المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: قضاء المريض والمسافر - أحكام القضاء في الصيام

[عواض العمري]

الفصل: ‌المبحث الأول: قضاء المريض والمسافر

‌الفصل الثاني: قضاء أصحاب الأعذار

‌المبحث الأول: قضاء المريض والمسافر

الفصل الثاني:

قضاء أصحاب الأعذار

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: قضاء المريض والمسافر

من كان مريضاً في شهر رمضان فخاف إن صام أن تلحقه مشقة بازدياد مرضه، أو طوله، فيسن له الفطر، ويجب عليه القضاء إذا بريء، لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . (1)

قال ابن قدامة: ويلزم المسافر والحائض والمريض القضاء إذا أفطروا، بغير خلاف، ثم ذكر الآية السابقة وقال: والتقدير: فأفطر (2) .

فإن صام أثناء مرضه أجزأه وبهذا قال الجمهور - الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6) .

(1) آية 184 من سورة البقرة.

(2)

المغني 3/135.

(3)

مختصر الطحاوي ص 55، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/350، والهداية مع البناية 3/350، 351، وبدائع الصنائع 2/94، وتبيين الحقائق 1/333.

(4)

الموطأ 1/302، والمنتقى 2/62، والقوانين الفقهية ص 119 والذخيرة 2/523، والجامع لأحكام القرآن 2/276.

(5)

المهذب 1/240، والمجموع 6/211، وروضة الطالبين 2/370، 373، ومغني المحتاج 1/437.

(6)

المغني 3/135، وكشاف القناع 2/361، والفروع 3/27 والمحرر 1/228، 229، وشرح منتهى الإرادات 1/443، والإنصاف 3/285، ودليل الطالب مع شرحه منار السبيل 1/222، ومطالب أولي النهى 2/181.

ص: 240

وقال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر، قياساً على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة.

قال طريف بن تمام العُطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل، فلما فرغ قال: إنه قد وجعت إصبعي هذه.

قال القرطبي: قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

قال البخاري: اعتللتُ بنيسابور علةً خفيفة وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله، فقلت نعم، فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. (1) .

وأما المسافر فإنه يجوز له الفطر أثناء سفره ويلزمه القضاء للأدلة المتقدمة في قضاء المريض، إلاّ أن الجمهور من الفقهاء - المالكية (2) ، والشافعية (3) والحنابلة (4)

يشترطون في جواز الفطر في السفر: أن يكون مباحاً، وأن تكون مسافته

(1) الجامع لأحكام القرآن 2/276، 277.

(2)

الإشراف 1/206، والقوانين الفقهية ص 119، والذخيرة 2/523، والجامع لأحكام القرآن 2/277.

(3)

المهذب 1/240، المجموع 6/214، وروضة الطالبين 2/370، 373، ومغني المحتاج 1/437.

(4)

المغني 3/99، 135، والإقناع مع شرحه كشاف القناع 1/596 و 2/363، والفروع 3/30، والمحرر 1/228، 229، وشرح منتهى الإرادات 1/443، والإنصاف 3/287، ودليل الطالب مع شرحه منار السبيل 1/221، ومطالب أولي النهى 2/182.

ص: 241

مسافة القصر أو أكثر، وأنه لا يجوز الفطر في رمضان في سفر معصية، ولا في سفر دون مسافة القصر. (1) وأما الحنفية فيجوز الفطر عندهم في رمضان بمطلق السفر وهو الخروج عن الوطن، سواء كان السفر سفر طاعة، أو مباح، أو معصية، والسفر المرخص للفطر مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً (2)

فإن صام المسافر أثناء سفره أجزأه صومه ولا قضاء عليه عند الجمهور (3) خلافاً لبعض الظاهرية (4)

(1) مسافة القصر ثمانية وأربعون ميلاً- أربعة بُرد، ستة عشر فرسخاً - عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) . وعند الحنفية: مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً. وعند قوم (الظاهرية) يجوز في كل سفر وإن قصر. ينظر: القوانين الفقهية ص 83، والجامع لأحكام القرآن 2/277 والمهذب 1/240، والمجموع 6/217، وكشاف القناع 1/594، 595.

