المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شبهات النصارىوحجج المسلمين - مجلة المنار - جـ ٦

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (6)

- ‌غرة المحرم - 1321ه

- ‌فاتحة السنة السادسة

- ‌وفد بني تميم

- ‌ورع أبي بكر رضي الله عنه

- ‌ديوان الرافعي

- ‌تتمة تقريظ(أحسن الكلام)

- ‌الدولة العلية ومكدونية

- ‌سلطان زنجبار والأمير العربي

- ‌16 المحرم - 1321ه

- ‌دعوى صلب المسيح(1)

- ‌معجزات نبينا عليه السلام

- ‌الدولة العلية وماليتها

- ‌كتاب من صديق إلى صديق في هذه الدياريصف له فيه حال بعض الأقطار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة صفر - 1321ه

- ‌النبأ العظيم

- ‌دعوى صلب المسيح(2)

- ‌قتل بني إسرائيل أنفسهموبعثهم بعد موتهم

- ‌16 صفر - 1321ه

- ‌استدراك

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌تتمة تقريظ رسالة الشيخ محمد بخيت

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الاحتفال بمدرسة الشوربجي في كفر الزيات

- ‌الإصلاح الشرعي في السودان المصري

- ‌تقريظ المنار

- ‌غرة ربيع الأول - 1321ه

- ‌اليهود والماسونية وحَدَثُ الوطنية

- ‌16 ربيع الأول - 1321ه

- ‌ شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌أي الفريقين المتعصب: المسلمون أم النصارى

- ‌سؤال في التثليث

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌الباب وقرة العين

- ‌الطلاق على الغائب والمعسر في السودان

- ‌فتاوى المنار

- ‌مأثرة للمنشاوي

- ‌غرة ربيع الثاني - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌الإنجيل الصحيح

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌كتابة القرآن بالحروف الإنكليزية

- ‌كتاب البؤساء

- ‌إعانة سكة الحديد الحجازية

- ‌16 ربيع الثاني - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌تحريم الخنزير ونجاسة الكلب

- ‌التقريظ

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌المحسن المصري العظيم منشاوي باشا

- ‌جمعية الفضائل الإسلامية

- ‌قراء الصحف المنشرَّة

- ‌نحن واليازجي

- ‌غرة جمادى الأول - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز [*]

- ‌البابا لاون الثالث عشر - ترجمته

- ‌الخديو وجمعية المسلمين في لوندره

- ‌الأخبار والآراء

- ‌عود إلى سرد الأحاديث الموضوعة

- ‌16 جمادى الأولى - 1321ه

- ‌النرد والشطرنج ونحوهما

- ‌فتاوى المنار

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌المحسن العظيم منشاوي باشا

- ‌مدرسة المعلمين الإلهامية

- ‌وفاء قراء الصحف ومطلهم

- ‌غرة جمادى الأول - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌قصة بقرة بني إسرائيلليس فيها معجزة

- ‌تحرير يوم مولد النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌الرد على شبهات النصارى وترجمة البابا

- ‌التقريظ

- ‌الدولة العلية ومكدونيةورأي في الإصلاح

- ‌البابا لاون الثالث عشر - تتمة ترجمته

- ‌الهيضة الوبائية في سوريا

- ‌16جمادى الثانية - 1321ه

- ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

- ‌بيان القرآن وبلاغتهوما يوهم غير ذلك

- ‌مضار تربية النساء الاستقلالية

- ‌نموذج من دلائل الإعجاز

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رجب - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌شكوى الأمهات من تربية البنات

- ‌التقريظ

- ‌وفاة حسن باشا ناظر البحرية

- ‌فتنة بيروت

- ‌سعاية خائبة

- ‌16 رجب - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلِّد وصاحب حجة

- ‌الدليل على اشتراط الإسلام في القاضي

- ‌تحريم تحليل المطلقة ثلاثًاوبدع المحللين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌(أميل) القرن التاسع عشر

