الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اطلعت اطلاعة سريعة على هذه الرسالة التي كتبتموها (.....) ولا ريب أن التحقيق في مثل هذه المسائل التي تخفى فيها السنة على كثير من الناس أمر مهم ونافع لما فيه من إحياء السنة، ومعلوم أن السنة إذا خفيت كان إظهارها واجباً، وإن كانت في الأصل سنة لما في ذلك من حفظ الشريعة وإبلاغ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرسالة المذكورة أرجو أن لا يكون في نشرها بأس لكن عليها بعض التنبيهات.
فمنها: ما في آخر ص 14 من أن الاقتصار على إحدى عشرة ركعة ظناً أن هذا العدد أفضل من الزيادة عليه حيث يقع هذا من الأئمة الذين لا يعرفون رغبة من خلفهم على إحدى عشرة ركعة. قلتم: إن هذا ليس له دليل من الكتاب والسنة، بل فيه مخالفة صريحة لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم إن أطالوا فقد عصوا أبا القاسم، وإن خففوا فقد حرموا أنفسهم ومن يصلي خلفهم من التزود من العمل الذي أمر الله به ومدح المكثرين منه الذي يقضون معظم ليلهم بالقيام، والركوع، والسجود، وقراءة القرآن.
…
ثم قلتم في ص 15 إن هذا ليس من النصيحة في الدين، ولا بعد نصيحة لله، ولا لكتابه، ولا لعامة المسلمين. أهـ.
ولا يخفى عليكم أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" ثم فصلتها كما رواه البخاري وغيره. انظر الفتح 3/33 وصحيح مسلم 1/509 (1) .
ولا يخفى أن هذا العدد هو غاية الزيادة إلا ما صح من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة (2) . انظر صحيح مسلم 1/531 وفصل هذه الركعات ص 527 منه (3) ، وفصلها في البخاري أيضاً، انظر الفتح 2/477، ولعل الركعتين كما في الأوليين هما الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاة الليل كما في حديث زيد بن خالد الجهني (4) في صحيح مسلم 1/531 – 532.
ولا يخفى أنه ربما اقتصر على السبع والتسع كما في حديث عائشة في البخاري (5) انظر الفتح 3/20.
ولا يخفى أن العدد أحد عشرة هو المرجح عند كثير من أهل
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(2)
متفق عليه، وتقدم تخريجه ص187.
(3)
متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في الوضوء باب: قراءة القرآن بعد الحدث ح (183)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح182 (763) .
(4)
رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح195 (765) .
(5)
رواه البخاري في التهجد باب: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ح1139.
العلم، ومنهم شيخنا عبد العزيز ابن باز كما نقلتموه عنه ص 22 من الرسالة، وأن الزيادة على ذلك لا حرج فيها ولا كراهية.
…
ولا يخفى أن النقص عنه جائز أيضاً لورود السنة به، لكن زيادة العدد إلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة مع حسن العمل أولى لتميزه بالكثرة، اللهم إلا أن يكون على المكلف نوع من المشقة فيقتصر على ما دونه تيسيراً على نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اكلفوا من العمل ما تطيقون"(1) .
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاة الليل وهو إمام كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الصلاة حتى هم أن يقعد ويترك النبي صلى الله عليه وسلم (2) ، انظر الفتح 3/19، وصحيح مسلم 1/537 وكما في حديث حذيفة (3) حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة، والنساء، وآل عمران، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، انظر صحيح مسلم 1/536 – 537.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان بأصحابه ثلاث ليال وتأخر في الرابعة كما في صحيح البخاري (4) ، انظر الفتح 4/253 وصحيح مسلم 1/524.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الصوم باب 49: التنكيل لمن أكثر الوصال ح (1966) . ورواه مسلم في الصيام باب: النهي عن الوصال في الصوم ح58 (1103) .
(2)
رواه البخاري في التهجد باب: طول القيام في صلاة الليل ح (1135) ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح204 (773) .
