المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: قضاء الحامل والمرضع - أحكام القضاء في الصيام

[عواض العمري]

الفصل: ‌المبحث الثاني: قضاء الحامل والمرضع

‌المبحث الثاني: قضاء الحامل والمرضع

لا خلاف بين الجمهور من الفقهاء أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أن لهما الفطر وعليهما القضاء، ولا فدية عليهما، لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه.

قال ابن قدامة: لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافاً (1)

أما إذا خافتا على ولديهما فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:

القول الأول: تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما. وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير. (2)

القول الثاني: تفطران وتقضيان ولا فدية عليهما. وبه قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأبو ثور (3) وأبو حنيفة (4) . والمزني من الشافعية. (5)

(1) المغني 3/139، والإنصاف 3/290 وهذا هو المذهب، وفي رواية عن الإمام أحمد عليهما الإطعام، والمهذب 1/241، والمجموع 6/220، والحاوي الكبير 3/436، والمدونة 1/210، والكافي 1/340، ومختصر اختلاف العلماء 2/17، ومختصر الطحاوي ص 54.

(2)

المجموع 6/222، والمغني 3/140،والفروع 3/34، 35، وحلية العلماء 3/177.

(3)

المجموع 6/222، والمغني 3/139، والحاوي الكبير 3/437.

(4)

مختصر الطحاوي ص54،ومختصر اختلاف العلماء 2/17، والأصل 2/245 وبداية المبتدي مع فتح القدير 2/355 والهداية مع البناية 3/357، 358، وبدائع الصنائع 2/97، والمبسوط 3/99، وتبيين الحقائق 1/336.

(5)

حلية العلماء 3/176، والمهذب 1/241، والحاوي الكبير 3/437 وهذا القول أحد الأقوال الثلاثة عند الشافعية في الفدية.

ص: 246

القول الثالث: تفطران وتقضيان وتفديان. وبه قال أحمد (1) والشافعي (2) ومجاهد (3) .

القول الرابع: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي. وبه قال مالك (4) والليث (5) والشافعية في قول.

الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:

أولاً: قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (6)

فالآية تناولتهما وليس فيها إلاّ الإطعام. (7)

والجواب: أن الحامل والمرضع تطيقان القضاء فلزمهما كالحائض والنفساء (8) .

(1) مختصر الخرقي ص 51، والهداية 1/82، 83، والمغني3/139، وكشاف القناع 2/364، والفروع 3/34، والمحرر 1/228، وشرح منتهي الإرادات 1/444، والإنصاف 3/290، ومنار السبيل 1/222 ومطالب أولي النهي 2/183.

(2)

هذا القول هو المشهور من مذهب الشافعي. ينظر: الأم 2/113، والمهذب 1/241، والمجموع 6/222، وروضة الطالبين 2/383، ومغني المحتاج 1/440، وحلية العلماء 3/176، 177، والحاوي الكبير 3/436.

(3)

المجموع 6/222، ومعالم السنن 2/739، والحاوي الكبير 3/437.

(4)

الموطأ 1/308، والمدونة 1/210، والكافي 1/340، والإشراف 1/204، وشرح الخرشي 2/261، والقوانين الفقهية ص 120، والذخيرة 2/515، وذكر صاحب الإشراف أن في المرضع روايتين، فتكون المسألة على روايتين عن الإمام مالك: إحداهما كما سبق، والثانية: لا فدية على واحدة منهما.

(5)

المغني 3/139، ومختصر اختلاف العلماء 2/17.

(6)

آية 184 من سورة البقرة.

(7)

المغني 3/140.

(8)

المغني 3/140.

ص: 247

ثانياً: روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} .قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا.

قال أبو داود: يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا (1)

وقال الألباني: والثابت عن ابن عباس من طرق أن الرخصة للشيخ والمرأة إنما هي إذا كانا لا يطيقان الصيام، ولا يستطيعانه وأما إذا أطاقاه فالآية منسوخة إليهما (2) .

وروى أبو داود بسنده عن قتادة أن عكرمة حدثه أن ابن عباس قال: أُثبتت للحبلى والمرضع (3) .

واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:

أولاً: حديث أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام "(4) .

(1) سنن أبي داود: 2/738، 739 كتاب الصوم باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى حديث (2318) قال الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 231 رقم (503) شاذ.

(2)

إرواء الغليل 4/64.

(3)

سنن أبي داود 2/738 كتاب الصوم باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى حديث (2317) . قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/441 حديث (2032 – 2317) صحيح.

