الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: القضاء في التطوع
قال ابن رشد: أما حكم الإفطار في التطوع فإنهم أجمعوا على أنه ليس على من دخل في صيام تطوع فقطعه لعذر قضاء. (1)
واختلفوا إذا قطع الصائم المتطوع صيامه لغير عذر عامداً هل عليه قضاء أم لا؟ على قولين:
القول الأول: عليه القضاء. وبه قال أبو حنيفة (2) ، ومالك (3) ، والنخعي (4) ، وأبو ثور (5) .
القول الثاني: لا يجب عليه القضاء، إلاّ أن المستحب الإتمام لمن دخل فيه. وبه قال عمر (6) ، وعلي (7) ، وابن مسعود (8) ، وابن عمر (9) ، وابن عباس (10) ، وجابر
(1) بداية المجتهد 1/227.
(2)
الأصل 2/203، وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/360، والهداية مع البناية 3/364 وبدائع الصنائع 2/94، والمبسوط 3/68، 69 وتبيين الحقائق 1/337.
(3)
الموطأ 1/306، والمدونة 1/205، والمنتقى 2/68، والكافي 1/350، وشرح الخرشي 2/251، والإشراف 1/210، والذخيرة 2/528.
(4)
المغني 3/152.
(5)
المجموع 6/364
(6)
المجموع 6/364.
(7)
المجموع 6/364.
(8)
المجموع 6/364.
(9)
المجموع 6/364.
(10)
المجموع 6/364، ومعالم السنن مع سنن أبي داود 2/825.
ابن عبد الله (1) ، وسفيان الثوري (2) ، والشافعي (3) ، وأحمد (4) ، وإسحاق (5) .
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
أولاً: قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (6) .
فيجب حفظ المؤدى لكونه قربة، فإن التحرز عن إبطال العمل واجب، فإذا أفطر وجب قضاؤه تفادياً عن الإبطال.
(7)
وأجاب ابن عبد البر عن وجه الدلالة من الآية بقوله: الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله.
وقال آخرون: لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر. (8) .
ثانياً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصه وكانت ابنة أبيها فقالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين
(1) المجموع 6/364.
(2)
المجموع 6/364، والمغني 3/152، وسنن الترمذي 3/430.
(3)
الأم 2/112، والمهذب 1/254، والمجموع 6/363 - 366، وروضة الطالبين 2/386، ومغني المحتاج 1/448، وحلية العلماء 3/212، والحاوي الكبير 3/468.
(4)
هذا المذهب نص عليه، وعن أحمد يجب إتمام الصوم ويلزمه القضاء ينظر: مختصر الخرقي ص 51، والهداية 1/86، والمغني 3/151، وكشاف القناع 2/400، والمحرر 1/231، وشرح منتهى الإرادات 1/461، والإنصاف 3/352، ومطالب أولي النهى 2/222.
(5)
المغني 3/152، والمجموع 6/364، وسنن الترمذي 3/430، ومعالم السنن مع سنن أبي داود 2/825.
(6)
آية 33 من سورة محمد.
(7)
فتح القدير 2/361، والمبسوط 3/69.
(8)
فتح الباري 4/213.
فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، قال:"اقضيا يوماً آخر مكانه"(1) .
قال أبو عيسى: وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا.
وروى مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلاً ولم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح لأنه روي عن ابن جريج قال: سألت الزهري فقلت: أحدثك عروة عن عائشة؟ قال: لم أسمع من عروة في هذا شيئاً ولكن سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث (2) .
وقال النووي: وأما حديث عائشة وحفصة فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه ضعيف.
والثاني: أنه لو ثبت لحمل القضاء على الاستحباب ونحن نقول به (3) .
وقال الألباني: ضعيف (4) .
(1) رواه الترمذي 3/432 أبواب الصوم باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه حديث (731) والنسائي في السنن الكبرى 3/361، 362 كتاب الصيام باب ما يجب على الصائم المتطوع إذا أفطر حديث (3277، 3278) ، والبيهقي في السنن الكبرى 4/279 كتاب الصيام باب من رأى عليه القضاء، وأبو داود 2/826 كتاب الصوم باب من رأى عليه القضاء حديث (2457) .
(2)
سنن الترمذي 3/433.
(3)
المجموع 6/368.
(4)
ضعيف سنن الترمذي ص 85 أبواب الصوم باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه حديث (118-738) ، وضعيف سنن أبي داود ص 242 كتاب الصوم باب من رأى عليه القضاء حديث (531 - 2457) .
