ورثى، وتغزل ونسب، ولم ينسَ باب الوعظ والأدب، فقد امتاز على أكثر شعراء

العصر بانتقاد ما فشا فيه من المفاسد والمثالب، وما للمدنية الحاضرة من الفضائح

والمعايب، وقد طبع الجزء الثاني من ديوانه (ثمرات الأفكار) في هذا العام

بمطبعة (المنار) وكان طبع الجزء الأول منه منذ عشرة أعوام، وإننا نورد نموذجًا

منه للقراء حتى إذا ما أحب أحد أن يطّلع على باقيه طلب الديوان من صاحبه. قال

في بيان حالة أكثر الشبان والكهول في هذه البلاد التي باعها الترف والسرف

والفسق للأجانب بثمن بخس؛ بل بثمن موهوم يسمونه كما قال (التمدن الجديد) :

(التمدن الجديد)

بين الندامى والمدامه

ضاع الحياء والاستقامه

وعلى الغواني والظبى

بعنا المروءة والكرامه

وعلى الجميلة والجميـ

ـل قد انقضى عهد الشهامه

وتسرّبت منا الدرا

هم في الفجور ولا ندامه

والدار بعناها لند

رك وصل هند أو أُمامه

ونفائس الميراث قد

رهنت على ثمن المدامه

والدين إن كُتب السدا

دُ له ففي يوم القيامه

(سبحان مَن قسم الحظو

ظ فلا عتاب ولا ملامه)

غيري بِيَ استغنى وما

أبقيت من مالي قلامه

فسد الزمان وأهله

يا رب نسألك السلامه

هذا تمدن معشر

جعلوا الفسوق له علامه

من كل مياس القوا

م له على الخدين شامه

يهتز إعجابًا كما

هزت معاطفها الحمامه

وإذا رأى أهل المعا

رف ظل يهزأ بالعمامه

يأتي الصباح ولم يدع

في غير زينته اهتمامه

ويطل في المرآة هل

في الحسن قد وفى نظامه

ويظل ينظر خلفه

حينًا وآونة أمامه

وكأنما بلغ الوزا

رة والإمارة والإمامه

حتى إذا جاء المسا

والليل قد أرخى ظلامه

هجر الرقاد فعينه

بالغمض لم تعرف منامه

متناولاً كأس الحميا

جامة من بعد جامه

فإذا أضاع رشده

وغدا ولم يحسن كلامه

ألوى العنان إلى ذوا

ت الحسن كي يشفي هيامه

وأعاد كرّة سكره الـ

أُولى وسمّاها (انسجامه)

فسحرنه وسلبن ما

أبقت يداه بابتسامه

ودعون مركبة لتحـ ـمله وقلن (مع السلامه)

فأتى إلى الدار التي

وأبيك ما ذاقت طعامه

هو يبذل العشرات كي

يرضى هواه أو غرامه

وهي التي تبكي لفا

قتها بدمع كالغمامه

فاستقبلته بما يليـ

ـق من التحية والكرامه

صفعت قفاه وأتبعت

بالصفع خديه وهامه

ولربما طرحته خلـ

ـف الباب لا ترعى ذمامه

فإذا استفاق معاتبًا

وعلى الهوان رأى مقامه

قالت له اعذرني فمَن

غرس القبيح جنى الندامه

يستوجب الإذلال مَن

لم يتّبع طرق السلامه

***

(قلائد الذهب في شرح أطواق الذهب)

كتب الشيخ محمود بن عمر الزمخشري الشهير مئة مقالة في الحكم والمواعظ

سماها (أطواق الذهب) وقد تنكَّب في كتابتها طريقته المثلى في الكتابة ونحا فيها

منحى الحريري في مقاماته في التسجيع والتجنيس. ولا زراية على الزمخشري بهذا

النحو من القول فإنه كان في عصره فنًّا من فنون الأدب وصنعة من صناعات القول

يتقنها مثله ومثل الحريري من أئمة اللغة. ولم يرد الزمخشري بهذه الحِكم المنثورة،

ولا الحريري بتلك المقامات المأثورة أن يسنَّا لكتّاب العربية سنة جديدة يتبعونها،

ويرغبون عن الكلام المرسل العفو إليها؛ وإنما كان لهما فيما يظهر لي غرضان:

أحدهما الاحتيال بهذا الوضع الطريف على توجيه النفوس إلى ما فيه من الحكم

والمَثُلات، وثانيهما جمع طائفة من فرائد اللغة في المفردات، ومحاسن الجمل في

المجاز والكنيات، تزيد الناظر سعة في العربية، وقدرة على صوغ الجمل المجازية.

