المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قضاء من أكل أو شرب ناسيا لصومه - أحكام القضاء في الصيام

[عواض العمري]

الفصل: ‌قضاء من أكل أو شرب ناسيا لصومه

‌الفصل الأول: قضاء الناسي والتعتمد زمن أنزل بدون جماع

‌المبحث الأول: قضاء الناسي والمتعمد

‌قضاء من أكل أو شرب ناسياً لصومه

الفصل الأول:

قضاء الناسي والمتعمد ومن أنزل بدون جماع

والمجامع نسياناً أو عمداً

المبحث الأول: قضاء الناسي والمتعمد

وفيه مطلبان:

المطلب الأول:

قضاء من أكل أو شرب ناسياً لصومه

لا خلاف بين الفقهاء الثلاثة أبي حنيفة (1) والشافعي (2) ، وأحمد (3)، أن من أكل أو شرب ناسياً لصومه أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» (4)

(1) مختصر الطحاوي ص 54، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/327، والهداية مع البناية 3/300، والأصل 2/201.

(2)

المهذب 1/246، والمجموع 6/286.

(3)

المغني 3/116، والهداية 1/83،وكشاف القناع 2/377، 378.

(4)

رواه البخاري ومسلم ينظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/155 كتاب الصوم باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً حديث (1933) . وصحيح مسلم 2/809 كتاب الصيام باب أكل الناسي وشربه وجماعة لا يفطر حديث (171 – 1155) .

ص: 223

قال ابن دقيق العيد: فأمر بالإتمام، وسمي الذي يتم صوما. (1)

ورواه الدارقطني بلفظ: «إذا أكل الصائم ناسياً، أو شرب ناسياً، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه» ، وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات (2) .

وقال مالك (3) وربيعة (4) : إذا أكل أو شرب ناسياً يفسد صوم الفرض وعليه القضاء دون الكفارة.

واستدل مالك على إيجاب القضاء بأن المطلوب منه صيام يوم تام لا يقع فيه خَرْم لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (5)

وهذا لم يأت به على التمام فهو باقٍ عليه، ولعل الحديث (6) في صوم التطوع لخفّته، وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم:"من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه"(7) .

فلم يذكر قضاء ولا تعرض له، بل الذي تعرض له سقوط المؤاخذة

(1) فتح الباري 4/156.

(2)

سنن الدارقطني 2/178 كتاب الصيام باب تبييت النية من الليل حديث (27) .

(3)

الكافي1/341، والإشراف 1/202، والقوانين الفقهية ص120، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/322.

(4)

المجموع 6/286، وفتح الباري 4/155، والمغني 3/116.

(5)

آية 187 من سورة البقرة.

(6)

أي حديث أبي هريرة المتقدم.

(7)

تقدم تخريجه من حديث أبي هريرة ص 224. . . وهذا لفظ مسلم.

ص: 224

والأمر بمضيه على صومه وإتمامه (1) .

قال القرطبي: هذا ما احتج به علماؤنا وهو صحيح، لولا ما صح عن الشارع، وقد جاء بالنص الصريح الصحيح ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة".

رواه الدارقطني وقال: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري (2) .

فزال الاحتمال وارتفع الإشكال والحمد لله ذي الجلال والكمال (3) وقال الداودي: لعل مالكاً لم يبلغه الحديث، أو أوله على رفع الإثم (4) .

الراجح:

أرى أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور أن من أكل أو شرب ناسياً لصومه أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لحديث أبي هريرة المتقدم. والله تعالى أعلم.

(1) الجامع لأحكام القرآن 2/323.

(2)

سنن الدارقطني 2/178 كتاب الصيام باب تبييت النية من الليل حديث (28) .

(3)

الجامع لأحكام القرآن 2/323.

(4)

فتح الباري 4/155.

ص: 225

المطلب الثاني:

قضاء من أكل أو شرب أوقاء متعمداً

من أكل أو شرب عامداً فإنه يفطر بذلك بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) .

فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى غاية، وهي تبين الفجر، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل، لأن حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها. (2)

وأما السنة: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"(3)

وأما الإجماع: فأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب، وممن نقل الإجماع فيه ابن المنذر. (4)

ويجب على من أكل أو شرب عامداً القضاء لما يأتي:

أولا: قياس من أكل أو شرب متعمداً في نهار رمضان في وجوب القضاء عليه على الواطئ (5) . في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول النبي صلى الله

(1) آية 187 من سورة البقرة.

(2)

كشاف القناع 2/370، والمغني 3/103،ومطالب أولي النهى 2/191.

(3)

صحيح البخاري مع الفتح 4/103 كتاب الصوم باب فضل الصوم حديث (1894) ومسلم 2/806، 807 كتاب الصيام باب فضل الصيام حديث (163، 164-1151) .