ثالثاً: القياس على الحج والعمرة النفلين حيث يجب قضاؤهما إذا أفسدا (1) .
والجواب أن سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع، ولا يجب قضاؤها إذا خرج منها إلاّ الحج والعمرة فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكد إحرامهما، ولا يخرج منهما بإفسادهما (2) .
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذاً صائم. ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً. فأكل". (3)
ورواه النسائي بلفظ آخر وفيه: "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها"(4)
ثانياً: حديث أم هانئ قالت: «كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه
(1) فتح القدير 2/363، والمنتقى 2/68.
(2)
المغني 3/153.
(3)
رواه مسلم 2/809 كتاب الصيام باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر حديث (170 – 1154) . وأبو داود 2/824 كتاب الصوم باب في الرخصة في ذلك حديث (2455) والترمذي 3/432 أبواب الصوم باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع حديث (730) ، وابن ماجة 1/543 كتاب الصيام باب ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم حديث (1701) والنسائي 4/195 كتاب الصيام باب النية في الصيام، والبيهقي في السنن الكبرى 4/274، 275 كتاب الصيام باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه.
(4)
سنن النسائي 4/193، 194 كتاب الصيام باب النية في الصيام.
وسلم فأُتي بشراب فشرب منه ثم ناولني فشربت منه فقلت: إني أذنبت فاستغفرلي، قال: وما ذاك؟ قالت: كنت صائمة فأفطرت، فقال: أمن قضاء كنت تقضينه؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك» (1) .
وفي لفظ عند أحمد: «الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر» (2) .
وعند النسائي: «المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فافطري» (3) .
ثالثاً: حديث أبي جحيفة قال: "آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأي أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال له: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُمِ الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط
(1) رواه الترمذي 3/428 أبواب الصوم باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع حديث (727) وقال: حديث أم هانئ في إسناده مقال. والنسائي في السنن الكبرى 3/366 كتاب الصيام باب الرخصة للصائم المتطوع أن يفطر حديث (3292) ، وأبو داود 2/825 كتاب الصوم باب في الرخصة في ذلك حديث (2456) ، وأحمد 6/342. وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/223 حديث (584- 734) صحيح.
(2)
مسند أحمد 6/341.
(3)
السنن الكبرى 3/365 كتاب الصيام باب الرخصة للصائم المتطوع أن يفطر حديث (3288) .
كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان" (1) .
قال ابن حجر: فيه جواز الفطر من صوم التطوع وهو قول الجمهور ولم يجعلوا عليه قضاء إلاّ أنه يستحب له ذلك. (2)
رابعاً: حديث أبي سعيد الخدري قال:"صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاكم أخوكم وتكلف لكم، ثم قال له: أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت". (3)
قال ابن حجر: إسناده حسن. (4)
خامساً: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بأحد النظرين، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت. (5)
قال النووي: رواه البيهقي بإسناد صحيح. (6)
سادساً: عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس رضي الله عنه لا يرى
(1) رواه البخاري في صحيحه مع الفتح 4/209 كتاب الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له حديث (1968) .
(2)
فتح الباري 4/212.
(3)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/279 كتاب الصيام باب التخيير في القضاء إن كان صومه تطوعاً.
(4)
فتح الباري 4/210.
(5)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/277 كتاب الصيام باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه.
(6)
المجموع 6/366.
بالإفطار في صيام التطوع بأساً. (1)
قال النووي: رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح. (2)
سابعاً: عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع باساً (3) .
قال النووي: رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح (4) .
الراجح:
أرى أن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني وهو أن الصائم المتطوع إذا قطع صيامه لغير عذر متعمداً لا يجب عليه القضاء إلاّ أن المستحب لهذا الصائم إتمام صيامه الذي دخل فيه، للأدلة الصحيحة الصريحة التي استدل بها أًصحاب هذا القول. والله تعالى أعلم.
(1) رواه الشافعي، ينظر: ترتيب مسند الإمام الشافعي 1/267 كتاب الصوم باب ما جاء في صوم التطوع رقم
(707)
. والسنن الكبرى للبيهقي 4/277 كتاب الصيام باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه.
(2)
المجموع 6/366.
(3)
رواه الدارقطني في سننه 2/175 كتاب الصيام باب تبييت النية من الليل وغيره رقم (15) ، والبيهقي في السنن الكبرى 4/277 كتاب الصيام باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه.
(4)
المجموع 6/366.