والأصل في مقدار مسافة القصر حديث ابن عباس «يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة بُرد: من مكة إلى عسفان» رواه الدارقطني 1/387 كتاب الصلاة باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها صلاة، والبيهقي في السنن الكبرى 3/137 كتاب الصلاة باب السفر الذي لا تقصر في مثله الصلاة، والحديث إسناده ضعيف. والصحيح أنه من قول ابن عباس رضي الله عنهما. ينظر: مصنف ابن أبى شيبة 2/445 كتاب الصلاة باب في مسيرة كم يقصر الصلاة والتلخيص الحبير 2/46 رقم (608) . والميل في معجم لغة الفقهاء ص 451 (1848) متراً فتصبح المسافة 1848 × 48 = 88704 متراً، أو 88704 ÷ 1000 = 88. 704 كيلاً.

(2)

بدائع الصنائع 2/94، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/351، والهداية مع البناية 3/352، وتبيين الحقائق 1/333.

(3)

الأصل 2/208، والهداية مع البناية 3/352، والمدونة 1/201 والإشراف 1/206، والمجموع 6/217، وكشاف القناع 2/363 والفروع 3/30، وشرح منتهى الإرادات 1/443، ومنار السبيل 1/222 وتفسير القرآن العظيم 1/223.

(4)

المجموع 6/217، وكشاف القناع 2/363، والفروع 3/30 ونيل الأوطار 5/299.

ص: 242

وقد استدل الجمهور بما يأتي:

أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» (1) .

ثانياً: حديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه"(2) .

ثالثاً: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلاّ ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة» (3)

رابعاً: حديث أنس بن مالك: «كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» (4)

(1) رواه البخاري ومسلم، ينظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/179 كتاب الصوم باب الصوم في السفر والإفطار حديث (1943) ومسلم 2/789 كتاب الصيام باب التخيير في الصوم والفطر في السفر حديث (103 - 1121) .

(2)

رواه مسلم ينظر: صحيح مسلم 2/790 كتاب الصيام باب التخيير في الصوم والفطر في السفر حديث (107 - 1121 م) .

(3)

رواه البخاري ومسلم، ينظر صحيح البخاري مع الفتح 4/182 كتاب الصوم حديث (1945) ومسلم 2/790 كتاب الصيام باب التخيير في الصوم والفطر في السفر حديث (108 - 1122) .

(4)

رواه البخاري ومسلم، ينظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/186 كتاب الصوم باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار حديث (1947) ومسلم 2/787 كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية. . . . حديث (98 - 1118) .

ص: 243

واستدل من قال بعدم إجزاء الصوم في السفر من الظاهرية بما يأتي:

أولاً: قوله تعالى: ` {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . (1)

قالوا: ظاهره فعليه عدة، أو فالواجب عدة. (2)

والجواب عنه أن الجمهور تأولوه بأن التقدير فأفطر فعدة. (3)

ثانياً: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال:"ليس من البر الصوم في السفر"(4)

وجه الدلالة: أن مقابلة البر الإثم، وإذا كان آثماً بصومه لم يجزئه. (5)

وأجاب عنه الجمهور بأنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم. (6)

(1) آية 184 من سورة البقرة.

(2)

فتح الباري 4/183، ونيل الأوطار 5/300.

(3)

فتح الباري 4/183.

(4)

رواه البخاري ومسلم، ينظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/183 كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر «ليس من البر الصوم في السفر» حديث (1946) ومسلم 2/786 كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. . . حديث (92 – 1115) .

(5)

فتح الباري 4/183.

(6)

نيل الأوطار 5/300.

ص: 244

ثالثاً: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة"(1) .

وأجاب عنه الجمهور بأنه إنما نسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا. (2)

وهناك أدلة للفريقين في المسألة ذكرها النووي (3) ولم أذكرها هنا اختصاراً.

الراجح:

يظهر أن الراجح في المسألة ما ذهب إليه الجمهور من أن المسافر إذا صام في أثناء سفره أجزأه ذلك ولم يجب عليه إعادة الصوم.

قال النووي: وأما الأحاديث التي احتج بها المخالفون (4) فمحمولة على من يتضرر بالصوم، وفي بعضها التصريح بذلك، ولا بد من هذا التأويل ليجمع بين الأحاديث (5) والله تعالى أعلم.

(1) رواه مسلم، ينظر: صحيح مسلم 2/785 كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. . حديث (90 – 1114) .

(2)

نيل الأوطار 5/300.

(3)

المجموع 6/217، 218.

(4)

وهم أصحاب القول الثاني (بعض الظاهرية) .

(5)

المجموع 6/217، 218.

ص: 245