(3)
رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160.
(4)
متفق عليه من حديث عائشة وتقدم تخريجه ص187.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه حين بقي سبع من شهر رمضان حتى ذهب ثلث الليل، وفي ليلة ثانية حتى ذهب شطر الليل، وفي ليلة ثالثة حتى تخوفوا الفلاح – أي السحور – أخرجه أحمد وأهل السنن، ورجاله عند أهل السنن رجال الصحيح، كما في نيل الأوطار (صلاة التراويح)(1) .
ولا يخفى التطويل بالجماعة في ذلك، وهكذا كان عمل السلف من الصحابة والتابعين كما في موطأ الإمام مالك (2) ، انظر شرح الزرقاني 1/238 – 240.
والفرق بين هذا وبين حديث معاذ – رضي الله عنه – في نهي النبي صلى الله عليه وسلم له عن التطويل (والمراد التطويل الزائد عما جاءت به السنة) أن هذا في النفل الذي يجوز للناس التخلف عنه والخروج منه، وحديث معاذ في الفرض الذي لا يجوز لهم التخلف عنه ولا الخروج منه إلا بعذر شرعي فهم ملزمون به قصداً وإتماماً.
وأظنكم بعد هذا ستعيدون النظر فيما كتبتم حول هذا الموضوع.
ومن الأمور التي ينبه عليها قولكم ص (16) إن شفع المأموم صلاته خلف إمام يصلي الوتر مخالفة منهي عنها، والمتابعة مأمور بها في السنة المطهرة إلخ.
ولا ريب أن المخالفة للإمام منهي عنها، والمتابعة مأمور بها ولكن المخالفة والمتابعة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فإذا كبر
(1) رواه أحمد 5/159 (21411) ، ونيل الأوطار 3/50.
(2)
راجع الموطأ باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 ح280 و282 و283.
فكبروا" (1) إلخ، وفي تحذيره من مسابقة الإمام.
فأما إتمام المأموم صلاته فليس بمخالفة سواه كان مسبوقاً أم لا؛ لأن الإمام أتم صلاته بالسلام فانفصل المأموم منه، ولهذا كان أهل مكة عام الفتح يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فيتمون الصلاة بعد سلام النبي صلى الله عليه وسلم (2) ونص على جواز ذلك أهل العلم، ونص الإمام أحمد على جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، ومعلوم أن المأموم في هذه الحال سيقوم بعد سلام الإمام لإتمام صلاة العشاء.
وعلى هذا فإذا نوى المأموم المصلي خلف إمام يوتر صلاة نفل غير الوتر، كانت صلاته ركعتين، فيتمها بعد سلام إمامه من وتره كالمقيم خلف المسافر، ومصلي العشاء خلف مصلى التراويح.
وفي المغني 2/164 في الكلام على الوتر: فإن صلى مع الإمام وأحب متابعته في الوتر، وأحب أن يوتر آخر الليل فإنه إذا سلم الإمام لم يسلم معه وقام فصلى ركعة أخرى يشفع بها صلاته مع الإمام، نص عليه، ثم قال عن الإمام أحمد: يشفع مع الإمام بركعة أحب إليّ أهـ. وبهذا يحصل للمأموم القيام مع الإمام حتى ينصرف مع جعل آخر صلاته بالليل وتراً.
ومنها أنكم في ص (45) وهمتم من قال: إن الإحدى عشرة ركعة هو العدد الذي جاءت به السنة واتبعه على ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهو خير الهدي، وأكمله، وأتمه،
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص126.
(2)
رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص125.
وأحسنه، وقلتم: لا دليل هنا لمن فضل الإحدى عشرة على غيرها.
ومعلوم أن المقصود بتفضيل الإحدى عشرة يعني على غيرها من الأعداد الأخرى التي عليها الناس اليوم.