(4)

المغني 3/103، والمجموع 6/271.

(5)

الأًصل 2/205، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/338،والإشراف 1/200، 201 وبدائع الصنائع 2/98.

ص: 226

عليه وسلم له: " صم يوماً مكانه "(1) .

ثانياً: أن المفطر وجب عليه الصوم بشهود الشهر، وقد انعدم الأداء عنه فيلزمه القضاء. (2)

ثالثاً: أن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والمسافر مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى (3) .

رابعاً: قال ابن قدامة: متى أفطر بشيء من ذلك - ومنها الأكل والشرب متعمداً - فعليه القضاء لا نعلم في ذلك خلافاً. (4)

(1) رواه أبو داود 2/786 كتاب الصوم باب كفارة من أتى أهله في رمضان حديث (2393) وابن ماجة 1/534 كتاب الصيام باب ما جاء في كفارة من أفطر يوماً من رمضان حديث (1671) والدارقطني 2/190 كتاب الصيام باب القبلة للصائم حديث (51) والبيهقي في السنن الكبرى 4/226، 227 كتاب الصيام باب رواية من روى الأمر بقضاء يوم مكانه. وقال الألباني في إرواء الغليل 4/93 رقم (940) صحيح بمجموع طرقه وشواهده.

(2)

البناية في شرح الهداية 3/326.

(3)

المهذب 1/247.

(4)

المغني 3/115. وينظر في وجوب القضاء على المفطر متعمداً بالأكل والشرب وغيرهما مختصر الطحاوي ص 54، ومختصر اختلاف العلماء 2/29، والهداية مع شرحها البناية 3/326، وبدائع الصنائع 2/90، والمبسوط 3/73، وتبيين الحقائق 1/327، والكافي 1/341، وشرح الخرشي 2/250، والقوانين الفقهية ص 117، والأم 2/105، والمجموع 6/271، 291، وحلية العلماء 3/198، والحاوي الكبير 3/434، 456، ومختصر الخرقي ص 50، والهداية 1/83، وكشاف القناع 2/370، والفروع 3/46، والمحرر 1/229، وشرح منتهى الإرادات 1/447، ومنار السبيل 1/225، ومطالب أولي النهى 2/191.

ص: 227

أما القيء فالجمهور من الفقهاء -أبو حنيفة (1) ومالك (2) والشافعي (3) وأحمد (4) -: أن من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه. والأصل في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض» (5) .

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء.

وقال: وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً. (6)

(1) مختصر الطحاوي ص 56، والأصل 2/192، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/333، 335، وبدائع الصنائع 2/92، والهداية مع البناية 3/317، 319 وفيها أن أبا حنيفة قال: إن استقاء عمداً ملء فيه فعليه القضاء.

وقال محمد: عليه القضاء، وإن كان أقل من ملء الفم.

وقال أبو يوسف: إن كان أقل من ملء الفم لا يفسد به الصوم.

(2)

الموطأ 1/340، والمدونة 1/200، والكافي 1/345، والذخيرة 2/507.

(3)

الأم 5/106، والمهذب 1/246، والمجموع 6/279، وحلية العلماء 3/195، والحاوي الكبير 3/419.

(4)

المغني 3/117، وكشاف القناع 2/371، والهداية 1/83، والفروع 3/49، والمحرر 1/229، والإنصاف 3/300 وقال: وهذا المذهب، سواء كان قليلاً أو كثيراً. وعن أحمد رواية أخرى: لا يفطر إلاّ بملء الفم.

(5)

مسند أحمد 2/498، وسنن أبي داود 2/776 كتاب الصوم باب الصائم يستقيء عمداً حديث (2380) وسنن الترمذي 3/409 أبواب الصيام باب ما جاء في من استقاء عمداً حديث (716) والدارمي 2/14 كتاب الصيام باب الرخصة في القيء للصائم. وقال عنه الألباني في إرواء الغليل 4/51 حديث (923) صحيح.

(6)

الإجماع ص 52، 53 رقم 124، 125.

ص: 228

وقال الخطابي: لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامداً أن عليه القضاء. (1)

وقال ابن قدامة: من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه فلا شيء عليه، هذا قول عامة أهل العلم. (2)

ومعنى استقاء: أي تسبب لخروجه قصداً. (3)

وذرعه القيء: أي سبقه وغلبه في الخروج. (4)

(1) معالم السنن مع سنن أبي داود 3/777.

(2)

المغني 3/117.

(3)

تحفة الأحوذي مع سنن الترمذي 3/409، والمغني 3/117.

(4)

النهاية في غريب الحديث 2/158.

ص: 229