(4)

رواه أحمد 4/347، وابن ماجة 1/533 كتاب الصيام باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع حديث (1667) وأبو داود 2/796، 797 كتاب الصوم باب اختيار الفطر حديث (2408) والنسائي 4/180 كتاب الصيام باب ذكر وضع الصيام عن المسافر، والترمذي 3/401، 402 أبواب الصيام باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع حديث (711) وقال: حديث حسن. وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/279 حديث (1353 – 1667) حسن صحيح.

ص: 248

فاقتضى ظاهر هذا الخبر أن أحكام الصوم موضوعة من كفارة وقضاء إلاّ ما قام دليله من وجوب القضاء (1) .

والجواب أن الحديث لا حجة فيه - على ما استدل به عليه - لأن سقوط انحتام الصوم لا يُؤذن بسقوط الكفارة، ألا ترى الشيخ الهرم قد سقط عنه انحتام الصوم ولزمته الكفارة (2) .

والمراد بوضع الصوم في الحديث وضعه في مدة عذرهما. (3)

ثانياً: قال المزني: إذا كان الأكل عامداً لا كفارة عليه مع كونه آثماً عاصياً، فالحامل والمرضع اللذان لم يعصيا بالفطر ولم يأثما به أولى أن لا تجب عليهما الكفارة (4) .

والجواب عنه أن يقال: ليست الكفارات معتبرة بكثرة الآثام والمعصية، وإنما هي حكمة استأثر الله تعالى بعلمها، ألا ترى أن الردة في شهر رمضان أعظم من الوطء ثم لا كفارة فيها (5) .

واستدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:

(1) الحاوي الكبير 3/437.

(2)

الحاوي الكبير 3/437.

(3)

المغني 3/140.

(4)

الحاوي الكبير 3/437.

(5)

الحاوي الكبير 3/438.

ص: 249

أولاً: قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1) .

والحامل والمرضع ممن يطيق الصيام فهما داخلتان في عموم الآية فوجب بظاهرها أن تلزمهما الفدية (2) .

ثانياً: الأثر الوارد عن ابن عباس في هذه الآية: ((كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا)) .

قال أبو داود: يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. (3)

ثالثاً: أنه فطر بسبب نفس عاجزة عن طريق الخلقة فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم. (4)

أدلة أصحاب القول الرابع:

أما دليلهم على أن الحامل إذا خافت على حملها فلها أن تفطر ولا إطعام عليها فهو حديث أنس بن مالك الكعبي: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام»

(5)

.

فالحديث ينفي وجوب شيء لسبب ترتكبه، ولأنها مفطرة بعذر كالحائض، ولأن التكفير بالفطر إنما يجب على وجه الهتك، فإذا لم يكن هتك لم يجب (6) .

وأما المرضع إذا خافت على ولدها فلها أن تفطر وتقضي وتفدي لأن

(1) آية 184 من سورة البقرة.

(2)

المغني 3/140، والحاوي الكبير 3/437.

(3)

تقدم تخريجه ص 248 والكلام عليه.

(4)

المغني 3/140، والحاوي الكبير 3/437.

(5)

تقدم تخريجه ص 248.

(6)

الإشراف 1/204.

ص: 250

المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها بخلاف الحامل، ولأن الحمل متصل بالحامل فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها. (1)

والحامل مريضة والمرضع ليست بمريضة. (2)

الراجح:

أما الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء ولا كفارة عليهما، وهذا لا خلاف فيه بين جمهور الفقهاء كما سبق. وأما إذا خافتا على ولديهما فالذي يظهر لي رجحانه هو ما ذهب إليه الشافعي وأحمد من أنهما تفطران وتقضيان وتفديان، للأدلة التي استدلوا بها على ذلك. والله تعالى أعلم.

مقدار الفدية:

الفدية عند المالكية (3) والشافعية (4) مد (5) من الطعام لكل يوم من أيام رمضان. وعند الحنابلة (6) : مد من البر، أو نصف صاع من تمر أو شعير.

(1) المغني 3/139.

(2)

المدونة 1/210.

(3)

الكافي 1/340.

(4)

المهذب 1/241، وروضة الطالبين 2/380.

(5)

الصاع أربعة أمداد، والمد عند الجمهور = 543 غراماً، وعند الحنفية = 815. 39 غراماً ينظر معجم لغة الفقهاء ص 450.

وفي المقادير الشرعية والأحكام المترتبة عليها للكردي ص 227 المد = 508. 8 غراماً.

(6)

المغني 3/140.

ص: 251