أما كونها أفضل من الأعداد الأخرى التي جاءت بها السنة فقد يقال به أيضاً لأنه أكثر عملاً، وقد وردت به السنة، ويحمل ما ورد دونه على حال تقتضيه إما ضعف أو نحوه كما في صحيح مسلم 1/513 – 514 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي تسع ركعات، فلما أسن وأخذه الحم أوتر بسبع (1) .
وقد يقال إن هذا من تنوع العبادات، والأفضل على القول الراجح في العبادات المتنوعة أن يأتي بكل نوع منها، هذا ارة، وهذا تارة ليأتي بجميع أنواع السنة.
ولكن قد ترجح الإحدى عشرة في التراويح حتى لا يحصل الاضطراب والبلبلة عند العامة، ويرجحها أيضاً أمر عمر – رضي الله عنه – أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بها في الناس (2) .
وقد سبق ما نقلتم عن الشيخ عبد العزيز ابن باز ص (22) أن الأفضل في ذلك كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله. وهذا مرجح رابع.
ومنها قولكم ص (46) : ومن فضل الإحدى عشرة على غيرها فقد أخذ بسنة ورد سنن (كذا) أخرى بلا دليل.
…
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح139 (746) .
(2)
رواه مالك وتقدم ص188.
ومن المعلوم أن هذا ليس بلازم بل إن التفضيل بين شيئين يدل على جوازهما مع رجحان أحدهما على الآخر، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، كما هو معروف عند أهل العلم.
ومنها قولكم ص (47) : وليس من أوصاف حسنة (كذا) كونه قليلاً.
ومن المعلوم أن القليل إذا كان أتبع للسنة كان أحسن من الكثير، سواء كان ذلك في الكم، أو في الكيف. ألم تر أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم وفطر يوم كما في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص الثابتة في صحيح البخاري وغيره (1) .
ثم ألم تر أن تخفيف ركعتي الفجر أفضل من إطالتهما، مع أن صوم يومين وفطر يوم، وتطويل الركعتين أكثر عملاً.
وبهذا علم أن القلة من حسن العمل إذا كانت أوفق للسنة.
ومن المعلوم أن الإحدى عشرة ركعة في التراويح أوفق للسنة مما زاد عليها كما يشعر بذلك جواب عائشة – رضي الله عنها – لمن سألها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان (2) ؟ وعلى ذلك تكون أحسن لاسيما أن كثيراً من الذين يصلون التراويح ثلاثاً وعشرين ركعة يأتون بها بسرعة تكاد تكون مخلة بالطمأنينة التي لا تصح الصلاة بدونها.
…
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الصوم باب: حق الجسم في الصوم ح (1975)، ومسلم في الصيام باب: النهي عن صوم الدهر ح181 (1159) .
(2)
متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
أما إذا اجتمعت الكثرة والموافقة للسنة فالكثير أولى وهذا لا ريب فيه.
ومنها أنكم قلتم في ص (48) : إنه يشرع في الإيتار بخمس، أو سبع، أو تسع أن تصلي مثنى مثنى، بل إن صلاتها مثنى مثنى أفضل من سردها، ثم استدللتم بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الليل مثنى مثنى"(1) .
ومن المعلوم أن الأحاديث الواردة في الإيتار بهذا العدد ليس فيها حديث واحد يدل على تفريق عددها مثنى مثنى، بل تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد سردها، والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"(2) . رواه البخاري، انظر الفتح 3/20.
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوترأيقظني فأوتر. رواه البخاري، انظر الفتح 2/487، ورواه مسلم 1/51 بلفظ: كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، وتقدم تخريجه ص115.
(2)
متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
فأوترت (1) . وروى 1/508 عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها (2) . وروى 1/513 عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعناً (3) .
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه وهو رواية عن أحمد ذكرها في الإنصاف والفروع قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي فتح الباري 3/27:"ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه". أهـ.
(1) رواه البخاري في الوتر، باب: إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر ح (997)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل ح135 (744) .
(2)
في الموضع السابق ح139 (737) .
(3)
في الموضع السابق ح139 (746) .