- ‌المدرسة الكلية الأمريكانية في بيروت

- ‌الأستاذ الإمام - عودته

- ‌الأخبار والآراء

- ‌فتك الهيضة في حِمْص وطرابُلس

- ‌غرة شعبان - 1321ه

- ‌سورة العصر

- ‌مناظرة بين مُقلِّد وصاحب حجة

- ‌المدارس المصرية لا تربي رجالاً مستقلين

- ‌شذرة باب الآثار الأدبية

- ‌نصيحة الأستاذ الإمام لأهل الجزائر وتونس

- ‌الخطر في مراكش

- ‌16 شعبان - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌دلائل الإعجاز

- ‌كتاب نهج البلاغة

- ‌الإسلام والمسلمون

- ‌الأمر الصغير الكبير

- ‌غرة رمضان - 1321ه

- ‌حكمة الصيام وفضل رمضان

- ‌أحاديث في الوقف

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌خطبة مِنبرية

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1321ه

- ‌زكاة الفطر

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌أسئلة الشيخ محمد نجيب أفندي

- ‌اعتبار رؤية الهلال في الشهور العربية

- ‌حديث غريب

- ‌سكنى الشيطان في بدن الإنسان

- ‌لبس القلنسوة المعروفة بالبرنيطةأو التشبه بالنصارى

- ‌احتفال الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌ربح صندوق التوفير في إدارة البريد

- ‌الأحاديث الموضوعة في الصيام ورمضان

- ‌الولدان في الحمامات

- ‌إعلان الفسق في موسم العبادة

- ‌بِتْخِسِّي

- ‌غرة شوال - 1321ه

- ‌الوقف من الدين

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌التقريظ

- ‌سيرالون

- ‌عدن وبلاد العرب

- ‌16 شوال - 1321ه

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الفتاوى الثلاثفي لبس قلنسوة أهل الكتاب وأكل ذبائحهمواقتداء الشافعية بالحنفية

- ‌شبهة على الوحي

- ‌فتاوى المنار

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌استمساك العرب بالدولة العلية

- ‌نصيحة لمسلمي سيرالون

- ‌غرة ذو القعدة - 1321ه

- ‌كلمة في القبور [*]

- ‌مسألة ذبائح أهل الكتابتأييد الفتوى بالإجماع

- ‌بلرم - صقلية(2)

- ‌التقريظ

- ‌16 ذو القعدة - 1321ه

- ‌المفتي والقاضي في الشرع

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌كيفية الاعتقاد بالوحي

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌الاحتفال لتذكار تأسيس الدولة العلية

- ‌غرة ذو الحجة - 1321ه

- ‌المفتي والإفتاء في الشرع

- ‌الآثار المكذوبة

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌أسئلة رُفعت إلى مفتي الديار المصرية

- ‌نظام الحب والبغض

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌قصيدة عالم جزائري في الأستاذ الإمام

- ‌مجلة بشائر السلام

- ‌الشيخ محمد الأشموني - وفاته

- ‌16 ذو الحجة - 1321ه

- ‌تأييد علماء الآفاق للفتوىبحل طعام الكتابي على الإطلاق

- ‌سؤال عن فتوى

- ‌مناظرة بين مقلد وصاحب حجة

- ‌التقريظ

- ‌الحرب بين اليابان والروسية

- ‌دعوى الخلافة

- ‌دعاء شعبانانتقاد المنار

- ‌خاتمة السنة السادسة

الفصل: ‌شبهات النصارىوحجج المسلمين

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌شبهات النصارى

وحجج المسلمين

النبذة السادسة في رد شبهاتهم على القرآن

(الشاهد الحادي عشر) قال المعترض: ومما يقضي بالعجب أن يناقض

القرآن نفسه في القدر الذي هو من الإيمان، وركن مهم من أركان الإسلام فقال:

{لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 3-4) أي: من كل أمر قُدر في تلك السنة كما عليه جمهور المفسرين،

وقال أيضًا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (الدخان: 3) وهي عندهم ليلة

