الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
نموذج من دلائل الإعجاز
قال المصنف في سياق إثبات أن البلاغة والفصاحة للنظم لا للكلم المفردة ما
نصه:
وهذه جملة من وصفهم الشعر وعمله وإدلالهم به:
(أبو حية النُّمَيْري)
إن القصائد قد علمن بأنني
…
صنع اللسان بهن لا أتنحل [1]
وإذا ابتدأت عروض نسج ريض
…
جعلت تذل لما أريد وتسهل [2]
حتى تطاوعني ولو يرتاضها
…
غيري لحاول صعبة لا تقبل
(تميم بن مقبل)
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى
…
لها قائلاً بعدي أطبّ وأشعرا
وأكثر بيتًا سائرًا ضربت له
…
حزون جبال الشعر حتى تيسرا
أغر غريبًا يمسح الناس وجهه
…
كما تمسح الأيدي الأغر المشهرا
(عدي بن الرقاع)
وقصيدة قد بت أجمع بينها
…
حتى أقوّم ميلها وسنادها
نظر المثقف في كعوب قناته
…
حتى يقيم ثِقافه منآدها [3]
(كعب بن زهير)
فمَن للقوافي شانها من يحوكها
…
إذا ما توى كعب وفوّز جرول [4]
يقومها حتى تلين متونها
…
فيقصر عنها كل ما يتمثل
(بشار)
عميت جنينًا والذكاء من العمى
…
فجئت عجيب الظن للعلم موئلا
وغاص ضياء العين للعلم رافدًا
…
لقلب إذا ما ضيع الناس حصلا
وشعر كنور الروض لاءمت بينه
…
بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا [5]
(وله)
زور ملوك عليه أبهة
…
يغرف من شعره ومن خطبه [6]
لله ما راح في جوانحه
…
من لؤلؤ لا ينام عن طلبه
يخرج من فيه للنديّ كما
…
يخرج ضوء السراج من لهبه [7]
(أبو شريح العمير)
فان أهلك فقد أبقيت بعدي
…
قوافي تعجب المتمثلينا
لذيذات المقاطع محكمات
…
لو أن الشعر يُلبَس لارتدينا
(الفرزدق)
بلغن الشمس حين تكون شرقًا
…
ومسقط قرنها من حيث غابا
بكل ثنية وبكل ثغر
…
غرائبهن تنتسب انتسابا [8]
(ابن ميادة)
فجرنا ينابيع الكلام وبحره
…
فأصبح فيه ذو الرواية يسبح
وما الشعر إلا شعر قيس وخِندف
…
وشعر سواهم كلفة وتملُّح
وقال عقال بن هشام القيني يرد عليه:
ألا بلغ الرماح نقض مقالة
…
بها خطل الرماح أو كان يمزحُ
لقد خرق الحي اليمانون قبلهم
…
بحور الكلام تستقي وهي طفحُ
وهم علموا من بعدهم فتعلموا
…
وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا
فللسابقين الفضل لا تجحدونه
…
وليس لمسبوق عليهم تبجحُ
(أبو تمام)
كشفت قناع الشعر عن حر وجهه
…
وطيرته عن وكره وهو واقع
بغر يراها من يراها بسمعه
…
ويدنو إليها ذو الحجى وهو شاسع
يود ودادًا أن أعضاء جسمه
…
إذا أنشدت شوقًا إليها مسامع
(وله)
حذّاء تملأ كل أذن حكمة
…
وبلاغة وتدر كل وريد
كالدر والمرجان ألف نظمه
…
بالشذر في عنق الفتاة الرود
كشقيقة البرد المنمم وشيه
…
في أرض مهرة أو بلاد تزيد
يعطي بها البشرى الكريم ويرتدي
…
بردائها في المحفل المشهود
بشرى الغني أبي البنات تتابعت
…
بشراؤه بالفارس المولود
(وله)
جاءتك من نظم اللسان قلادة
…
سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
أحذاكها صنع الضمير يمده
…
جفر إذا نضب الكلام معين [9]
أخذ لفظ الصنع من قول أبي حية:
…
...
