الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: قضاء النائم والمغمى عليه
أولاً: قضاء النائم.
الجمهور من الفقهاء - الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) - على أن من نوى الصيام من الليل ثم نام نهاره أجمع أن صومه صحيح.
لأن النوم عادة ولا يزول به الإحساس بالكلية، ولأنه متى نُبِّه انتبه.
وذهب أبو سعيد الاصطخري وأبو الطيب بن سلمة وحكاه البندنيجي عن ابن سريج - من الشافعية -: إلى أن من نام جميع النهار لم يصح صومه قياساً على المغمى عليه (5) ، وأجمعوا (6) على أنه لو استيقظ لحظة من النهار ونام باقيه صح صومه (7) .
(1) لم أقف- فيما اطلعت عليه- على نص للحنفية في حكم صيام النائم في نهار رمضان كله، والذي يقتضيه قياس مذهبهم أن صومه صحيح إذا نوى الصيام من الليل، لأنهم يقولون في المغمى عليه إذا نوى الصيام من الليل فأغمى عليه جميع النهار أن صومه صحيح، فالنائم من باب أولى، والله أعلم.
(2)
المدونة 1/208، والذخيرة 2/494.
(3)
المهذب 1/250، والمجموع 6/313، ومغني المحتاج 1/432، والحاوي الكبير 3/441.
(4)
الهداية 1/83، والمغني 3/99، وكشاف القناع 2/366، والفروع 3/26، وشرح منتهى الإرادات 1/446، ومنار السبيل 1/219 ومطالب أولي النهى 2/187.
(5)
وهذا خلاف المذهب، ينظر: المهذب 1/250، والمجموع 6/313 والحاوي الكبير 3/441.
(6)
أي الشافعية.
(7)
المجموع 6/313.
الراجح: أرى أن الراجح هو أن من نوى الصيام من الليل ثم نام جميع النهار أن صومه صحيح وهو ما ذهب إليه الجمهور من الفقهاء. والله تعالى أعلم.
ثانياً: قضاء المغمى عليه.
المغمى عليه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يغمى عليه جميع النهار فلم يفق في شيء منه، وكان قد نوى الصيام من الليل فصومه غير صحيح وعليه القضاء.
وعلى هذا جمهور الفقهاء: مالك (1) الشافعي (2) ، وأحمد (3) .
وقال أبو حنيفة (4) والثوري والأوزاعي (5)، والمزني من الشافعية (6) : صومه صحيح.
(1) المدونة1/207، والكافي 1/330، 340، والإشراف 1/205، وشرح الخرشي 2/248، والذخيرة 2/494.
(2)
المهذب 1/250، والمجموع 6/206، 313، 314، وروضة الطالبين 2/370، ومغني المحتاج 1/432، وحلية العلماء 3/205، 206، والحاوي الكبير 3/441، 442.
(3)
مختصر الخرقي ص50، والهداية 1/83، والمغني 3/98، وكشاف القناع 2/365، 366، والفروع3/25، والمحرر 1/228، وشرح منتهى الإرادات 1/446، والإنصاف 3/292، 293، ومنار السبيل 1/219 ومطالب أولي النهى 2/187.
(4)
مختصر الطحاوي ص 53، ومختصر اختلاف العلماء 2/16، 17، والأصل 2/203، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/366، والهداية مع البناية 3/371، وبدائع الصنائع 2/94، والمبسوط 3/70، وتبيين الحقائق 1/340.
(5)
مختصر اختلاف العلماء 2/16، 17.
(6)
المهذب 1/250، والمجموع 6/206، 313، وحلية العلماء 3/205 والحاوي الكبير 3/441.
الأدلة:
استدل الجمهور بما يأتي:
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عزوجل: إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» (1)
فوجه الدلالة: أن الله تعالى أضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه فلم يجزئه. (2)
ثانياً: أن الصوم هو الإمساك مع النية، والنية أحد ركني الصوم فلا تجزيء وحدها كالإمساك وحده. (3)
واستدل أبو حنيفة ومن معه بما يأتي:
أولاً: أن من أغمي عليه في رمضان لا يقضي اليوم الذي حدث فيه الإغماء لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية، ويقضي ما بعده لانعدام النية، إذ صوم كل يوم يستدعي نية على حدة. (4)
(1) رواه مسلم في صحيحه 2/807 كتاب الصيام باب فضل الصيام حديث (164 – 1151) والبخاري في صحيحه مع الفتح 4/103 كتاب الصوم باب فضل الصوم حديث (1894) ومالك في الموطأ 1/310 كتاب الصيام باب جامع الصيام حديث (58) ، والترمذي 3/471، 472 أبواب الصوم باب ما جاء في فضل الصوم حديث (761) ، والنسائي 4/162، 163 كتاب الصيام باب فضل الصيام، وابن ماجه 2/1256 كتاب الأدب باب فضل العمل حديث
(3823)
وأحمد 2/232.