القدر التي تفصل فيها الأقضية، ويُفْرَقُ أي: يقدر كل أمر يقع ذلك العام من حياة أو

موت أو غير ذلك إلى مثلها من قابل، وهذا يترتب عليه أن أمور الخلق تقدر عامًا

عامًا. لكن ذلك منقوض بقوله في سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي

الأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا} (الحديد: 22) أي: إلا

مكتوبة في اللوح المحفوظ مثبتة في علم الله من قبل أن تخلق، وأنت تعلم أن هذا

اللوح قد كُتبت فيه بزعمهم كل الأمور، وقدرت من قبل أن تكون ليلة القدر. وزاد

ذلك إيضاحًا فقال:

{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء: 13) أي: ألزمناه عمله

وما قُدر له وعليه منذ ميلاده حتى لزمه لزوم الطوق للعنق. ويترتب على هذا أنه

قُدر على الإنسان دفعة كل ما يعمله في عمره، لا ما يعمله في عامه فقط، وهذا

تناقض بيِّن في أركان الإيمان لا يصح وقوعه في كتاب جميع ما فيه كلام الله.ا. هـ

قوله بحروفه إلا كلمة (أنفسكم) من الآية الكريمة بدلها بنفوسكم فكتبنا الأصل

الصحيح.

ونقول في الجواب: إننا كتبنا كل ما كتبه في تقرير هذه الشبهة، وحسبه ما

كتبه فضيحة ودلالة على سوء القصد، وتعمد التمويه، ولو قلنا: إنه يزعم أن بين

تلك الآيات تناقضًا ولم نذكر ما قرر وشرح به ذلك التناقض لما أفاد القول إلا أنه

جاهل لم يفهم تلك الآيات، وهذا عار عليه أكبر وخلاف الواقع.

أما كونه خلاف الواقع فهو أنه اطَّلع على تفسير الآيات وفهمها، وأما كونه أكبر

عارًا فذاك أن الجهل عار عند جميع الناس من أهل ملته وغيرهم، وأن قومه

يعدونه من كبار الكُتاب والبلغاء، فإذا ظهر لهم أنه لا يفهم هذه الآيات فإنهم يحتقرونه

وينزعون عنه لباس تلك الخصوصية فيكون عاريًا من كل مزيَّة، وليس في سوء

القصد وسلوك السبيل المغالطة في تشكيك عوام المسلمين بدينهم إلا احتقار العقلاء

والفضلاء من جميع الطوائف وأهل الإنصاف من قومه النصارى خاصة، وأما

المتعصبون منهم مثله فإنه ليرضيهم الطعن بالإسلام والمسلمين، وإن جاء صاحبه

بالإفك المبين.

هذه الشبهة لا تحتاج إلى جواب من حيث هي شبهة على القرآن؛ لأن محلها

في زعمه أن بعض الآيات نص في أن أمور الخلق تقدر عامًا فعامًا، وبعضها نص

في أنها تقدر دفعة واحدة، وليس شيء منها كما قال. فقوله تعالى: {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ

وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 4) لا يدل على أن أمور الخلق

تقدر عامًا عامًا كما زعم، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان؛ إذ ليس فيها ذكر للتقدير

ولا للسنين والأعوام. وقوله جل وعز: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ..} (الحديد:

22) الآية ليس نصًّا في أمور المخلوقات تقدر دفعة واحدة كما ادعى، وإنما تدل

على أن المصائب في الآفاق وفي الأنفس معلومة قبل وقوعها لله تعالى علم الأمر

المحصي في الكتاب أو هي مكتوبة كتابة تناسب عالم الغيب وتليق به، وليس فيها

أن تلك الكتابة التي ذكرت على سبيل التمثيل أو المجاز أو الحقيقة الغيبية حصلت

دفعة واحدة، أو بالتدريج أو أنها كانت في أول العام، أو قبل خلق الأنام. ولكن

العقل والنقل يدلان على أن علم الله تعالى قديم لا تدريج فيه؛ لأن التدريج لا يكون إلا

