الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر: في المعية
أثبت الله لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه مع خلقه.
فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّنِي مَعَكُمَا} .
ومن أدلة السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» . وقوله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر وهما في الغار: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ".
وقد أجمع على ذلك سلف الأمة، وأئمتها.
والمعية في اللغة: مطلق المقارنة والمصاحبة لكن مقتضاها ولازمها يختلف باختلاف الإضافة وقرائن السياق والأحوال:
فتارة تقتضي اختلاطا، كما يقال: جعلت الماء مع اللبن.
وتارة تقتضي تهديدا وإنذارا، كما يقول المؤدب للجاني: اذهب فأنا معك.
وتارة تقتضي نصرا وتأييدا، كمن يقول لمن يستغيث به: أنا معك، أنا معك إلى غير ذلك من اللوازم والمقتضيات المختلفة باختلاف الإضافة والقرائن والأحوال، ومثل هذا اللفظ الذي يتفق في أصل معناه ويختلف مقتضاه وحكمه باختلاف الإضافات والقرائن يسميه بعض الناس مشككا
لتشكيك المستمع هل هو من قبيل المشترك الذي اتحد لفظه واختلف معناه نظرا لاختلاف مقتضاه وحكمه؟ أو هو من قبيل المتواطئ الذي اتحد لفظه ومعناه نظرا لأصل المعنى؟
والتحقيق أنه نوع من المتواطئ، لأن واضع اللغة وضع هذا اللفظ بإزاء القدر المشترك، واختلاف حكمه ومقتضاه إنما هو بحسب الإضافات والقرائن لا بأصل الوضع، لكن لما كانت نوعا خاصا من المتواطأة؟ فلا بأس بتخصيصها بلفظ، إذا تبين ذلك فقد اتضح أن لفظ المعية المضاف إلى الله مستعمل في حقيقته لا في مجازه، غير أن معية الله لخلقه معية تليق به، فليست كمعية المخلوق للمخلوق بل هي أعلى، وأكمل، ولا يلحقها من اللوازم والخصائص ما يلحق معية المخلوق للمخلوق.
هذا وقد فسر بعض السلف معية الله لخلقه: بعلمه بهم، وهذا تفسير للمعية ببعض لوازمها، وغرضهم به الرد على حلولية الجهمية الذين قالوا: إن الله بذاته في كل مكان واستدلوا بنصوص المعية، فبين هؤلاء السلف أنه لا يراد من المعية كون الله معنا بذاته، فإن هذا محال عقلا، وشرعا، لأنه ينافي ما وجب من علوه ويقتضي أن تحيط به مخلوقاته وهو محال.
أقسام معية الله لخلقه:
تنقسم معية الله لخلقه إلى قسمين: عامة، وخاصة:
فالعامة هي التي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن، وكافر، وبر، وفاجر في العلم، والقدرة، والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني الربوبية.
وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله عز وجل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» .
ومن أمثلة هذا القسم قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} .
وأما الخاصة فهي التي تقتضي النصر والتأييد لمن أضيفت له وهي مختصة بمن يستحق ذلك من الرسل واتباعهم.
وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمال الثبات والقوة.
ومن أمثلتها قوله تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وقوله عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} .
فإن قيل: هل المعية من صفات الله الذاتية أو من صفاته الفعلية؟
فالجواب: أن المعية العامة من الصفات الذاتية، لأن مقتضياتها ثابتة لله تعالى أزلا وأبدا، وأما المعية الخاصة فهي من الصفات الفعلية، لأن مقتضياتها تابعة لأسبابها توجد بوجودها وتنتفي بانتفائها.