(2)
المغني 3/98.
(3)
المغني 3/98، والمهذب 1/250، والإشراف 1/205.
(4)
بداية المبتدي وشرحها الهداية مع فتح القدير 2/366، والهداية مع البناية 3/371، 372، والمبسوط 3/70، وتبيين الحقائق 1/340.
ثانياً: قياس المغمي عليه على النائم في صحة صيامه. (1)
ويجاب عنه بالفرق بين النوم والإغماء، فالنوم جبلة وعادة تجري مجرى الصحة التي لا قوام للبدن إلاّ بها، والإغماء عارض مزيل لحكم الخطاب فلا يصح معه الصيام إذا اتصل واستدام. (2)
الراجح:
أرى أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن صيام المغمى عليه كل النهار غير صحيح وعليه القضاء، للأدلة التي استندوا إليها، ولأن المغمى عليه فاقد العقل (3) . والله تعالى أعلم.
الحالة الثانية: من أغمي عليه بعض النهار وأفاق في بعضه ففيه التفصيل الآتي:
عند المالكية: من أغمي عليه كل النهار أو اكثره فصومه غير صحيح، ومن أغمي عليه أقل النهار فصومه صحيح (4) .
وعند الحنابلة: من أفاق في جزء من النهار فصومه صحيح (5)
وعند الشافعية: للإمام الشافعي ثلاثة نصوص:
الأول: قال في كتاب الصوم من مختصر المزني: إذا أفاق في بعض نهاره
(1) ينظر المراجع المتقدمة في هامش (6) ص 253.
(2)
الحاوي الكبير 3/441، والإشراف 1/205.
(3)
المغني 3/98، والمدونة 1/208.
(4)
ينظر المراجع المتقدمة في هامش (1) ص 253.
(5)
ينظر المراجع المتقدمة في هامش (3) ص 253.
صح صومه. (1)
الثاني: قال في كتاب الظهار ومختصر البويطي: إذا أفاق في أول النهار صح صومه. (2)
الثالث: قال في اختلاف العراقيين (أبي حنيفة وابن أبي ليلى) : إذا حاضت أو أغمي عليها بطل صومها. ثم اختلفوا في توجيهها على ثلاثة طرق:
أحدها: إن أفاق في جزء من النهار صح صومه وإلاّ فلا، وسواء كان ذلك الجزء أول النهار أو غيره، وهذا نص الشافعي في باب الصيام.
وتأول هذا القائل النصين الآخرين، فتأول نصه في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى على أن بطلان الصوم عائد إلى الحيض خاصة لا إلى الإغماء، قالوا: وقد يفعل الشافعي مثل هذا. وتأول نصه في الظهار والبويطي على أنه ذكر الإفاقة في أوله للتمثيل بالجزء لا لاشتراط الأول.
والطريق الثاني: القطع بأنه إن أفاق في أوله صح وإلاّ فلا، وتأول نصه في الصوم على أن المراد بالجزء المبهم أوله، كما صرّح به في الظهار وتأول نص اختلاف أبي حنيفة على ما سبق.
والطريق الثالث: في المسألة أربعة أقوال، وهذا الطريق هو الأصح الأشهر، أصح الأقوال يشترط الإفاقة في جزء منه.
والثاني: في أوله خاصة.
والثالث: في طرفيه.
والرابع: في جمعيه كالنقاء من الحيض. (3)
(1) ينظر مختصر المزني مع الأم 8/153.
(2)
ينظر مختصر المزني مع الأم 8/310.
(3)
ينظر المراجع المتقدمة في هامش (2) ص 253.
قال النووي: فالأصح من هذا الخلاف كله إن كان مفيقاً في جزء من النهار أي جزء كان صح صومه وإلاّ فلا، وهذا القول هو الأصح عند محققي أصحابنا (1)
الراجح:
أرى أن الراجح هو أن المغمى عليه إذا أفاق في جزء من النهار أي جزء وكان قد نوى الصوم من الليل أن صومه صحيح، وهو ما ذهب إليه الشافعية في الأصح، والحنابلة. والله تعالى أعلم.
(1) المجموع 6/314.