في الحوادث، وهو يستلزم الجهل فتعين أن يقال: إن ما يقع من المصائب وغيرها

معلوم لله تعالى في الأزل. فإن أريد بالكتابة العلم الإلهي فظاهر، وإن أريد أن هناك

كتابة فلا شك أنها تكون للملائكة الموكلين بالأعمال الذين جعل الله بهم قوام السنن

العامة، والنواميس الكلية، والذين يسميهم المحجوبون قوى ونواميس طبيعية. وعند

ذلك يصح أن تكون الكتابة في كل عام، ولكن الآية ليست نصًّا في هذا فلا يمكن

الاعتراض عليها بحال. وكذلك قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء: 13) ليس نصًّا في كون أعمال الإنسان قدرت عليه دفعة واحدة، ولا

منافيًا لكونها تقدر عليه في كل عام كما هو ظاهر، وإنما معناه أن الإنسان رهين

بعمله ومطوق به لا يستطيع أن يتفلت من تبعته لما له في التأثير في نفسه، فإن

الأعمال تطبع الملكات وتكوّن الأخلاق التي هي صفات النفس، فآثارها لازمة

للإنسان لزوم الطوق للعنق، فأين هذا المعنى الظاهر مما زعمه المعترض، وكيف

السبيل إلى القول بتناقضه مع تلك الآية لو فرضنا أنها نص فيما فسرها؟

بقي أن يقال: إن المعترض بنى حكمه على قول المفسرين في ليلة القدر أنها

الليلة المباركة الموصوفة في سورة الدخان بقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 4) وقد فسر الفرق بالتقدير، وقال جمهورهم بأن المراد تقدير أمور

العام، ونقول في الجواب:

(أولاً) إنَّه قد علم مما شرحناه أن آية الحديد وآية الإسراء لا تناقضان هذا

التفسير؛ لأن المطلق لا ينافي المقيد، ولا يناقضه، ولعلماء الأصول في مقابلة

المطلق بالمقيد قولان:

أحدهما: أن المطلق يجري على إطلاقه، والمقيد يجري على قيده. فلو فرضنا

أن معنى الآيات ما ذكر لما كان من مانع لأن يقال: إن هناك تقديرًا أزليًّا وهو ما في

علم الله الأزلي، وتقديرًا سنويًّا يحدد في كل عام لحكمة من الحكم ككون الملائكة

المدبرات للأعمال والشؤون تجري عليه.

ولا شك أن الملائكة لا يعلمون كل ما في علم الله تعالى، ولا يستطيعون أن

يعلموا كل ذلك، فالله تعالى يُعْلمهم بما تقضي حكمته أن يعلموه. وإذا صح هذا فيشبه

في عالم الشهادة أن الفلكي يكتب تقويمًا للسنة، ثم يستخرج منه في كل شهر تقويمًا

لغرض من الأغراض كسهولة المراجعة مثلاً. ومن الناس من كتب تقويما لألوف

من السنين، فإذا كتب تقاويم أخرى للأعوام عامًا عامًا أو للشهور شهرًا شهرًا وقال

قائل: إن فلانا كتب تقويمًا لخمسة آلاف عام، ثم قال في سياق آخر: إنه كتب

تقويمًا للسنة فهل يقال: إن هذين القولين متناقضان؟ كلا إنما يقول ذلك الجاهل الذي

يفهم معنى التناقض.

وثاني قولي الأصوليين أن المقيد يقيد المطلق كما قالوا في الأمر بإعتاق القاتل

رقبة مؤمنة أنه يقيد أمر الحانث باليمين بإعتاق رقبة لم تقيد بأنها مؤمنة. ومن

أمثلة ذلك أن يكتب المؤرخ أو صاحب الجريدة أن فلانًا صار عالمًا، وألف كتابًا

نفيسًا ثم يكتب في وقت آخر: إن فلانًا قد ألف كتابًا في علم البيان: فيحمل هذا

على ذاك، ويقال: إنه أراد بالكتاب المطلق البيان. والأمثلة من القولين كثيرة

ويختلف الترجيح باختلاف الوقائع والأحوال.

