الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرابعة
توهم بعض الناس في نصوص الصفات والمحاذير المترتبة على ذلك
اعلم أن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات التي دلت عليها النصوص، أو كثير منها، أو أكثرها، أو كلها، أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الوهم الذي توهمه فيقع في أربعة محاذير:
الأول: أنه فهم من النصوص صفات تماثل صفات المخلوقين، وظن أن ذلك هو مدلول النص، وهذا فهم خاطئ، فإن الصفة التي دلت عليها النصوص تناسب موصوفها وتليق به.
وتمثيل الخالق بالمخلوق كفر، وضلال، لأنه تكذيب لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . ولا يمكن أن يكون ظاهر النصوص الكفر والضلال لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} . وقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} .
الثاني: أنه جنى على النصوص حيث نفى ما تدل عليه من المعاني الإلهية، ثم أثبت لها معاني من عنده، لا يدل عليها ظاهر اللفظ، فكان جانيا على النصوص من وجهين.
الثالث: أنه نفى ما دلت عليه النصوص من الصفات بغير علم فيكون بذلك قائلا على الله ما لا يعلم، وهذا محرم بالنص، والإجماع قال
الرابع: أنه إذا نفى عن الله عز وجل ما تقتضيه النصوص من صفات الكمال لزم أن يكون الله سبحانه متصفا بنقيضها من صفات النقص، وذلك لأنه ما من موجود إلا وهو متصف بصفة، ولا يمكن وجود ذات مجردة عن الصفات، فإذا انتفت صفة الكمال عنها، لزم اتصافها بصفات النقص.
وحينئذ يكون من نفى عن الله تعالى ما تقتضيه النصوص من صفات الكمال، متعديا في حق الله تعالى، حيث جمع بين نفي صفات الكمال عنه، وتمثيله بالمنقوصات والمعدومات، بل قد يرتقي به الغلو في النفي إلى تمثيله بالممتنعات المستحيلات.
ويكون أيضا جانيا على النصوص حيث عطلها عما دلت عليه من صفات الكمال لله تعالى، وأثبت لها معاني من عنده لا يدل عليها ظاهرها فيجمع بين النفي، والتمثيل في صفات الله، وبين التحريف، والتعطيل في نصوص الكتاب والسنة، ويكون ملحدا في أسماء الله وآياته وقد قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
مثال ذلك: أن الله تعالى أخبر عن نفسه أنه استوى على العرش
فيتوهم واهم أنه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، وأنه محتاج إلى العرش كحاجة الإنسان للأنعام والفلك، فلو عثرت الدابة لخر المستوي عليها، ولو انخرقت السفينة لغرق المستوي عليها، فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب على قياسه الفاسد، فينفي بذلك حقيقة الاستواء، ومنشأ هذا الوهم الذي توهمه في استواء الله على عرشه ظنه أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك وهذا ظن فاسد؛ لأن الله تعالى أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، لم يذكر استواء مطلقا يصلح للمخلوق، ولا عاما يتناول المخلوق، فتعين أن يكون استواء خاصا يليق به كسائر صفاته وأفعاله لا يماثل استواء المخلوقين، كما أن الله نفسه لا يماثل المخلوقين.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} هل يتوهم أحد أن بناءه إياها كبناء المخلوق سقف البيت بحيث يحتاج إلى زنبيل، ومجارف وضرب لبن، وجبل طين ونحو ذلك، فإذا كان لا يحتاج إلى ذلك في هذا الفعل من أفعاله، لزم أن لا يكون محتاجا إلى العرش في استوائه عليه بل هو سبحانه الغني عن العرش وغيره.
فتجد هذا الذي نفى حقيقة الاستواء الذي هو ظاهر النصوص وقع في تلك المحاذير الأربعة:
1 -
فقد مثل ما فهمه من استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين.
2 -
وعطل النصوص عما دلت عليه من صفة الاستواء اللائق بالله، ثم حرفها إلى معان لا تدل عليها.
3 -
وكان نفيه لذلك وتعطيله بلا علم، بل عن جهل، وظن فاسد.
4 -
ولزم من نفيه لصفة الكمال التي تضمنها الاستواء ثبوت صفة نقص بفوات هذا الكمال.
مثال آخر: قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} . فيتوهم واهم أن الله تعالى داخل السماء، وأن السماء تحيط به كما لو قلنا: فلان في الحجرة فإن الحجرة محيطة به، فينفي بناء على هذا الوهم كون الله تعالى في السماء ويقول: إن الذي في السماء ملكه وسلطانه ونحو ذلك.
ومنشأ هذا الوهم ظنه أن (في) التي للظرفية تكون بمعنى واحد في جميع مواردها، وهذا ظن فاسد، فإن (في) يختلف معناها بحسب متعلقها فإنه يفرق بين كون الشيء في المكان، وكون العرض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق المكتوب فيه، فلو قيل: هل العرش في السماء أو في الأرض؟ لقيل: في السماء مع أن العرش أكبر من السماء كثيرا.
وعلى هذا فيخرج قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} على أحد وجهين:
إما أن تكون السماء بمعنى العلو، فإن السماء يراد بها العلو كما في قوله تعالى: وأنزل لكم من السماء ماء. والمطر ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض لا من السماء نفسها، فيكون معنى كونه تعالى في السماء أنه في العلو المطلق فوق جميع المخلوقات، وليس هناك ظرف وجودي يحيط به إذ ليس فوق العالم شيء سوى الله تعالى.
وإما أن تكون (في) بمعنى (على) كما جاءت بمعناها في مثل قوله
تعالى: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي على الأرض وقوله عن فرعون: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي على جذوع النخل وعلى هذا فيكون معنى قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي على السماء أي فوقها والله تعالى فوق السماوات وفوق كل شيء.
فتجد هذا الذي نفى أن يكون الله في السماء حقيقة وقع في المحاذير الأربعة:
1-
فقد مثل ما فهمه من كون الله تعالى في السماء بكون المخلوق في الحجرة ونحو ذلك.
2-
وعطل النصوص عما دلت عليه من علو الله تعالى في السماء، ثم حرفها إلى معان لا تدل عليها.
3-
وكان نفيه وتعطيله بلا علم، بل عن جهل، وظن فاسد.
4-
ولزم من نفيه لصفة الكمال التي تضمنها كونه في السماء ثبوت صفة النقص، لأن نفيه لصفة العلو يستلزم أحد أمرين ولا بد:
فإمّا أن يكون الله تعالى في كل مكان بذاته والقول بهذا في غاية الضلال والكفر، لأنه يستلزم إما تعدد الخالق، وإما تبعضه، ويستلزم كذلك أن يكون في محلات القذر والأذى التي يتنزه عنها كل ذي مروءة، فضلا عن الخالق.
وإما أن يكون الله تعالى لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق، ولا تحت ولا متصلا، ولا منفصلا، ولا مباينا، ولا محايثا ونحو ذلك من العبارات المتضمنة للتعطيل المحض، وحقيقة هذا نفي وجود الخالق جل وعلا.