وقد شرح (أطواق الذهب) وفسر مفرداته غير واحد وطبع في هذا العام

شرح منها لميرزا يوسف خان ابن اعتصام الملك الأشتياني، قال فيه إنه: (أجمع

وأكفى من الشروح والتعاليق التي علقت على تلك المقالات إلى الآن) ، وقد أضاف

إلى تفسير الكلمات ما يضاهي المقالة من رسالة (أطباق الذهب) للشيخ عبد

المؤمن الأصفهاني فإنه تلا فيها تلو الزمخشري واحتذاه كما ترى في هذا المثال.

قال الزمخشري في (المقالة 58) :

(موسر يشح بالنوال، ومعسر يُلِحّ في السؤال، إذا التقيا فجندلتان تصطكان،

وجدلتان من الضرائر تحتكان، هذا كزّ شحيح غير مِعوان، له في وجه الصعلوك

فحيح أفعوان، وذاك ملحٍ ملحف، محف مجحف، وهذا يقول هات، وهو يجيبه

هيهات، له دق بالوجنتين، دق القصار بالمجينتين (الميجنة مدقة القصار) إن

منح تبشبش وتطالق، وتبصبص وتملق، وإن منع أخذ بالمخانيق، ورمى

بالمجانيق) وقال صاحب أطباق الذهب: (من شداد الدنيا غني عابس، يلقاه

فقير بائس، يطرقه حافيًا، ويسأله محفيًا، يستميح شحيحًا لا يفتح الباب

لضيفانه، ولا يكسر حواشي رغفانه، فيرجع خاسرًا، وينقلب باسرًا، حتى إذا

فجأه في طريق، ولقيه في مضيق، فيأخذ بعِنانه، طمعًا في إحسانه، والبخيل

يحمر ويصفر، ويفر وأين المفر، هناك يصدم الأشدان. ويزدحم الضدان، فهما

كصخر قرعه حديد، وقيح كدره الصديد، ونفس يعلوه زاج، وحميم يشوبه أجاج،

ودخان يتلوه عجاج) اهـ وفي المقالات ما هو أظهر في السرقة من هذه.

أُهدي إلينا الكتاب المطبوع منذ أشهر ولم نفرغ لتصفح شيء من الشرح

ولكننا في النظرة السطحية انتقدنا عدم ضبط الكلمات عند تفسيرها وإن كانت قد

ضبطت مقالات الزمخشري بالشكل الكامل. وقد طبع في (مطبعة التمدن) على

ورق جيد وهو يطلب منها.

***

(الطرائف)

جريدة أسبوعية جديدة أنشأها في القاهرة رشيد أفندي المصوبع الشاعر

السوري الذي سبق لنا تقريظ ديوانه، وقد عرفنا هذا الشاب مغرمًا بالأدبيات هائمًا

في أودية الشعر، فلا شك في أن سيكون لجريدته الحظ الوافر من المباحث الأدبية

التي هي أنفع من خوض أكثر الجرائد في هذر السياسة التي لا نكاد نجد في القنطار

منها درهمًا من الفائدة. وقد افتتح الكاتب جريدته بمقدمة قال فيها: (أقدمت على

إنشاء هذه الجريدة وأنا عالم كل العلم بما صارت إليه بضاعة الأدب من الكساد، وما

زاد من الجرائد على حاجة البلاد) وهذه الدعوى قديمة وكم قالها الذين من قبله في

عصور كانت خيرًا من العصور التي قبلها كما أن هذا العصر خير مما قبله في

رواج الأدب وانتشار الجرائد والإقبال عليها وإن كان دون ما ينبغي ويُطلب.

أما قيمة الاشتراك في الطرائف فثمانون قرشًا في القطر المصري وجنيه

إنكليزي في سائر الأقطار. فنتمنى لرصيفنا الجديد النجاح ولجريدته حسن الانتشار.

_________

ص: 636