ثم نقول (ثانيًا) : إنه لا يصح للعاقل أن يجعل رأي بعض المفسرين، ولا

جمهورهم حاكمًا على الكلام الذين يفسرونه إذا كان يرى أن الكلام لا يدل عليه،

وظاهر لكل من يعرف العربية أنه لا يوجد في آية من الآيات ما يدل على التقدير

السنوي لا بمنطوق الآيات، ولا بمفهومها، ولكن جرت عادة المفسرين بأن يذكروا في

كل موضوع ما يتعقبه من الآراء أو الأحكام المروية عن السلف وأئمة المذاهب،

مرفوعة أو موقوفة، صحيحة أو ضعيفة كما يذكرون آراء النحاة في إعراب الآيات

فمن يتعلق برأي أو رواية مما يوردونه في التفسير يرى آية أخرى تنافيه فيجعل

هذا شاهدًا على تناقض القرآن نفسه فهو كمن يتعلق برأي من آراء النحاة التي

يوردونها يمنع أو يجيز حكمًا في الإعراب، لا ينطبق ذلك الحكم على آية أخرى غير

التي أوردوه في إعرابها ثم يقول: إن هذه الآية مخالفة لتلك في الإعراب فهي غلط

أو لحن، ما هي بمخالفة إلا لرأي ذلك النحوي!

وبعد هذا كله نقول: إن (القدر) في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} (القدر: 1) معناه: الشرف، وهو المتبادر منه وليس معناه: التقدير، وقد

قدم البيضاوي القول الأول في تفسيره، وذكر الثاني بصفة التمريض (قيل)

ومعنى الشرف فيها ظاهر فإنها الليلة التي بدئ فيها نزول القرآن، فهي شرف للنبي

عليه الصلاة والسلام ولقومه ولجميع المؤمنين كما قال تعالى في القرآن: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ

لَّكَ وَلِقَوْمِك} (الزخرف: 44) : أي: شرف لكم. وأي شرف أعظم من هذه

الهداية الإلهية العظمى. وأما قوله تعالى: {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن

كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 4) فمعناه: أنهم يتنزلون من أجل أمر من أمور الوحي لا من

أمور الخلق؛ لأن سياق الكلام فيه لا في التكوين.

وأما قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (الدخان: 3) - إلى

قوله -: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 4) فمعناه: أنه أنزل القرآن في

ليلة مباركة، والبركة فيها ظاهرة كما أن الشرف فيها ظاهر فهي ليلة القدر خلافًا

لبعض المفسرين الذين قالوا: إنها ليلة النصف من شعبان، وقوله تعالى: {فِيهَا

يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 4) معناه: أنه يفصل فيها، ويبين كل أمر من

أمور الوحي لا من أمور الخليقة بدليل أن سياق الكلام في إنزال القرآن، وبدليل الآية

التي بعدها وهي: {أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (الدخان: 5) فبيَّن أن هذه

الأمور هي التي تختص بإرسال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

واعلم أنه قد ورد في تفسير هذه الآية أن الملائكة تكتب فيها الأقدار، ولكن هذا

ليس منصوصًا في الكتاب العزيز، ولا في الحديث المتواتر، فيكون قطعيًّا والاعتقاد

به محتمًا ولا في الأحاديث المرفوعة الصحيحة الأحادية، فيكون ظنيًّا والاعتقاد به

من الاحتياط، وإنما ورد عن بعض الذين اشتهروا بالتفسير من السلف ورويت

عنهم فيه الموضوعات والأكاذيب حتى قال الإمام أحمد: إنَّه لا يصح في التفسير

شيء، وأقوى ما رُوي في ذلك ما رواه عبد الرزَّاق وغيره عن مجاهد وعكرمة

وقتادة.

وقد علمت أن المعترض قد سقط بشبهته سواء صح ذلك عن هؤلاء المفسرين

أم لم يصح.

{فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (الأعراف: 118-119) .

_________

ص: 457