…
... .. بأنني
…
صنع اللسان لا أتنحل
ونقله إلى الضمير وقد جعل حسان أيضًا اللسان صنعًا وذلك في قوله:
أهدى لهم مِدَحًا قلب مؤازره
…
فيما أحب لسان حائك صنع
ولأبي تمام:
إليك أرحنا عازب الشعر بعدما
…
تمهل في روض المعاني العجائب
غرائب لاقت في فنائك أنسها
…
من المجد فهي الآن غير غرائب
ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت
…
حياضك منه في السنين الذواهب
ولكنه صوب العقول إذا انجلت
…
سحائب منه أعقبت بسحائب
(البحتري)
ألست الموالي فيك نظم قصائد
…
هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما
ثناء كان الروض منه منورًا
…
ضحى وكان الوشي منه منمنما
(وله)
أحسنْ أبا حسن بالشعر إذ جعلت
…
عليك أنجمه بالمدح تنتشر
فقد أتتك القوافي غب فائدة
…
كما تفتح غب الوابل الزهر
(وله)
إليك القوافي نازعات قواصد
…
يسير ضاحي وشيها وينمنم [10]
ومشرقة في النظم غر يزينها
…
بهاءً وحسنًا أنها لك تنظم [11]
(وله)
بمنقوشة نقش الدنانير يُنتقى
…
لها اللفظ مختارًا كما ينتقى التبر
(وله)
أيذهب هذا الدهر لم ير موضعي
…
ولم يدرِ ما مقدار حلي ولا عقدي
ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد
…
يبيع ثمينات المكارم والمجدِ
سوائر شعر جامع بِدَد العلى
…
تعلقن من قبلي وأتعبن مَن بعدي
يقدر فيها صانع متعمل
…
لأحكامها تقدير داود في السرد
(وله)
لله يسهر في مديحك ليله
…
متململاً وتنام دون ثوابه
يقظان ينتحل الكلام كأنه
…
جيش يريد أن يلقى به
فأتى به كالسيف رقرق صيقل
…
ما بين قائم سِنخه وذبابه [12]
ومن نادر وصفه للبلاغة قوله:
في نظام من البلاغة ما شك م امرؤ أنه نظام فريد
وبديع كأنه الزهر الضاحك
…
في رونق الربيع الجديد
مشرق في جوانب السمع مايخـ
…
ـلقه عوده على المستعيد
حجج تخرس الألد بألفا
…
ظ فرادى كالجوهر المعدود
ومعانٍ لو فصَّلتها القوافي
…
هجنت شعر جرول ولبيد
حزن مستعمل الكلام اختيارًا
…
وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركـ
…
ـن به غاية المراد البعيد
كالعذارى غدون في الحلل الصفـ
…
ـر إذا رحن في الخطوط السود
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
(1)
يقال لمن سرق شعر غيره: تنحله وانتحله.
(2)
العروض: الناقة التي لم ترض وعروض الشعر معروف والريِّض بتشديد الياء المكسورة الدابة أول ما تراض وهي صعبة يستوي فيه المذكر والمؤنث.
(3)
المثقف بكسر القاف المشددة: مقوم الرماح والثقاف بالكسر: آلته الخشبية التي يثقف بها والمنآد: المائل المنحني والسناد في البيت الأول: عيب القافية قبل الروي.
(4)
شانها: عابها وتوى: هلك، وفوّز: مات، وجرول: لقب الحُطيئة الشاعر الهجَّاء، وجملة:(شانها مَن يحوكها) دعاء.
(5)
أحزن: صار في الحزَن وهو بالفتح ضد السهل، وأسهل ضد أحزن.
(6)
الزور: الزائر يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره لأنه مصدر في الأصل.
(7)
الندي كالنادي: مجلس القوم للحديث نهارًا.
(8)
الثنية: واحدة الثنايا وهي الأسنان الأربع وطريق العقبة والثغر: الفم أو الأسنان في منابتها وكل فرجة في جبل أو بطن واد وطريق مسلوك ثغر يقول: إن قوافيه طافت الخافقين فبلغت مطلع الشمس ومغربها ولم تدَع طريقًا في عقبة أو جبل إلا سلكته، ولا واديًا إلا هبطته، فأي مكان أشرفت عليه رأيتها فيه تنتسب إليه، أو يقول: إن كل فم ينشدها، وكل ثغر يتزين بالتمثل بها، ويريد من الثغر الفم.
(9)
أحذاكها: أعطاكها والجفر: البئر.
(10)
يسير: يجعل كوشي السيراء وهي ضرب من الحلل.
(11)
وفي نسخة: يزيدها بدل يزينها.
(12)
سِنخ السيف بالكسر: طرف سيلانه والسيلان بالكسر: ما يدخل منه في القراب، وذبابه: حده الذي يضرب به.